وإنك تجد الطبري في التاريخ لما بلغ إلى تاريخ أبي ذر يقول: في هذه السنة أعني سنة 30 كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة، وقد ذكر في سبب إشخاصه إياه منها إليها أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها، فأما العاذرون معاوية في ذلك فإنهم ذكروا في ذلك قصة. ا ه.
لماذا ترك الطبري تلكم الأمور الكثيرة ولم يذكر منها إلا قصة العاذرين؟
التي افتعلوها معذرة لمعاوية وتبريرا لعمل الخليفة، وأما الحقائق الراهنة التي كانت تمس كرامة الرجلين، وكانت حديث أمة محمد وقتئذ وهلم جرا من ذلك اليوم حتى عصرنا الحاضر فكره إيرادها، وحسب إنها تبقى مستورة إن لم يلهج هو بها، وقد ذهب عليه إن في فجوات الدهر، وثنايا التاريخ، وغضون كتب الحديث منها بقايا كافية لمن تروقه معرفة نفسيات مناوي أبي ذر، وتحقق أعلام النبوة التي جاء بها النبي الأعظم في قصة أبي ذر من المغيبات.
ثم ذكر القصة بصورة مكذوبة مختلقة لا يصح شئ منها، وكل جملة منها يكذبه التاريخ الصحيح أو الحديث المتسالم على صحته، وكفاها وهنا ما في سندها من الغمز وإليك رجاله
1 - السري. مر الكلام فيه في هذا الجزء ص 140 وإنه مشترك بين اثنين عرفا بالكذب والوضع.
2 - شعيب بن إبراهيم الأسيدي الكوفي، أسلفنا صفحة 140 من هذا الجزء قول الحافظين: ابن عدي والذهبي فيه وإنه مجهول لا يعرف.
3 - سيف بن عمر التيمي الكوفي، ذكرنا في صفحة 84 من هذا الجزء أقوال الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل حول الرجل وإنه ضعيف، متروك، ساقط، وضاع، عامة حديثه منكر، يروي الموضوعات عن الاثبات، كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة.
أضف إلى المصادر السابقة: " الاستيعاب " ترجمة القعقاع 2: 535، " الإصابة " 3: 239، مجمع الزوائد للهيثمي 10: 21.
4 - عطية بن سعد العوفي الكوفي. للقوم فيه آراء متضاربة بين توثيق وتضعيف وقال الساجي: ليس بحجة وكان يقدم عليا على الكل. وقال ابن سعد: كتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته فاستدعاه فأبى أن يسب فأمضى حكم الحجاج فيه (1) وذكر ابن كثير في تفسيره 1: 501 عن صحيح الترمذي من طريق عطية في علي مرفوعا: لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. فقال: ضعيف لا يثبت فإن سالما متروك وشيخه عطية ضعيف. ا ه. وكون الرجل في الاسناد آية كذب الرواية إذ الشيعي الجلد كالعوي لا يروي حديث الخرافة.
5 - يزيد الفقعسي. لا أعرفه ولا أجد له ذكرا في كتب التراجم.
فانظر إلى أمانة الطبري على ودايع التاريخ فإنه يصفح عن ذلك الكثير الثابت الصحيح ويقتصر على هذه المكاتبة المكذوبة المفتعلة. حيا الله الأمانة.
____________
(1) تهذيب لابن حجر 7: 226.
ابن جرير الطبري
- الزيارات: 1650