التاريخ: 2010/03/10
حديث: (شر الناس من باع آخرته بدنياه).
نص الحديث
قال النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم): شرّ الناس من باع آخرته بدنياه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم واضح الدلالة، ولكن الملفت للنظر هو: استخدام الحديث لكلمة (الشّر) حيث وصف الشخصية التي تؤثر الحياة الدنيا علی الآخرة بأنها (شرّ الناس)، اي: ان قارئ الدعاء من الممكن ان ينتقل ذهنه من عبارة (شرّ) الی أية شخصية تمارس سلوكاً شريراً كالسرقة والزنا والخمر والغيبة الى آخره، ولكن اطلاق (الشرّ) علی البائع آخرته بدنياه من الممكن ان يستوقف القارئ للدعاء اذا لم يكن متأملاً بدقة.
لا ترديد في ان البائع لآخرته بدنياه، يعني انه خالف اوامر الله تعالی، ومن يخالف اوامره فهو شريّر دون ادنی شك فالسارق والزاني وشارب الخمر، انما سمّوا اشراراً لأنهم مارسوا سلوكاً لم يرتضيه الله تعالی، أي: خالفوا اوامر الله تعالی، ومما لا شك فيه ان من يبيع اخرته بدنياه يكون اكثر المخلوقات شراً لأن الدنيا هي المحرك لمن لا دين له في شهواته بمعنی ان المتشبث بالدنيا يمارس كل المعاصي ليس الكذب والسرقة والزنا والغيبة الى آخره بل جميع ما نتصوره من المعاصي، ولذلك يكون شرّ الناس: بهذا المعنی الذي اوضحناه.
والآن نتجه الی بلاغة الحديث، وهو ما يضفي عمقاً علی الدلالة التي ذكرناها.
بلاغة الحديث
الملاحظ ان النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استخدم الاستعارة عنصراً لتوضيح وتعميق الدلالة التي ذكرناها، حيث خلع طابع (البيع) علی الشخصية المتشبثة بالحياة الدنيا، وهي استعارة بالغة الأهمية وبالغة العمق والطرافة، كيف ذلك؟
واضح ايضاً، ان البيع هو عملية تعويض سلعة باخری او ساعة بثمن خاص، وعندما يبيع الدنيوي آخرته (وهي الدار الأبدية الخالدة التي يجاور بها الانسان، الله تعالی) يبيعها بدار فانية، حينئذ فلا تتصور الخسارة البتة انها خسارة فادحة تفوق أية تصورات حيالها، فالدنيا بسنواتها المعدودة لاتقاس بالآخرة التي لاحدود لأمدها، انها حياة خالدة، فما اشد الخسارة اذا ما باعها الانسان بدنيا لها عمرها المحدود ومتاعها العابر؟
اذن ما أعمق واطرف هذه الاستعارة التي استخدمها النبّي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir