ثم تلاهم أعاظم المؤرِّخين وأثباتهم ، وكلُّهم من الشِّيعة ، كأحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب ( المحاسن ) ، ونصر بن مزاحم المنقري ، وإبراهيم بن محمَّد بن سعيد الثقفي ، وعبدالعزيز الجلودي البصري الامامي ، واليعقوبي أحمد بن يعقوب المطبوع تاريخه في اوروبا وفي النجف ، ومحمَّد بن زكريا ، وأبي عبداللهّ الحاكم المعروف بابن البيع ، والمسعودي صاحب ( مروج الذهب ) ، ومحمَّد بن علي بن طباطبا صاحب ( الاداب السُّلطانية )(1)،وكثير من أمثالهم ممَّن يضيق التعداد عن حصرهم.
ثمَّ اعطف نظرك على أشهر شعراء الاسلام ، وذوي الرايات والأعلام منهم ، فهل تجدهم إلاّ من الشِّيعة ، وهم على طبقات :
الأُولى: طبقة الصَّحابيين : وأعاظم شعراء هذه الطبقة كلّهم من الشِّيعة ، أوَلهم النابغة الجعدي ، شهد مع أمير المؤمنين عليه السَّلام صفين ، وله فيها أراجيز مشهورة(2) ، وعروة بن زيد الخيل ، وكان معه بصفين أيضاً ( راجع الاغاني )(3) ، ولبيد بن ربيعة العامري نصَّ جماعة على تشيِّعه (4) ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة المشهور ، وابو الأسود الدؤلي ، وكعب بن زهير صاحب ( بانت سعاد ) ، وكثير من نظرائهم .
الطبقة الثانية: المعاصرة لطبقة التابعين : كالفرزدق ، والكميت ، وكثير عزَّة ، والسيِّد الحميري ، وقيس بن ذريح وأقرانهم .
الطبقة الثالثة: من بعدهم من أهل القرن الثاني : كدعبل الخزاعي ، وأبي نؤاس ، وأبي تمّام ، والبحتري ، وديك الجن عبدالسلام ، وأبي الشيص ، والحسين بن الضحّاك ، وابن الرومي ، ومنصور النمري ، والأشجع الأسلمي ، ومحمَّد بن وهيب ، وصريع الغواني.
وبالجملة : فجلّ شعراء الدولة العبّاسية في هذا القرن والَّذي بعده كانوا من الشِّيعة ، عدا مروان بن أبي حفصة وأولاده .
وكذلك الطبقة الرابعة أهل القرن الرابع من الثلاثمائة فما بعد : مثل متنبي الغرب ابن هاني الأندلسي ، وابن التعاويذي ، والحسين بن الحجّاج صاحب المجون ، والمهيار الديلمي ، وأمير الشعراء الَّذي قيل فيه : بُدى الشِعر بملِك وختِم بملِك ، وهو أبو فراس الحمداني . وكشاجم ، والناشئ الصغير ، والناشئ الكبير ، وأبو بكر الخوارزمي ، والبديع الهمداني ، والطغرائي ، وجعفر شمس الخلافة ، والسري الرفاء ، وعمارة اليمني ، والوداعي ، والخبز أرزي ، والزاهي ، وابن بسّام البغدادي ، والسّبط ابن التعاويذي ، والسَّلامي ، والنامي .
وبالجملة : فأكثر شعراء ( يتيمة الثعالبي ) ـ وهي أربع مجلدات ـ من الشِّيعة ، حتى اشتهر وشاع من يقول : ( وهَلْ تَرى مِنْ أديبِ غيرَ شيعي ) .
وإذا أرادوا أنْ يُبالغوا في رقة شعر الرجل وحسنه قَالوا : يَتَرفَّض في شعره .
وقد يُعدّ المتنبي وأبو العلاء أيضاً من الشِّيعة ، وربما تشهد بعض أشعارهم بذلك ، راجع الجزء الثاني من ( المراجعات الريحانية )(5) وافهم هذا وتدبَّر.
هذا سوى شعراء الشِّيعة من قريش خاصة ، مثل : الفضل بن العباس ابن عتبة بن أبي لهب ، المُتَرجَم في الأغاني وغيره ، وكأبي دهبل الجمحي وهب بن ربيعة.
أو من العلويين خاصة . كالشريفين الرَّضي والمرتضى ، والشريف أبي الحسن علي الحِمّاني بن الشريف الشّاعرِ محمَّد بن جعفر بن محمَّد الشَّريف بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السَّلام وكلّهم شعراء ، وكان الحِمّاني يقول : أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر. ومحمد بن صالح العلوي الَذي ترجمه في الأغاني وذكر له نفائس الشعر (6) ، والشريف ابن الشجري . . . الى كثير من أمثالهم من شعراء الشيعة العلويين .
راجع كتاب ( نَسمة السحر فيمن تَشيَّع وشعر ) (7) للشريف اليماني تجد نبذة صالحة منهم .
بل ومن شعراء الأمويين الشيعة : كعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان ابن الحكم (8) ، وخالد بن سعيد بن العاص ، ومروان بن محمَد السروجي أموي شيعي ، هكذا ذكره الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) على ما يخطر ببالي وأنشد له :
يَا بَني هاشِمَ بن عبد مُنافٍ * انَّني (مِنكًم)(9) بكُلِ مَـكانِ
أنتـمُ صـَفوةُ الإلهِ وَمِنكُم * جعفرٌ ذُو الجَناَحِ وَالطـَّيرانِ
وعــليٌ وحمزةُ أسدُ اللهِ * وبنت النبي وَالـحسنـــانِ
ولئـِنْ كنتُ مِنْ اُميّة اني * لَبَريءٌ مِنهُم الى الرَّحمنِ (10)
وكأبي الفرج الأصبهاني صاحب ( الأغاني ) و ( مقاتل الطالبيين ) ، وكالأبِيوَرْدي الأموي الشّاعر المشهور صاحب ( النجديات ) و ( العراقيات ) ، وغيرهم ممَّن لا تحضرني السّاعة أسماؤهم ، وكنت [ قد ] وقفتُ على جماعة من الشَّيعة الأمويين ، ولكنِّي اكتب هذا الكتاب على جري القلم ، وترسّل الطبع ، وما هو العتيد الحاضر في الخاطر ، من دون تجديد مراجعة كتاب أو مطالعة باب.
___________
(1) الاداب السلطانية والدول الاسلامية ، ويعرف باسم ( الفخري في الآداب ) .
قال عنه الطهراني رحمه الله في الذريعة ( 16 : 125 ) : هو في تاريخ الخلافة الاسلامية إلى انقراض بني العبّاس وتسلّط هولاكو على بغداد في ( 656 هـ ) .
ألفه في مدة أوّلها جمادى الآخرة سنة ( 701 هـ ) واخرها خامس شوال من السنة المذكورة في الموصل الحدباء باسم واليها فخر الدِّين عيسى بن ابراهيم .
(2) روى نصر بن مزاحم في وقعة صفين ( صفحة355 ) للنابغة الجعدي جملة من الابيات الشعرية ألقاها في أيام تلك الواقعة ، منها : .
لَيتَ شِعري إذا مَضى ما قَد * مَضى وَتَجَلّى الامرُ للهِ الاجَل
مـا يـُظـنن بـناسٍ قَتلوا * أهلَ صفين وَأصحابَ الجمل
أيـَـنـامونَ إذا ما ظَلَموا * أم يـَـبيتـُون بخَوفٍ وَوَجَل
(3) قال ابو الفرج الاصبهاني في الاغاني (17 : 258) : كان لزيد الخيلَ ابن يقال له عروة ، وكان فارساً شاعر ، شهد القادسية فحسن بلاؤه فيها ، وشهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ، وعاش إلى إمارة معاوية ، فاراده على البراءة من علي عليه السلام ، فامتنع عليه ، وقال :
يُحاوِلُني معاويةُ بنُ حَربٍ * وَليسَ إلى الذي يَهوى سَبيلُ
على جَحدي أبا حسن عَليّا * وَحَظي مِنْ أبا حَسنٍ جَليلُ
قال : وله اشعار كثيرة.
(4) راجع ترجمتنا له في الملحقات الخاصة بالتراجم .
(5) من مؤلفات الشًيخ رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، يُعرف أيضاً باسم ( النقود والردود ) ، و ( المطالعات والمراجعات ) .
يقع في جزءين ، الجزء الأول منه طُبع أوّل مرة في بيروت عام ( 1331 هـ ) ، وفيه مراجعة مع أمين بن فارس البجاني ، المعروف بالريحاني ( ت 1359 هـ ) حول نقده لكتاب المؤلف رحمه الله المسمّى بـ ( الذَين والاسلام ) ، وهو يقع في جزءين أيضاً ، أوَّلهما في فلسفة الدَين
الاسلامي ، واثبات الصانع ، والتوحيد ، والعدل ، وما يتعلق بهما ، والثاني في اثبات النبوة .
وأما الجز الثاني من المطالعات فقد طبع أول مرة في صيدا عام ( 1331 هـ ) أيضاً ، وفيه بعض المراجعات الريحانية ، والنقد لتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان .
وفي آخره ( عين الميزان ) الذي هو نقد لكتاب ( ميزان الجرح والتعدديل ) للقاسمي .
راجع . الذريعة 4 : 295 و 8 : 293 ، معجم المؤلفين 3 : 10.
(6) الاغاني 16 : 0 36 ـ 372 .
(7) قال الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( 24 : 154 ) : ( نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر ) : فهرس لبعض شعراء الشيعة ، لضياء الدين يوسف بن يحيى الصنعاني اليماني ( 1078 ـ 121 هـ ) فرغ من الكتاب في 13 رجب عام ( 1111هـ ) ثم ضم إليه ملحقاته إلى حين الوفاة.
وهو في مجلًدين يشمل الأوْل على ( 85 ) ترجمة ، الا أنه لم يذكر الا المشهورين من الشعراء ، فان المثل السائر حتى القرن الرابع كان يقول : هل رأيت أديباً غير شيعي .
(8) روى أبو الفرج الأصبهاني في الاغاني ( 13 : 263 ) : أن عبدالرحمن بن الحكم بن أبي العاصي كان عند يزيد بن معاوية ، وقد بعث إليه عبيدالله بن زياد برأس الحسين بن علي عليهما السلام ، فلمّا وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبدالرحمن ثم قال :
أبــْلغ أميـرَ المُؤمنينَ فَـلا تـَكُن ْ* كَمُوترِ أقواسٍ وَليسَ لَها نَــبــْلُ
لَهـام بجَنبِ الطـفِّ أدْنـَى قَرابَـةً * مِنِ ابنِ زيادِ الوَغدِ ذي الحَسَبِ الرذل
سُمَيةُ أَمسى نسْلُـها عـدَدَ الحَـصى * وبنتُ رَسُولِ اللهِ ليس َلهـــا نَسلُ
(9) كذا في ربيع الابرار ، وفي معجم الشعراء (321) : معكم ، ولعلها أنسب .
(10) نعم ، ذكره الزمخشري في ربيع الابرار 1 : 492 ، ومثله المرزباني في معجم الشعراء : 321 ، حيث قال : مروان بن محمد السروجي ، من بني اُميَّة ، من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل . . . وذكر الابيات أعلاه .
مؤرخوا الشيعة و شعرائهم
- الزيارات: 2010