أمَّا قوله : « إنّ اليهودية ظهرت في التشيُّع بالقول بالرجعة » ! ! فليت شعري هل القول بالرجعة أصل من اُصول الشيعة وركن من أركان مذهبها حتى يكون نبزاً عليها ، ويقول القائل ظهرت اليهودية فيها ! !
ومَنْ يكون هذا مبلغ علمه عن طائفة أليس كان الأحرى به السُّكوت وعدم التعرُّض لها . إذا لم تستطع أمراً فدعه .
وليس التديُّن بالرجعة في مذهب التشيُّع بلازم ، ولا إنكارها بضار ، وإنْ كانت ضرورية عندهم ، ولكن لا يُناط التشيُّع بها وجوداً وعدماً ، وليست هي إلاّ كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل ، إشراط السّاعة مثل : نزول عيسى من السَّماء ، وظهور الدجّال ، وخروج السًّفياني ، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين وما هي من الاسلام في شيء ، ليس إنكارها خروجاً منه ، ولا الاعتراف بها بذاته دخولاً فيه ، وكذا حال الرجعة عند الشَيعة .
وعلى فرض أنَّها أصل من اُصولهم ، فهل اتفاقهم مع اليهود بهذا يوجب كون اليهودية ظهرت في التشيِّع ، وهل يصح أن يقال إنّ اليهودية ظهرت في الاسلام لأنَّ اليهود يقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون ؟ ! وهل هذا إلاّ قول زائف ، واستنباط سخيف ؟ !
ثم هل ترى المتهوّسين على الشِّيعة بحديث الرجعة ـ قديماً وحديثاً ـ عرفوا معنى الرجعة ، والمراد بها عند مَنْ يقول بها من الشِّيعة ، وأي غرابة واستحالة في العقول أنّ سيُحي الله سبحانه جماعة من النّاس بعد موتهم ، وأي نكر في هذا بعد أنْ وقع مثله بنصِّ الكتاب الكريم ، ألم يسمع المتهوّسون قصة ابن العجوز الَّتي قصها اللهّ سبحانه بقوله تعالى : ( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهمْ أُلوُفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحياهُم . . . )(1) .
ألم تمرّ عليهم كريمة قوله تعالى : ( وَيَومَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوجاً )(2)، مع أنَّ يوم القيامة تُحشر فيه جميع الأمم لا من كلِّ أُمة فوجاً.
وحديث الطعن بالرجعة كان هجيري علماء السنَّة من العصر الأول إلى هذه العصور ، فكان علماء الجرح والتعديل منهم اذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشِّيعة ومحدِّثيهم ، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه ـ لو ثاقته وورعه وأمانته ـ نبذوه بانَّه يقول بالرجعة ، فكأنهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريكاً ! ! ونادرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة معروفة(3).
وأنا لا اريد أن أُثبت في مقامي هذا ـ ولا غيره ـ صحة القول بالرجعة ، وليس لها عندي من الاهتمام قدر قُلامة ظفر ، ولكنّي أردتُ أنْ أدلّ ( فجر الاسلام ) ! على موضع غلطه وسوء تحامله .
____________
(1) البقرة 2 :243 .
(2) النحل 27 : 83 .
(3) راجع ذلك في ترجمتنا لمؤمن الطاق آخر الكتاب .
الحديث عن الرجعة
- الزيارات: 1800