• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإرهاب في نظر الشيعة

  الشيعة الإمامية كيان إسلامي قائم ، أرسى قواعده النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) ، ويُقَدَّر أبناؤه اليوم بما يزيد على ربع مليار مسلماً ، ينتشرون في أغلب بقاع الأرض ، وفيهم العلماء ، والفلاسفة ، والمفكرون ، والمثقفون ، وحملة الشهادات العالية ، كما أن لهم مدرستهم الأصيلة ، وفكرهم النيِّر ، وساحتهم الجهادية .
ويمتاز الفكر الشيعي برصانة المادة ، وقوة الحجة ، ووضوح الرؤية ، وعدم الضبابية في كل شأن من شؤونه ، مما جعله مستهدفاً أكثر من غيره ، وهو الأمر الذي حَمَّلَه الكثير من المعاناة على طول التاريخ .
الإرهاب لغة يعني : العنف والتخويف .
واستعمله القرآن الكريم في أكثر من آية ، كقوله تعالى :
( إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رغباً وَرهباً ) [ الأنبياء : 90 ] .
وقوله تعالى :
( وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم ) [ الأنفال : 60 ] ، وغير ذلك من الآيات .
وفُسِّر الإرهاب بأنه : إزعاج النفس بالخوف .
وإن ديننا يحترم الإنسان بِغَض النظر عن الهوية والانتماء بل يحترمه لإنسانيته ، ونحن المسلمين كغيرنا من البشر نتألم ونحزن لكل كارثة تَحِلُّ ، بِغَضِّ النظر عن الدين والمعتقد ، وهذا أمر واضح .
وهناك ثَمَّةَ نظرة خاصة من منظار الفكر الشيعي للإنسان بما هو إنسان من خلال كلام الإمام علي ( عليه السلام ) رائد التشيع حينما بعث مالك الأشتر والياً من قبله إلى مصر ، كتب له دستور الحكم الإسلامي ، وكيفية التعامل مع الرعية ، ولم يترك فيه ملاحظة صغيرة أو كبيرة إلا وذكرها ليعكس لنا فكر الإسلام الأصيل .
فيقول ( عليه السلام ) في مقطع من كلامه :
( وأشعر قلبك بالرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنهم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ) .
وهنا يمنع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مالك من العنف والإرهاب بحق الرعية لسببين :
الأول : الأخوة على أساس الدين ، وهذا بالنسبة للمسلمين كافة .
الثاني : والأخوة على أساس التشابه بالخلقة ، وهذا يشمل المسلمين وغيرهم من سائر البشر .
كما أن الإمام ( عليه السلام ) أراد من واليه أن ينطلق في التعامل مع الناس بهذه الروحية والسمو ، التي أرادها الإسلام .
ولدينا شواهد كثيرة ، قديمة وحديثة ، على رفضنا للإرهاب جملة وتفصيلاً ، نذكر منها :
أولاً : يذكر الطبري في تأريخه أن خالد بن الوليد سار في عهد أبي بكر إلى منطقة البطاح ، حيث يسكنها مالك بن نويرة وجماعته ، بعدما امتنعوا من دفع الزكاة لسبب ناشئ من اختلاف وجهات النظر في الخليفة الشرعي الذي تُسَلَّم له الزكاة .
وقد أمر أبو بكر خالداً وجماعته أن إذا رأيتموهم يصلون فلا تقاتلوهم ، وقد أقاموا وصَلَّوا .
فحبسهم خالد في ليلة شديدة البرد وأمر مناديه أن ينادي ( ادفنوا أسراكم ) ، ويقصد اقتلوهم ، وفعلاً قتلوهم ومثلوا بهم .
إن موقفنا من هذا العمل موقف صريح أنه إجرامي وإرهابي لا يَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، ونبرأ إلى الله منه وممن فعله وممن أمر به .
كما أن الإمام علي ( عليه السلام ) اتخذ موقفاً حازماً في الاحتجاج على هذا العمل ، وإدانة الفاعل ومعاقبته .
ونحن لا زلنا إلى الآن ندين العملية ، ونعتبرها فعلاً شنيعاً ، ولنا موقف ممن عملها ، رغم مرور أربعة عشر قرن عليها .
ثانياً : يروي التاريخ أن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) رسول الإمام الحسين (عليه السلام) لأهل الكوفة ، أبان ثورة كربلاء كان خصمه الخط الأموي ، وعبيد الله بن زياد يمثلهم آنذاك بالكوفة ، وأتيحت له فرصة هي بنظر السياسيين ذهبية وهي اغتيال وغدر عبيد الله حينما جاء لزيارة أحد الوجهاء ، وهو شريك الذي كان في بيت هاني بن عروة ، ويسكنه مسلم بن عقيل أيضاً ، وامتنع من القيام بالعملية في آخر لحظة ، معللاً ذلك بقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إن الإيمان قيد الفتك ، والمؤمن لا يفتك .
وهو مبدأ صحيح فيه دلالة واضحة على أن الإسلام يرفض هذا اللون من القتل وليس من أخلاق المسلمين .
وهناك نموذجان من تاريخنا المعاصر :
الأول : الثورة الإسلامية في إيران ، وهي ثورة شيعية .
الثاني : حركة طالبان في أفغانستان ، وهي حركة سلفية .
وكم الفرق واضح بينهما في التصرف الخارجي ، وروح التعامل مع الناس ، حيث عانى الشعب الأفغاني من التعسف والقهر ما لم يشهده طيلة حياته .
ولا نحمل فعلهم على فكر مذهب معين ، بل هو تصرف فئة لم تفهم الإسلام حقيقة .
ولو رجعنا إلى زمان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومبدأ الحكومة التي أسسها ، نجد أنه يتجلى في الرحمة والعطف ، والإحسان الواقعي لا الشعاري ، وعلى المستوى العلمي والعملي .
فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) يأخذ العفو ، ويأمر بالمعروف ، ويعرض عن الجاهلين .
كما أنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يهاجم مشركاً قط بلون من ألوان العنف ،
نعم ، فقد كان يطرح ما عنده على شكل دعوة للحق مُعَزَّزَة بالدليل ، وأخذ فيها بنظر الاعتبار احترام الطرف المقابل .
فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع أمامه الخطاب السماوي :
( أُدعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )
[ النحل : 125 ] .
بل وحتى الحروب التي خاضها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم تكن ابتدائية ، وإنما أغلبها حروب دفاعية من منطلق الحق المشروع ، ويتجلى فيها الأدب السماوي وعدم تجاوز الحدود .
وحكومة الإمام علي ( عليه السلام ) هي نموذج آخر ، فإن ما اتسمت به من ملامح تعكس رؤيته إلى رفض كل ألوان العنف كما ذكرنا .
إذن يجب أن نفهم بدقة الفكر الشيعي ، وتعامله مع الآخرين ، وعدم إطلاق الكلمات جزافاً .
كما يجب أن نميز بين الإرهاب بصورته الحقيقية ، وغيرها المدبلجة لغرض وآخر .

السر في بقاء التشيع
إن التشيع حالة أصلية في الإسلام تجسدت من خلال مراحل ثلاث ، هي :
الأولى :
بدأت هذه المرحلة في عصر الرسالة ، كما أكدت ذلك مجموعة نصوص مدونة امتلأت بها كتب الحديث والتفسير .
الثانية :
بدأت بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) مباشرة ، حيث اتجه بعض من الصحابة نحو الإمامة ، والالتزام بزعامة الإمام علي ( عليه السلام ) وأحقِّيته في قيادة المجتمع الإسلامي .
ومن هؤلاء : سلمان ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وغيرهم .
الثالثة :
بدأت هذه المرحلة في عصر الإمام الباقر وابنه الإمام الصادق (عليهما السلام) وأخذت بالنمو والازدهار بسبب توفر الظروف الموضوعية لنشر معالم مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولا يخفى أن الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) الذين هم قادة الشيعة والمحور الذي تدور عليه نظرية التشيع قد ضربوا للناس ومن خلال مواقفهم الشخصية أروع الأمثلة القدسية التي غطت على من سواهم .
ولم يستطع الحكام آنذاك من تغيير الواقع مع ما لهذه المواقف من مردود سلبي عليهم .
وفي هذه العُجالة سنتناول ثلاثة مواقف كنموذج وقفها الأئمة ( سلام الله عليهم ) قد جسَّدوا فيها مصلحة الأمة الإسلامية ، وما يتطلبه الظرف الاجتماعي الذي يعايشونه :
الأول :
خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة إلى كربلاء ، واستشهاده في واقعة الطف ، وما ترتب على هذا الموقف الاستشهادي من تحرك في صفوف الأمة الإسلامية .
فحدوث واقعة الحرَّة ، وثورة المختار ، وحركة التوابين بعد مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فكل تلك الأحداث وأمثالها ظلت تنخر في جسم الدولة الأموية حتى زالت في عام ( 132 هـ ) .
الثاني :
الموقف الآخر للإمام علي ( عليه السلام ) عندما رأى أن مصلحة الإسلام العليا تقتضي حفظ دماء المسلمين قال – عندما عهد أبو بكر لعمر – : ( والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين .. ) .
الثالث :
وهذا الإمام السجاد ( عليه السلام ) يدعو لأهل الثغور ، وهم جنود النظام الأموي الذين ارتكبوا فاجعة كربلاء ، ولم يكن دعاءه لهم إلا لحفظ الكيان الإسلامي من الأعداء الذين ما انفكوا يكيدون للدولة الإسلامية ، وينتهزون الفرص للإطاحة بها .
هذه المواقف وأمثالها التي وقفها الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) عبر التاريخ الإسلامي ، والتي كانت ترى بأن الدفاع عن بيضة الإسلام ، والوحدة الإسلامية ، وحفظ دماء المسلمين من الأمور الواجبة ، وهذه المواقف برأينا هي التي كانت السر الكامن وراء بقاء مذهب التشيع .
ولم تقتصر تلك المواقف على الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) ، بل تبعهم في ذلك العلماء والفقهاء والمراجع ، باعتبارهم نُوَّاب الأئمة ( عليهم السلام ) ، والمتتبع المنصف اللتاريخ الشيعي يجد مواقفهم ثابتة ومشرف .
نذكر هنا بعضاً من تلك المواقف كأمثلة :
الأول : مواقف الميرزا الشيرازي من الإنجليز .
الثاني : مواقف علماء النجف الأشرف وجهادهم ضد الاحتلال البريطاني في العراق بعد الحرب العالمية الأولى .
الثالث : موقف آية الله العظمى السيد البروجردي ، ودوره في تأسيس مجمَّع التقريب بين المذاهب الإسلامية .
الرابع : مواقف آية الله العظمى السيد محسن الحكيم وآية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي من علماء السنة ، وإرسال الممثلين عنهم في الاشتراك بمؤامراتهم ومجالسهم .
الخامس : دعوة الإمام الخميني إلى الوحدة الإسلامية ، ومن مصاديق تلك الدعوة أُعلن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أسبوع الوحدة الإسلامية من 12-17 ربيع الأول من كل عام .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page