• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وظيفة القلب والجسد

ونستأنف الكلام فيما هو من وظيفة القلب والجسد ، أعني مرحلة العمل بأركان الإيمان من أفعال الجوارح .

تمهيد وتوطئة :
يعتقد الإمامية : أن لله ـ بحسب الشريعة الاسلامية ـ في كل واقعة حكماً حتى أرش الخدش ، وما من عمل من أعمال المكلفين ـ من حركة أو سكون ـ إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكرا هة ، والإباحة .
وما من معاملة على مال ، أوعقد نكاح ، ونحوهما إلا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد .
وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ، وعرفها النبي بالوحي من الله تعالى أو الالهام ، ثم انه سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث ، أو حدوث الوقائع ، أو حصول الابتلاء ، وتجدد الآثار والأطوار ـ بين كثيراً منها للناس ، وبالأخص لأصحابه الحافين به ، الطائفين كل يوم بعرش حضوره ، ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )(1).
وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعي والبواعث لبيانها ، أما لعدم الابتلاء بها في عصر النبوة ، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها.
والحاصل : إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة ، ولكنه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه ، كل وصي يعهد بها إلى ألاخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة ، من عام مخصص ، أو مطلق مقيد ، أو مجمل مبين ، إلى أمثال ذلك .
فقد يذكر النبي عاماً ، ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته ، وقد لا يذكره أصلاً ، بل يودعه عند وصيه إلى وقته.
ثم أن الأحاديث التي نشرها النبي صلى الله عليه واله في حياته قد يختلف الصحابة في فهم معانيها على حسب أختلاف مراتب أفهامهم وقرائحهم ( أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها )(2) .

ولكن تأخذ الأذهان منه * على قدر القرائح والفهوم

ثم إن الصحابي قد يسمع من النبي في واقعة حكماً ، ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين ، غفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث ، فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً .
ومن هذه الأسباب وأضعاف أمثالها احتاج حتى نفس الصحابة ـ الذين فازوا بشرف الحضور في معرفة الأحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث ، وضم بعضه إلى بعض ، والإلتفات على القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ومراد النبي خلافه ، اعتماداً على قرينة كانت في المقام ، والحديث نقل والقرينة لم تنقل . وكل واحد من الصحابة ممن كان من أهل الرأي والرواية . . . ـ إذ ليس كلهم كذلك بالضرورة ـ تارة يروي نفس الفاظ الحديث للسامع من بعيد أو قريب ، فهو في الحال راو ومحدث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات بحسب نظره واجتهاده ، فهو في هذا الحال مفت وصاحب رأي ، وأهل هذه الملكة مجتهدون ، وسائر المسلمين ـ الذين لم يبلغوا إلى تلك المرتبة ـ إذا أخذوا برأيه مقلدون .
وكان كل ذلك قد جرى في زمن صاحب الرسالة ، وبمرأى منه ومسمع ، بل وربما رجع بعضهم إلى بعض ، على أن الناس من هذا بازاء أمر واقع لا محالة .
وإذا أمعنت النظر فيما ذكرناه ، اتضح لديك أن باب الاجتهاد كان مفتوحاً في زمن النبوة وبين الصحابة ، فضلا عن غيرهم ، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته : أن الاجتهاد يومئذٍ كان خفيف المؤنة جداً لقرب العهد ، وتوفر القرائن ، وإمكان السؤال المفيد للعلم القاطع .
ثم كلما بعد العهد من زمن الرسالة ، وتكثرت الاراء ، واختلطت الأعارب بالأعاجم ، وتغير اللحن ، وصعب الفهم للكلام العربي على حاق معناه ، وتكثرت الأحاديث والروايات ، وربما دخل فيها الدس والوضع ، وتوافرت دواعي الكذب على النبي صلى الله عليه وآله ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي يصعب ويحتاج إلى مزيد مؤنة ، واستفراغ وسع ، للجمع بين الأحاديث ، وتمييز الصحيح منها من السقيم ، وترجيح بعضها على البعض ، وكلما بعد العهد ، وانتشر الاسلام ، وتكثرت العلماء والرواة ، ازداد الأمر صعوبة .
ولكن مهما يكن الحال ، فباب الاجتهاد كان في زمن النبي صلى الله عليه واله مفتوحاً ، بل كان أمراً ضرورياً عند من يتدبر ، ثم لم يزل مفتوحاً عند الإمامية إلى اليوم ، والناس بضرورة الحال لا يزالون بين عالم وجاهل . وبسنة الفطرة ، وقضاء الضرورة أن الجاهل يرجع إلى العالم .
فالناس إذاً في الأحكام الشرعية بين عالم مجتهد ، وجاهل مقلد يجب عليه الرجوع في تعيين تكاليفه إلى أحد المجتهدين .
والمسلمون متفقون أن أدلة الأحكام الشرعية منحصرة في الكتاب والسنة ، ثم العقل والإجماع . ولا فرق في هذا بين الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين .
نعم يفترق الإمامية عن غيرهم هنا في امور :
منها: إن الإمامية لا تعمل بالقياس ، وقد تواتر عن أئمتهم عليهم السلام : ( أن الشريعة إذا قيست محق الدين )(3) .
والكشف عن فساد العمل بالقياس يحتاج إلى فضل بيان لا يتسع له المقام .
ومنها : أنهم لا يعتبرون من السنة ـ أعني الأحاديث النبوية ـ إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله ، يعني : ما رواه الصادق ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن الحسين السبط ، عن أبيه أمير المؤمنين ، عن رسول الله سلام لله عليهم جميعاً.
أما ما يرويه مثل : أبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، ومروان بن الحكم ، وعمران بن حطان الخارجي ، وعمرو بن العاص ، ونظائرهم ، فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة ، وأمرهم أشهر من أن يذكر ، كيف وقد صرح كثير من علماء السنة بمطاعنهم ، ودل على جائفة جروحهم (4).
ومنها : أن باب الاجتهاد ـ كما عرفت ـ لا يزال مفتوحاً عند الإمامية ، بخلاف جمهور المسلمين ، فإنهم قد سُدّ عندهم هذا الباب ، وأقفل على ذوي الألباب ، وما أدري في أي زمان ، وبأي دليل ، وبأي نحو كان ذلك الانسداد ، ولم أجد من وفى هذا الموضوع حقه من علماء القوم ، وتلك أسئلة لا أعرف من جواباتها شيئاً ، والعهدة في إيضاحها عليهم .
وما عدا تلك الأمور فالإمامية وسائر المسلمين فيها سواء ، لا يختلفون
إلا في الفروع ، كاختلاف علماء الإمامية أوعلماء السنة فيما بينهم من حيث الفهم والاستنباط .
والمراد بالمجتهد : من زاول الأدلة ومارسها ، واستفرغ وسعه فيها حتى حصلت له ملكة وقوة يقدر بها على استنباط الحكم الشرعي من تلك الأدلة .
وهذا أيضا لا يكفي في جواز تقليده ، بل هنا شروط اخرى ، أهمها العدالة ، وهي : ملكةٌ يستطيع معها المرء الكف عن المعاصي ، والقيام بالواجب ، كما يستطيع من له ملكة الشجاعة اقتحام الحرب بسهولة ، بخلاف الجبان.
وقصاراها : إنها حالة من خوف الله ومراقبته تلازم الانسان في جميع أحواله ، وهي ذات مراتب ، أعلاها العصمة التي هي شرط في الامام .
ثم أنه لا تقليد ولا اجتهاد في الضروريات ، كوجوب الصلاة والصوم وأمثالها ، مما هو مقطوع به لكل مكلف ، ومنكره منكر لضروري من ضروريات الدين .
كما لا تقليد في اصول العقائد : كالتوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، ونحوها مما يلزم تحصيل العلم به من الدليل على كل مكلف ولو إجمالا ، فإنها تكاليف علمية ، وواجبات اعتقادية ، لا يكفي الظن والاعتماد فيها على رأي الغير ( فاعلم أنه لا إله إلا ) .
وما عداها من الفروع فهو موضع الاجتهاد والتقليد .
وأعمال المكلفين ـ التي هي موضوع لأحكام الشرع ، يلزم معرفتها اجتهاداً أو تقليداً ، وبُعاقب من ترك تعلمها بأحد الطريقين ـ لا تخلو إما أن يكون القصد منها المعاملة بين العبد وربه ، فهي العبادات الموقوف صحتها على قصد التقرب بها إلى الله ، [ وهي أما ] بدنية : كالصوم ، والصلاة ، والحج . أو مالية : كالخمس ، والزكاة ، والكفارات . أو المعاملة بينه وبين الناس ، وهي أما أن تتوقف على طرفين : كعقود المعاوضات والمناكحات ، أو تحصل من طرف واحد : كالطلاق والعتق ونحوهما.
أو المعاملة مع خاصة نفسه ، ومن حيث ذاته : كأكله ، وشربه ، ولباسه ، وأمثال ذلك .

والفقه يبحث عن أحكام جميع تلك الأعمال في أبواب أربعة :
[1] العبادات .
[2] المعاملات .
[3] الايقاعات .
[4] الأحكام .
وامهات العبادات ست :
اثنتان بدنية محضة ، وهما : الصلاة والصوم .
واثنتان مالية محضة وهما : الزكاة ، والخمس .
واثنتان مشتركة على المال والبدن وهما : الحج والجهاد ( جاهدوا بأموالكم وأنفسكم ) (5) .
أما الكفارات فعقوبات خاصة على جرائم مخصوصة .

الصلاة
هي عند الإمامية ـ بل عند عامة المسلمين ـ : عمود الدين ، والصلة بين العبد والرب ، ومعراج الوصول إليه .
فإذا ترك الصلاة فقد انقطعت الصلة والرابطة بينه وبين ربه ، ولذا ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام : أنه ليس بين المسلم وبين الكفر بالله العظيم إلا ترك فريضة أو فريضتين(6).
وعلى أي : فإن للصلاة ـ بحسب الشريعة الإسلامية ـ مقاماً من الأهمية لا يوازيه شيء من العبادات ، وإجماع الإمامية على أن تارك الصلاة فاسق لا حرمة له قد انقطعت من الإسلام عصمته ، وذهبت أمانته ، وحلت غيبته ، وأمرها عندهم مبني على الشدة جداً .
والواجب منها بحسب أصل الشرع خمسة أنواع : الفرائض اليومية ، صلاة الجمعة ، صلاة العيدين ، صلاة الآيات ، وصلاة الطواف . وقد يوجبها المكلف على نفسه بسبب من نذر أو يمين أو استئجار ، وما عدا ذلك فنوافل .
وأهم النوافل عندنا : الرواتب ، يعني رواتب اليوم والليلة ، وهي ضعف الفرائض التي هي سبع عشرة ركعة ، فمجموع الفرائض والنوافل في اليوم والليلة عند الشيعة إحدى وخمسون .
وخطر على بالي هنا ذكر ظريفة أوردها الراغب الاصفهاني في كتاب ( المحاضرات ) وهو من الكتب القيمة الممتعة :
قال : كان بأصبهان رجل يقال له الكناني ، في أيام أحمد بن عبدالعزيز ، وكان يتعلم أحمد منه الإمامة ، فاتفق أن تطلعت عليه ام أحمد يوماً فقالت : يا فاعل ، جعلت ابني رافضياً .
فقال الكناني : يا ضعيفة العقل ! الرافضة تصلي كل يوم إحدى وخمسين ركعة ، وابنك لا يصلي في كل أحد وخمسين يوماً ركعة واحدة ، فأين هو من الرافضة(7)؟ !
ويليها في الفضل أو الأهمية : نوافل شهر رمضان ، وهي ألف ركعة زيادة عن النوافل اليومية ، وهي كما عند إخواننا من أهل السنة ، سوى أن الشيعة لا يرون مشروعية الجماعة فيها ( إذ لا جماعة إلا في فرض ) والسنة يصلونها جماعة ، وهي المعروفة عندهم بالتراويح .
وباقي الفرائض : كالجمعة ، والعيدين ، والآيات ، وغيرها ، كبقية النوافل قد استوفت كتب الإمامية بيانها على غاية البسط ، وتزيد المؤلفات فيها على عشرات الالوف . ولها أوراد وأدعية وآداب وأذكار مخصوصة قد أفردت بالتأليف ، ولا يأتي عليها الحصر والعد .
ولكن تتحصل ماهية الصلاة الصحيحة عندنا شرعاً من أمور ثلاثة :
الأول : الشروط : وهي أوصاف تقارنها ، واعتبارات تنتزع من أمور خارجة عنها ، وأركان الشروط التي تبطل بدونها مطلقاً ستة : الطهارة ، الوقت ، القبلة ، الساتر ، النية .
أما المكان فليس من الأركان وإن كان ضرورياً ، ويشترط إباحته وطهارة موضع السجود .
الثاني : أجزاؤها الوجودية التي تتركب الصلاة منها : وهي نوعان :
ركن تبطل بدونه مطلقاً ، وهو أربعة : تكبيرة الإحرام ، والقيام ، والركوع ، والسجود .
وغير ركن ، وهي : القراءة ، والذكر ، والتشهد ، والتسليم .
والطمأنينة معتبرة في الجميع ، والأذان والإقامة مستحبان مؤكدان ، بل الأخير وجوبه قوي مع السعة .
الثالث : الموانع : وهي أمور بوجودها تبطل الصلاة ، وهي أيضا نوعان :
ركن تبطل به مطلقاً ، وهو : الحدث ، والاستدبار ، والعمل الكثير الماحي لصورتها .
وغير ركن تبطل بوجوده عمداً فقط ، وهو : الكلام ، والضحك ـ بصوت ـ والبكاء كذلك ، والإلتفات يميناً وشمالاً ، والأكل والشرب .
والطهارة : وضوء وغسل ، ولكل منهما أسباب توجبهما ، وإذا لم يتمكن منهما ـ إما لعدم وجود الماء ، ، أو لعدم التمكن من استعماله لمرض أو برد شديد أو ضيق وقت ـ فبدلهما التيمم ( فتيمموا صعيداً طيباً )(8) .
واختلف الفقهاء واللغويون في معنى الصعيد ، فقيل : خصوص التراب ، وقيل : مطلق وجه الأرض ، فيشمل الحصى والرمل والصخور والمعادن قبل الإحراق ، ويجوز السجود عليها ، وهذا هو الأصح .
وهذا موجز من الكلام في الصلاة ، وفيها أبحاث جليلة وطويلة تستوعب الملجدات الضخمة .


الصوم:
هو عند الإمامية ركن من أركان الشريعة الإسلامية ، وينقسم من حيث الحكم إلى ثلاثة أقسام :
واجب ، وهو قسمان : واجب بأصل الشرع ، وهو صوم شهر رمضان . وواجب بسبب كصوم الكفارة ، وبدل الهدي ، والنيابة ، والنذر ، ونحوها .
ومستحب : كصوم رجب وشعبان ونحوهما ، وهو كثير.
وحرام : كصوم العيدين وأيام التشريق.
قيل : ومكروه : كصوم يوم عرفة ، وعاشوراء ، وهو نسبي .
وللصوم شروط وموانع واداب وأذكار مذكورة في محلها ، وقد ألفت الإمامية فيه ألوف المؤلفات .
والتزام الشيعة بصيام شهر رمضان قد تجاوز الحد ، حتى أن الكثير منهم يشرف على الموت من مرض أو عطش وهو لا يترك الصيام ، فالصلاة والصوم هما العبادة البدنية المحضة .

الزكـاة :
هي عند الشيعة تالية الصلاة ، بل في بعض الأخبار عن أئمة الهدى ما مضمونه : إن من لا زكاة له لا صلاة له (9) .
وتجب عندهم ـ كما عند عامة المسلمين ـ في تسعة أشياء :
الأنعام الثلاثة : الإبل ، البقر ، الغنم .
وفي الغلات الأربع : الحنطة ، الشعير ، التمر ، الزبيب.
وفي النقدين الذهب والفضة .
وتستحب في مال التجارة ، وفي الخيل ، وفي كل ما تنبته الأرض من الحبوب : كالعدس ، والفول ، وأمثالها .
ولكلٍ من الوجوب والإستحباب شروط وقيود مفصلة في محالّها ، ولا شيء منها إلا وهو موافق لمذهب من المذاهب المعروفة : الحنفي ، الشافعي ، المالكي ، الحنبلي .
ومصرفها ما ذكره جل شأنه في آية : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) (10) إلى آخرها .

زكاة الفطرة :
وهي تجب على كل إنسان بالغ عاقل غني ، عن نفسه وعمن يعول به من صغير أو كبير ، حر أو مملوك. وقدرها عن كل إنسان صاع من حنطة أو شعير ، أو تمر ، أو نحوهما مما يحصل به القوت .
ومذهب الشيعة هنا لا يخالف مذاهب السنة في شيء.

الخمس :
ويجب عندنا في سبعة أشياء : غنائم دار الحرب ، الغوص ، الكنز ، المعدن ، أرباح المكاسب ، الحلال المختلط بالحرام ، الأرض المنتقلة من المسلم إلى الذمي .
والأصل فيه : قوله تعالى ( وأعلموا أن ما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (11) ... إلى آخرها .
والخمس عندنا حق فرضه الله تعالى لآلِ محمّدٍ صلوات الله عليه وعليهم ، عوض الصدقة التي حرمها عليهم من زكاة الأموال والأبدان .
ويقسم ستة سهام ؟ ثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى .
وهذه السهام يجب دفعها إلى الإمام إن كان ظاهراً ، وإلى نائبه وهو ( المجتهد العادل ) إن كان غائباً ، يدفع إلى نائبه في حفظ الشريعة ، وسدانة الملة ، ويصرفه على مهمات الدين ، ومساعدة الضعفاء والمساكين ، لا كما قال محمود الآلوسي في تفسيره مستهزئاً : ينبغي أن توضع هذه السهام في مثل هذه الأيام في السرداب (12) ! !
مشيراً إلى ما يرمون به الشيعة من أن الإمام غاب فيه ! ! وقد أوضحنا غير مرة أن من الأغلاط الشائعة عند القوم ـ من سلفهم إلى خلفهم وإلى اليوم ـ زعمهم أن الشيعة يعتقدون غيبة الإمام في السرداب ، مع أن السرداب لا علاقة له بغيبة الإمام أصلا ، وإنما تزوره الشيعة وتؤدي بعض المراسم العبادية فيه لأنه موضع تهجد الإمام وآبائه العسكريين ، ومحل قيامهم في الأسحارلعبادة الحق جل شأنه .
أما الثلاثة الأخرى : فهو حق المحاويج والفقراء من بني هاشم ، عوض ماحرم عليهم من الزكاة .
هذا حكم الخمس عند الإمامية من زمن النبي إلى اليوم ، ولكن القوم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله منعوا الخمس عن بني هاشم ، وأضافوه إلى بيت إلمال ، وبقي بنو هاشم لا خمس لهم ولا زكاة ، ولعل إلى هذا أشار الإمام الشافعي ( رحمه الله ) حيث يقول في كتاب ( الام ) صفحة 69 : فأما آل محمّدٍ الذين جعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة ، فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئاً ـ قل أو كثر ـ ولا يحل لهم أن يأخذوها ، ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم ـ إلى أن قال ـ وليس منعهم حقهم في الخمس يجل لهم ما حرم عليهم من الصدقة. انتهى .
ومن جهة سقوطه عندهم لا تجد له عنواناً وباباً في كتب فقهائهم ، حتى الشافعي في كتابه بخلاف الإمامية ، فإنه ما من كتاب فقه لهم صغير أو كبير إلا وللخمس فيه عنوان مستقل كالزكاة وغيرها(13). فالزكاة والخمس هما العبادة المالية المحضة ، وأما المشتركة بينهما فالحج والجهاد .


الحج :
من أعاظم دعائم الإسلام عند الشيعة ، وأهم أركانه ، ويخير تاركه بين أن يموت يهودياً أو نصرانياً. وتركه على حدّ الكفر بالله كما يشير إليه قوله تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) .
وهو نوع من الجهاد بالمال والبدن حقيقة ، بل الحج جهاد معنوي ، والجهاد حج حقيقي ، وبإمعان النظر فيهما يعلم وجه الوحدة بينهما .
وبعد توفر الشرائط العامة في الإنسان : كالبلوغ ، والعقل ، والحرية . وخاصة : كالإستطاعة بوجدان الزاد والراحلة ، وصحة البدن ، وأمن الطريق ، يجب الحج في العمر مرة واحدة فوراً .

وهو ثلاثة أنواع :
إفراد : وهو المشار إليه بقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت )(14) .
وقران : وهو المراد بقوله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله )(15) .
وتمتع : وهو المعنى بقوله جل وعلا ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج )(16) .
ولكل واحد منها مباحث وفيرة ، وأحكام كثيرة ، موكولة إلى محالّها من الكتب المطولة.
وقد سبرتُ عدة مؤلفات في الحج لعلماء السنة فوجدتها موافقة في الغالب لأكثر ما في كتب الإمامية ، لا تختلف عنها إلا في الشاذ النادر.
والتزام الشيعة بالحج لا يزال في غاية الشدة ، وكان يحج منهم كل سنة مئات الالوف ، مع ما كانوا يلاقونه من المهالك والأخطار من انالس يستحلون أموالهم ودماءهم وأعراضهم ، ولم يكن شيء من ذلك يقعد بهم عن القيام بذلك الواجب ، والمبادرة إليه ، وبذل المال والنفس في سبيله ، وهم مع ذلك كله « ويا للأسف » يريدون هدم الإسلام ؟ !


الجهاد :
وهو حجر الزاوية من بناء هيكل الإسلام ، وعموده الذي قامت عليه سرادقه ، واتسعت مناطقه ، وامتدت طرائقه ، ولولا الجهاد لما كان الإسلام رحمة للعالمين ، وبركة على الخلق أجمعين .
والجهاد هو : مكافحة العدو ، ومقاومة الظلم والفساد في الأرض ، بالنفوس والأموال ، والتضحية والمفاداة للحق .

والجهاد عندنا على قسمين :
الجهاد الأكبر : بمقاومة العدو الداخلي وهو ( النفس ) ومكافحة صفاتها الذميمة ، وأخلاقها الرذيلة ، من الجهل ، والجبن ، والجور ، والظلم ، والكبر ، والغرور ، والحسد ، والشح ، إلى آخر ما هناك من نظائرها ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ).
والجهاد الأصغر : هو مقاومة العدو الخارجي ، عدو الحق ، عدو العدل ، عدو الصلاح ، عدو الفضيلة ، عدو الدين .
ولصعوبة معالجة النفس ، وانتزاع صفاتها الذميمة ، وغرائزها المستحكمة فيها ، والمطبوعة عليها ، سمى النبي صلى الله عليه وآله هذا النوع في بعض كلماته ( بالجهاد الأكبر ) ولم يزل هو وأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ طوال حياته وحياتهم مشغولين بالجهادين حتى بلغ الإسلام إلى أسمى مبالغ العز والمجد .
ولو أردنا أن نطلق عنان البيان للقلم فى تصوير ما كان عليه الجهاد بالأمس عند المسلمين ، وما صار اليوم ، لتفجرت العيون دماً ، ولتمزقت القلوب أسفاً وندماً ، ولتسابقت العبرات والعبارات ، والكلوم والكلمات ، ولكن ! أتراك فطنت لما حبس قلمي ، ولوى عناني ، وأجج لوعتي ، وأهاج أحزاني ، وسلبني حتى سرية القول ، وبثة المصدور ، وبهذا المجمور :
فدع عنك نهباً صيح في حجراته * ولكن حديثاً ما حديث الرواحل (17)


حديث
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الذي هو من أهم الواجبات شرعاً وعقلاً ، وهو أساس من أسس دين الإسلام ، وهو من أفضل العبادات ، وأنبل الطاعات ، وهو باب من أبواب الجهاد ، والدعوة إلى الحق ، والدعاية إلى الهدى ، ومقاومة الضلال والباطل ، والذي ما تركه قوم إلا وضربهم الله بالذل ، وألبسهم لباس البؤس ، وجعلهم فريسة لكل غاشم ، وطعمة كل ظالم .
وقد ورد من صاحب الشريعة الإسلامية ، وأئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم ، في الحث عليه ، والتحذير من تركه ، وبيان المفاسد والمضار في إهماله ما يقصم الظهور ، ويقطع الأعناق . والمحاذير التي أنذرونا بها عند التواكل والتخاذل في شأن هذا الواجب قد أصبحنا نراها عياناً ، ولا نحتاج عليها دليلاً ولا برهاناً .
وياليت الامر وقف عند ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتجاوزه إلى أن يصير المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، ويصير الآمر بالمعروف تاركاً له ، والناهي عن المنكر عاملاً به ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ( ظهر الفسادُ في البرّ والبحر ) فلا منكر مغير ، ولا زاجر مزدجر. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، الناهين عن المنكر العاملين به(18).
هذه أمهات العبادات عند الإمامية طبق الشريعة الإسلامية ، إكتفينا منها بالإشارة والعنوان ، وتفاصيلها على عهدة مولفات أصحابنا من الصدر الأول إلى اليوم ، الموجود منها في هذا العصر فضلاً عن المفقود ـ ينوف على مئات الالوف .
____________
(1) البقرة 2 : 143 .
(2) الرعد 13 : 17 .
(3) انظر : الكافي 1 : كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائس .
(4) تقدم منا الحديث عن ذلك ، فراجع.
(5) التوبة 9 : 41 .
(6) راجع كتاب الوسائل للحر العاملي رحمه الله تعالى ، الجزء الرابع ، باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة الواجبة جحوداً لها واستخفافاً .
(7) محاضرات الادباء 4 : 448 ـ 449 .
(8) النساء 4 : 43 ، والماثدة5 : 6 .
(9) انظر : الكافي 3 : 479|2 و 5 ، الفقيه 2 : 8|26 .
(10) التوبة 9 : 60 .
(11) الانفال 8 : 41 .
(12) روح المعاني 10 : 5 .
(13) نعم ، ذكر الحافظ الثبت أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ( 224 هـ ) في كتابه ( كتاب الأموال ) الذي هو من أهم الكتب ونفائس الاثار ، ذكر كتاب الخمس مفصلاً ، والأصناف التي يجب الخمس فيها ، ومصرفه ، وسائر أحكامه . وأكثر ما ذكره موافق لما هو المشهور عند الإمامية ، فليراجع من شاء من صفحة 303 إلى 349 . « منه قدس سره ».
(14) آل عمران 3 : 97 .
(15) البقرة 2 : 196 .
(16) البقرة 2 : 196
(17) بيت شعري لامرئ القيس ذهب صدره مثلاً ، والبيت من قصيدة له قالها في حادثة وقعت له حين نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني ، حيث أغار عليه باعث بن حويص وذهب بإبله ، فقال له خالد : اعطني صنانعك ورواحلك حتى أطلب عليها مالك ، ففعل ، فذهب بها. وقيل إنه لحق بالقوم فاخذوا منه الرواحل وتركوه ، فهجاه امرؤ القيس بهذه القصيدة .
وصدر البيت يضرب مثلاً لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه .
ومن أبيات القصيدة :
دع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن * حـديـثاً ماحـديـث الـرواحـل
كـان دثـاراً حـلـقت بـلـبـونه * عـقـاب تنـوفي لاعقاب القواعل
تـلـعـب باعـث بـذمـة خـالد * وأودى عصائم في الخطوب الاوائل
انظر : ديوان الشاعر : 146 ، مجمع الامثال 1 : 470 /1402 .
(18) الروم 35 : 41 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page