الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومُنكري فضائلهم أجمعين .
نزلَ القرآن الكريمُ في بيوتٍ طَهُرت وطابتْ ، وأُذِن أنْ تُرفعَ ، في بيوتِ آل محمّد الطاهرة التي خصّها اللهُ تعالى بالكرامةِ والنجابة دون سِواه ، وناغمها تعالى بآياتٍ قرآنيّةٍ شريفةٍ باقيةٍ ما بقي الدهرُ ، تُتلى في آناءِ الليل وأطراف النهار دون بيوت العالمين ، ولذا نراهم ( عليهم السلام ) هُم أعرف وأعلمُ بكتاب الله تعالى مِن غيرهم على الإطلاق ، حتّى أنّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول : ( لو كُسِرتْ لي الوسادةُ ، ثمّ جلستُ عليها ، لقضيتُ بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، واللهِ ما مِن آيةٍ أُنزلت في برٍّ أو بحرٍ ، ولا سهلٍ ولا جبلٍ ، ولا سماء ولا أرضٍ ، ولا ليلٍ ولا نهارٍ إلاّ وأنا أعلم فيمَنْ نزلت وفي أيّ شيءٍ نزلتْ ) (1) .
وأخرج أبو نعيم في حِلية الأولياء عن الإمام عليّ ( عليه السلام ) أنّه قال : ( واللهِ ما نزلتْ آيةٌ إلاّ وقد علِمتُ فيمَ نزلت ، وأين نزلتْ ، وإنّ ربّي وهبَ لي قلباً عقولاً ، ولساناً سؤولاً ) .
وأيضاً أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال : ( إنّ القرآن اُنزِلَ على سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ ، إلاّ وله ظهرٌ وبطن ، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن ) .
وهناك قولٌ يُنسب إلى الأمير (عليه السلام ) : ( لو شئِتُ أنْ أوقر سبعين بعيراً مِن تفسير أُمّ القرآن لفعلتُ ) (2) .
ومِن ثَمَّ فهُم ترجمان وحي الله تعالى ، وعِدلُ كتابه ، والكتاب الناطق ، هذا ما يُثبته حديثُ الثقلين : (...أنا تاركٌ فيكم الثقلين ، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور... ، وأهل بيتي أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكرّكم الله في أهل بيتي )(3) .
فهُم إذاً المبيّنون والموضّحون والمفسّرون لمفردات القرآن العظيم ؛ لأنّ كتاب الله بحاجةٍ إلى مُفسّرٍ ومبيّنٍ ومُترجمٍ .
فمِن الأولى أنْ يكون عِدله ونظيره ، هو المبيّن والمفسّر والعالِم والعارف به دون غيره ، وبعبارةٍ أُخرى نستطيعُ القولَ : إنّ أهل البيت ( عليهم السلام ) هُم المقصودون والمعنيّون والمشارُ إليهم في خطاباته تعالى ، بل وفي بيوتهم نزلَ الكتابُ ، وأهل البيتِ أدرى بما في البيت .
ومِن هذا المنطلق نجدُ أهلَ البيت ( عليهم السلام ) على مرِّ الأيّام يُفسّرون القرآن وكلام الله على أحسنِ وأتمِّ وجه ، والكلُّ يرجع إليهم بلا استثناء ، ولا نجدُ العكسَ حتّى أنّ ابن عبّاس الذي يُعَد مِن أبرز المفسّرين مِن الصحابة وأئمّتهم كان تلميذاً لعليٍّ ( عليه السلام ) يقول : ( ما أخذتُ مِن تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب ) .
وفي الوقت نفسه نرى العلماءَ مِن الفريقين الخاصّة والعامّة قد اهتموا وفسّروا القرآن الشريف بالمأثور والمنقول ، كتفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ، والعيّاشي ، وفرات الكوفي ، وكنز الدقائق لابن المشهدي ، والبرهان للسيّد هاشم البحراني ، ونور الثقلين للشيخ عبد علي الحويزي ، وغيرهم من الإماميّة الذين فسرّوا الآيات بأهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومِن العامّة كالحسكاني في شواهد التنزيل ، والأصفهاني في النور المشتعل ، والواحدي في أسباب النزول .
وأيضاً هناك تفاسير مُبعثرة مِن هنا وهناك يُعتمد عليها عند العامّة في مجال البحث والتنقيب العلمي ، وهذه التفاسير قد فَسّرتْ بعضَ الآياتِ الشريفة بأهلها الحقيقيّين هُم آلُ محمّد ( عليهم السلام ) ، فحاولنا أنْ نجمعَ ونلملِمَ هذه الآيات من بين طيّات التفاسير المهمّة والمعتمدة عندهم ، منها :
1- جامعُ البيان في تفسير القرآن (للطبري) ، لأبي جعفر محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري المتوفّى 310هـ ، واعتمدنا على المطبوع في مصر والمتألّف من 30 جزءاً .
2- الكشفُ والبيان عن تفسير القرآن (للثعلبي) ، هو لأبي إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري المُقرئ المتوفّى في سنة 427هـ .
3- معالم التنزيل (للبغوي) ، لأبي محمّد ، الحسين بن مسعود بن محمّد المعروف بالفرّاء البغوي الشافعي المتوفّى في سنة 516 ، واعتمدنا على المطبوع في بيروت والذي يقع في 4 أجزاء .
4- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، (للزمخشري) لأبي القاسم محمود بن عمر بن محمّد بن عمر الخوارزمي الحَنَفَي المعتزلي الملّقب بجار الله ، والمتوفّى في سنة 538هـ ، واعتمدنا على الطبعة المصريّة في عام (1948م) .
5- مفاتيحُ الغيب (للرازي) هو لأبي عبد الله ، محمّد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن عليّ ، التميمي البكري الطبرستاني
الرازي الملقّب بفخر الدين ، والمعروف بابن الخطيب الشافعي المتوفّى في سنة 606هـ .
6- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (للبيضاوي) .
هو : لقاضي القضاة ناصر الدين أبو الخير ، عبد الله بن عمر بن محمّد بن علي البيضاوي الشافعي المتوفّى 691هـ ، الذي يقع في مجلدين المطبوع في مصر عام 1968م .
7- الجامع لأحكام القرآن (للقرطبي) هو : لأبي عبد الله محمّد بن أحمد بن أبي بكر ، الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي ، المتوفّى 761هـ ، المتألّف من (20) جزءٍ اً المطبوع في مصر عام ( 1950م ) .
8- تفسير القرآن العظيم (لابن كثير) هو :
للحافظ عماد الدّين ، أبو الفداء ، إسماعيل بن عمرو بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصري الدمشقي ، المتوفّى 774هـ ، الذي يقع في (5) مجلدات ، المطبوع في بيروت .
9- الدرُّ المنثور في التفسير بالمأثور (للسيوطي) هو :
للحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمان بن أبي بكر بن محمّد ، السيوطي ، المتوفّى في سنة 911هـ ، المتألّف من (4 أجزاء) والمطبوع في مصر .
10- روح البيان هو :
للعلاّمة الشيخ إسماعيل حقّي البروسي
المتوفّى (1137هـ) ، المتألّف من ثلاثين جزءاً ، واعتمدنا على الطبعة العثمانيّة لسنة 1330هـ .
11- روح المعاني هو :
للعلاّمة أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمّد الآلوسي ، المتوفّى سنة (1270هـ) ، المتألّف من ثلاثين جزءاً ، واعتمدنا على الطبعة المصريّة التي طُبعت بالمطبعة المنيريّة في سنة 1345هـ .
12- تفسير القاسمي المسمّى بـ(محاسن التأويل) هو :
لعلاّمة الشام محمّد بن جمال الدين القاسمي ، المتوفّى (1322هـ) ، المتألّف من (17) جزءاً واعتمدنا على طبعة إحياء التراث العربي في بيروت لسنة (1415هـ) .
ورُتّبت هذه التفاسير على حسب القِدَم والأهميّة .
فمن وحي المسؤوليّة العقائديّة والوظيفة الشرعيّة ، ولوجود بعض الفراغات التي لابدَّ أنْ تُملأ بما يتناسبُ مع حجم الحاجة إليه ، وتلبيةً إلى أمر الله تعالى الذي صدعَ بحبِّ آل محمّد (عليهم السلام) مراراً وتكراراً في القرآن ، حيث قال تعالى في سورة الشورى : (.. قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى... ) ، قمنا بهذا العمل المبارك الذي يصبُّ في بحر آل محمّد (عليهم السلام) المتلاطم الزخّار ، ولأهمّية هذا العمل في إثبات معارف ومقامات أهل البيت
(عليهم السلام) ، وبالتالي تكون الحجةُ دامغةً ، ومن فمِكَ أدينُك ، ولإثبات أنّهم (عليهم السلام) هُم المعنيّون والمقصودون بكتاب الله تعالى .
واستمرَّ العمل بهذا المشروع من ( الثامن عشر من ذي القعدة 1420هـ إلى الثالث والعشرين من ذي الحجّة 1426هـ ) ولكنْ مرَّ العملُ بعدّة منعطفات ؛ لعدم استقرار الحال ، وفقدان المصادر ، وما شابه من الأعذار ، فرغم هذا وذاك حملنا على كلِّ الأعذار التي كانت أمامنا بقلم المحبّة والولاء لآل البيت النجَبَاء (عليهم السلام) ، وخضنا غمارَ التفسير والمفسّرين كي نستخرجَ جواهرَ ودررَ آلِ محمّد (عليهم السلام) ، بعدما غُيّبت وتراكَم عليها غبارُ التاريخ لأسبابٍ سياسيّة دنيويّة ، وأيضاً عرفنا من خلال جولتنا التفسيريّة نفوس المفسّرين ، فوجدنا أمرضهم نفساً وأشدّهم بُغضاً لآل البيت وشيعتهم الكرام (ابنَ كثير) ، وأحسنهم عدلاً وإنصافاً (الثعلبي) .
وقدّمنا هذا البحث للمؤتمر السنوي للشيخ الطوسي (قدّس سره) الذي ينعقد في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في مدينة قم المقدّسة ، في عام 1426هـ فحازَ على الرتبة الثالثة في المؤتمر الموقّر .
فكلُّ هذا من فضلِ ربّي ونعمة منه سبحانه وتعالى ، وتسديداً من الأرواح الطاهرة (عليهم السلام) ؛ لأنّ العمل لهم لا غير .
وفي الختام نرفع أيادينا شكراً لله
تعالى ، ونستغفره عمّا صدر منّا من زللٍ وخطأ ؛ لأنّ العصمة لأهلها ، وأيضاً نعتذرُ من القارئ الكريم لما يجد من خللٍ غير مقصود ، والحمد لله ربِّ العالمين .
نزار الحسن
2 محرّم الحرام 1427هـ
قـم المقدسة
المقدّمة
- الزيارات: 1961