فصل من السؤال والبيان (1)
إن سألك سائل عن أول ما فرض عليك؟
فقل: النظر المؤدي إلى معرفة الله.
فإن قال :لم زعمت ذلك ؟
فقل : لأنه - سبحانه - أوجب معرفته ، ولا سبيل إلى معرفته إلاّ بالنظر فيالأدلة المؤدية إليها .
فإن قال : فإذا كانت المعرفة باللّه - جل وعز- لاتدرك إلا بالنظر، فقدحصل (2) المقلد غير عارف باللّه .
فقل : هو كذاك .
فإن قال : فيجب أن يكون جميع المقلدين في النار.
فقل : إن العاقل المستطيع إذا أهمل النظر والإعتبار ، واقتصر على تقليد الناس ،فقد خالف اللّه تعالى وانصرف عن (3) أمره ومراده ، ولم يكفه تقليده في أداء فرضه ،واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه .
غير انّا نرجو العفو عمّن قلد المحق والتفضل عليه ، ولا نرجوه لمن قلد المبطلولانعتقده فيه .
وكلّ مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية إدراكه وفطنته ، وأماالمقصّرالضعيف الذي ليس له استنباط صحيح ، فإنه يجزيه التمسك - في الجملة-بظاهر ما عليه المسلمون .
فإن قال : كيف يكون التقليد قبيحاً من العقلاء المميزين ، وقد قلد الناسرسول الله صلّى اللّه عليه وآله فيما أخبر به عن رب العالمين ، ورضي بذلك عنهم ، ولميكلفهم ما تدعون ؟
فقل: معاذ اللّه أن نقول ذلك أونذهب إليه ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لميرض من الناس التقليد دون الاعتبار، وما دعاهم إلا إلى اللّه بالاستدلال ، ونبههمعليه بآيات ألقرآن من قوله سبحانه : (أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلقاللّه من شيء)(4).
وقوله : (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأوُليالألباب)(5) .
وقوله :(وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون)(6) .
وقوله : (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) (7).
ونحن نعلم أنه مما أراد بذلك إلا نظر الاعتبار.
فلو كان عليه السلام إنما دعا الناس إلى التقليد، ولم يرد (منهم الاستدلال)(8)،
لم يكن معنى لنزول هذه الآيات .
ولو كان أراد أن يصدقوه ويقبلوا قوله تقليداً بغيرتأمل واعتبار، لم يحتج إلى أنيكون على يده ما ظهرمن الايات والمعجزات .
فأما قبول قوله صلى اللّه عليه وآله بعد قيام الدلالة على صدقه ، فهو تسليموليس بتقليد.
وكذلك قبولنا لما أتت به أئمتنا عليهم السلام ، ورجوعنا إلى فتأويهم في[شريعة ](9) الاسلام .
فإن قال قائل : فأبن لنا ما التقليد في الحقيقة، وما التسليم ؟ ليقع الفرق .
فقل : التقليد: قبول [قول ] (*) من لم يثبت صدقه ، ومأخوذ من القلادة .
والتسليم : هو قبول من ثبت صدقه ، وهذا لايكون إلا ببينة وحجة، والحمد للّه .
____________
1 - أورد الكراجكي في كنزالفوائد : 98 - 101 ، هذا الفصل إلى بداية كتاب «البرهان علىثبوت الإيمان» الآتي .
2 - حصل : ِصار .
3 - في الأصل : على ، ما أثبتناه من الكنز.
4 - الاعراف 7 : 185
5 -آل عمران 3 : 190
6 - الذاريات 51: 20 ، 21
7 ـ الغاشية 88 : 17 .
8 ـ في الأصل: الإستدلال عنهم، وما أثبتناه من كنز الفوائد.
9 ـ أثبتناه من الكنز.
فصل من السؤال والبيان
- الزيارات: 1927