• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في لمعة مما أفتى به علماء أهل السنة ، من إيمان أهل التوحيد مطلقا ونجاة أصحاب الشهادتين جميعا

أوردناها ليعلم الناس توافق النص والفتوى في ذلك ، والغرض لم شعث المسلمين باجتماعهم ، ورتق ما انفتق بتدابرهم ونزاعهم ، لأن العاقل إذا رأى نصوص صحاحه وفتاوى علمائه تحكم بالإيمان على مطلق أهل التوحيد وتعلن نجاة جميع أصحاب القبلة لا يبقى بعدها أمر يدعوه إلى هذه النفرة أو يصده عن الوئام والألفة ، ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) فما بالهم ( وهم في الدين إخوة ) قد انشقت عصاهم واختلفت مذاهبهم ، فهاج بينهم قسطل الشر ، وتعلقت أهواؤهم بقواقر الفتن ، ولو رجعوا إلى ما أفتى به المنصفون من علمائهم لأيقنوا أن الأمر على خلاف ما زعم المرجفون .
وإليك منه ما عقد الفصل لبيانه .
ذكر العارف الشعراني في المبحث 58 من اليواقيت والجواهر ، أنه رأى بخط الشيخ شهاب الدين الأذرعي صاحب القوت ، سؤالا قدمه إلى شيخ الإسلام تقي الدين السبكي ، وصورته : ما يقول سيدنا ومولانا شيخ الإسلام في تكفير أهل الأهواء والبدع ؟
قال : فكتب إليه إعلم يا أخي أن الإقدام على تكفير المؤمنين ( 1 ) عسر جدا ، وكل من في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع ، مع قولهم " لا إله إلا الله محمد رسول الله " فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر - إلى آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتفظيع خطره .
ودونك يواقيت الشعراني فإنها تنقل الجواب عن خط السبكي على طوله ، وفي آخره ما هذا لفظه : فالأدب من كل مؤمن أن لا يكفر أحدا من أهل الأهواء والبدع ، اللهم إلا أن يخالفوا النصوص الصريحة التي لا تحتمل .
هذا كلامه ولا يخفى تصريحه بقصر التفكير على مخالف النصوص الصريحة عنادا لله وجحودا لما علم حكمه بالضرورة من دين الإسلام ، وقد دق في هذه الفتوى أصلاب المرجفين ، واستل ألسنة المتشدقين ، وقطع أمل من يبتغي تفريق المسلمين ، من كل أفاك أثيم .
وفي الصفحة العاشرة من طبقات الشعراني ما لفظه : وسئل سيدنا ومولانا شيخ الإسلام تقي الدين السبكي عن حكم تكفير غلاة المبتدعة ، وأهل الأهواء ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة ؟ فقال ( رضي الله عنه ) : اعلم أن كل من خاف الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ثم أورد جواب السبكي وهو طويل ، جاء في آخره ما هذه ألفاظه : فما بقي الحكم بالتفكير إلا لمن اختاره دينا وجحد الشهادتين وخرج عن دين الإسلام جملة - ا ه‍ .
قلت : الظاهر من اختلاف عبارة السؤالين والجوابين كونهما متعددين كما لا يخفى ، وإذا كان كلام هذا الإمام الكبير معلنا باختصاص الكفر بمن جحد الشهادتين ومناديا بالتنزيه لأهل الأهواء والبدع ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة من أهل القبلة ، فأي وقع بعده لكلام المرجفين وتحكم المشاغبين ، وإذا كان هذا حكمه في المتفوهين بالكلام على الله عز وجل فما ظنك بمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟
وقال الشيخ الأكبر ابن العربي في باب الوصايا من فتوحاته : إياكم ومعاداة أهل لا إله إلا الله ، فإن لهم الولاية العامة ، فهم أولياء الله ، ولو أخطأوا وجاءوا بقراب الأرض من الخطايا وهم لا يشركون بالله شيئا ، فإن الله يتلقى جميعهم بمثلها ( 2 )
مغفرة ، ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته . وأطال إلى أن قال : وإذا عمل أحدكم عملا توعد الله عليه بالنار ، فليمحه بالتوحيد ، فإن التوحيد يأخذ بناصية صاحبه ، لا بد من ذلك .
هذا كلامه وفيه ما تراه من الحكم على جميع أهل التوحيد بالولاية لله عز وجل ، والبشارة للمخطئين والمجرمين منهم بالمغفرة ، والجزم بأن التوحيد يمحو الكبائر ويأخذ بناصية صاحبه . والحمد لله رب العالمين .
وقال الفاضل الرشيد في صفحة 44 من المجلد السابع عشر من مناره : إن من أعظم ما بليت به الفرق الإسلامية رمي بعضهم بعضا بالفسق والكفر مع أن قصد كل الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده واعتقاده والدعوة إليه ، فالمجتهد وإن أخطأ معذور . وقد أطال الكلام في هذا الموضوع حتى بلغ الصفحة 50 من ذلك المجلد فراجع .
وقال المعاصر النبهاني البيروتي في أوائل كتابه شواهد الحق ( 3 ) : اعلم أني لا اعتقد ولا أقول بتكفير أحد من أهل القبلة ، لا الوهابية ولا غيرهم ، وكلهم مسلمون تجمعهم مع سائر المسلمين كلمة التوحيد والإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما جاء به من دين الإسلام . . . إلى آخر كلامه .
وعقد العارف الشعراني في الجزء الثاني من اليواقيت والجواهر مبحثا مسهبا لثبوت الإيمان لكل موحد يصلي إلى القبلة ، وهو المبحث 58 ، قال في آخره : فقد علمت يا أخي مما قررناه لك في هذا المبحث أن جميع العلماء المتدينين أمسكوا عن القول بالتفكير لأحد من أهل القبلة ( فبهداهم اقتده ) ا ه‍ .
ونقل جماعة كثيرون منهم الشعراني في المبحث المتقدم ذكره عن أبي المحاسن الروياني وغيره من علماء بغداد قاطبة أنهم كانوا يقولون : لا يكفر أحد من المذاهب الإسلامية لأن رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قال : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا ا ه‍ .
قلت : وقد ذكرنا في الفصول السابقة جملة من النصوص في هذا المعنى ، والصحاح مشحونة به فراجع . وقد بالغ الشيخ أبو طاهر القزويني في كتابه ( سراج العقول ) بإثبات الإسلام لكل فرد من أهل القبلة ، وجزم بنجاة الجميع من كل فرق الإسلام ، وأول الحديث المشهور ، أعني حديث " تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار ، بل قال إنه روي في بعض طرق هذا الحديث ما نصه : " كلها في الجنة إلا واحدة ( 4 ) " .
وأطال في إثبات الإيمان لكل مصدق بالشهادتين من أهل الأهواء والبدع كالمعتزلة والنجارية والروافض ( 5 ) والخوارج والمشبهة ونحوهم ، وحكم بنجاة الجميع يوم القيامة ، ونقل القول بإسلام الجميع عن جمهور العلماء والخلفاء من أيام
الصحابة إلى زمنه . قال : وهم من أهل الإجابة بلا شك ، فمن سماهم كفرة فقد ظلم وتعدى . . . إلى آخر كلامه وهو طويل نقله لي بعض مشائخي مشافهة عن سراج العقول ، وأورده الشعراني بتمامه في المبحث 58 من يواقيته نقلا عن ذلك الكتاب أيضا فراجع .
وقال ابن تيمية في أوائل رسالة الاستغاثة وهي الرسالة 12 من مجموعة الرسائل الكبرى ( 6 ) ما هذا لفظه : ثم اتفق أهل السنة والجماعة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحدا ه‍ ( 7 ) .
وقال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر ولا يكفر في صفحة 247 من أواخر الجزء الثالث من كتاب الفصل في الأهواء والملل والنحل ما هذه ألفاظه : وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتياء وأن كل من اجتهد في شئ من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فانه مأجور على كل حال ، إن أصاب فأجران وإن أخطأ فأجر واحد .
قال : وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة ( رض ) لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا .
قلت : هذه الفتوى من هؤلاء الأئمة تقطع دابر المشاغبين وتنقض أساس المهولين ، لأن خصومهم من أهل القبلة لم يقولوا قولا ولم يعتقدوا أمرا إلا بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة ، وبذل الجهد في الاستنباط من الكتاب والسنة وكلام أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم ، ولم يدينوا إلا بما رأوا أنه الحق واعتقدوا عين الصواب ، فيكونون بحكم هؤلاء الأعلام ( وهم أئمة السلف والخلف ) مأجورين ، وإن أصابوا أو أخطأوا على رغم من يبتغي تكفير المؤمنين ، ويدأب مجتهدا في تفريق المسلمين .
وكان أحمد بن زاهر السرخسي ( وهو أجل أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري ) يقول : ( فيما نقله الشعراني عنه في أواخر المبحث 58 من يواقيته ) لما حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة بداري في بغداد أمرني بجمع أصحابه ، فجمعتهم له فقال : اشهدوا علي أنني لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ، لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمهم .
هذا كلام إمام السنيين وكفى به حجة تدحض أقاويل المبطلين ، وقد تواتر القول بعدم تكفير أهل الأهواء والبدع من أهل القبلة عن الإمام الشافعي ، حتى قال : ( كما في خاتمة الصواعق ) أقبل شهادة أهل البدع إلا الخطابية ( 8 ) .
وقال شيخ الإسلام المخزومي ( فيما نقله الشعراني عنه في المبحث 58 من يواقيته ) : وقد نص الإمام الشافعي على عدم تكفير أهل الأهواء في رسالته . فقال : لا أكفر أهل الأهواء بذنب .
قال وفي رواية عنه : ولا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب .
قال وفي رواية أخرى عنه : ولا أكفر أهل التأويل المخالف للظاهر بذنب ا ه‍ .
وأجمع الشافعية على عدم تكفير الخوارج ، واعتذروا عنهم ( كما في خاتمة الصواعق ) بأنهم تأولوا فلهم شبهة غير قطعية البطلان ( 9 ) .
وقال العلامة ابن عابدين في باب المرتد من حاشيته الشهيرة الموسومة برد المحتار ما هذا لفظه : وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة ( 10 ) قال : وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون .
قال قال ابن المنذر : ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم . قال : وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء ( على عدم تكفير الخوارج ) ا ه‍ . هذا مع أن النبي ( ص ) نص على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأنهم شر الخلق والخليقة ، وأنهم ليسوا من الله في شئ وأن طوبى لمن قتلهم أو قتلوه .
وإذا كان هؤلاء مسلمين بالاجماع فما ظنك بمن دخل باب حطة ، وركب سفينة النجاة ، واعتصم بحبل الله ، وتمسك بثقلي رسول الله ، ودخل مدينة علمه من بابها ، ولجأ إلى أمان أمته من اختلافها وعذابها .
وإذا كان الخوارج مسلمين فمن غيرهم من أهل القبلة يكون كافرا ، وأي ذي نحلة من أهل الإسلام ليس له كشبهتهم .
ورأيت كلاما في هذا المعنى ناجعا لشيخ السادة الحنفية محمد أمين المعروف بابن عابدين في باب المرتد من كتاب الجهاد في صفحة 302 من الجزء الثالث من رد المحتار ، يحكم فيه قاطعا بإسلام من يتأول في سب الصحابة مصرحا بأن القول بتكفير المتأولين بذلك مخالف لإجماع الفقهاء ، مناقض لما في متونهم وشروحهم ، وأن ما وقع في كلام أهل المذهب من تكفيرهم ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون ، بل من غيرهم قال : ولا عبرة بغير الفقهاء ، والمنقول عن الفقهاء ما ذكرناه . .
إلى آخر كلامه ، وقد اشتمل على أدلة وافية ، وشواهد كافية ، فليطلبه من أراده ، وله كلام آخر في هذا المعنى أبسط مما أشرنا إليه ، نلفت الطالبين له إلى كتابه تنبيه الولاة والحكام . على أن ما في رد المحتار مقنع لأولي الأبصار .
وقد ألف العلامة الكبير الملا علي القاري الحنفي رسالة في الرد على من يكفر المتأولين بذلك ، كما نص عليه ابن عابدين فيما تقدمت إليه الإشارة من كلامه .
وقال ابن حزم في صفحة 257 من أواخر الجزء الثالث من فصله ما هذا لفظه : وأما من سب أحدا من الصحابة رضي الله عنهم فإن كان جاهلا فمعذور وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى أو سرق ، وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى الله عليه وآله فهو كافر . قال : وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله عن حاطب - وحاطب مهاجري بدري - : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا ، بل كان مخطئا متأولا ا ه‍ .
قلت : لا يخفى أنه جعل الملاك في التكفير إنما هو العناد لله ورسوله ، وهذا لا وجود له فيمن ينتحل دين الإسلام . نعم قد يكون الساب ( والعياذ بالله ) جاهلا أو ذا شبهة أوردته ذلك المورد ، فيكون معذورا . ويدل على عدم كفر المسلم به إطلاق الأحاديث التي سمعتها في كل من الثاني والثالث والرابع والخامس من هذه الفصول فراجع .
وأيضا يدل على عدم الكفر مضافا إلى ذلك ما أورده القاضي عياض في الباب الأول من القسم الرابع من كتاب الشفا نقلا عن القاضي إسماعيل وغير واحد من الأئمة أن رجلا سب أبا بكر بمحضر منه رضي الله عنه ، فقال له أبو برزة الأسلمي : يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه . فقال : اجلس ليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله ( 11 ) .
وفي ذلك الباب من الشفا أيضا أن عامل عمر بن عبد العزيز بالكوفة استشاره في قتل رجل سب عمر رضي الله عنه ، فكتب إليه : لا يحل قتل امرء مسلم بسب أحد من الناس إلا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فمن سبه فقد حل دمه ا ه‍ . قلت : أفضى بنا الكلام إلى ما هو غير مقصود بالذات ، وليس الغرض إلا تأليف المسلمين وإعلامهم بأنهم إخوان في الدين ، ولا نرتاب في أن سب رجل من عرض المؤمنين - فضلا عن سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين - موبقة وفسق ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سباب المسلم فسق وقتاله كفر .
ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول : نقل علي بن حزم الظاهري عن الأشاعرة ما لا يتسنى معه القول بتكفير أحد أصلا ، وإليك عبارته بحروفها ، قال في أثناء شنع المرجئة في ص 206 من الجزء الرابع من فصله : وأما الأشعرية فقالوا : إن شتم من أظهر الإسلام لله تعالى ولرسوله بأفحش ما يكون من الشتم ، وإعلان التكذيب لهما باللسان بلا تقية ولا حكاية ، والإقرار بأنه يدين بذلك ليس شئ من ذلك كفرا ا ه‍ .
وفي صفحة 204 من الجزء الرابع من الفصل أيضا : نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري وجميع أصحابه القول بأن الإيمان عقد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية ، وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام ، وعبد الصليث وأعلن التثليث في دار الإسلام ، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل من أهل الجنة ا ه‍ .
ولا يخفى أنه إذا ثبت هذا عن الإمام الأشعري وأصحابه - وهم جميع إخواننا السنيين في هذه الأعصر - هان الأمر في مسألتنا ، إذا لا يمكنهم حينئذ تكفير من يجاهرهم بصريح الكفر ، فكيف يتسنى لهم تكفير من انطوى ضميره على تقديس الله عز وجل ، وانعقد قلبه على تنزيهه ، ونبضت شرايينه بتسبيحه ، ونبت لحمه واشتد عظمه على توحيده ، وخالط الإيمان مخه ودمه وامتزج بجميع عناصره ، فشهد به لسانه ، وبخعت له أركانه ، واعترفت به حركاته ، وأقرت به سكناته ، مؤمنا برسوله ، موقنا بجميع ما جاء به من عند الله عز وجل ، يحيي ما أحياه الكتاب والسنة ، ويميت ما أماتاه ، لكن منينا بقوم همهم تفريق المسلمين ودأبهم بث العداوة بين الموحدين ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) .
وعن الأوزاعي : والله لئن نشرت لا أقول بتكفير أحد من أهل الشهادتين .
وعن ابن سيرين : أهل القبلة كلهم ناجون وسئل الحسن البصري عن أهل الأهواء ؟ فقال : جميع أهل التوحيد من أمة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يدخلون الجنة ألبتة .
وسئل الزهري عمن لا بس الفتن وقاتل فيها ؟ فقال : القاتل والمقتول في الجنة ، لأنهم من أهل لا إله إلا الله . وعن سفيان الثوري : لاثل عداوة موحد وإن مال به الهوى عن الحق لأنه لا يهلك بذلك .
وعن سعيد بن المسيب : لا تعاد منتحلا لدين الإسلام وإن أخطأ ، فكل مسلم مغفور له .
وعن ابن عيينة : لأن تأكل السباع لحمي أحب إلي من أن ألقى الله تعالى بعداوة من يدين له بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة .
قلت : أي حكمة في عداوته إلا إعلانه فيما يسيئك ومجاهرته فيما يخالفك ، وحرية المذاهب والأديان تخول ذلك ، ولو تحببت إليه ثم ناظرته فعسى أن يتبين له صوابك فيتبعك ، أو يريك الحق فتوافقه .
على أنه ما صار إلى خلافك عنادا للحق ، أو رغبة في الباطل ، ضرورة أن ذلك لا يفعله - في مقام التقرب إلى الله تعالى - عاقل . أجل سيق قسرا إلى مخالفتك في بعض ما تتبره من الفروع بسياط الأدلة القاطعة ، ومقارع الحجج الساطعة ، وهبها شبها ( كما تزعم ) لكنها توجب العذر لمن غلبت عليه ( لأنها مع كونها من الكتاب والسنة ) إفادته إفادة القطع بما قادته إليه ، فإن كان مصيبا فله أجران وإلا فقد أجمع المسلمون على معذرة من تأول ( في غير أصول الدين ) وإن أخطأ كما تشهد به أخبارهم وتفصح عنه أسفارهم وتعلنه أفعالهم وأقوالهم .
___________________
(1)  أنظر كيف أطلق لفظ " المؤمنين " على أهل الأهواء والبدع بدون تكلف . ( * )
(2) هذا مأخوذ من حديث أخرجه الترمذي وصححه ، رواه بالإسناد إلى أنس قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : قال الله تعالى : يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ولا أبالي : يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك .
يا بن آدم إنك لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لآتيتك بقرابها مغفرة ا ه‍ . وهذا الحديث ذكره الفاضل النووي في أربعينه ، وهو الحديث الأخير مما انتخبه من الأحاديث الصحيحة . ( * )
(3) طبع هذا الكتاب وفي هامشه رسالة النبهاني أيضا في فضائل معاوية سماها البديعة في إقناع الشيعة ، وقد نقضناها بكتاب يكون بحجمها ثلاث مرات سميناه الذريعة إلى نقض البديعة . ( * )
(4) أخرجه ابن النجار ونقل الشعراني عند إيراده في المبحث 58 من اليواقيت عن العلماء أن المراد بهذه الواحدة التي هي في النار إنما هي الزنادقة . .
(5) هذه عبارته نقلناها بدون تصرف .
(6) في صفحة 470 من الجزء الأول .
(7) فعلى هذا تكون أهل السنة مجمعة على أن مصير الشيعة إلى الجنة ، ضرورة أنهم من أهل التوحيد والإيمان بكل ما جاء به النبي ( ص ) . ( * )
(8) الخطابية أصحاب أبي الخطاب محمد بن مقلاص الأجدع عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، كان قبحه الله مغاليا في الصادق ( ع ) فاسد العقيدة خبيث المذهب لا ريب في كفره وكفر أصحابه ، وقد تبرا منه الصادق عليه السلام ولعنه وأمر الشيعة بالبراءة منه وشدد القول في ذلك وبالغ في التبرء منه واللعنة عليه ، ومن أراد الوقوف على كلام الصادق ( ع ) في شأن هذا الملعون فعليه بكتاب الكشي وغيره من كتب التراجم لأصحابنا ولهذا الكافر بدع كثيرة : منها تأخير صلاة المغرب حتى تستبين النجوم ، وقد نسب الجاهلون هذه البدعة إلينا ، على أنا نبرأ إلى الله منها وممن ابتدعها ، والذي نذهب إليه إن أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس من جميع أفق المصلي ، ويتحقق ذلك بارتفاع الحمرة المشرقية كما لا يخفى على من راجع فقهنا .
(9) هذا مع ما أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم في الجزء الرابع من صحيحه بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري من حديث ذكر فيه الخوارج فقال ( ص ) : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر في نصلة فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شئ ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل إحدى يديه ، أو قال : ثدييه مثل ثدي المرأة ، أو قال : مثل البضعة تدردر . يخرجون على حين فرقة من الناس .
قال البخاري : قال أبو سعيد : أشهد سمعت من النبي ( ص ) ، وأشهد أن عليا قتلهم ، وأنا معه جئ بالرجل على النعت الذي نعته النبي ( ص ) الحديث وأخرجه مسلم أيضا في باب ذكر الخوارج وصفاتهم في أواخر كتاب الزكاة من الجزء الأول من صحيحه .
وأخرجه أحمد من حديث أبي سعيد في مسنده ورواه كافة المحدثين ، وأخرج مسلم في باب الخوارج شر الخلق والخليفة من كتاب الزكاة من صحيحه بالإسناد إلى أبي ذر قال : قال رسول الله ( ص ) : إن بعدي من أمتي قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه ، هم شر الخلق والخليقة - الحديث .
وأخرج أحمد بن حنبل في صفحة 224 من الجزء الثالث من مسنده عن أنس بن مالك وأبي سعيد عن النبي ( ص ) قال : سيكون في أمتي حين اختلاف بينها وفرقة قوم يحسنون القيل ، ويسيؤن الفعل . . إلى أن قال صلى الله عليه وآله : يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، لا يرجعون حتى يرتدوا على فوقه ، هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شئ - الحديث .
(10) يعني إنهم خرجوا على سلطان المسلمين يجب قتالهم حتى يفيؤا إلى طاعته ، فإن بخعوا لأوامره كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين . ( * )
(11) وروى النسائي بالإسناد إلى أبي برزة الأسلمي قال : أتيت أبا بكر وقد أغلظ لرجل فرد عليه ، فقلت : يا خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه . فقال : أجلس فليس ذلك لأحد إلا لرسول الله ( ص ) . ( * )


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page