• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في مقال أصدرته لجنة الفتوى بالأزهر

جاء في جريدة الوقت المصرية العدد الثاني لسنتها الأولى الموافقة سنة 1367 ما نصه:
(لجنة الفتوى بالأزهر تقول: " لا شيوعية في الاسلام " عن الأهرام الغراء)
كانت وزارة الداخلية قد أحالت إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر كتابا وتنال فيه مؤلفه مذهب العالم الصحابي أبي ذر الغفاري غفر الله له، وخلص من بحثه إلى القول بوجود (الشيوعية في الاسلام) وذلك لكي تعرف الوزارة رأي الدين في ذلك، وما إذا كان هذا الكتاب يمكن تداوله. وقد أحال فضيلة الأستاذ الأكبر هذا الموضوع إلى لجنة الفتوى في الأزهر، فاجتمعت برئاسة فضيلة الأستاذ الشيخ عبد المجيد سليم المفتي السابق ورئيس هذه اللجنة، وبحثت موضوع الكتاب بحثا مستفيضا، ثم أصدرت فيه فتواها وقد تلقت وزارة الداخلية هذه الفتوى من فضيلة الأستاذ الأكبر. وهذا نصها بعد الديباجة:
* لا شيوعية في الاسلام *
إن من مبادئ الدين الاسلام احترام الملكية ولن لكل امرئ أن يتخذ من الوسائل والسبل المشروعة لاكتساب المال وتنميته ما يحبه ويستطيعه ويتملك بهذه السبل ما يشاء، هذا وقد ذهب جمهور من الصحابة وغيرهم من الفقهاء المجتهدين إلى أنه لا يجب في مال الأغنياء إلا ما أوجبه الله من الزكاة والخراج والنفقات الواجبة بسبب الزوجية أو القرابة وما يكون لعوارض موقتة وأسباب خاصة كإعانة ملهوف وإطعام جائع مضطر، وكالكفارات وما يتخذ من العدة للدفاع عن الأوطان وحفظ النظام إذا كان ما في بيت مال المسلمين لا يكفي لهذا، ولسائر المصالح العامة المشروعة كما هو مفصل في كتب التفسير وشروح السنة وكتب الفقه الاسلامي. هذا هو الواجب. غير إن الاسلام يدعو كل قادر من المسلمين أن يتطوع بما شاء من ماله يصرفه في وجوه البر والخير مع عدم الإسراف والتبذير في ذلك كما قال الله تعالى: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " وكما قال عز وجل في وصف عباده الذين أثنى عليهم: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " و كما تدل عليه السنة في أحاديث كثيرة. وذهب أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى إنه يجب على كل شخص أن يدفع ما فضل عن حاجته من مال مجموع عنده في سبيل الله أي في سبيل البر والخير وإنه يحرم ادخاره ما زاد عن حاجته ونفقته ونفقة عياله.
هذا هو مذهب أبي ذر ولا يعلم أن أحدا من الصحابة وافقه عليه. وقد تكفل كثير من علماء المسلمين برد مذهبه وتصويب ما ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين بما لا مجال للشك معه في أن أبا ذر رضي الله عنه مخطئ في هذا الرأي. والحق إن هذا مذهب غريب من صحابي جليل كأبي ذر وذلك لبعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، ولذلك استنكره الناس في زمنه واستغربوه منه، قال الآلوسي في تفسيره بعد ما بين مذهبه ما نصه: (وكثر المعترضون على أبي ذر في دعواه تلك وكان الناس يقرأون له آية المواريث ويقولون: لو وجب إنفاق كل المال لم يكن للآية وجه.
وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حل مستغربين منه ذلك. ا ه‍.
ومن هذا يتبين إن هذا الرأي خطأ وصاحبه مجتهد مغفور له خطؤه بل مأجور على اجتهاده، ولكنه لا يتابع فيما أخطأ فيه بعد تبيين إنه خطأ لا يتفق هو وما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله وقواعد الدين الاسلامي.
ولما كان مذهبه داعيا إلى الاخلال بالنظام والفتنة بين الناس طلب معاوية والي الشام من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يستدعيه إلى المدينة وكان أبو ذر وقتئذ في الشام فاستدعاه الخليفة فأخذ أبو ذر يقرر مذهبه ويفتي به ويذيعه بين الناس فطلب منه عثمان: أن يقيم بجهة بعيدة عن الناس فأقام (بالربذة) (مكان بين مكة والمدينة) قال ابن كثير في تفسيره: كان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه تحريم ادخار ما زاد على نفقة العمال. وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه فنهاه معاوية فلم ينته فخشي أن يضر بالناس في هذا فكتب يشكوه إلى عثمان وأن يأخذه إليه فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة وحده وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان.
وجاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر ما خلاصته: (إن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولذلك أمر عثمان أبا ذر أن يقيم بالربذة مع أن في بقائه بالمدينة مصلحة كبيرة لطالبي العلم لما في بقائه بالمدينة من مفسدة تترتب على نشر مذهبه)
ومما ذكرنا يتبين إن ما في هذا الكتاب (الشيوعية في الاسلام) لا يتفق هو ومبادئ الاسلام وقواعده. كما يتبين إنه لا شيوعية في الاسلام بالمعنى الذي يفهمه الناس، والذي صرح به صاحب هذا الكتاب وسماه (شيوعية الاسلام) ومن أجل هذا نرى ألا يذاع مثل هذا الكتاب بين الناس لئلا يتخذها المفسدون في الأرض الهدامون للنظم الصالحة ذريعة للاخلال بالنظام وإفساد عقول ضعفاء الإيمان والجاهلين بمبادئ الاسلام.
* (قال الأميني) *:
إن الوزارة الداخلية أو شيخ الأزهر لو أحال كل منهما النظر في هذه المهمة إلى لجنة عارفة بحال أبي ذر، واقفة على مقاله، مطلعة على كتب الحديث والسير والتفاسير، بصيرة على ما فيها من الغث والثمين، خالية عن الأغراض، بعيدة عن النعرات الطائفية، لحكمت بما هو الحق الصراح، وعرفت إن ما دعا إليه أبو ذر لم يكن خارجا عما سردته هي في مفتتح مقالها من اعتبار المالكية لكل إنسان، وما يجب عليه إنفاقه من المال، وما يتطوع به الرجل من النفقات، وقد أوقفناك قبل هذا على كل ذلك، وأن هياجه لم يكن موجها إلا إلى أناس معلومين كانوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها في سبيل الله، ويحرمون الأمة من منافعها المفروضة لها فضلا عن المندوب إليها والمرغب فيها. وبذلك كله تعرف إن ما عزت إليه اللجنة الحاكمة من غير بصيرة من وجوب إنفاق ما فضل من المال على حاجة الانسان ونفقته ونفقة عياله زور من القول، وفند من الرأي، وليتها أشارت إلى مصدر ما ادعته من مذهب أبي ذر الذي حسبته مخالفا لجمهور الصحابة والتابعين، وقد أسلفنا لك جملة مما أثر عنه في ذلك، وليس في شئ منه أي دلالة على ما ادعته من العز والمختلق، وليتها بينت العلماء الذين تصدوا لنقض مذهب أبي ذر، وأشارت إلى ما جاءوا به في تدعيم حجتهم، ولعلها أرادت بهم المؤرخ محمد الخضري، وأحمد أمين، وصادق إبراهيم عرجون، وعمر أبي نصر، ومحمد أحمد جاد المولى بك، وعبد الحميد بك العبادي، وأمثالهم من المحدثين المتسرعين الذين منيت بهم البلاد والعباد.
وأسلفنا لك أيضا قول عظماء الصحابة في أبي ذر وموافقتهم له على حقيقة رأيه، واستيائهم لما نكب به من جراء ذلك، وإجماع صلحائهم على إن ما جاء به كان رايا صحيحا دينيا محضا مستفادا من الكتاب والسنة.
وعجيب استغرابها مذهب أبي ذر وهي لا تعرفه، وأعجب منه اعتذارها له ببعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح مع قولها باجتهاد أبي ذر، أي اجتهاد هذا من عيلم أخذ المبادئ من مشرعها يبعد حامله عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح؟ نعم: كم وكم عند القوم من المجتهدين البعداء آرائهم عن مبادئ الاسلام كابن ملجم قاتل الإمام أمير المؤمنين، وأبي الغادية قاتل عمار، وابني هند والنابغة قائدي الفئة الباغية، وأمثالهم؟ (1) لكن شتان بين هؤلاء وسيد غفار؟.
أو ليس مما يضحك الثكلى ويبكي كل مسلم؟ أن يحسب إن مذهب أبي ذر بعيد عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، وهو الذي لم يعبد الصنم قبل إسلامه وصلى سنين قبل المبعث الشريف موليا وجهه إلى الله وهو محسن، وهو ربع الاسلام ورابع المسلمين، وقد طوى جل سنيه على عهد النبوة في صحبة الرسول الأعظم ولم يفتأ متعلما منه، مصيخا إلى كل ما يدعو إليه ويهتف به، فتنتقش كل تلكم المثل العليا في نفسه كما تنتقش الصور في المرآة الصافية، بل تثبت فيها كما تثبت في العدسة اللاقطة.
كان صلى الله عليه وآله يدنيه دون الصحابة إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم، وقد سال رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل شئ حتى عن مس الحصى في الصلاة، وقد صب صلى الله عليه وآله في صدره ما صبه جبريل وميكائيل في صدره صلى الله عليه وآله، وعرفه صلى الله عليه وآله لأمته بأنه شبيه عيسى هديا وسمتا ونسكا وبرا وصدقا و خلقا وخلقا (2).
وما ظنك برجل قال فيه باب مدينة علم النبي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لما سئل عنه: وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه؟ (3)
أو ليس من العجب العجاب إن من هو هكذا وهو في عهد النبوة لم يزل في مدينة الرسول يتلقى منه صلى الله عليه وآله كل إفاضاته، ويستقي من مستقى الوحي يكون مذهبه بعيدا عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح، ويكون رأي كعب الأحبار اليهودي حديث العهد بالاسلام أو من بعده بعد لأي من عمر الدهر وقد نمى وترعرع وشب و شاب في عاصمة الفراعنة يوم غشيت الحقايق ظلمات بعضها فوق بعض قريبا منها و يكون صاحبه عارفا بها حاكما على مثل أبي ذر بما حكم، كأن الحقايق الإسلامية نصب عينه دون سيد غفار، أو معلقة على شحمة أذنه يسمع رنتها دون ذلك الصحابي العظيم؟.
هب أنا تنازلنا للجنة الحاكمة عن كل ما قلناه، ولكن هل يسعنا التغاضي عما جاء به الحفاظ وأئمة الحديث من طرق صحيحة عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله في إطراء الرجل والثناء عليه وإكباره وتقرير هديه وهداه مع عدم استثناء شئ من أطواره في أولياته أو أخرياته؟ وهو العارف بعلم النبوة بكل ما ينهض به أبو ذر بعده، فهلا بدر صلى الله عليه وآله إلى ردعه عما سينوء به؟ بدل أمره إياه بالصبر على ما ينتابه من جراء ما قام به ودعا إليه، بدل عده ما أصابه من المحن مما هو لله وفيه، بدل إخباره بكل ما يجري عليه من النفي والجلاء مقصورا على ذلك من غير ردع.
ونسائل اللجنة الحاكمة عن الذين استنكروا مذهب أبي ذر واستغربوه منه من الصحابة أهم من علية الصحابة أو من أذنابها؟ وبطبع الحال إنها ستجيبنا إنهم الحكم بن أبي العاص، وأخوه الحارث بن الحكم، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن خالد، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإن شئت قلت حثالة من بني أمية البعداء عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح وهن حذا حذوهم في الإكباب علي حطام الدنيا واكتناز المال من غير حله ممن أقلقوا السلام، وجروا الويلات إلى خليفة الوقت، وحرموا ضعفاء الأمة عن حقوقهم، وولغوا في الدماء المحرمة وأثاروها حروبا دامية، وألقحوها فتنة شعواء، فلم تزل عداء محتدما تتلقاها الأجيال من بعدهم حتى انتهت إلى عصرنا الحاضر، وهو الذي حفز اللجنة الحاكمة على رميها القول على عواهنه، ولكن صافق أبا ذر على رأيه الصحيح الموافق لمبادئ الدين الإمام أبو السبطين وشبلاه الإمامان وصلحاء الأمة كلهم ومن استاء لنكبات أبي ذر ونقم بها على خليفة الوقت.
____________
(1) ممن أسلفنا ذكرهم في الجزء السابع ص 105، 106 ط 2.
(2) راجع في كل ذلك صفحة 316312 من هذا الجزء.
(3) راجع ص 311 من هذا الجزء.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page