• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السيرة النبوية في تراث الإمام العسكري (عليه السلام)

وقد وردت مجموعة من النصوص عن الإمام العسكري (عليه السلام) فيما يخص سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وسيرة أهل بيته (عليهم السلام) ممّا يشير إلى ضرورة اهتمامه(عليه السلام) بهذا الجانب في عصره .
وإليك بعض هذه النصوص :
1 ـ روى الطبرسي عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليهما السلام) أنه قال : قلت لأبي ، علي بن محمّد(عليهما السلام) هل كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يناظر اليهود والمشركين اذا عاتبوه ويحاجّهم ؟ قال : بلى مراراً كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم: ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك ـ إلى قوله ـ رجلاً مسحوراً )وقالوا : ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) . وقوله عزوجل :
( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ) إلى قوله ( كتاباً نقرؤه ) م قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبياً كموسى أنزلت علينا كسفاً من لسماء ونزّلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى (عليه السلام) .
قال : وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة اذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري ابن هشام وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي اُمية المخزومي ، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله(صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه .
فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فان انتهى وإلاّ عاملناه بالسيف الباتر .
قال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن أبي اُمية المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفيّاً ؟ قال أبو جهل : بلى ، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي اُمية المخزومي ، فقال : يامحمّد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالاً هائلاً ، زعمت انك رسول الله رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي .
فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده ، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان انما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا ، ما أنت يامحمّد إلاّ رجلاً مسحوراً ولست بنبي .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل بقي من كلامك شيء ؟ قال : بلى ، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجل من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً ، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم ان الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل بقي من كلامك شيء ياعبد الله ؟ فقال : بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه ، فانها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون ، فاننا الى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً فانك قلت لنا ( وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم ) فلعلنا نقول ذلك .
ثم قال : أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً ، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى ، وانك قلت لنا : ( كلا إن الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى ) .
ثم قال : أو ترقى في السّماء أي تصعد في السّماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه من الله العزيز الحكيم الى عبد الله بن أبي اُمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله انه من عندي ، ثم لا أدري يامحمّد اذا فعلت هذا كله اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك ، بل لو رفعتنا الى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا انما سكرت أبصارنا وسحرتنا .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ياعبد الله أبقي شيء من كلامك ؟ قال : يامحمّد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة وأتنا بما سألناك به .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شيء تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه ، يامحمّد ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام )الى قوله ( رجلاً مسحوراً ) ثم قال الله تعالى : ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً ) .
ثم قال : يامحمّد ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً ) وأنزل عليه : يامحمّد ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ) الآية ، وأنزل الله عليه : يامحمّد ( وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ) الى قوله ( وللبسنا عليهم ما يلبسون ) .
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ياعبد الله أما ما ذكرت من اني آ كل الطعام كما تأكلون وزعمت انه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً فانما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بـ لِمَ وكيف ، ألا ترى ان الله كيف أفقر بعضاً وأغنى بعضاً وأعز بعضاً وأذل بعضاً وأصح بعضاً وأسقم بعضاً وشرف بعضاً ووضع بعضاً ، وكلهم ممن يأكل الطعام .
ثم ليس للفقراء أن يقولوا «لم أفقرتنا وأغنيتهم» ولا للوضعاء أن يقولوا «لم وضعتنا وشرفتهم» ولا للزمنى والضعفاء أن يقولوا «لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم» ولا للأذلاء أن يقولوا «لم أذللتنا وأعززتهم» ولا لقباح الصور أن يقولوا «لم قبّحتنا وجمّلتهم» بل ان قالوا ذلك كانوا على ربهم رادّين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين . ولكان جوابه لهم : أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلاّ التسليم لي والانقياد لحكمي ، فان سلمتم كنتم عباداً مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين .
ثم أنزل الله عليه : يامحمّد ( قل إنّما أنا بشر مثلكم ) يعني آ كل الطعام و ( يوحى إليّ إنّما إلهكم إله واحد ) يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصّني بالنّبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصني أيضاً بالنبوة [ دونكم ] .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك «هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلاّ كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده» فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود .
ياعبد الله انما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ ، أو ما ترى الملوك اذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون .
ياعبد الله إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وانه هو الناصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولا منعه في رسالاته ، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم .
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : وأما قولك لي «لو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنّما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا» فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه ـ بأن يزاد في قوى أبصاركم ـ لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر ، لأنه انما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده .
فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق ، بل انما بعث الله بشراً وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به انه معجزة وان ذلك شهادة من الله بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما [ تعجزون عنه ] يعجز عنه [ جميع ] البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم ان ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزاً .
ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً ، فان الله عزوجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك «ما أنت إلاّ رجل مسحور» فكيف أكون كذلك وقد تعلمون اني في صحة التميز والعقل فوقكم فهل جربتم عليّ منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول أو سفهاً من الرأي ، أتظنّون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته .
وذلك ما قال الله ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً ) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها .
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : وأما قولك «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة [ بن مسعود الثقفي ]بالطائف» فان الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً به مخالفاً له شربة ماء وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه .
وليس هو عزّوجلّ ممن يخاف أحداً كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت فتخصه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يحبّ أحداً محبّة الهواء كما تحبّ أنت فتقدم من لا يستحقّ التقديم وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر أحداً لأفضل مراتب الدين وخلاله إلاّ الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلاّ أشدّهم تباطؤاً عن طاعته .
واذا كان هذا صفته لم ينظر الى مال ولا الى حال بل هذا المال والحال من تفضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب ، فلا يقال له : اذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضاً ، لأنه ليس لأحد اكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً لأنه تفضل قبله بنعمه .
ألا ترى ياعبد الله كيف أغنى واحداً وقبح صورته ، وكيف حسن صورة واحد وأفقره ، وكيف شرف واحداً وأفقره ، وكيف أغنى واحداً ووضعه . ثم ليس لهذا الغني أن يقول «هلا أضيف الى يساري جمال فلان» ولا للجميل أن يقول «هلا أضيف إلى جمالي مال فلان» ، ولا للشريف أن يقول «هلا أضيف إلى شرفي مال فلان» ولا للوضيع أن يقول «هلا اضيف الى ضعتي شرف فلان» ، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى : ( وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) قال الله تعالى ( أهم يقسمون رحمة ربك ) يامحمّد ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) .
فأحوجنا بعضاً الى بعض ، أحوجنا هذا الى مال ذلك ، وأحوج ذلك الى سلعة هذا والى خدمته . فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجاً الى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إما سلعة معه ليست معه ، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلاّ به ، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج الى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته .
ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع الى مالي علم هذا الفقير ، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع الى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني ، ثم قال الله : ( ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) ثم قال : يامحمّد قل لهم ( ورحمة ربك خير مما يجمعون ) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا .
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): وأما قولك (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ) الى آخر ما قلته ، فانك قد اقترحت على محمّد رسول الله أشياء : منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه ، ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك .
وانما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها لا ليهلكوا بها فإنّما قترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون ، ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج الله إلى صديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه .
فأما قولك ياعبد الله : (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً) بمكة هذه فانها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون ، فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله . ياعبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبياً ؟ قال : لا .
قال رسول الله : أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيوناً استنبطتها ؟ قال : بلى . قال : وهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى . قال : فصرت أنت وهم بذلك أنبياء ؟ قال : لا .
قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته ، فما هو إلاّ كقولك : «لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض كما يمشي الناس أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس».
وأما قولك ياعبد الله : «أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيراً» أو ليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً، أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال : لا .
قال : فما بال اقتراحكم على رسول الله(صلى الله عليه وآله) أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه ، بل لو تعاطاها دل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا .
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ياعبد الله وأما قولك «أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً» فانك قلت : «وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم» فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فانما تريد بهذا من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك ، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده ، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه ، والله عزّوجلّ طبيبكم لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وهل رأيت ياعبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم ، وانما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه احبه العليل أو كرهه ؟ فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فان انقدتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم .
وبعد فمتى رأيت ياعبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ؟ إذاً ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق .
ثم قال رسول الله : ياعبد الله وأما قولك : «أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم» فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، وانّ ربّنا عزّوجلّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئاً حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وانّما هذا الذي دعوت اليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئاً ولا عن أحد .
ياعبد الله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها ؟ قال : بلى . قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال : بسفراء . قال : أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمتك لسفرائك : «لا نصدقكم في هذه السفارة الا ان تأتونا بعبد الله بن أبي اُمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً»، كنت تسوغهم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا .
قال : فما الذي يجب على سفرائك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال : بلى . قال : ياعبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك: «قم معي فانهم قد اقترحوا عليّ مجيئك معي أليس يكون هذا لك مخالفاً» وتقول له : انما أنت رسول لا مشير ولا آمر ؟ قال : بلى .
قال : فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟! وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم الى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك الى أكرتك وقوامك ؟ ! هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته ياعبد الله .
وأما قولك ياعبد الله : «أو يكون لك بيت من زخرف» وهو الذهب، أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف؟ قال : بلى . قال : أفصار بذلك نبياً ؟ قال : لا . قال : فكذلك لا يوجب لمحمد(صلى الله عليه وآله) نبوّة لو كان له بيوت ، ومحمد لا يغنم جهلك بحجج الله .
وأما قولك ياعبد الله : «أو ترقى في السّماء» ، ثم قلت : «ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه» ياعبد الله الصعود الى السّماء أصعب من النزول عنها ، واذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن اذا صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت «حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه من بعد ذلك ، ثم لا أدري اُؤمن بك أو لا اُؤمن بك »، فأنت ياعبد الله مقرّ بأنك تعاند حجة الله عليك ، فلا دواء لك إلاّ تأديبه لك على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الرّبانية ، وقد أنزل عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته .
فقال عزوجل : «قل» يامحمّد : ( سبحان ربي هل كنت إلاّ بشراً رسولاً ) ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال مما يجوز ومما لا يجوز ، وهل كنت الا بشراً رسولاً لا يلزمني إلاّ إقامة حجة الله التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
فقال أبو جهل : يامحمّد ههنا واحدة ألست زعمت : ان قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال : بلى . قال : فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً ، فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسى ، لأنهم كما زعمت قالوا : «أرنا الله جهرة» ونحن نقول : «لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً» نعاينهم .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ياأبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت ، وذلك قول ربي : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قوّى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا.
ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه : ياإبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فاني أنا الغفور الرحيم ، الجبار الحليم ، لا يضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك .
فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فانما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ولا ميهمن عليّ ولا عبادي وعبادي معي بين خلال ثلاث : إما تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فارفق بالآباء الكافرين وأتأنى بالامهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم .
فاذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي ، وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم ، فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي ، ياإبراهيم خل بيني وبين عبادي فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم اُدبّرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري [1].
[1] مسند الإمام الحسن العسكري: 189 ـ 200 عن التفسير المنسوب اليه(عليه السلام): سورة البقرة الآية 108 .
2 ـ قال أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) : لما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها اذا أمكن واذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان ، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة ، فلما كان بالمدينة وكان متعبداً باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً ، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون :
«والله ما درى محمّد كيف يصلي حتى صار يتوجه الى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا»، فاشتد ذلك على رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة ، فجاءه جبرئيل (عليه السلام) فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ياجبرئيل ! لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم .
فقال جبرئيل(عليه السلام) : فاسأل ربّك أن يحولك إليها فانه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك ، فلما استتم دعاؤه ، صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال : اقرأ يامحمّد ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) الآيات .
فقال اليهود ـ عند ذلك : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) ؟ فأجابهم الله أحسن جواب فقال : ( قل لله المشرق والمغرب ) وهو يملكهما وتكليفه التحويل الى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر ( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) وهو أعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم .
3 ـ قال أبو محمد (عليه السلام) : وجاء قوم من اليهود الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالوا : يامحمّد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن ، أفحقاً كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل فان ما يخالف الحق باطل أو باطلاً كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : بل ذلك كان حقاً وهذا حق ، يقول الله : ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) اذا عرف صلاحكم أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلى مصالحكم .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام ، ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده ، أفتركتم الحق الى الباطل ، أو الباطل الى الحق ، أو الباطل الى الباطل ، أو الحق الى الحق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد وجوابه لكم ، قالوا : بل ترك العمل في السبت حق ، والعمل بعده حق فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ، ثم قبله الكعبة في وقته حق .
فقالوا له : يامحمّد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك الى الكعبة ؟
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ما بدا له عن ذلك فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطاً ولا يستحدث رأياً بخلاف المتقدم جل عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدو إلاّ لمن كان هذا وصفه ، وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علواً كبيراً .
ثم قال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يُمرض ثم يُصح، ويُصح ثم يُمرض ، أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت ، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا . قال : فكذلك الله تعبَّد نبيه محمّداً بالصلاة الى الكعبة بعد أن كان تعبَّده بالصلاة الى بيت المقدس وما بدا له في الأول .
ثم قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف ، والصيف في أثر الشتاء ، أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا . قال : فكذلك لم يبد له في القبلة .
قال : ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة ، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ أفبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا .
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشيء آخر ، فاذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم )يعني : اذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ياعباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه . ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين .
فقيل : يابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال الله تعالى: ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ) وهي بيت المقدس ( إلاّ لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) إلاّ لنعلم ذلك منه وجوداً بعد أن علمناه سيوجد ، وذلك ان هوى أهل مكة كان في الكعبة .
فأراد الله أن يبين متبعي محمّد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمّد يأمر بها ، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه الى الكعبة ليبين من يوافق محمّداً فيما يكرهه ، فهو مصدقه وموافقه .
ثم قال : ( وإن كانت لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله ) إن كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلاّ على من يهدي الله ، فعرف أن لله أن يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه .
4 ـ وقال أبو محمّد (عليه السلام) : قال جابر بن عبد الله الأنصاري : سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبد الله بن صوريا ـ غلام يهودي أعور ، تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه ـ عن مسائل كثيرة يعنته فيها فأجابه عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بما لم يجد الى انكار شيء منه سبيلاً .
فقال له : يامحمّد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله ؟ قال : جبرئيل . قال : لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة ، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك .
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لم اتخذتم جبرئيل عدواً ؟ قال : لأنه ينزل بالبلاء والشدة على بني إسرائيل ، ودفع «دانيال» عن قتل (بخت نصر) حتى قوى أمره وأهلك بني إسرائيل ، وكذلك كلّ بأس وشدة لا ينزلها إلاّ جبرئيل ، وميكائيل يأتينا بالرحمة .
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إلاّ أن أطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق ؟ أرأيتم الآباء والأمهات اذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم ، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا . ولكنكم بالله جاهلون ، وعن حكمه غافلون .
أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان ، وانه لا يعادي أحدهما إلاّ من عادى الآخر ، وان من زعم انه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب ، وكذلك محمّد رسول الله وعلي أخوان ، كما أن جبرئيل وميكائيل اخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ، ومن أبغض أحدهما وزعم انه يحب الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء .
وقال أبو محمد (عليه السلام) : كان سبب نزول قوله تعالى: ( قل من كان عدواً لجبريل ) ما كان من اليهود أعداء الله من قول سيء في جبرئيل وميكائيل وما كان من أعداء الله النصّاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل وسائر ملائكة الله .
أما ما كان من النصاب : فهو أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما كان لا يزال يقول في علي(عليه السلام) الفضائل التي خصه الله عزوجل بها ، والشرف الذي نحله الله تعالى ، وكان في كل ذلك يقول : أخبرني به جبرئيل(عليه السلام) عن الله ، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي(عليه السلام) الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره ، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة ، وملك الموت الذي أقامه بالخدمة وان اليمين واليسار أشرف من ذلك ، كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ـ في بعض أحاديثه ـ : إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) حباً ، وانه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرّف علياً على جميع الورى بعد محمد المصطفى . ويقول مرة : إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون الى رؤية علي بن أبي طالب(عليه السلام) كما تشتاق الوالدة الشفيقة الى ولدها البار الشفيق آخر من بقى عليها بعد عشرة دفنتهم ، فكان هؤلاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل ، وميكائيل ، والملائكة ، كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه ، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق ، برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون ، وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون .
وأما ما قاله اليهود : فهو ان اليهود أعداء الله ، لما قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا فقال : يامحمد كيف نومك فانا قد أخبرنا عن نوم النبي(صلى الله عليه وآله) الذي يأتي في آخر الزمان ؟ فقال : تنام عيني وقلبي يقظان. قال : صدقت يامحمد .
ثم قال : فأخبرني يامحمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي(صلى الله عليه وآله): أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة . قال : صدقت يامحمد .
ثم قال : يامحمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء ؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال : صدقت يامحمد ، فأخبرني عمن لا يولد له ومن يولد له ؟ فقال (صلى الله عليه وآله) : اذا مغرت النطفة لم يولد له ـ أي : إذا حمرت وكدرت ـ فاذا كانت صافية ولد له .
فقال : أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت : ( قل هو الله أحد ) الى آخرها فقال ابن صوريا : صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك . أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال : جبرئيل . قال ابن صوريا : ذاك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ، ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لان ميكائيل كان مسدد ملكنا وجبرئيل كان مهلك ملكنا ، فهو عدونا لذلك .
فقال له سلمان الفارسي (رضي الله عنه) : وما بدء عداوته لكم ؟ قال : نعم ياسلمان ، عادانا مراراً كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا ان الله أنزل على أنبيائه ان بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال «بخت نصر» وفي زمانه ، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه ، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت .
فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبياً كان يعد من أنبيائهم يقال له «دانيال» في طلب بخت نصر ليقتله ، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك ، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاماً ضعيفاً مسكيناً ليس له قوة ولا منعه ، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا :
إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فان الله لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله ؟ فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك . وقوي بخت نصر وملك ، وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً ، وميكائيل عدو لجبرئيل .
فقال سلمان : يابن صوريا ، فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ؟ أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ أرادوا تكذيب أنبياء الله في أخبارهم أو اتهموهم في أخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله ، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلاّ كفاراً بالله ؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عن مغالبة الله عزوجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟
فقال ابن صوريا : قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت قال سلمان : فاذا لا تثقون بشيء مما في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، واذاً لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كلما أخبراكم به عن الله انه يكون لا يكون وما أخبراكم به انه لا يكون لعله يكون .
وكذلك ما أخبراكم انه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه ، فانه يمحو ما يشاء ويثبت . انكم جهلتم معنى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) . فلذلك أنتم بالله كافرون ، ولأخباره عن الغيوب مكذبون وعن دين الله منسلخون .
ثم قال سلمان : فاني أشهد أنه من كان عدواً لجبرئيل فانه عدو لميكائيل وانهما جميعاً عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما ، فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقاً لقول سلمان : ( قل من كان عدواً لجبريل ) في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ونزوله بفضائل علي (عليه السلام) ولي الله من عند الله ( فانه نزله ) . فان جبرئيل نزل هذا القرآن ( على قلبك باذن الله مصدقاً لما بين يديه ) من سائر كتب الله ( وهدى ) من الضلالة ( وبشرى للمؤمنين ) بنبوة محمّد وولاية علي(عليه السلام) ومن بعده من الأئمة [ الاثني عشر ]بأنهم أولياء الله حقاً اذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين .
ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ياسلمان ، ان الله صدق قيلك ووافق رأيك، وأن جبرئيل عن الله تعالى يقول : يامحمّد ، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك كجبرئيل وميكائيل في الملائكة ، عدوان لمن أبغض أحدهما وليان لمن والى محمّداً وعلياً عدوان لمن عادى محمداً وعلياً وأولياءهما.
ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله أحداً منهم عذاب البتة[1].
[1] مسند إلامام الحسن العسكري : 209 ـ 214 .
المختار من تراثه الفقهي (عليه السلام)
وردت عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) نصوص فقهية تتوزع على مختلف أبواب الفقه وهي تناهز الـ 75 نصاً كما أحصاها مسند الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وإليك نماذج مختارة منها:

باب الطهارة :
1 ـ عن محمد بن الريان قال : كتبت إلى الرجل (عليه السلام) هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث ، وهل يجوز أحد أن يقيس بدم البقّ على البراغيث فيصلي فيه وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع (عليه السلام) : يجوز الصلاة والطهر منه أفضل[1] .
2 ـ عن الحسن بن راشد قال : قال الفقيه العسكري (عليه السلام) : ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق[2] .

باب الصلاة :
1 ـ عن محمد بن عبد الجبار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله : هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج ؟
فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض[3] .
2 ـ عن اسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألته عن الثوب الابريسم هل يصلي فيه الرجل ؟ قال : لا[4] .
3 ـ عن محمد بن عبد الجبار قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب ؟
فكتب : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض فإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إنْ شاء الله[5] .
4 ـ عن سليمان بن حفص المروزي ، عن الرجل العسكري (عليه السلام) قال : اذا انتصف الليل ظهر بياض في وسط السماء شبه عمود من حديد تضيء له الدنيا فيكون ساعة ويذهب ، ثم تظلم ، فاذا بقي ثلث الليل الأخير ظهر بياض من قِبل المشرق فأضاءت له الدنيا فيكون ساعة ثم يذهب ; وهو وقت صلاة الليل ، ثم تظلم قبل الفجر ، ثم يطلع الفجر الصادق من قبل المشرق ، قال : ومن أراد أن يصلّي في نصف الليل فيطول ; فذلك له[6] .
5 ـ عن عبد الله بن جعفر قال : كتبت إليه ـ يعني أبا محمد (عليه السلام) ـ يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك ؟ فكتب : لا بأس به إذا كان ذكياً [7] .
6 ـ علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد بن مطهر أنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يخبره بما جاءت به الرواية : أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي في شهر رمضان وغيره من الليل ثلاث عشرة ركعة ، منها الوتر وركعة الفجر .
فكتب (عليه السلام) : فضّ الله فاه ; صلّى من شهر رمضان في عشرين ليلة ، كل ليلة عشرين ركعة ، ثماني بعد المغرب ، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ، واغتسل ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، وصلّى فيهما ثلاثين ركعة : اثنتي عشرة بعد المغرب ، ثماني عشرة بعد عشاء الآخرة ، وصلّى فيها مائة ركعة ، يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد عشر مرات وصلّى إلى آخر الشهر كلّ ليلة ثلاثين ركعة ، كما فسرت لك [8] .

باب الصوم :
1 ـ محمد بن يحيى عن محمد قال : كتبت إلى الأخير (عليه السلام) : رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً ; خمسة أيام أحد الوليين ، وخمسة أيام الآخر ؟ فوقع (عليه السلام) : يقضي عنه أكبر وليّه عشرة أيام ولاءاً ، إن شاء الله[9] .
2 ـ وكتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد (عليه السلام) : لم فرض الله الصوم ؟
فورد في الجواب : ليجد الغني مسّ الجوع ; فيحنّ على الفقير[10] .
3 ـ روى الصدوق عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الفرج المؤذن ، قال : حدثني محمد بن الحسن الكرخي ، قال : سمعت الحسن بن علي (عليه السلام) يقول لرجل في داره : ياأبا هارون من صام عشرة أشهر رمضان متواليات دخل الجنة[11] .
4 ـ وروى محمد بن عيسى ، عن علي بن بلال ، قال : كتبت الى الطيّب العسكري (عليه السلام) : هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل ، وهم عشرة ، أقل أو أكثر ، رجلاً محتاجاً موافقاً ؟
فكتب (عليه السلام) : نعم ، افعل ذلك[12] .

باب الخمس والزكاة :
1 ـ روى الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن محمد بن الريان ، قال : كتبت إلى العسكري (عليه السلام) : جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا إلاّ الخمس ، فجاء الجواب : إن الدنيا وما عليها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)[13] .
2 ـ وقال الشيخ الطوسي : وروى الريان بن الصلت ، قال : كتبت الى أبي محمّد (عليه السلام) : ما الذي يجب عليّ يامولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟
فكتب (عليه السلام) : يجب عليك فيه الخمس ، إن شاء الله تعالى[14] .

باب الحجّ :
1 ـ وكتب إليه علي بن محمد الحضيني : أنّ ابن عمّي أوصى أن يحجّ عنه بخمسة عشر ديناراً في كلّ سنة ، فليس يكفي : فما تأمرني في ذلك ؟
فكتب (عليه السلام) : تجعل حجتين في حجة ، إن الله عالم بذلك[15] .

باب النكاح والطلاق :
1 ـ روى الكليني عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) : امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوج إبنة هذه المرضعة ، أم لا ؟ فوقّع (عليه السلام) : لا ، لا تحل له[16] .
2 ـ وكتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليه السلام) في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدة منه . وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها ، وهي تعمل للناس ، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة في عدتها .
قال : فوقّع (عليه السلام) : لا بأس بذلك ، إن شاء الله[17] .

باب القضاء والشهادات :
1 ـ وكتب إليه في رجل قال لرجلين : إشهدا أن جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بحدودها كلها لفلان ابن فلان ، وجميع ماله في الدار من المتاع والبنية لا تعرف المتاع ; أي شيء هو ؟ .
فوقع (عليه السلام) : يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله[18].
2 ـ وكتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) في رجل أراد أن يشهد على إمرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد عدلان أنها فلانة بنت فلان ، التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرزن وتثبتها بعينها ؟
فوقّع (عليه السلام) : تتنقب وتظهر للشهود ، إن شاء الله[19].
3 ـ كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام): هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟
فوقّع (عليه السلام) : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين .
4 ـ وكتب إليه أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً بحق له على الميت أو على غيره ، وهو القابض للوارث الصغير وليس للكبير بقابض ؟
فوقّع (عليه السلام) : نعم ، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم شهادته .
5 ـ وكتب إليه : أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل ؟
فوقّع (عليه السلام) : نعم ، من بعد يمين[20] .

باب الوصية :
1 ـ وكتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) : رجل أوصى بثلث ماله في مواليه ، الذكر والاُنثى فيه سواء ؟ أو للذكر مثل حظّ الاُنثيين من الوصية ؟
فوقّع (عليه السلام) : جايز للميّت ما أوصى به على ما أوصى به ، إن شاء الله[21] .
2 ـ ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الجبار قال : كتبت إلى العسكري (عليه السلام) : امرأة أوصت إلى رجل ، وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس وكلّ مالها ; أقرّت به للموصى إليه ، وأشهدت على وصيتها ، وأوصت أن تحجّ عنها من هذه التركة حجتان ويعطى مولاة لها أربعمائة درهم ، وماتت المرأة وتركت زوجاً فلم ندر كيف الخروج من هذا ; واشتبه الأمر علينا ، وذكر كاتب : أنّ المرأة استشارته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصيّ ، فقال : لا يصح تركتك إلاّ بإقرارك له بدين بشهادة الشهود وتأمرينه بعدها أن ينفذ ما توصينه به ، فكتب له بالوصية على هذا وأقرّت للوصيّ بهذا الدين فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا بذلك لنعمل به ، إن شاء الله ؟
فكتب بخطه (عليه السلام) : إن كان الدين صحيحاً معروفاً مفهوماً ، فيخرج الدين من رأس المال ، إن شاء الله ، وإن لم يكن الدين حقّاً ، أنفذ لهما ما أوصت به من ثلثها ; كفى أو لم يكف[22] .
3 ـ كتب محمد بن الحسن الصفار (رضي الله عنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليهما السلام) : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف .
فوقّع (عليه السلام) : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما ، إن شاء الله[23].

باب الوقف :
قال محمد بن الحسن الصفار : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو ؟ فقد روي أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة ، وإذا كان موقتاً فهو صحيح مُمْضى ، وقال قوم : إن الموقت هو الذي يذكر فيه : أنّه وقف على فلان وعقبه ، فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله عزّوجلّ الأرض ومن عليها وقال آخرون: هذا موقت اذا ذكر انه لفلان وعقبه ما بقوا ، ولم يذكر في آخره للفقراء والمساكين الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والذي هو غير موقّت أن يقول : هذا وقف ، ولم يذكر أحداً ، فما الذي يصحّ من ذلك وما الذي يبطل ؟
فوقّع (عليه السلام) : الوقوف بحسب ما يوقفها [أهلها] ، إن شاء الله[24] .
--------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] الكافي : 3 / 60 .
[2] الاستبصار : 1 / 118، ب71، ح4 .
[3] الكافي : 3 / 399 / ح10 ، الاستبصار : 1 / 385 / ب255 / ح1 .
[4] الاستبصار : 1 / 385 ، ب255 ، ح2 .
[5] الاستبصار : 1 / 383 ، ب223 ، ح11 .
[6] التهذيب : 2 / 118 ، ح445 .
[7] التهذيب : 2 / 362 ، ب17 ، ح33 .
[8] الكافي : 4 / 155 ، ح6 ، الاستبصار : 1 / 463 ، ب287 ، ح12 .
[9] الكافي : 4 / 124 ، ح5 ، الإستبصار : 2 / 108 ، ب57 ، ح4 .
[10] رواه الكليني في الكافي : 4 / 181 ، ح6 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه : 3 / 43 ، ب21 ، ح3.
[11] الخصال : 59 ، أبواب العشرة .
[12] من لا يحضره الفقيه : 2 / 117 .
[13] الكافي : 1 / 409 ، ص6 .
[14] التهذيب : 4 / 139 ، ح16 .
[15] الكافي : 4 / 310 ، ح2، من لا يحضره الفقيه : 2 / 272 ، ب166 ، ح3 .
[16] الكافي : 5 ، ص447 ، ح18 ، من لا يحضره الفقيه : 3 / 306 ، ب146 ، ح9 .
[17] من لا يحضره الفقيه : 3 / 328 ، ب159 ، ح12 .
[18] الكافي: 7 / 402 ، ذيل حديث 4 بتفاوت، من لا يحضره الفقيه : 3 / 153 ، ب73 ، ح10 .
[19] من لا يحضره الفقيه : 3 / 40 ، ب29 ، ح2 ، الاستبصار : 3 / 19 ، ب13 ، ح2 .
[20] الكافي : 7 / 394 ، ح3 ، من لا يحضره الفقيه : 3 / 43 ، ب33 ، ح1 .
[21] الكافي : 7 / 45 ، ح2 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 155 ، ب103 ، ح3 .
[22] الاستبصار : 4 / 113 ، ب68 ، ح9 .
[23] الكافي : 7 / 46 ، ح1 ، بتفاوت وفيه : رجل مات وأوصى، من لا يحضره الفقيه : 4 / 151 ، ب99 ، ح1، الاستبصار : 4 / 118 ، ب73 ، ح1 .
[24] الكليني في الكافي : 7 / 37 ، ح34 رواه الصدوق في الفقيه: 4/176، ب128، ح1 باختصار. وفيه «.. فوقع(عليه السلام): الوقوف تكون على حسب مايوقفها أهلها، إن شاء الله»، الاستبصار : 4 / 100، ب62، ح2 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page