الأصل في الحيوان مطلقاً عند الإمامية حرمة أكله ونجاسته بالموت إذا كانت له عروق يشخب دمها عند القطع ، وهو المعبر عنه عند الفقهاء بذي النفس السائلة .
ثم إن الحيوان قسمان : نجس العين ذاتاً ، وهو ما لا يمكن أن يطهر أبدا ، كالكلب والخنزير ، وطاهر العين ، وهو ما عدا ذلك .
والأول لا تفارقه النجاسة ، وحرمة الأكل حياً وميتاً ، مذكى أو غير مذكى . والثاني إذا مات بغير الذكاة الشرعية فهو نجس العين ، حرام الأكل
مطلقاً ، طيراً كان أو غيره ، وحشياً أو أهلياً ، ذا نفس أو غير ذي نفس ، أما إذا مات بالتذكية فهو طاهر العين مطلقاً كما كان في حياته .
ثم إن كان من السباع أو الوحوش فهو حرام الأكل ، وإن كان طاهراً ، وإلا فهو حلال الأكل أيضاً .
وتذكية ذي النفس تحصل شرعاً بأمرين :
الأول : الصيد ، ولا يحل منه إلا ما كان بأحد أمرين : الكلب المعلم الذي ينزجر إذا زجر ، ويأتمر إذا أمر ، ولا يعتاد أكل صيده ، ويكون الرامي مسلماً ويسمي عند إرساله ، ولا يغيب عن عين مرسله .
أو السهم ، ويدخل فيه : السيف ، والرمح ، والمعراض إذا خرق ، وكل نصل من حديد ، بل حتى البندقية إذا خرقت ـ من حديد كانت أو غيره ـ.
ويلزم أن يكون الرامي مسلماً ، وأن يسمي . فلو قتل الكلب أو السهم صيدا ومات حل أكله ، ولو أدركه حيا ذكاه ، ولا يحل بباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما ، نعم لو أدركه حيا ذكاه .
الثاني من أسباب التذكية : الذباحة الشرعية ، ويشترط عندنا في الذابح الاسلام أو ما بحكمه ، كولده أو لقيطه ، وأن يكون الذبح بالحديد مع القدرة ، ومع الضرورة بكل ما يفري الأوداج ، وأن يسمي ويستقبل ، وأن يفري الأوداج الأربعة : المري ، والودجين ، والحلقوم . ويكفي في الإبل نحرها عوض الذبح ، ولوتعذر ذبح الحيوان ونحره ـ كالمتردي والمستعصي ـ يجوز أخذه بالسيف ونحوه مما يقتل ، فإن مات حل وإلا ذكاه .
أما ما لا نفس له فلا يحل شيء منه ، إذ حيوان البحرلا يحل إلا ما كان له فلس كالسمك .
ظريفة :
قال محمد بن النعمان الأحول مؤمن الطاق : دخلت على أبي حنيفة فوجدت لديه كتباً كثيرة حالت بيني وبينه ، فقال لي : أترى هذه الكتب ؟ قلت : نعم ، قال : كل هذه الكتب في أحكام الطلاق .
فقلت له : قد أغنانا الله سبحانه عن جميع كتبك هذه بآية واحدة في كتابه : (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة)(1) .
فقال لي : هل سألت صاحبك جعفر بن محمد عن بقرة خرجت من البحر هل يحل أكلها ؟
فقلت : نعم ، قال لي : كل ما له فلس فكله جملاً كان أو بقرة ، وكل ما لا فلس له لا يحل أكله ، وذكاة السمك عندنا موته خارج الماء(2)
الأطعمة والاشربة والمحلّل والمحرم منهما :
أنواع الحيوان ثلاثة : حيوان الأرض ، حيوان الماء ، حيوان الهواء . وقد عرفت أنه لا يحل من حيوان البحر إلا السمك ، وبيضه تابع له .
ولا يحل من حيوان الأرض إلا الغنم الأهلية ، وبقر الوحش ، وكبش الجبل ، والحمير ، والغزلان ، واليحامير .
ويحل الخيل ، والبغال ، والحمير على كراهة ، ويحرم الجلال منها ، وهو ما يتغذى بالعذرة ، ويطهر بالاستبراء .
ويحرم كل ذي ناب ، كالسباع ، والذئاب .
وتحرم الأرانب ، والثعالب ، والضب ، واليربوع ، وأمثالها من الوحوش .
وتحرم الحشرات مطلقاً ، كالخنافس ، والديدان ، والحيات ، ونحوها .
أما حيوان الهواء ـ وهي الطيور ـ فيحرم منها سباع الطير ، كالصقر والبازي ونحوهما مطلقاً .
أما ما عداها فقد جعل الشارع لما يحل أكله منها ثلاث علامات في ثلاث حالات : فإن كان طائراً في الجو فما كان رفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال ، وإلا فلا . وإن كان على الأرض فإن كان له صيصية ـ وهي ما يكون كالاصبع الزائد ـ فهو حلال ، وإلا فلا . وإن كان مذبوحاً ، فإن كانت له حوصلة أو قانصة فهو حلال ، وإلاّ فلا .
فالخفاش والطاووس والزنابير والنحل ونحوها كلها محرمة ، أما الغراب فما يأكل الجيف محرم ، وما يأكل النبات حلال .
أما المحرم من المشروب والمأكول غير الحيوان فيمكن ضبطه ضمن قواعد كلية :
1 ـ كل مغصوب حرام .
2 ـ كل نجس حرام .
3 ـ كل مضر حرام .
4 ـ كل خبيث حرام .
وأعظم المحرمات من المائعات البول ، وأعظم منه الخمر وأخواتها من النبيذ ، والفقاع ، والعصير إذا غلا ، ولم يذهب ثلثاه .
ولحرمة الخمر ونجاستها عند الإمامية من الغلظه والشدة ما ليس عند فرقة من المسلمين ، فقد ورد في التحذير منها عن أئمتهم سلام الله عليهم أحاديث هائلة ، وزواجر دامغة ، تشيب لها النواصي ، ويرتجف منها أجرأ الناس على المعاصي ، وتكررت منهم لعنة الله على عاصرها ، وجابيها ، وبائعها ، وشاربها ، وتعرف في شرعنا بأم الخبائث (3) .
وفي بعض أحاديث أهل البيت عليهم السلام ما يظهر منه حرمة الجلوس على مائدة وضع فيها قدح خمر(4) ، ولعل السر شدة الحذر والتحرز من أن يتطاير بخار منها يمس الطعام فيفسده ، أو يدخل في جوف الآكل ذرة من جراثيمها الخبيثة وموادها الهالكة ولو بعد حين ، وقد اهتدى العلم الحديث بعد الجد والجهد في تحليلها الكيماوي ، وتمحيصها الطبي ، إلى مضارها التي أنبأ عنها الاسلام قبل ثلاثة عشر قرناً بدون كلفة ولا عناء ، فحرموا على أنفسهم ما يحرمه دينهم ، وتمنعه شريعتهم ، فلله شريعة الاسلام ما أشرفها ، وأنبلها ، وأدقها ، وأجلها ، وأفضلها ، وأكملها ، وخسرت صفقة المسلمين الذين أضاعوها فضاعوا ، واستهانوا بها فهانوا ، وعسى أن يحدث
الله بعد ذلك امراً.
هذا مجمل القول في امهات الحلال والحرام من المأكول والمشروب ، وهناك بنات فروع كثيرة لا يتسع لشرحها صدر هذه الرسالة الوجيزة .
____________
(1) الطلاق 65 : 1 .
(2) الاختصاص : 206 ، رجال الكشي 2 : 681|781 . وفيهما عن حريز بدلاً من مؤمن الطاق .
(3) راجع كتاب الوسائل 25 : 296 ( باب تحريم شرب الخمر والابواب التي بعده ) فقد أورد الحر العاملي رحمه الله تعالى فيها جملة واسعة من الروايات الخاصة بهذا الباب .
(4) انظر : الكافي 6 : 229|2 ، الفقيه 4 : 41|132 ، التهذيب 9 : 116|501 .
الصيد والذباحة
- الزيارات: 3120