طباعة

نظرة قيمة في تاريخ الطبري

شوه الطبري تاريخه بمكاتبات السري الكذاب الوضاع، عن شعيب المجهول الذي لا يعرف، عن سيف الوضاع، المتروك، الساقط، المتهم بالزندقة، وقد جاءت في صفحاته بهذا الاسناد المشوه 701 رواية وضعت للتمويه على الحقايق الراهنة في الحوادث الواقعة من سنة 11 إلى 37 عهد الخلفاء الثلاثة فحسب، ولا يوجد شئ من هذا الطريق الوعر في أجزاء الكتاب كلها غير حديث واحد ذكره في السنة العاشرة، وإنما بدا برواية تلكم الموضوعات من عام وفاة النبي الأقدس، وبثها في الجزء الثالث والرابع والخامس، وانتهت بانتهاء خامس الأجزاء.

ذكر في الجزء الثالث من ص 210 في حوادث سنة 11            57 حديثا
أخرج في الجزء الرابع في حوادث السنة الثانية عشر            427 حديثا
أورد في الجزء الخامس في حوادث السنة ال‍ 23 - 37            207 حديثا
المجموع            701 حديثا

ومما يهم لفت النظر إليه إن الطبري من صفحة 210 من الجزء الثالث إلى ص 241 يروي عن السري بقوله: حدثني. المعرب عن السماع منه، ومن ص 241 يقول: كتب إلى السري. إلى آخر ما يروي عنه إلا حديثا واحدا في الجزء الرابع ص 82 يقول فيه: حدثنا.
ولست أدري إن السري، وسيف بن عمر هل كان علمهما بالتاريخ مقصورا على حوادث تلكم الأعوام المحدودة فقط؟ ومن حوادثها على ما يرجع إلى المذهب فحسب لا مطلقا؟ أو كانت موضوعاتهما تنحصر بالحوادث الخاصة المذهبية الواقعة في الأيام الخالية من السنين المعلومة؟ لكونها الحجر الأساسي في المبادئ والآراء والمعتقدات، وقد أرادوا خلط التاريخ الصحيح وتعكير صفوه بتلكم المفتعلات تزلفا إلى أناس، واختذالا عن آخرين، ومن أمعن النظر في هذه الروايات يجدها نسيج يد واحدة، ووليد نفس واحد، ولا أحسب إن هذه كلها تخفى على مثل الطبري، غير إن الحب يعمي ويصم.
وقد سودت هاتيك المخاريق المختلفة صحائف تاريخ ابن عساكر، وكامل ابن الأثير، وبداية ابن كثير، وتاريخ ابن خلدون، وتاريخ أبي الفدا إلى كتب أناس آخرين اقتفوا أثر الطبري على العمى، وحسبوا أن ما لفقه هو في التاريخ أصل متبع لا غمز فيه، مع إن علماء الرجال لم يختلفوا في تزييف أي حديث يوجد فيه أحد من رجال هذا السند فكيف إذا اجتمعوا في إسناد رواية.
والتآليف المتأخرة اليوم المشحونة بالتافهات التي هي من ولائد الأهواء و الشهوات كلها متخذة من هذه السفاسف التي عرفت حالها وسنوقفك على نماذج منها في الجزء التاسع إنشاء الله تعالى.