طباعة

الحدود

عقوبات عاجلة على جنايات خاصة ، الغرض منها حفظ نظام الاجتماع ، وقطع دابر الشر عن البشر.

حد الزنا
كل بالغ عاقل وطأ امرأة لا يحل له وطؤها شرعاً ، عالماً عامداً وجب على ولي الأمر أن يحذه بمائة جلدة ، ثم بالرجم بالحجارة إن كان محصناً ، أي عنده من الحلال ما يسد حاجته ، وإن لم يكن محصناً فبالجلد وحده ، ويحلق رأسه ، وينفى عن البلد سنة .
ثم إن كانت هي راضية حذت أيضاً بهما إن كانت محصنة ، وإلا فبالجلد وحده .
وإذا زنى باحدى محارمه النسبية أو الرضاعية ، أو بامرأة أبيه ، أو بمسلمة وهو ذمي ، أو أكره امرأة على الزنا كان حده القتل .
ويثبت الزنا باقراره أربع مرات ، أو بأربعة شهود عدول ، أو ثلاثة رجال وامرأتين.
ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم ، ولا يثبت بأقل من ذلك ، ولو شهد ثلاثة أو اثنان حد واحد القذف ، ويشترط اتفاق شهادتهم من كل وجه ، والمشاهدة عياناً .
ولو اقر بموجب الرجم ثم انكر سقط ، ولو أقر ثم تاب تخير الامام ، ولو تاب بعد البينة لم يسقط ، ولو زنى ثالثا بعد الحدين قتل .
ولا تجلد الحامل حتى تضع ، ولا المريض حتى يبرأ.

حد اللواط والسحق
لا شيء من المعاصي والكبائر أفظع حداً وأشد عقوبة من هذه الفاحشة والفعلة الخبيثة ، حتى أن التعذيب بالاحراق بالنار لا يجوز بحال من الأحوال إلا في هذا المقام .
وحد اللائط أحد امور يتخير ولي الأمر فيها : القتل ، أو الرجم ، أو إلقاؤه من شاهق تتكسر عظامه ، أو إحراقه بالنار. ويقتل المفعول به أيضاً إن كان بالغاً مختاراً ، وإن كان صغيراً عزر.
ويثبت اللواط بما ثبت به الزنا ، وكذا السحق ، وتجلد كل من الفاعلة والمفعولة مائة جلدة ، ولا يبعد الرجم مع الاحصان .
ويجلد ( القواد ) خمسة وسبعين جلدة ، ويحلق رأسه ، ويشهر ، وينفى . ويثبت بشاهدين وبالاقرار مرتين.

حد القذف
يجب أن يحد المكلف إذا قذف المسلم البالغ العاقل الحر بما فيه حد ـ كالزنا واللواط أو شرب الخمر ـ بثمانين جلدة ، ويسقط ذلك بالبينة المصدقة ، أو يصدقه المقذوف .
ويثبت بشهادة العدلين أو الاقرار مرتين .
ولو واجهه بما يكره : كالفاسق ، والفاجر ، والأجذم ، والأبرص ، وليس فيه ، كان حكمه التعزير.
ومن ادعى النبوة ، أو سب النبي صلى الله عليه وآله ، أو أحد الأئمة سلام الله عليهم ، فحكمه القتل .

حد المسكر
من شرب خمراً أو فقاعاً أو عصيراً قبل ذهاب ثلثيه ، أو أي نوع من المسكرات ـ من أنواعه الحديثة أو القديمة ـ عالماً عامداً بالغاً ، وجب أن يحد ثمانين جلدة عارياً على ظهره وكتفه ، ولو تكرر الحد ولم يرتدع قتل في الرابعة . ولو شربها مستحلاً فهو مرتد يجب قتله .
وبائع الخمر يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

حد السرقة
إذا سرق الرجل البالغ العاقل من الحرز ـ وهو المصون بقفل وصندوق أو نحو ذلك ـ ما قيمته ربع مثقال من الذهب الخالص ، وجب ـ بعد المرافعة عند الحاكم ، والثبوت بالاقرار مرتين ، أو البينة ـ أن تقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى ، فإن عاد بعد الحد قطعت رجله اليسرى من وسط القدم ، فإن عاد ثالثاً خلد في السجن ، فإن سرق فيه قتل.
ولو تكررت السرقة قبل الحد كفى حد واحد ، والطفل والمجنون يعزران ، والسارق يغرم ما سرق مطلقاً ، ويكتفى في الغرامة الإقرار مرة ، وشهادة العدل الواحد مع اليمين .
والوالد لا يقطع بسرقة مال ولده ، والولد يقطع .

حد المحارب
كل من شهر سلاحاً في بلد أو بر أو بحر للإخافة والسلب والنهب ، وجب على ولي الأمر حده مخيراً بين : قتله ، وصلبه ، وقطعه من خلاف ـ بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ـ أو نفيه من الأرض وفق الأية الشريفة : ( إنما جزاء الذين يحاربون )(1) إلى اخرها .
وإذا نفي الى بلد كتب بالمنع من مواكلته ومعاملته ومجالسته الى أن يتوب .
واللص الذي يهجم على الدار محارب ، فإن قتل فدمه هدر.
ومن كابر امرأة على عرضها ، أو غلاماً ، فلهما دفعه ، فإن قتلاه فدمه هدر .
ويعزر المختلس ، والمحتال ، وشاهد الزور بما يراه الحاكم من العقوبة التي يرتدع بها هو وغيره .

حدود مختلفة
من وطأ بهيمة وجب تعزيره ، فإن كان بالغاً وتكرر منه ذلك قتل في الرابعة ، ثم إن كانت مأكولة اللحم حرم لحمها ولحم نسلها بعد الوطء ، وتذبح ، وتحرق ، ويغرم قيمتها لصاحبها ، ولو اشتبهت اخرجت بالقرعة . ولو كانت غير معدة للأكل كالخيل ونحوها بيعت في بلد آخر ويتصدق بثمنها ، ويغرم لصاحبها قيمتها إن لم تكن له. ويثبت بشهادة العدلين أو الإقرار مرتين .
ومن زنى بميتة كمن زنى بحية ، وتغلظ العقوبة هنا ، ولو كانت زوجته أو مملوكته عزر. ويثبت بأربعة كالزنا بالحي ، وكذا اللواط . ومن استمنى بيده عزر. وللانسان أن يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع بالأسهل ، فإن لم يندفع فبالأصعب متدرجاً . ومن اطلع على دار قوم فزجروه فلم ينزجر فرموه بحجارة أو نحوها فقضت عليه ، فدمه هدر.

القصاص والديات:
قتل النفس المحرمة من أعظم الكبائر ، وهو الفساد الكبير في الأرض ، ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ، وكذا الجناية على طرف.
ثم إن الجناية مطلقاً على نفس أو طرف : إما عمد ، أو شبيه العمد ، أو خطأ محض .
والعمد واضح ، وشبيه العمد أن يكون عامداً في القتل مخطئاً في قصده ، كمن قصد الفعل ولم يقصد القتل فقتل اتفاقاً ، فلو ضربه بما لا يقتل غالباً للتأديب فمات ، أو سقاه دواء فقضى عليه فهو من شبيه العمد.
وأما الخطأ المحض فهو ما لم يقصد فيه القتل ولا الفعل ، كمن رمى طائراً فأصاب انساناً ، أو رفع بندقيته فثارت وقتلت رجلاً ، ومن أوضح انواعه فعل النائم ، أو الساهي الذي لا قصد له أصلاً ، وفعل المجنون ، والصبي غير المميز ، بل والمميز ، لأن عمد الصبي خطأ شرعاً .
ولو قصد رجلاً فاصاب آخر وكلاهما محقون الدم فهو عمد محض ، أما لو كان القصد الى غير المحقون فأصاب المحقون فهو من شبه العمد ، ولا فرق في جميع ذلك بين المباشرة والتسبيب ، إذا أثر في انتساب الفعل اليه ، كما لا فرق في الإنفراد والإشتراك .
ولا قصاص إلا في العمد المحض ، أما الخطأ وشبيه العمد ففيه الدية . ويشترط في القصاص بلوغ الجاني ، وعقله ، فلا يقاد الصبي وإن بلغ عشراً ، لا بصبي ، ولا ببالغ ، ولا مجنون وإن كان أدوارياً اذا جنى حال جنونه ، لا بعاقل ولا بمجنون ، فإن عمدهما خطأ فيه الدية على العاقلة .
أما المجنى عليه فالأقوى اشتراط البلوغ والعقل فيه أيضاً ، فلو قتل البالغ صبياً فالدية ، وقيل : يقاد به ، وكذا المجنون .
ويشترط اختياره إن كان في طرف ، أما في إلنفس فلا أثر للاكراه ، إذ لا تقية في الدماء ، فلو اكره على القتل قتل ، ويحبس المكره حتى يموت . وأن يكون المجنى عليه معصوم النفس ، فلو كان ممن أباح الشارع دمه فلا قصاص . وأن لا يكون الجاني أباً أو جداً وإن علا ، فإنه لا يقاد الأب أو الجد بالولد ، بل عليهما الدية لباقي الورثة .
ولا يقاد المسلم إلا بالمسلم ، كما لا يقاد الحر إلا بالحر ، ويقاد الحر بالحرة ويرد وليها على أهله نصف ديته ، لأن ديته ضعف ديتها ، وتقاد الحرة بالحر ، ولا يدفع أهلها شيئاً ، لأن الجاني لا يجني بأكثر من نفسه .
ودية الحر المسلم مائة من الابل ، أو مائتان من البقر ، أو ألف شاة ، أو مائتا حلة ، كل حلة ثوبان ، أو ألف دينار ( خمسمائة ليرة عثمانية ) ، فإذا أرضى أولياء الدم بها سقط القصاص ، ووجب دفعها اليهم في مدة سنة .
وفي شبه العمد تتعين الدية ، وتستوفى مدة سنتين ، وكذلك في الخطأ ، ولكن في ثلاث سنوات ، كل سنة ثلث .
وجناية الطرف ـ كقطع يده أو رجله ، أو فقأ عينه وما أشبه ذلك ـ إن كانت عمداً فالقصاص (العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص)(2).
وإن كانت خطأ أو شبهة فلكل واحد من الأعظاء أما الدية أو نصفها أو أقل من النصف . وكل مفرد في الانسان كالأنف والذكر ففيه تمام الدية ، وكل مثنى كالعينين واليدين والرجلين ففي واحد النصف وفي كليهما تمام الدية . والدية في شبه العمد على الجافي ، وفي الخطأ على العاقلة ، والتفاصيل موكولة إلى الموسوعات ، كما إننا لم نذكر كثيراً من كتب الفقه وأبوابه كالبيوع
مثل : السلف ، والصرف ، وبيع الثمار ، وبيع الحيوان ، ومثل : الاجارة ، والرهن ، والعارية ، والوديعة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والمسابقة والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والإقرار ، والكفارات ، وكثير من أمثالها .
ولم يكن الغرض هنا إلا الإشارة واللمحة ، والنموذج والنفحة ، وما ذكرناه في هذه الوجيزة هو رؤوس عناوين من عقائد الإمامية وفقهائها ، وهو أصغر صورة مصغرة تحكي عن معتقداتها ومناهجها ، في فروعها واصولها ، وقواعدها وأدلتها ، وثقافة عقولها ومداركها ، وسعة علومها ومعارفها .
فيا علماء الدين ، ويا رجال المسلمين ، هل رأيتم فيما ذكرناه عن هذه الطائفة ما يوجب هدم الاسلام ، أو ما هو مأخوذ من اليهودية والنصرانية ، أو المجوسية والزرادشتية ؟ !
وهل في شيء من تلك المباحث ما فيه شذوذ عن أصل قواعد الاسلام ، وخروج عن منطقة الكتاب والسنة ؟! ليحكم المنصفون منكم والعارفون ، وليرتدع عن إفكهم الجاهلون .
وعسى أن يجمع الله الشمل ، ويلم الشعث ، وتزول الوحشة ، ويتحد الاخوان تحت راية القرآن ، ويعيدوا مجدهم الغابر ، وعزهم الداثر ، وأنهم لن ينالوا ذلك ، ولن يبلغوا العز والحياة ، حتى يميتوا بينهم النزعات المذهبية ، والنزعات الطائفية .
ولا زلت أقول : يلزم أن تكون المذاهب عندنا محترمة ، ونحن فوق المذاهب ، نعم ، وفوق ذلك كله ما هو البذرة والنواة لحياة الأمم ، هو أن يخلص كل لأخيه المودة ، ويبادله المحبة ، ويشاركه في المنفعة ، فينفعه وينتفع به ، ولا يستبد ويستأثر عليه ، فيحب لأخيه ما يحب لنفسه ، جداً وحقيقة ، لا مخادعة ومخاتلة .
وتحقق هذه السجايا بحقائقها وإن أوشك أن يعد ضرباً من الخيال ، ونوعا من المحال ، ولكن ليس هو على الله بعزيز ، ولا يأس من روح الله ، وأن يبعث في هذه الأمة اليائسة من لدنه روحاً جديدة ، فتحيا بعد الموت ، وتبصر بعد العمى ، وتصحو بعد السكر إن شاء الله تعالى .
____________
(1) المائدة 5 : 33 .
(2) المائدة 5 : 45 .