طباعة

نور وبلاغة الحلقة (١٠٢) - قال الامام الهادي (ع): لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه.

التاريخ: 2010/04/28
حديث: (لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه).


نص الحديث
قال الامام الهادي (عليه السَّلام): لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه.


دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتناول العلاقة بين الناس، من حيث العلاقات المباشرة بينهم او ما يسّمی في لغة علم الاجتماع: علاقة المواجهة، وهي عادة تتم بين الصديقين أو الزميلين او مطلق العلاقات المباشرة في نطاق الاسرة والجوار والزمالة والادارة والدراسة، حيث انّ الطبيعة البشرية مادامت معرّضة للسلوك السلبي حينئذ فمن المتوقع ان تترتب الآثار علی ذلك، كالتوتر أو الانفصال بين الطرفين. من هنا، فإن المبادئ الاسلامية طالما ترشد الآخرين الی ما يوثق العلاقة بين الاطراف الی درجة انها تحث المظلوم مثلاً ان يذهب الی صديقه الظالم، ويقول له انا الظالم حتی يحمله علی الصلح بينهما، حرصاً علی العلاقة بين الطرفين.
والمهم، هو: ان الحديث المتقدم يتناول نمطا آخر من العلاقات المتوترة، وهو مطالبة الظالم هنا (وليس المظلوم) بأن يقـّدر الموقف ويعالجه في ضوء التبادل بين الطرفين علی مستوی التوازن في تقديم الخدمات للطرف الآخر، وهذا يتجسد في مطالبة من آذی صديقه مثلاً بألا يتوقع مبادلته بالعكس، وهو: التعامل بالمعروف: مادام الظالم يتعامل بالمنكر.
طبيعياً: ان التعاليم الاسلامية تطالب بالسماح والعفو مقابل الاساءة، ولكن الطبيعة العامة للبشر، هي: ان يكون التبادل بالمعروف مشتركا بين طرفي القضية، ولذلك قال الامام الهادي (عليه السَّلام) بما مؤداه: (لا تطلب الاحسان لمن أسأت اليه)، والمهم بعد ذلك، هو: ملاحظة هذا الحديث من حيث بلاغته.


بلاغة الحديث
لقد استخدم الحديث المتقدم: الصورة الرمزية لتجسيد المفهوم القائل بألا نطلب الاحسان ممن نسيیء اليه والرمز هنا هو كلمة (الصفا) وكذلك كلمة (كدرت) في عبارة (لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه)، فالصفا هو صفاء الماء مثلاً، والكدر هو: عدم صفائه بل اتشاحه بالاوساخ، وهما رمزان طريفان بالنسبة الی ظاهرتي الاحسان والاساءة، حيث يرمز الصفاء الی الاحسان، ويرمز الكدر الی الإساءة، وبذلك تتوهج بلاغة الحديث من خلال ملاحظة الماء الكدر المتشح بالوسخ حيث يتعذر صفاؤه من الوسخ، ولذلك فان المطلوب، هو: اما السعي لإزالة الكدر بشكل او بآخر من وسائل التصفية، أو الشروع بتقديم الماء الصافي، حتی يستطيع الطرف الآخر بمواصلة علاقته الصافية مع الاول.

*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir