• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للرازي شخصيتان: عقلاني منطقي ومتعصب مُلَبِّس !

ألَّف الفخر الرازي في الفلسفة والمنطق وأصول الفقه وانتشرت كتبه، وأشهرها شرح الإشارات لابن سينا، فهو من كبار شراحه، ويعبر عنه نصير الدين الطوسي(قدس سره) بالشارح الفاضل .
أما كتابه في التفسير فقد بالغ فجعل إسمه (مفاتيح الغيب) ! وقيل إنه أخذ الكثير من مطالبه من تفسير روح الجنان الفارسي، لأبي الفتوح الرازي حسين بن علي الخزاعي الذي عاش قبله بقليل (عوالي اللئالي:4/154، ومعالم العلماء/15).
وله كتاب مناقب الشافعي، قال فيه:« فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع كنسبة أرسطاطاليس إلى علم العقل» (مقدمة الرسالة للشافعي )
وله كتاب عصمة الأنبياء(عليهم السلام) أخذ الكثير فيه من كتاب تنزيه الأنبياء(عليهم السلام) للشريف المرتضى (قدس سره) الذي عاش قبله بأكثر من قرن، بل إن كتاب عصمة الأنبياء(عليهم السلام) للرازي، هو تنزيه الأنبياء(عليهم السلام) للشريف المرتضى، مصوغاً بقلم سني !
لكن الأهم من إخفاء الرازي استفادته الواسعة من بعض المؤلفات، تعصبه ضد أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم، وقد راجعت ما قاله في تفسيره في جده أبي بكر، فوجدته استعمل مهارته العقلية وتَفَنَّنَ وتَمَحَّل، لإثبات فضائل مكذوبة له !
فقد اعتمد أحاديث شهد نقاد الحديث السنيون بأنها موضوعة في فضائل أبي بكر، وأغمض عينيه عن شهادتهم بأنها مكذوبة على رسول الله(ص) !
لهذا لم نظلمه بحكمنا عليه بأن له وجهاً آخر، هو وجه الإحتيال لأن قلمه يشهد عليه بذلك، ولأنه هو اعترف به ! «وعظ مرة عند السلطان شهاب الدين فقال: يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى ! وأن مردنا إلى الله، فأبكى السلطان » !(تاريخ الذهبي:43/219):
فقد اعترف بأن آراءه تضمنت تلبيسات باطلة، ستفنى كما يفنى حكم الخوارزمية الزائل! وهذا إقرارٌ بأنه استعمل مهارته العقلية أحياناً لرد الحق ونصرة الباطل، بعيداً عن العقلانية والمنطقية !
ونورد فيما يلي نماذج من تلبيساته في التعصب لجده أبي بكر!
1- إيمان أبي بكر أقوى من إيمان أهل الأرض !
اخترع الرازي مناسبة في تفسير قوله تعالى(15/118): وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا، ليقول إن إيمان جده أقوى من إيمان أهل الأرض بمن فيهم الأنبياء ! قال: « وإليه الإشارة بقوله(ع) :لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم ! يريد أن معرفته بالله أقوى ».
فقد لبَّس على الناس ونسب هذا الحديث الى النبي(ص) على نحو الجزم !
بينما هو قولٌ لعمر بن الخطاب، ثم فسره بأن إيمانه أقوى من إيمان كل أهل الأرض، ومعناه: حتى النبي(ص) !
وقد ضعفه ابن عدي (الضعفاء:4/201) والدار قطني (العلل:2/223) لكن الذهبي حاول تخفيفه بدون دليل فقال: « مراد عمر أهل أرض زمانه » !
2- استدلاله على ما سماه إمامة أبي بكر
وقال في (1/260): «قوله: إهدنا الصراط المستقيم.يدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا أن تقدير الآية: إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم الله عليهم من هم فقال:فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ..الآية.ولا شك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر الصديق، فكان معنى الآية أن الله أمرنا أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر الصديق وسائر الصديقين، ولو كان أبو بكر ظالماً لما جاز الإقتداء به، فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر ».
أقول: ما سماه إمامة أبي بكر مصادرة على المطلوب لو ارتكبها غيره لشنع الرازي عليه ! فمن أين يثبت أن أبا بكر صدِيق وإمام بنص النبي(ص) ، وقد بيناَّ في محله أنه هو سمى نفسه الصدِّيق أو سماه به أتباعه !
ثم إن طلب الهداية الى صراط المنعم عليهم لا يعني الإئتمام بالصديقين منهم، مع وجود الرسل والأنبياء(عليهم السلام) !
3- تَلْبِيسَةٌ رَازِيَّةٌ لجعل ولاية الله تعالى لمن عبد الأصنام
قال الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .(البقرة:124)
وقال الرازي في تفسيرها (4/45): «الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر من ثلاثة أوجه . الأول: أن أبا بكر وعمر كانا كافرين، فقد كانا حال كفرهما ظالمين، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شئ من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة الثاني: أن من كان مذنباً في الباطن كان من الظالمين، فإذن ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهراً وباطناً، وجب أن لا يحكم بإمامتهما وذلك إنما يثبت في حق من تثبت عصمته، ولما لم يكونا معصومين بالإتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة .الثالث: قالوا: كانا مشركين، وكل مشرك ظالم والظالم لا يناله عهد الإمامة، فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة .أما أنهما كانا مشركين فبالاتفاق، وأما أن المشرك ظالم فلقوله تعالى: إن الشرك لظلم عظيم .
وأما أن الظالم لا يناله عهد الإمامة فلهذه الآية، لا يقال إنهما كانا ظالمين حال كفرهما، فبعد زوال الكفر لا يبقى هذا الاسم لأنا نقول الظالم من وجد منه الظلم، وقولنا: وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال بدليل أن هذا المفهوم يمكن تقسيمه إلى هذين القسمين ومورد التقسيم بالتقسيم بالقسمين مشترك بين القسمين، وما كان مشتركاً بين القسمين لا يلزم انتفاؤه لانتفاء أحد القسمين، فلا يلزم من نفي كونه ظالماً في الحال نفي كونه ظالماً .والذي يدل عليه نظراً إلى الدلائل الشرعية أن النائم يسمى مؤمناً، والإيمان هو التصديق والتصديق غير حاصل حال كونه نائماً، فدل على أنه يسمى مؤمناً لأن الإيمان كان حاصلاً قبل .
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون ظالماً لظلم وجد من قبل، وأيضاً فالكلام عبارة عن حروف متوالية، والمشي عبارة عن حصولات متوالية في أحياز متعاقبة، فمجموع تلك الأشياء البتة لا وجود لها، فلو كان حصول المشتق منه شرطاً في كون الإسم المشتق حقيقة، وجب أن يكون اسم المتكلم والماشي وأمثالهما حقيقة في شئ أصلاً، وإنه باطل قطعاً. فدل هذا على أن حصول المشتق منه ليس شرطاً لكون الإسم المشتق حقيقة .
والجواب: كل ما ذكرتموه معارض، بما أنه لو حلف لايسلم على كافر فسلم على إنسان مؤمن في الحال إلا أنه كان كافراً قبل بسنين متطاولة، فإنه لا يحنث، فدل على ما قلناه . ولأن التائب عن الكفر لا يسمى كافراً والتائب عن المعصية لا يسمى عاصياً، فكذا القول في نظائره، ألا ترى إلى قوله: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، فإنه نهيٌ عن الركون إليهم حال إقامتهم على الظلم، وقوله: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، معناه: ما أقاموا على الإحسان. على أنا بينا أن المراد من الإمامة في هذه الآية: النبوة، فمن كفر بالله طرفة عين فإنه لا يصلح للنبوة ».
أقول: معنى كلامه أن المشتق حقيقة في المتلبس بالصفة فعلاً، فصفة الظالم لا تصدق على الظالم سابقاً لأنه ليس ظالماً فعلاً، والآية إنما تنفي شمول عهد الله للظالم الفعلي، أما الظالم سابقاً فيناله العهد ويكون إماماً للناس كأبي بكر وعمر اللذين كانا أكثر عمرهما عابدي صنم !
وهو كلام مردود، لأن الآية نفت شمول العهد الإلهي لمطلق الظالم، سواء كان ظالماً حدوثاً وبقاءً، أو حدوثاً فقط ! وقد اعترف الرازي في آخر كلامه بأن مقصود الآية التلبس بالظلم ولو حدوثاً وأن الذي كفر بالله طرفة عين لايصلح لعهد النبوة، فهو بطريق أولى لايصلح للإمامة، التي أعطاها الله تعالى لإبراهيم(ع) بعد النبوة والرسالة ! وهذا ما قاله أهل البيت(عليهم السلام) ، قال الإمام الصادق(ع) : «وقد كان إبراهيم(ع) نبياً وليس بإمام حتى قال الله: جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً، قال: ومن ذريتي؟ فقال الله: قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً ».(الكافي:1/175).
وفي/199، عن الإمام الرضا(ع) قال: « فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ .وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ.فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها الله تعالى النبي(ص) فقال جل وتعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِي الْمُؤْمِنِينَ . فكانت له خاصة فقلدها(ص) علياً (ع) بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: َقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالآيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ. فهي في وُلْد علي(ع) خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد(ص) ، فمن أين يختار هؤلاء الجهال !» .
4- تلبيسةٌ رازيَّة أخرى لإثبات إمامة جده أبي بكر !
في تفسير قوله تعالى:وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ.
ابتكر الرازي في تفسيره(10/172) مقدمات من (عقلياته) واستنتج منها أن أبا بكر كان قدوة الأمة في حياة النبي (ص) ، فهو قدوتها بعده، قال:
« كان أسبق الناس إسلاماً، وثبت أن إسلامه صار سبباً لاقتداء أفاضل الصحابة في ذلك الإسلام، فثبت أن أحق الأمة بهذه الصفة أبو بكر...هذا الذي ذكرناه يقتضي أنه كان أفضل الخلق بعد الرسول » !
ثم زعم أن أبا بكر جاهد، فسبَّبَ جهاده أن يدخل أكابر الصحابة في الإسلام مثل عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون وعلي(ع) !
ثم قال: « وعليٌّ جاهد علي يوم أحد ويوم الأحزاب في قتل الكفار، ولكن جهاد أبي بكر أفضى إلى حصول الإسلام لمثل الذين هم أعيان الصحابة، وجهاد على أفضى إلى قتل الكفار، ولا شك أن الأول أفضل ».
وأضاف: «وأيضاً فأبو بكر جاهد في أول الإسلام حين كان النبي(ص)في غاية الضعف، وعليٌّ إنما جاهد يوم أحد ويوم الأحزاب وكان الإسلام قوياً في هذه الأيام، ومعلوم أن الجهاد وقت الضعف أفضل من الجهاد وقت القوة، ولهذا المعنى قال تعالى:لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ».
ثم قال الرازي (10/173): «وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. فلم يجعل بينهما واسطة، وكما دلت هذه الدلائل على نفي الواسطة فقد وفق الله هذه الأمة الموصوفة بأنها خير أمة، حتى جعلوا الامام بعد الرسول(ص) أبا بكر على سبيل الإجماع، ولما توفي دفنوه إلى جنب رسول الله (ص)، وما ذاك إلا أن الله تعالى رفع الواسطة بين النبيين والصديقين في هذه الآية ».
أقول: لاحظ ما ارتكبه هذا العالم الكبير ! من تزوير للسيرة وإسفاف في الإستدلال !
1- فالآية التي جعلها أساساً لتلبيسه في مدح جده وتفضيله ! تتحدث عن مكانة المؤمنين بالرسل وأنهم الصديقون والشهداء، في مقابل الذين كفروا وكذبوا:وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
فهي تشمل كل المؤمنين، ولا تدل على أفضلية الأسبق زماناً منهم، ولا هي في مقام بيان التفاضل بينهم، لا بالأسبقية الزمنية ولا بغيرها !
أما العقل فيحكم بأن الأسبقية الزمنية الى الإيمان بذاتها فضيلة مّا، لكنها لاتوجب أن يكون صاحبها بالضرورة أفضل ممن أسلم بعده !
2- بدأ الرازي استدلاله (العلمي)بالتزوير فقال:«الصديق إسم لمن سبق إلى تصديق الرسول (ص)فصار في ذلك قدوة لسائر الناس، وإذا كان الأمر كذلك كان أبو بكر الصديق أولى الخلق بهذا الوصف » ! فجعل الأسبقية الزمنية بمعنى القدوة والإمامة، ولا وجود لشئ منها في الآية، ولا في أبي بكر !
3- لم يكن أبو بكر أول من أسلم فقد شهد ابن وقاص بأنه أسلم بعد أكثر من خمسين! قال ابنه:«قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين، ولكن كان أفضلنا إسلاماً».(الطبري:2/60) .
واستدل الرازي بحديث: «ما عرضتُ الإسلام على أحد إلا وله كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم» ولم أجده في مصادرهم، ووجدته مرسلاً غير مسند في تاريخ دمشق(30/128) ولم يصححه أحد من علمائهم ! ولو صح لدل على أن أبا بكر استجاب للإسلام رأساً، ولا يدل على أنه أول من أسلم، ولا أنه قدوة وإمام !
4- كيف يمكن قبول هذا (الجهاد) المزعوم لأبي بكر في مكة وأنه سبَّبَ دخول كثيرين في الإسلام، وقد رووا أن شخصاً من قبيلة أسد عبد العزى كان يربطه مع طلحة بحبل ويحبسهما فسميا القرينين (الحاكم: 3/369) !ورووا أن شخصاً آخر كان يربطهما أيضاً بذلك الحبل أو بحبل آخر ! (الإصابة: 6/77، راجع: الصحيح من السيرة: 3/96) ! ورووا أن أبا بكر هاجر بعد إسلامه الى اليمن، حتى أجاره شخص إسمه ابن الدغنة، رئيس قبيلة الأحابيش الصغيرة في مكة !
وقد كرر بخاري قصته في صحيحه: (3/58، وابن هشام: 1/249) !
فالذي لاتستطيع عشيرته أن تحميه، ولا يجد من غيرها من يحميه، ولا يستطيع أن يفك رقبته من الحبل، كيف ينسب اليه ما سماه جهاداً ؟!
والذي لم يستطع إقناع أبيه وزوجته وابنه عبد الرحمن بالإسلام فظلوا كفاراً، كيف ينسب اليه أنه أقنع كثيرين بالإسلام، ومنهم كما زعم الرازي علي(ع) ؟!
قال أحد أئمة المعتزلة رداً على الجاحظ المتعصب لأبي بكر: «فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته، فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز ! ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج، ولا خوفاً من قطع النفقة عنهم وإدخال المكروه عليهم، فغيرهم أقل قبولاً منه، وأكثر خلافاً عليه » ! (شرح النهج:13/270).
5- كيف زعم الرازي أن جده أبا بكر كان (مجاهداً)في مكة، ولم نسمع له حساً ولا حركة، لا عند إسلامه وربطه في الحبل، ولا بعد عودته من اليمن بضمانة ابن الدغنة، لا في الشدائد التي مرت على النبي(ص) ، ولا في حصارهم لبني هاشم في الشعب سنوات مديدة ! ولا رأينا له فعلاً يذكر، إلا أنه رافق النبي(ص) في هجرته، واشترى منه جملاً ومات الجمل في الطريق، ولما وصل الى قباء ترك النبي(ص)، ثم لم نسمع له ذكراً حتى في بناء مسجد النبي(ص) !
6- اخترع الرازي لجده أنه كان في مكة إماماً وقدوة، ولم يكن ذلك مطروحاً في مكة، بل المطروح من يكون وصي النبي(ص) ، وقد أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين ويختاره منهم ! وقد فصلت ذلك أحاديث الجميع في تفسير قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ،فراجع ما كتبناه في السيرة .
7- من تحايل الرازي وتلبيساته أنه افترض أن أبا بكر دعا الى الإسلام في مكة وسمى دعوته جهاداً وهي تسمية لاتصح لغةً إلا بقرينة، لأن المتبادر من آيات الجهاد ومدح المجاهدين هو القتال، ثم افترض أن علياً لم يدع مثله الى الإسلام في مكة وكأنه كان نائماً ! ثم فضل (جهاد) أبي بكر المزعوم على قتال علي المعلوم، واستشهد بقوله تعالى: لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا والآية هو مفاضلة بين من أنفق وقاتل في سبيل الله قبل فتح مكة ومن أنفق وقاتل بعده، لكنه جعلها مفاضلة بين قتال علي وما سماه جهاد أبي بكر !ثم جعل التفضيل بالنتيجة، وزعم أن نتيجة دخول عدد من الصحابة بدعوة أبي بكر أفضل من نتيجة قتل الكفار بجهاد علي(ع) !
ويكفي أن نسأله: أما كان علي(ع) يدعو الى الإسلام في مكة و(يجاهد)كأبي بكر ؟! وعندما كام علي(ع) يقاتل في سبيل الله في معارك النبي(ص) ، هل قاتل أبو بكر مثله، أم كان يختبئ خلف الصفوف ويهرب الى الجبال والثقوب ؟!
8- ومن تلبيسات الرازي مقايسته بين ظرف (جهاد) أبي بكر وظرف جهاد علي(ع) ، وتفضيله لأبي بكر لأنه (جاهد) دون علي في وقت ضعف الإسلام بينما قاتل علي(ع) في وقت قوة الإسلام وارتفاع الخوف، وكأن أبا بكر كان مستيقظاً في معارك النبي(ص) ! على أن آيات وصف المسلمين في معارك النبي (ص) ترد عليه، كقوله تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا !
9- ومن تلبيسات الرازي استدلاله بقوله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.(الزمر:33) على نفي الواسطة بين أبي بكر والنبي(ص) فحصر المصدقين بأبي بكر، ثم استدل بذكرهم بعد الذي جاء به، على أن رتبة أبي بكر تأتي بعد النبي(ص) ! قال (26/279): «فالذي جاء بالصدق محمد، والذي صدق به هو أبو بكر، وهذا القول مروي عن علي بن أبي طالب وجماعة من المفسرين. وسمعت بعض القاصين من الذي يروى عن النبي أنه قال: دعوا أبا بكر فإنه من تتمة النبوة ! واعلم أنا سواء قلنا المراد بالذي صدق به شخص معين، أو قلنا المراد منه كل من كان موصوفاً بهذه الصفة، فإن أبا بكر داخل فيه . أما على التقدير الأول: فدخول أبي بكر فيه ظاهر وذلك لأن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق، وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل إما أبو بكر وإما علي، وحمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى، لأن علياً كان وقت البعثة صغيراً، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة . أما أبو بكر فإنه كان رجلاً كبيراً في السن كبيراً في المنصب، فإقدامه على التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الإسلام، فكان حمل هذا اللفظ على أبي بكر أولى..وأما على التقدير الثاني: فهو أن يكون المراد كل من كان موصوفاً بهذه الصفة، وعلى هذا التقدير يكون أبو بكر داخلاً فيه » .
أقول: إن المصدقين الممدوحين في الآية: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.جمع كما وصفتهم الآية . ولا يصح حصرهم بشخص، إلا بنص نبوي ! فحصرهم بأبي بكر تحكُّمٌ بدون دليل! وكل ما بناه على هذا القول الباطل باطل !
5- تلبيسةٌ رازيَّة لحل مشكلة الفارين من الزحف!
في تفسير قوله تعالى(11/9): وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً، اخترع الرازي حلاً لعقدة أتباع جده أبي بكر، بسبب فرار إمامهم في الحروب وعدم قتاله ولو لمرة واحدة، ولا بضربة سيف !
قال: «قالت الشيعة: دلت هذه الآية على أن علي بن أبي طالب(ع) أفضل من أبي بكر، وذلك لأن علياً كان أكثر جهاداً، فالقدر الذي فيه حصل التفاوت كان أبو بكر من القاعدين فيه، وعلي من القائمين، وإذا كان كذلك وجب أن يكون علي أفضل منه لقوله تعالى: وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً.
فيقال لهم: إن مباشرة علي لقتل الكفار كانت أكثر من مباشرة الرسول لذلك، فليزمكم بحكم هذه الآية أن يكون علي أفضل من محمد(ص)، وهذا لا يقوله عاقل ! فإن قلتم إن مجاهدة الرسول مع الكفار كانت أعظم من مجاهدة علي معهم لأن الرسول(ص)كان يجاهد الكفار بتقرير الدلائل والبينات وإزالة الشبهات والضلالات، وهذا الجهاد أكمل من ذلك الجهاد، فنقول: فاقبلوا منا مثله في حق أبي بكر ..وهذا النوع من الجهاد هو حرفة النبي (ص)، وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل، ولا شك أن الأول أفضل »!
أقول: معنى كلامه أن أبا بكر كان مكلفاً بالدعوة وليس بالقتال، وهي دعوى لا تصح حتى في النبي(ص) ، وأنه لم يباشر القتل كثيراً للحفاظ على قبول نبوته!
ولو سلمنا أن أبا بكر كان مع النبي(ص) في العريش في بدر، فقد قاتل النبي(ص) يومها، فلماذا لم يقاتل أبو بكر ! وكذا في أحد ؟!
كما أن النبي(ص) لم يهرب ولامرة، فما بال أبي بكر هرب مرات عديدة ؟!
6- تلبيسة في استدلاله على أن أبا بكر أفضل من علي(ع)
اعترف الرازي بأن الله تعالى أنزل في مدح علي والزهراء والحسنين(عليهم السلام) : «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إ ِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (الإنسان: 8-11).
ثم زعم في (7/59و89)أن آيات: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى.إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى نزلت في أبي بكر وقال: «فمن أنفق ماله في سبيل الله لم يحصل له اطمئنان القلب في مقام التجلي، إلا إذا كان إنفاقه لمحض غرض العبودية، ولهذا السبب حكى عن علي أنه قال في إنفاقه:إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ووصف إنفاق أبي بكر: وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى» !وقال (23/188): «فعلي أعطى للخوف من العقاب وأبو بكر ما أعطى إلا لوجه ربه الأعلى، فدرجة أبي بكر أعلى، فكانت عطيته في الإفضال أتم وأكمل»!
كما استشد الرازي بكلام ابن الباقلاني وارتضاه فقال في (31/206):«ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الإمامة، فقال: الآية الواردة في حق علي: إ ِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيرا، والآية الواردة في حق أبي بكر: إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى، فدلت الآيتان على أن كل واحد منهما إنما فعل ما فعل لوجه الله، إلا أن آية علي تدل على أنه فعل ما فعل لوجه الله، وللخوف من يوم القيامة على ما قال: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرا، وأما آية أبي بكر فإنها دلت على أنه فعل ما فعل لمحض وجه الله من غير أن يشوبه طمع فيما يرجع إلى رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب، فكان مقام أبي بكر أعلى وأجل ».
أقول: اعترف الرازي بنزول آيات سورة الدهر في مدح علي(ع) وأن ذلك من مجمع عليه بين المسلمين، ثم زعم مقابلها آيات نزلت في أبي بكر، وقال إن الشيعة يطعنون في روايتها، ثم بنى عليها وجوهاً وأطال في تلبيسه لتفضيل أبي بكر على علي(ع) ، وستعرف ما في كلامه .
وكرر الرازي استدلاله في (31/205) فقال في تفسير: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى: « أجمع المفسرون منا على أن المراد منه أبو بكر. واعلم أن الشيعة بأسرهم ينكرون هذه الرواية ويقولون: إنها نزلت في حق علي بن أبي طالب، والدليل عليه قوله تعالى: وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فقوله: الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، إشارة إلى ما في الآية من قوله:وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ .ولما ذكر ذلك بعضهم في محضري قلت: أقيمُ الدلالة العقلية على أن المراد من هذه الآية أبو بكر وتقريرها: أن المراد من هذا الأتقى هو أفضل الخلق، فإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد هو أبو بكر، فهاتان المقدمتان متى صحتا صح المقصود . وإنما قلنا: إن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، والأكرم هو الأفضل، فدل على أن كل من كان أتقى وجب أن يكون أفضل .فإن قيل: الآية دلت على أن كل من كان أكرم كان أتقى، وذلك لا يقتضي أن كل من كان أتقى كان أكرم ؟ قلنا: وصف كون الإنسان أتقى معلوم مشاهد، ووصف كونه أفضل غير معلوم ولا مشاهد، والإخبار عن المعلوم بغير المعلوم هو الطريق الحسن .
أما عكسه فغير مفيد، فتقدير الآية كأنه وقعت الشبهة في أن الأكرم عند الله من هو ؟ فقيل هو الأتقى.وإذا كان كذلك كان التقدير أتقاكم أكرمكم عند الله، فثبت أن الأتقى المذكور هاهنا لا بد وأن يكون أفضل الخلق عند الله .
فنقول لا بد وأن يكون المراد به أبا بكر، لأن الأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله، إما أبو بكر أو علي، ولا يمكن حمل هذه الآية على علي بن أبي طالب فتعين حملها على أبي بكر !
وإنما قلنا إنه لا يمكن حملها على علي بن أبي طالب لأنه قال في صفة هذا الأتقى:وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى.، وهذا الوصف لا يصدق على علي بن أبي طالب، لأنه كان في تربية النبي لأنه أخذه من أبيه وكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه، وكان الرسول منعماً عليه نعمة يجب جزاؤها، أما أبو بكر فلم يكن للنبي عليه نعمة دنيوية، بل أبو بكر كان ينفق على الرسول، بل كان للرسول عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين، إلا أن هذا لا يجُزى، لقوله تعالى: مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . والمذكور هاهنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزى، فعلمنا أن هذه الآية لا تصلح لعلي بن أبي طالب، وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الأمة، إما أبو بكر أو علي، وثبت أن الآية غير صالحة لعلي، تعين حملها على أبي بكر، وثبت دلالة الآية أيضاً على أن أبا بكر أفضل الأمة ».
أقول: يقوم استدلاله على أن الأتقى في الآية بمعنى أفضل الأمة، ومن صفته أنه لانعمةَ عليه لايَدَ لأحد من الخلق، وهذه صفة أبي بكر، أما علي فكانت عليه يدٌ للنبي(ص) لأنه رباه، فلا تنطبق الآية عليه! وهذه فذلكة أقرب الى الشيطنة !
أولاً، لأن (الأتقى) الذي سيجنب النار ليس شخصاً واحداً، بل كل من أعطى ماله يتزكى، فأفعل التفضيل فيها نسبي وليس حقيقياً .فلا يصح حصرها بأبي بكر أو غيره . بل ولا تطبيقها عليه إلا بنص قطعي، ولا وجود له !
ثانياً، استند الشيعة الى النص القطعي فقالوا إن أفضل الأمة بعد النبي(ص) هو علي(ع) ،لأن الله تعالى جعله الولي بعد النبي(ص) بآية: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وقول النبي(ص) :من كنت مولاه فعلي مولاه. أما أبو بكر فلا نص في تفضيله، ولكن الرازي لبَّس على الناس ورفعه الى درجة علي(ع) وجعل الأفضل مردداً بينهما ؟!
ثالثاً، شذَّ الرازي في تفسير قوله تعالى: وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، فجعل من شروط الأتقى أن لايكون لأحد من الخلق عليه نعمة تجزى أبداً، وطبقها على أبي بكر، ثم جعلها النعمة الدنيوية ونفى أن يكون للنببي(ص) يد على أبي بكر ! ثم زاد في تلبيسه فجعل النعمة الدينية لاتجزى لأن النبي(ص) لا يطلب أجراً !
وكل هذا لايصح، لأن أصل المعنى: أن هذا المعطي يؤتي ماله لله تعالى وليس مقابل يد عليه لمن يعطيه، فالنعمة المنفية لمن يعطيه وليست لكل الخلق، وإلا فيلزم الرازي أن يُخرج منها أبا بكر أيضاً، لأن والده له عليه نعمة تجزى !
كما أنه لايصح حصر النعمة بالدنيوية لأنها مطلقة تشمل الدينية، وهي أولى بالجزاء من النعمة الدنيوية، وقد جعل الله جزاء نعمة النبي(ص) على الأمة ولاية عترته، فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا..فكيف نفى ما أثبته الله تعالى، وحصر النعمة بالدنيوية ؟!
ثم استدل الرازي برواية أن أبا بكر اشترى بلالاً واعتقه، فنزلت فيه آية: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى.. واعترف أن الشيعة طعنوا في روايتها وقالوا إن النبي(ص) هو الذي اشترى بلالاً وهو من مواليه وهو الصحيح ! راجع الصحيح من السيرة:3/90.
7- تلبيسات لمدح أبي بكر في معركة بدر
في تفسير قوله تعالى(15/126و129)في معركة بدر: َكمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ . يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ..لم يرو الرازي ما قاله الشيخان عندما استشارهما النبي (ص) فخوفاه من قريش ! قال: «فقام عند غضب النبي (ص) أبو بكر وعمر فأحسنا ! ثم قام سعد بن عبادة فقال: إمض إلى ما أمرك الله به فإنا معك حيثما أردت.. ثم لطَّف الرازي اعتراض أبي بكر على النبي(ص) لإطالته في دعائه ومناشدته لربه عز وجل ! ثم زعم أن جبرئيل(ع) نزل يومها: «في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائيل في خمس مائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صورة الرجال عليهم ثيابهم بيض».
أقول: جاء في السيرة النبوية عند أهل البيت(عليهم السلام) مشورة النبي(ص) لأبي بكر وعمر في طريقه الى بدر ! وأوردنا رواية مسلم (5/170): « شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه » !
وفي الدر المنثور: 3/165: «فقال عمر: يا رسول الله، إنها قريش وعزها ! والله ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك، فتأهب لذلك أهبته واعدد له عدته». والنهاية: 3/321. لكنهم حذفوا الفقرة الحساسة وهي قوله للنبي(ص) «ولم تخرج على هيئة الحرب»! أي إرجع ولا تقاتل قريشاً لأنك لم تستعد ! أوحرفوها الى: والله لتقاتلنك فتأهب لذلك واعدد له عدته ! أو نسبوها الى شخص مجهول ! لكن موقفهما واضح وهو النهي عن مواجهة قريش !
وفي الكشاف:2/143، وتخريج الأحاديث:2/11، والسيرة الحلبية:2/385، وغيرها: « فتغير وجه رسول الله (ص): ثم ردد عليهم فقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل! فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو» ! فهؤلاء هم الذين:يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ!
وفي تفسير قوله تعالى(15/197): مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.(الأنفال:67-68). قلد الرازي مفسري السلطة ونسب الى عمر أنه أصاب فنهى النبي(ص) وأبا بكر عن أخذ الفداء من أسرى قريش، فعصياه! ونزلت الآية موافقة لقول عمر، فجلس النبي(ص) وأبا بكر يبكيان على ذنبيهما وقال النبي(ص) :لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب ! وقال في ( 15/198): «إن النبي وأبا بكر بكيا، وصرح الرسول(ص)أنه إنما بكى لأجل أنه حكم بأخذ الفداء، وذلك يدل على أنه ذنب » !
8- تلبيسات لمدح أبي بكر في معركة أحد
ارتكب الرازي عدة تزويرات في تفسير آيات أحُد لأجل مدح جده أبي بكر ! فزعم في تفسير: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ. (8/219) أن أبا بكر ثبت ولم يهرب وزعم أن العباس كان معه ! قال: «وشج وجه الرسول (ص)وكسرت رباعيته وشلت يد طلحة دونه، ولم يبق معه إلا أبو بكر وعلي والعباس وسعد، ووقعت الصيحة في العسكر أن محمداً قد قتل ».
وزعم في(9/15) أن عمر كان مع الثابتين، قال:« وروي أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد ثم قال: أين ابن أبي كبشة، أين ابن أبي قحافة، أين ابن الخطاب؟فقال عمر:هذا رسول الله وهذا أبو بكر وها أنا عمر ! فقال أبو سفيان: يوم بيوم، والأيام دول والحرب سجال .فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».
وقال في (9/20): «ولما شج ذلك الكافر وجه الرسول(ص)وكسر رباعيته، احتمله طلحة بن عبيد الله، ودافع عنه أبو بكر وعلي، ونفر آخرون معهم .
ثم إن الرسول(ص)جعل ينادي ويقول: إليَّ عباد الله، حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم على هزيمتهم، فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا، فولينا مدبرين »!
وقال في تفسير آية الإنقلاب(9/22): «عن علي أنه قال: المراد بقوله: وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ: أبو بكر وأصحابه، وروي عنه أنه قال: أبو بكر من الشاكرين، وهو من أحباء الله »!
وروى في (9/51) أن الذين ثبتوا في أحُد مع النبي(ص) أربعة عشر نفراً، وأن ثمانية منهم بايعوا النبي(ص) على الموت ! وكل ماذكره الرازي في ثبات غير علي(ع) وأبي دجانة، يخالف ما اعترف به الصحابة وحققه الباحثون السنة في معركة أحُد . وقد وثقنا ذلك في السيرة النبوية عند أهل البيت(عليهم السلام) .
وقد اضطر الرازي (9/67) أن يضحي بمنقبة لأبي بكر ليثبت أنه لم يكن مع الفارين، فأخرجه من آية المشاورة في أحد:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران:159)
قال الرازي: «لأن الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الذين أمره بأن يعفو عنهم ويستغفر لهم، وهم المنهزمون، فهب أن عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية، إلا أن أبا بكر ما كان منهم فكيف يدخل تحت هذه الآية » !
9- تلبيسات لجعل آية الردة مدحاً لأبي بكر
قال الرازي في تفسير قوله تعالى(12/19): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ: «اختلفوا في أن أولئك القوم من هم، قال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة والضحاك وابن جريح: هم أبو بكر وأصحابه، لأنهم هم الذين قاتلوا أهل الردة » .
أقول: الآية تخبر عن ارتداد سيقع في الأمة، وأن الله تعالى سيأتي بقوم جدد لهم صفات يحلون محل المرتدين وينصر الله بهم الإسلام . وقد سارع أتباع السلطة الى تفسير الإرتداد بردة بعض العرب بعد وفاة النبي(ص) ، وتفسير القوم الموعودين بأنهم أبو بكر وأصحابه، ورووه عن بعض أنصار السقيفة، ومفسري الخلافة الأموية، وحتى عن علي(ع) !
وقال أهل البيت(عليهم السلام) إن الآية تتحدث عن الإنقلاب الموعود بعد النبي(ص) بقوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ.وإن القوم الموعودين هم أنصار علي(ع) وخطه في الأمة الى المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) .
ففي تفسير العياشي(1/326) عن الإمام الصادق(ع) قال: « ولو أن الناس كفروا جميعاً حتى لا يبقى أحد، لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون من أهله، ثم قال: أما تسمع الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..حتى فرغ من الآية وقال في آية أخرى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ .ثم قال: إن هذه الآية هم أهل تلك الآية ».
وفي تفسير القمي (1/170): «وأما قوله: َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول الله(ص) الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله . فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ: نزلت في القائم(ع) وأصحابه: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ».
وفي مناقب آل أبي طالب (2/334)، عن عمار، وحذيفة، وابن عباس، والباقر والصادق(عليهما السلام) إنها نزلت في علي . وروي عن علي(ع) يوم البصرة: والله ما قوتل على هذه الآية حتى اليوم، وتلا هذه الآية ».
وقال أبو الصلاح الحلبي(قدس سره) في تقريب المعارف/379: «قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..قالوا: ولا أحد قابل المرتدين غير أبي بكر، فيجب توجه الخطاب إليه، وذلك ينافي ما تقوله الشيعة فيه . والجواب: أن المأتي بهم لقتال المرتدين موصوفون في الآية بصفات تجب على من ادعي لشخص أو أشخاص أن تدل على تكاملها له أو لهم، وهي وصفهم بأنهم يحبون الله ويحبهم، وهذا يقتضي القطع على إيمانهم وعلو منزلتهم عند الله تعالى . وكونهم ذوي ذلة ورفق بأهل الإيمان، وعزة وشديد وطأ على الكفار، مجاهدين في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، في شق مما وصفهم به سبحانه فليثبتوا تكامل هذه الصفات لأبي بكر، ليسلم لهم كونه المقاتل للمرتدين !وإن ثبت ذلك يغنهم عن الآية في المقصود وهيهات !
على أنا نتبرع ببيان خروج أبي بكر منهافنقول:معلوم انهزامه والثاني بخيبر، وقول النبي(ص) : لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار يحب الله ورسوله والله ورسوله يحبانه، فأعطاها علياً (ع) فاقتضى ذلك ثبوت محبته لله تعالى ورسوله(ص) ومحبتهما له، والحكم له بالكر، وانتفاء ذلك عنهما، فخرجا عن مقتضى الآية ! وبعد، فإنه وصاحبه لم يكونوا من أهل الذلة على المؤمنين، لغلظتهم على أهل بيت نبيهم(عليهم السلام) وعلى سعد بن عبادة والزبير وسلمان وبلال . وقد صرح أبو بكر بذلك فقال: وإذا غضبت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشاركم ! مع ما صنعه ببني حنيفة من غير استحقاق على ما بيناه. ووصف الصحابة عمر بالغلظة وثبوتها له بظاهر أفعاله .وحال عثمان بذلك وإقدامه بالضرر القبيح والإستخفاف بأهل الإيمان ظاهرة . ولا من أهل العزة على الكفار ولا المجاهدين باتفاق على خلو ذكرهم من نكاية في كافر أو عناء في شئ من مواقف الجهاد، وثبوت ذلك أجمع لعلي(ع) وشيعته . فيجب خروجهم من مقتضاها وتوجهها إليه(ع) وإلى من اتبعه مخلصاً في قتال المرتدين»؟
وقال الشريف المرتضى في الشافي(2/246): «وقد ادعى قوم من أهل الغباوة والعناد أن قوله تعالى:فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ.. المراد به أبو بكر من حيث قاتل أهل الردة . ولسنا نعرف قولاً أبعد من الصواب من هذا القول حتى أنه ليكاد أن يعلم بطلانه ضرورة، لأن الله تعالى إذا كان قد وصف من أراده بالآية بالعزة على الكافرين، وبالجهاد في سبيله مع اطراح خوف اللوم ! وكيف يجوز أن يظن عاقل توجه الآية إلى من لم يكن له حظ من ذلك الوصف ! لأن المعلوم أن أبا بكر لم يكن له نكاية في المشركين، ولا قتيل في الإسلام ولا وقف في شئ من حروب النبي(ص) موقف أهل البأس والعناء، بل كان الفرار سنته، والهرب ديدنه، وقد انهزم عن النبي(ص) في جملة المنهزمين في مقام بعد مقام !
وكيف يوصف بالجهاد في سبيل الله على الوجه المذكور في الآية من لا جهاد له جملة، وهل العدول بالآية عن أمير المؤمنين(ع) مع العلم الحاصل لكل أحد بموافقة أوصافه بها، إلى أبي بكر إلا عصبية ظاهرة وانحراف شديد !
وقد روي نزولها في قتال أمير المؤمنين(ع) أهل البصرة عنه (ع) نفسه، وعن عبد الله بن عباس، وعمار بن ياسر، وإذا عضد ما ذكرناه من مقتضى الآية الرواية زالت الشبهة، وقويت الحجة ».
وفي تفسير الميزان (5/387): «وهذا صريح في أن القوم المأتي بهم جماعة من المؤمنين غير الجماعة الموجودين في أوان النزول، والمقاتلون أهل الردة بعيد وفاة النبي (ص) كانوا موجودين حين النزول مخاطبين بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فهم غير مقصودين بقوله: فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ والآية جارية مجرى قوله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ .ويؤيد ذلك أيضاً إنذار رسول الله(ص) قريشاً بقتال علي(ع) لهم من بعده، حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة منهم فقالوا: يا محمد إن أرقائنا لحقوا بك فارددهم إلينا، فقال رسول الله(ص) :لتنتهن يا معاشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلاً يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله ! فقال له بعض أصحابه: من هو يا رسول الله أبو بكر ؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة، وكان علي(ع) يخصف نعل رسول الله(ص) ».
وقد حاول الرازي أن يقوي رأيه بأن الآية مدح لأبي بكر فقال في (12/23): «أما قول الروافض لعنهم الله: إن هذه الآية في حق علي بدليل أنه (ص)قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وكان ذلك هو علي(ع) ، فنقول: هذا الخبر من باب الآحاد، وعندهم لا يجوز التمسك به في العمل، فكيف يجوز التمسك به في العلم !
وأيضاً إن إثبات هذه الصفة لعلي لا يوجب انتفاءها عن أبي بكر وبتقدير أن يدل على ذلك لكنه لا يدل على انتفاء ذلك المجموع عن أبي بكر، ومن جملة تلك الصفات كونه كراراً غير فرار، فلما انتفى ذلك عن أبي بكر لم يحصل مجموع تلك الصفات له، فكفى هذا في العمل بدليل الخطاب، فأما انتفاء جميع تلك الصفات فلا دلالة في اللفظ عليه، فهو تعالى إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين بعد ذلك، فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت، فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل !
ولأن ما ذكرناه تمسك بظاهر القرآن، وما ذكروه تمسك بالخبر المذكور المنقول بالآحاد، ولأنه معارض بالأحاديث الدالة على كون أبي بكر محباً لله ولرسوله . وكون الله محباً له وراضيا عنه . قال تعالى في حق أبي بكر:ولسوف يرضى . وقال(ص): إن الله يتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة .وقال: ما صب الله شيئاً في صدري إلا وصبه في صدر أبي بكر ! وكل ذلك يدل على أنه كان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ». انتهى.
أقول: محاولته تقوية رأيه يعني أنه غير مطمئن بتفسيره لآية : فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، بأبي بكر وأصحابه ! ونلاحظ أنه اعترف ضمنياً بأن أبا بكر لم يكن فيه صفة الكرار غير الفرار، ولا صفة القتال في سبيل الله.وغيرهما، ولذا قال: «إنما أثبت هذه الصفة المذكورة في هذه الآية حال اشتغاله بمحاربة المرتدين بعد ذلك، فهب أن تلك الصفة ما كانت حاصلة في ذلك الوقت، فلم يمنع ذلك من حصولها في الزمان المستقبل »!
وتلاحظ أنه لبَّس فجعل قول النبي(ص) : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله..الخ. خبر آحاد مع أنه متواتر عندهم ! ثم جعل أحاديثهم التي أقروا بوضعها في أبي بكر كحديث التجلي، أحاديث صحيحة !
10- تلبيسات في آية الغار
استعمل الرازي مهارته العقلية وقبل التمحل، في تفسير قوله تعالى(16/63): إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . (التوبة:40).
فاستخرج منها مناقب عديدة لأبي بكر وفضله على العالمين ! فزعم أن الله أمر نبيه(ص) وأبا بكر بالهجرة ! فأمر النبي(ص) علياً أن يضطجع على فراشه ليمنعهم السواد من طلبه، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به.
ولم يذكر دليلاً على أن هجرة أبي بكر كانت بأمر الله تعالى، كمبيت علي(ع) !
وذكر أن أبا بكر تفحص الغار من الحشرات، ولما قرب الطلب منه بكى خوفاً على النبي(ص) وليس على نفسه، فقال له النبي(ص) : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا. ما ظنك باثنين الله ثالثهما ! ويظهر أنهم رأوا أن: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، أقرب الى الذم، فأضافوا لها: ما ظنك باثنين الله ثالثهما، وكأنها مدح !
ثم ذكر الرازي أن صحبة النبي(ص) لأبي بكر تدل على أنه من المؤمنين الصادقين الصديقين، وإلا لما صحبه النبي(ص) ! لكن الصحبة لاتدل على ذلك فقد يكون رآه في الطريق وصحبه، لسبب وآخر!
ثم ذكر الرازي من فضائل جده أن كل المسلمين سواه فارقوا النبي(ص) بينما لازمه أبو بكر في الخوف الشديد !
وهذا لا يصح فكم مرة فرَّ أبو بكر وفارق النبي(ص) أما في الهجرة فقد أمر النبي(ص) بعض المسلمين بالهجرة قبله، وأمر علياً بالمبيت مكانه والتعرض لخطر القتل، وبقية المسلمين لم يعلموا بهجرته(ص) !



طه
موسوعة اسئلة الشیعة من اهل السنة

المأخذ : www.alsoal.com

ابن تيمية

أبو هريرة

ابوحنيفه

أحمد بن حنبل

البخاري


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page