دعاني إلى بيانهما إقناع أهل العصبية والتنديد بهؤلاء المرجفين على حمية الجاهلية ، فأقول : أجمع أخواننا أهل السنة على أن الإسلام والإيمان عبارة عن الشهادتين ، والتصديق بالبعث ، والصلوات الخمس إلى القبلة ، وحج البيت ، وصيام الشهر ، والزكاة والخمس المفروضين ( 1 ) .
وبهذا تعلن الصحاح الستة وغيرها .
ففي البخاري بسنده قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم .
وفيه أيضا بالإسناد إلى أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا ( 2 ) الله في ذمته .
وفيه بالإسناد إلى طلحة ( 3 ) بن عبيد الله قال : جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من أهل نجد ناثر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله ( ص ) : خمس صلوات في اليوم والليلة . قال : هل علي غيرها ؟ ( 4 ) قال : لا . إلا أن تطوع .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وصيام رمضان . قال : هل علي غيره ؟ قال : لا . إلا أن تطوع . قال : وذكر له الزكاة قال : هل علي غيرها ؟ قال : لا . إلا أن تطوع . قال : فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أفلح إن صدق .
وفي صحيح البخاري أيضا بالإسناد إلى نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ قال : يا ابن أخي بني الإسلام على خمس : إيمان الله ورسوله ، والصلاة والخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت .
وفيه أيضا بالإسناد إلى أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وآله بارزا يوما للناس ، فأتاه رجل فقال : ما الإيمان ؟ قال صلى الله عليه وآله : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وتؤمن بالبعث . قال : ما الإسلام ؟ قال صلى الله عليه وآله : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم
رمضان - الحديث . وآخره ثم أدبر ( يعني السائل ) فقال صلى الله عليه وآله : ردوه ، فلم يروا شيئا ، فقال : هذا جبرائيل ، جاء يعلم الناس دينهم . قلت : وأخرج هذا الحديث مسلم أيضا في صحيحه بطرق مختلفة وأسانيد متعددة ، بعضها عن عمر بن الخطاب ، وبعضها عن ابنه عبد الله ، وبعضها عن أبي هريرة ، وفيه شئ ما من زيادة أو نقصان .
وأخرج البخاري في عدة مواضع من صحيحه بالإسناد إلى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال لوفد عبد القيس ( لما أمرهم بالإيمان بالله وحده ) : أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس - الحديث ( 5 ) .
والأحاديث في هذا المعنى لا تكاد تحصى ، فمن أرادها فعليه بمظانها من الصحاح الستة وغيرها ، ولا سيما كتاب الإيمان من صحيح مسلم ، فإن فيه أبوابا كثيرة تفيد القطع بأن الإسلام والإيمان عند أهل السنة ليس إلا ما ذكرناه ، على أن ما سنورده في الفصلين الآتيين صريح في ذلك أيضا ، فتدبر ولا تذهل .
_______________
(1) وربما بعضهم فرق بين الإسلام والإيمان بفارق اعتباري . والذي يظهر من قوله تعالى : " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " إن الإسلام عبارة عن مجرد الدخول في الدين والتسليم ؟ لسيد المرسلين وأن الإيمان عبارة عن اليقين الثابت في قلوب المؤمنين مع الاعتراف به في اللسان ، فيكون على هذا أخص من الإسلام ، ونحن نعتبر فيه الولاية مضافا إلى ذلك - فافهم . ( * )
(2) الاخفار نقض العهد . وهذا الحديث والذي قبله مقيدان بما يدل على اشتراط الصوم والزكاة والحج كما لا يخفى .
(3) هذا الحديث موجود في صحيح مسلم بهذا الإسناد أيضا .
(4) يعني من جنسها ، وكذلك المراد من قوله " هل علي غيرها " بعد ذكر الصيام والزكاة . ( * )
(5) وأخرجه مسلم أيضا في عدة مواضع من صحيحه . ولا يخفى ما فيه من الدلالة على أن الخمس ركن من أركان الإسلام كالصلاة والزكاة . فيكون هذا الحديث مقيدا لجميع الأحاديث المطلقة بالنسبة إلى الخمس . ولا غرو فإن الكتاب والسنة يقيد بعضهما بعضا . ( * )
في بيان معنى الإسلام والإيمان اللذين بهما ينال العبد غاية الرضوان ، وعليهما يكون المدار وبوجود هما تترتب الآثار
- الزيارات: 3148