• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مقدمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المتقين.
أمّا بعد، إنّ الاختلاف ليس شيئاً بدعاً وكما أنه ليس رحمة، وقلّما وجدت جماعة أو فرقة أو شعب أو حضارة لم يدبّ إليها الاختلاف فيقطع أوصالها ويفرّق جمعها، بل لا نعلم جماعة اتسقت أُمورها وانتظمت وحدتها واستمرّ حالها على ذلك، وقد ورد في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)والائمة من آله النّهي عن الاختلاف والفرقة(1) ، إذ ما اختلفت جماعة إلاّ وكان بعضها متّبعاً للهوى، فالهوى هو السبب الرئيسي إن لم نقل الوحيد للاختلاف، وهكذا كان شأن هذه الاُمة الاسلامية التي تعبد ربّاً واحداً وتؤمن بكتاب واحد وبنبي واحد، حيث دبّ الاختلاف فيها فتقطعت طرائق قدداً وأحزاباً شتى وتقطعت تلكم الاحزاب الى أُخرى وهكذا حتّى اختلط الحابل بالنابل وكلّ يدّعي أنه على الصراط السويّ، والاتعس من ذلك من يدّعي أنّ غيره على باطل محض.
ولسنا الان بصدد البحث في هذه الاختلافات وأسبابها ومن يقف وراءها.
أقول وبالله التوفيق: أنا المدعو الهاشمي بن علي التونسي، نشأت وترعرعت في مدينتي قابس مدينة البحر والواحة وعشت سنىّ طفولتي وشبابي في أحضان عائلة محافظة متوسطة الحال.
وكنت منذ سنىّ طفولتي متعلّقاً بالدين، حيث ما زلت أذكر تلك الايام الجميلة التي كنت أرافق فيها والدي لصلاة الجمعة في الجامع الكبير بالحيّ القديم من مدينتي، وقد رزقني الله سبحانه حافظة عجيبة فكنت أرجع الى البيت وأحكي لاهلي ما قاله الامام في خطبة الجمعة وما جاء فيها من وعد ووعيد.
وكانت لا تفوتني من الصلوات الخمس إلاّ صلاة الصبح، حيث كان يتعذر عليّ حضورها لانّ أهلي ما كانوا ليسمحوا لطفل صغير بالذهاب في ذلك الوقت المبكّر لاداء الصلاة، وكانت تقام في ذلك المسجد دروس في تاريخ الانبياء وتاريخ الصحابة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما كان يفوتني منها حرف واحد.
وكنت أحفظ قصائد في مدح خير البريّة، حيث كنت أواظب على الحضور في المناسبات الاسلامية وخاصّة في المولد النبوي الشريف، وكان ممّا يرغبني في حضور تلك المناسبات ما يقدّم فيها من الحلويّات والمشروبات وما كان فيها من الزينة والجمال.
وقلّما مرّت فرصة يزورنا فيها أو أزور فيها بعض الاهل والاصدقاء إلاّ وطفقت أحدثهم عمّا امتلات به ذاكرتي، فتارة أُحدثهم عن النبي يوسف (عليه السلام)، وأُخرى عن تقوى الصحابة وإيثارهم، وثالثة عن القيامة، ورابعة عن الجحيم وأهوالها، وأُخرى عن الجنة ونعيمها، وكان البعض يتعجّب ممّا أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع.
وهكذا استمر بي الحال حتّى دخلت الى مرحلة التعليم الثانوي، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الاسلامي منذ عصر ما قبل الاسلام الى الفتنة الكبرى كما يقولون.

الصدمة:
كنت أدرس في الصف مادة التاريخ، وكان عندنا أُستاذ يتبنّى الفكر القومي، ولمّا مررنا على معركة صفّين ابتسم الاُستاذ وقال: «فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتّى يخدعوا جيش علىّ وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم».
صعقني جدّاً هذا الكلام، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا؟ هذا الصحابي الجليل ـ الذي عرفناه من أقتاب الصحابة كماقال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر؟! إذاً أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الّذي دمغجنا به شيوخنا؟! شعرت حينها بتمزّق نفسيّ شديد بين ثقافتي الاسلامية التي تقدّم كل الصحابة وترفعهم الى صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقّة؟!
رجعت الى البيت مغموماً وسألت أخي عن المسألة فقال لي: إنّ هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم ـ أي الصحابة ـ أدرى بزمانهم و....
لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كلّ معنى، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر؟! فكيف بالصحابة؟!
وتمضي السنوات وتبقى في نفسي أشياء وأشياء، لكني لمّا لم أصل الى الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها على غاربها ومضيت...
وتشاء الاقدار أن تجمعني بصديق قديم وزميل دراسة كنّا تفارقنا مدة من الزمن وإذا بي أسمع أنه شيعىّ؟!
لقد كنت أعتقد أنّ المذهب السنّي هو المذهب الصافي وخاصة أتباع الامام مالك إمام دار الهجرة حيث أنّ أكثر إفريقيا مالكيّون، وكنت أعتقد أنّ بقية المذاهب الثلاثة وإن كانت على الحق لكن المذهب المالكي أصفاها وأحقّها، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الاربعة وكنت لا أرى مبرّراً لاختلافها، نعم لقد تعلّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة وأنهم كلهم من رسول الله ملتمس، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان، لكني قنعت بحجّة شيوخنا أو ربمّا أقنعت بها نفسي.
وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم على الحسين وسبّهم للصحابة فيزداد عجبي، وكنت أتمنّى أن ألتقي بواحد منهم لاُقنعه أو على الاقل لاعرف لماذا هم هكذا.
كان أوّل ماناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشّرين بالجنة(2) وقال لي: هل يُعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي في الجنة وقد قتل بعضهم بعضاً وشتم بعضهم بعضاً؟! وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار؟!
فكان ممّا أجابني به أنّ الصحابة على ثلاثة أقسام: قسم الثابتين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقسم المرتدّين (فعلاً لا قولاً)، وقسم المنافقين، وعليه لا يمكن أن يكونوا كلهم عدولاً.
ومّما واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض»(3) وقد كفانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤونة إمامة الاُمّة السياسيّة والعلمية بالائمة من أهل بيته.
وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالى عن الرؤية والحركة والانتقال وتنزيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.
وهكذا رأيت أنّ عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهددهما بالطلاق وبعذاب النار... ورأيت أنّ كل بناء السنة العقائدي متهاو بل هو من صنع وبناء حكّام بني أُمية أعداء الله ورسوله وبني العباس ومن بعدهم من الظالمين إلى اليوم.
ورأيت أنّ الشيعة مذهب صاف عقلاني مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والاكاذيب فيه، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلى الشيعة كلّ قبيح، استفقت على أنّ مذهبهم حقّ، ولهذا كثرت حوله الاباطيل والدعايات الباطلة التي لم يُرم بها حتّى دين اليهود والمجوس.
وعرفت حينها معنى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة...)(4) .
وعرفت الحديث القائل: «الناس أعداء ما جهلوا»(5) .
وأنا من موقعي هذا أدعُ كل إنسان حرّ أن يطّلع على كتب الشيعة وعلى آرائهم دون واسطة، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموّطأ دون واسطة.
وقارنوا بين المذاهب، فلسنا أقلّ من معاوية الذي قتل النفوس وأحدث الفتن ثم يقال عنه: إنّه اجتهد فأخطأ، فنحن إن وصلنا الى الحقّ ـ إلى دين الله ورسوله ـ فلنا أجران، وإن لم نتوصّل الى ذلك فلعلّ الله يكتب لنا أجراً واحداً، وذلك لصدق نيّاتنا وصفاء سرائرنا.
وجرّبوا أن تطالعوا عن التشيّع والشيعة الاثني عشريّة، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمّ كما يدّعي بعض العلماء المتحجّرين، بل إنّ أحدنايفاخربأنّه قرأمجموعة آثارفيكتورهيجو مثلاً أو اطّلع على مسرحيّات شكسبير وتجده جاهلاً بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلاً مطبقاً.
أقول قولي هذا واستغفر الله العلىّ العظيم
الهاشمي بن علي رمضان

قابس ـ تونس

1 ـ شوال ـ 1419 هـ

____________
1) أنظر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة حيث يقول: «الخِلافُ يَهْدمُ الرَّأْيَ» ص646، الكلمات القصار.
2) أنظر ذلك في سنن ابن ماجة 1:48، باب فضائل العشرة.
3) سنن الترمذي: ج5 فضائل أميرالمؤمنين.
4) سورة الحجرات: 6.
5) نهج البلاغة: 172 الكلمات القصار.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page