• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدمة الطبعة السابعة


(   رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْري * يَسسِّرْ لِي أمْري * وَاحللْ عُقْدَةً مِنْ لِساني * يَفْقَهُوا قَولِي )    (1)

من الواضح الغني عن البيان ما وصلت اليه حالة المسلمين ، ولا سيَّما في هذه القرون الأخيرة ، من الضعف والسقوط والذلَّة ، وتحكُّم الاجانب بهم وإستعبادهم ، واستملاك أراضيهم وديارهم ، وجعلهم خولاً وعبيداً ، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم ، وليستغلُّونهم بوضع الاغلال في أعناقهم ، إلى ما فوق ذلك من الهوان والخسران ، ممّا لا يحيط به وصف واصف ، ولا تستطيع تصويره ريشة مصوِّر ، كلُّ ذلك جلي واضح كوضوح أسباب ذلك ، وانَّ السبب الوحيد هو : تفرُّق كلمة المسلمين ، وتباغضهم وتعاديهم ، وسعي كل طائفة منهم لتكفير الآخرين ، فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم ! ! وما هو إلاّ الجهل المطبق ، والعصبية العمياء. فالجهل يمدهم ويطغيهم ، ومكائد الاجنبي المستعبِّد تشدهم وتغريهم .

وقد أفاضت أقلام الاعلام والخطباء ، وطفحت الصحف والمؤلَّفات في هذا الموضوع ، حتى أوشك أنْ يكون من الاحاديث التي صار يمجها الطبع ، وينبو عنها السمع ، لان الطبع موكل بمعاداة المعادات ، وكراهة المكررات . على إنَّك تجده بأوفى بيان في الكلمة الآتية التي كنّا جعلناها كمقدمة للطبعة الثانية وعنوانها : « كيف يتحد المسلمون » أو « كلمة لا بُد منها في الاصلاح ».

وإنَّما المقصود بالبيان في هذه الكلمة إنَّنا لمّا وجدنا قبل هذا أنَ المسلمين بالحال التي وصفنا ـ وليس المسلمون اليوم في رقعة هذه الكرة سوى طائفتين : السنَّة والشِّيعة ، وكلُّ المذاهب والطوائف المختلفة في الاسلام لابُدَّ وأنْ ترجع وتندمج في الاولى أو الثانية ، حيث يصح إطلاق إسم الاسلام عليها ـ ووجدت أنَّ الشِّيعة ـ وأخص علمائهم ـ يعرفون مذاهب اخوانهم السنِّيين كمعرفتهم بمذاهبهم ، حتى ألَّفوا الكتب الكثيرة بذلك : كالانتصار للسيِّد المرتضى ، والخلاف للشَّيخ الطوسي ، والتذكرة للعلامة الحلِّي ، واضعافها لغيرهم ، أمّا السنَّة فلا يعرف حتى علماؤهم ـ فضلا عن عوامهم ـ شيئاً من حقيقة الشِّيعة وواقع أمرهم ، بل لم على العكس يرون أنَّهم خارجون عن حظيرة هذا الدِّين ، وأنَّهم جمعية هدّامة ! ! وينسبون كلَّ فضيعة اليهم ، فإذا وجد الشِّيعة ذلك في كتب القوم يدفعهم الحقد والغضب ، فيقابلونهم بمثل ذلك ، أو بما هو اسوأ منه. . . وهكذا تمزَقت الوحدة ، وتفرَّقت الكلمة ، وصار ذلك قرَّة عين المستعمر ، وبلغ بهذا أقصى أمانيه .

فرأيت يومئذٍ أنَّ الحاجة ماسة ، والضرورة ملحة ، والواجب يُحتم تأليف رسالة وجيزة توضِّح للمسلمين : اُصول عقائد الشِّيعة وفروعها ، ومبدأ تكوِّنها ، وغارس بذرتها ، وأسباب نموِّها وسموِّها. بصورة موجزة ، وعبارة دارجة ، فألَّفت رسالة « أصل الشِّيعة واُصولها » وجريت فيها على عفو الخاطر ، وجري القلم . أمليتها إملاءاً ، من غير تجديد مراجعة ، أوتزويد مطالعة ، إذ لم يكن الغرض فيها الجدل والاحتجاج ، وإقامة الادلَّة والبراهين ، بل مجرُّد ذكر رؤوس المسائل ، ومتن اُصول المذهب وفروعه ، ليعرف الناس مكانته في الاسلام ، وشدَّة علاقته بالدِّين ، وقواعده الاساسية .

وما كنّا نحسب أنْ تحظى تلك الرسالة بهذا الرواج ، ويحصل لها هذا الاقبال الواسع ، حيث تُرجمت إلى عدَّة لغات ، وطُبعت أربع بل خمس مرَّات ، ولكن . . . ومن الاسف المضني أنَّ الحال لا يزال على ذلك المنوال ، ولم يُخفِّف انتشار الكتاب شيئاً من غلواء القوم ، ولم يكسر من شدة سورتهم ، ولم تبرح أقلام الاساتذة المصريين في كلِّ مناسبة تطعن بالشِّيعة ، وتنسب اليهم الاضاليل والاباطيل التي كانت تُنسب اليهم في العصور المظلمة والقرون الوسطى ، عصر ابن خلدون ، وابن حجر ، واضرابهما ، مع أنَّ الكتاب « أصل الشِّيعة » قد طُبع في القاهرة « الطبعة الثالثة » ووزِّعت كلّ نسخه هناك .. .

أفما كان من الجدير ـ أو الواجب ـ أنْ يُغيِّر اللهجة ، ويخفف الوطأة ؟ ! كلا ، بل الشِّيعة لا تزال هي تلك الطائفة أهل البدع والاهواء ، والسحنة السوداء !! وقد سرى بغضهم والطعن فيهم إلى الخلفاء الفاطميين . . . لماذا ؟ لأَنَّهم شيعة ، ولأنهم روافض فهم أدعياء في النسب ، قرامطة في المذهب ، ينتهي نسبهم إلى يهودي في قول بعض ، وعقائدهم إلى ملحد ! ! هذا مع ما للفاطميين من الخدمات الكبرى للاسلام عموماً ولمصر خصوصاً ، فقد نشروا العلم والثقافة في مصر ، ورفعوا منار المعارف ، وشيَّدوا الجوامع والمساجد ، وأنشأوا الاَساطيل والمدافع لدفاع المهاجمين عن بلاد الاسلام . . . ألا يستفزك العجب من حملات المصريين على الفاطميين وانت وهم يعلمون أنَّ درة تاج مفاخر مصر ، وغرَّة جبين مآثرها هو : « الجامع الازهر »(2) وهو من مآثرهم ومنشآتهم . ذلك العهد الجليل ، الميمون النقيبة ، المبارك اللقب ، الاغر الطلعة ، الذي تخرج منه المئات من كبار العلماء والسّاسة ، أمثال : الشيخ محمَّد عبده ، وسعد زغلول ، ونظائرهما ممَّن كبرت وكثرت خدماتهم لمصر وللإِسلام . وإنَّ بقاء هذه المؤسسة الدينية اكثر من ألف سنة ، وما نالته وتناله كلّ سنة من الحظ والتوفيق للإتساع والرقي ، لأقوى شاهد على إخلاص بانيه ، وروحانية مؤسسيه ، وأنَه ممدود بالعناية ، ومحفوف بالالطاف الألهية . ولكن الاسف المؤلم أنَّ الفاطميين مع ذلك كلِّه عند المصريين أدعياء في النسب ، قرامطة المذهب ، ملاحدة في الدين ، لانَّهم روافض ، ولانهم شيعة ، ومن الشّيعة أخذوا عقيدة الوصية لعلي بن أبي طالب عليه السَّلام ، وقد أنكرها هو ولم يرضها في حياته كما لم يرض غيرها من الالقاب التي وضعها الشِّيعة له . . . ! !

والشِّيعة هم الذين يقفون بعد صلاة المغرب كلّ ليلة على باب السرداب فى سامراء ويهتفون بإمامهم المنتظر : اًخرج اُخرج . . . ! ! إلى آخر ما ذكره الاسّتاذ الفاضل في كتاب : « الحركة الفكرية » الذي طبع قريباً(3) .

والمدهش الغريب أن سامراء بلدة سنِّية ، وجامع الغيبة الذي فيه السرداب ـ ولا يزال ـ في تصرُّف السنّيين ، يقيمون تحت قبته جمعتهم وجماعتهم في الاوقات الخمسة ، ولا نصيب منه للشِّيعة ، إلا الاستطراق والدخول فيه للزيارة والصلاة والدعاء ، لأن ثلاثة من أئمتهم كانوا يتهجّدون فيه بالاسحار ، ويتفرغون فيه لعبادة الحقِّ آناء الليل وأطراف النهار . كان عيشهم عليهم السَّلام للزهادة ، وليلهم للتهجّد والعبادة ، ونهارهم للتعليم والافادة . نعم ، كانوا يُحيون الليل بالتهجُّد والعبادة في تلك البلدة ، وفي عين الوقت الذي كان فيه المتوكِّل ، خليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين يحيي الليالي الطوال في الخمر والشراب مع المغنِّيات والراقصات ، وأهل المجون والخلاعة ، كعبادة المخنَّث وغيره ، إلى أنْ هجم عليه الاتراك وقطَّعوه هو ووزيره الفتح بن خاقان بسيوفهم وهم سكارى لم يفيقوا إلاّ بحَرِّ السيوف ، حتى اختلط لحم الخليفة بلحم الوزير ، ولم يتميَّز أحدهما منَ الاخر(4) ، وإلى هذا أشار ملك الشًّعراء وأشعر الملوك ، البطل الفارس أبو فراس ، يخاطب بني العبّاس في شافيته المعروفة :

مِنكُم عَليةَ أمْ منهُمْ وَكانَ لَكُم * شَيخُ المُغَنِّينَ إبراهيمَ أمْ لَهُمُ
تَبدو التلاوَةُ مِنْ أبياتِهِمْ سَحراً * وَمِنْ بُيُوتكُمُ الاوتار وَالنَّغَمُ



فهل يُلام الشِّيعة على تقديس منازل أئمتهم وبيوتهم التي أذن الله تعالى أنْ ترفع ويُذكر فيها اسمه ؟

ولنتراجع إلى المقصود بالبيان ، وهو إنَّنا كنّا نأمل بنشر ذلك الكتاب الوجيز أنْ نرى أثره المحسوس ، ومفعوله الملموس ، في تعديل الخطة ، وتلطيف اللهجة ، وتقارب الفريقين ، فلم نجد إلا ما يوجب اليأس ، ويحطِّم الامل ، وعرفنا أنَّ تلك العقائد والآراء صارت طبيعة موروثة للقوم ، لا يستطيعون نزعها والنزع عنها « وتأبى الطباع على الناقل ».

ولا لوم على عوام الفريقين في سوء الظن ، كلُّ فريق بالآخر ، وعداوته لأخيه ، إنَّما اللائمة على العلماء والعقلاء الذين يؤججون نار العداوة والبغضاء وقد جعلهم الله إخواناً وجعل دينهم دين التوحيد والوحدة .

ومع هذا الاسف المؤلم ، واليأس البليغ ، طلب مني جماعة ـ اخص بالذكر من بينهم ولدي محمَّد كاظم الكتبي ـ الاذن بطبعته السابعة ، وأنْ نضيف اليه بعض الاضافات والاصطلاحات ، وأنْ نتوسَّع بعض التوسُّع فيه ، فأجزنا إعادة طبعه ، على يأس من الفائدة المتوخاة ، وأضفنا في بعض أبوابه الشيء اليسير الذي لا يخرجه عن الايجاز ، لأننا نجد إنَّ الايجاز في هذه العصور أقرب إلى القبول .
( رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلْنا وَإليكَ أنَبنا وَإليكَ المَصيرُ ) (5)



___________________
(1) طه 20 : 25 ـ 28 .
(2) يُعد الجامع الأزهر ـ وذلك مما لا خلاف فيه ـ من المآثر الاسلامية الخالدة التي استطاعت ـ ورغم تقادم الدهور والعصورـ أنْ تبقى شاخصة ثابتة تحكي للاجيال مآثر الحقب والسنين التي شهدت اشراقة شمس الاسلام على بعض الدول والمدن رغم ما أحاط بهذا الدين العظيم من الكيد والمحاربة .
والجامع الازهر كان ثمرة واحدة من تلك الثمار المباركة والطيبة ، حيث اُنشأ في زمن الدولة الفاطمية ، واُسمي بالأزهر تبركاً باسم سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها آلاف التحية والسلام .
بنى هذا المسجد جوهر الصقلي ، قائد جند أبي تميم معد بعد عام من فتح الفاطميين لمصر واقامتهم لدولتهم فيها عام ( 359 هـ ) ، وحيث تم بناؤه وأُقيمت أوّل صلاة جمعة رسمية فيه في يوم الجمعة سابع شهر رمضان عام ( 361هـ ـ 972 م ) ، وكانت تُقام قبل ذلك تارة في جامع عمرو ، وتارة في اًخرى في الجامع الطولوني .
بقي المسجد آنذاك محطة للمصنَين وطلبة للمصِّلين ، وحيث عُقدت بعد تأسيسه ببضع سنين أوَّل حلقة للدرس من قبل قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان القيرواني ، حيث قرأ آنذاك مختصر أبيه في فقه آل البيت عليهم السَلام ، وكان ذلك في صفر عام ( 365 هـ ـ 975 م ) .
بقي هذا المسجد يتلقى الرعايا والعناية من قِبل الحكّام الفاطميين ، وحيث زاد في بنائه المستنصر والحاكم ووسَعا فيه ، وكان يقابلهم كثرة توافد الطلبة والدارسين على طلب العلم في اروقته ، والتزود من أساتذته ، وبقي هذا الحال ردحاً من الزمن ، حتى انقضت دولة الفاطميين وجاء صلاح الدين الأيوبي ، فشهر سيفه ـ وذلك ممّا يؤسف له ـ لمحاربة الشِّيعة وقتلهم تحت كلِّ حجر ومدر ، وطمس اثارهم ومآثرهم ، وكان نصيب الازهر من ذلك منع الخطبة فيه ، وقطع الكثير ممّا أوقفه عليه الحاكم ، واستمر ذلك ما يقارب القرن من الزمان حتى أمر الملك الظاهر بيبرس باعادة الخطبة فيه ، وشجع على التعليم في أروقته ، بل وزاد بعض الشيء في بنائه .
وهكذا فقد شهد الأزهر وطوال الحقب الماضية أشكالاً مختلفة من المد والجزر ، تأثراً بالأحداث المختلفة التي أحاطت به وبالعالم الاسلامي ، ولكنًه بقي أثراً خالداً شاهداً على تلك الحقبة الماضية التي تولى فيها الفاطميون حكم مصر وادارة شؤونها
(3) الكتاب من تأليف الدكتور عبداللطيف حمزة .
(4) اُنظر : مروج الذهب 5 : 37 ، الكامل في التأريخ 7 : 95 ، تأريخ الطبري 9 : 226 .
(5) الممتحنة 60 : 4.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page