التاريخ: 2010/03/16
حديث: (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله تعالی).
نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام): الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله تعالی.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من الوضوح بمكان كبير، حتی ان قارئ الدعاء لا يحسب بأن هذا الحديث يحتاج الی التعقيب عليه، ولكننا لا نری ذلك بل ان وضوح الحديث لا ينفصل فيه عن عمق دلالته التي قد تكون مضببة المهم، يتعين علينا ان نحدثك عن هذا، ونبدأ لنحدثك عن دلالته، ثم بلاغته متمثلة في الصورة التشبيهية التي قدمّها الامام الصادق (عليه السَّلام)، حيث قارن بين الكاد علی عياله وبين المجاهد في ساحة القتال. والسؤال الآن عن الدلالة، فماذا نستلهم؟
بلاغة الحديث
لعل الحديث عن دلالة النص المذكور لا ينفصل عن بلاغة ذلك، لأن المقارنة بين الكاد علی عياله وبين المجاهدين في سبيل الله، تتظافر دلالته وبلاغته من نفس التشبيه. اذن لنتحدث عن ذلك، فنقول: بالنسبة الی الجهاد يظل الموضوع لا افضلية عليه من سائر السلوك العبادي، لأن الاحاديث الشرعية ذاتها تقررّ ان فوق کل طاعة طاعة، ولكن لا طاعة فوق الجهاد او القتل، والسّر واضح في ذلك، لأن الانسان يتركب من جملة دوافع وحاجات وغرائز، حيث تظل الحاجة الی الحياة، اقواها، لأن سائر الحاجات لا قيمة لها اذا لم تكن هناك حياة تنظمها، والآن مع معرفتنا بأن الحاجة الی الحياة، ثم الامن، تظل في مقدم حاجاتنا حينئذ عندما يشبّه الامام الصادق (عليه السَّلام) هذه الحاجة بمن يكد علی عياله او العكس كما هو الملاحظ، حينئذ نتساءل: ما هي العناصر المتوازنة في (الموقف)، أي التشابه بين الكاد علی عياله وبين المجاهد؟
من البيّن، ان العائلة تتألف من اب وام واطفال، ومع معرفتنا بأن الرجال قوامّون علی النساء، حينئذ فإن المرأة والاطفال لا معيل لهم إلا الرجل، واذا عرفنا ان (الحاجة الی الحياة) لا يمكن اشباعها او بالاحری لا يمكن استمرارية الحياة بدون المطعم والملبس والمسكن... الى آخره، وعندئذ فإن الرجل حينما يوفرّ هذه الاشباعات يكون بذلك قد احيا العائلة، اي: ان (الحاجة الی الحياة) وهي اقوی الحاجات قد توازنت لدی کل من الكادّ والمجاهد، هذا وفر الحاجة، وذلك ضحّی بها من أجل ما هو اعلی ألا وهو رضاه تعالی، والكاد علی عياله كذلك، انه يتعب نفسه، ويضحّي براحته من اجل ما هو اغلی وأحب من (الذات) و(الانا)، ألا وهو رضاه تعالی. اذن يشترك الكاد والمجاهد في التضحية مع ملاحظة ان احد انماط التضحية، هو العمر، والآخر، هو الراحة.
اذن امكننا ان نتبين مدی جمالية وعمق التشبيه الذي قدّمه الامام الصادق (عليه السَّلام) في المقارنة بين الكاد والمجاهد، حيث تظل (الحاجة الی الحياة) منسحبة علی الشخصين المذكورين، مع الفارق بينهما، حيث يضحي ّ احدهما بالحاجة المذكورة من اجل الغير، ويحقق الآخر تلكم الحاجة لسواه، اي: ان كليهما يعمل لا لذاته بل من اجل الله تعالی.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir