• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تقديم : آية الله جعفر السبحاني

بسم الله الرحمن الرحيم
مع الإمام البخاري في صحيحه
صحيح البخاري أحد الصحاح الّذي حاز على منزلة كبيرة لدى أهل السنّة ، وقد نقلوا عن البخاري انّه قال : لم أخرج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر. (1)
وقال ابن حجر الهيتمي بأنّ صحيح البخاري وصحيح مسلم هما أصحّ الكتب بعد كتاب الله وإجماع من يعتد به. (2)
إلى غير ذلك من كلمات الإطراء المبثوثة في المعاجم وكتب التراجم ، ولسنا الآن في مقام البحث والنقاش في مدى صحّة هذه الكلمات ، وكفانا في ذلك الكتاب الماثل بين يديك الّذي يوقفك على حقيقة الأمر ، غير انّ ثمة أُموراً نقف عندها قليلاً :
الأوّل : يوجد في صحيح البخاري روايات التجسيم والتشبيه بوفرة وإن حاول شُرّاح الصحيح تأويلها غير انّها فشلت جميعاً ، لأنّ ظهورها بمكان يحد من تأويلها والتلاعب بها ، والسبب وراء هذه الكثرة من روايات التجسيم يعود إلى أنّ البخاري عاش في عصر المتوكل العباسي الّذي استخدم طبقة من المحدّثين ومنحهم الجوائز في نقل الأحاديث الّتي تؤيد موقف المحدّثين أمام أهل التنزيه من العدلية والمعتزلة.
يقول الذهبي : إنّ المتوكّل أشخص الفقهاء والمحدّثين ؛ وكان فيهم : مصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابني محمد بن أبي شيبة ؛ فقسّمت بينهم الجوائز ، وأُجريت عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ويُحدِّثوا بالأحاديث الّتي فيها الرد على المعتزلة والجهمية ، وأن يحدّثوا بالأحاديث في الرؤية.
فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور ، ووُضِع له منبر واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألف من الناس ؛ وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة ، وكان أشدّ تقدّماً من أخيه عثمان ، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألف. (3)
ولذلك فلا تعجب من كثرة روايات التجسيم والتشبيه في الصحيح ، لأنّ بعض هؤلاء من رجال صحيح البخاري.
الثاني : انّ البخاري وإن ذكر شيئاً من فضائل علي وأهل بيته إلاّ أنّ قلمه يرتعش عندما يصل إلى فضائلهم فيعبث بالحديث مهما أمكن ، وإليك نموذجاً.
إنّ حديث الولاية يعني قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حقّ علي ( عليه السَّلام ) : « علي منّي وأنا من علي ، وهو وليّكم من بعدي » من الأحاديث المتضافرة الّذي أخرجه غير واحد من أئمّة الصحاح والسنن وحفّاظ الحديث ، وقد نقله جمّ غفير من كبار أئمّة الحديث في كتبهم ، ربما يبلغ عددهم حسب ما استخرجه المحقّق المتتبع السيد حامد حسين اللكهنوي ( المتوفّى 1306 هـ ) في كتابه « عبقات الأنوار » إلى 65 ، وعلى رأسهم :
1. سليمان بن داود الطيالسي ( المتوفّى 204 هـ ).
2. أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ( المتوفّى 239 هـ ).
3. أحمد بن حنبل ( المتوفّى 241 هـ ).
4. محمد بن عيسى الترمذي ( المتوفّى 279 هـ ).
5. أحمد بن شعيب النسائي ( المتوفّى 303 هـ ).
إلى غير ذلك من أئمّة الحفّاظ والمحدّثين (4) ، وإليك نصّ الحديث :
1. أخرج النسائي في سننه قائلاً : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، عن ابن فضيل ، عن الأعرج ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث علياً على آخر ، وقال : إن التقيتما فعليٌّ على الناس ، وإن تفرّقتما فكلّ واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن ، وظفر المسلمون على المشركين ، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى علي جاريةً لنفسه من السبي ، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمرني أن أنال منه. قال : فدفعت الكتاب إليه ونلت من عليّ ، فتغيّر وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقلت : هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وألزمتني بطاعته فبلّغت ما أُرسلت به. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لي : « لا تقعنَّ يا بريدة في عليّ ، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ». (5)
2. وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس ، عن بريدة ، قال : غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة ، فلمّا قدمتُ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذكرت عليّاً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتغيّر ، فقال : « يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ، قلت : بلى يا رسول الله ، قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ». (6)
وما جاء في الحديث الّذي أخرجه النسائي من قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « عليّ منّي وأنا من علي وهو وليكم بعدي » لا ينافي المنقول في مسند أحمد ولعلّ الرسول جمع بين الكلمتين ، أو انّ الراوي نقل بالمعنى فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
وعلى كلّ حال فالحديث كان مذيّلاً بما يدلّ على ولايته بعد رحيل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ويؤيد ذلك انّ الإمام أحمد أخرج الحديث عن عمران بن حصين بالشكل التالي :
3. قال : بعث رسول الله سرية وأمّر عليهم علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره لرسول الله ، قال عمران : وكنّا إذا قدمنا من سفرنا بدأنا برسول الله ، فسلّمنا عليه ، قال : فدخلوا عليه ، فقام رجل منهم ، فقال يا رسول الله : إنّ عليّاً فعل كذا وكذا فأعرض عنه.
ثمّ نقل قيام الثلاثة الباقين وتكرارهم ذلك القول وإعراض الرسول عنهم ، حتّى انتهى إلى قوله : فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغيّر وجهه ، فقال : « دعوا عليّاً ، إنّ عليّاً مني وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي ». (7)
4. وأخرج الترمذي عن عمران بن حصين ونقل الحديث مثل ما نقل أحمد ابن حنبل إلى أن قال : فقام الرابع ، فقال مثل ما قالوا ، فأقبل إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ والغضب يُعرف في وجهه ـ فقال : « ما تريدون من عليّ ! ما تريدون من عليّ ! ما تريدون من عليّ ! إنّ عليّاً مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن بعدي ». (8)
ترى أنّ الرواية تنص على الولاية الدالّة على أنّه الإمام بعد رحيل الرسول لكن البخاري كعادته أخرج الحديث عن بريدة ، فذكر شيئاً من الحديث وحذف بيت القصيد منه ، فأخرج الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بالنحو التالي :
قال : بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ، فلما قدمنا على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذكرت ذلك له.
فقال : يا بريدة أتبغض عليّاً ، فقلت : نعم ، قال : « لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك ». (9)
ترى أنّه حذف الفقرة الأخيرة من الحديث الّتي هي بمنزلة بيت القصيد منه وهي : « انّ علياً منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ».
هذان الأمران اللّذين نوّهنا إليهما يعربان عن موقف البخاري حيال روايات التجسيم والتشبيه ، كما يعربان عن مدى بخسه لأحاديث أهل البيت ( عليهم السَّلام ) وفضائلهم. كيف لا وهو لم يرو حديث الغدير بتاتاً ، كما لم يرو عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) حديثاً واحداً مع أنّه نقل عن الخوارج والمجبّرة والمشبّهة؟!!
فهذا الكتاب الّذي يعد أصحّ الكتب عند أهل السنّة بعد كتاب الله بحاجة إلى تنقيب وبحث ودراسة رجاله ودراسة مضمون الأحاديث الواردة فيه. وقد قام بهذا الأمر المهم غير واحد من أعلام الفريقين.
فمن أهل السنّة الحافظ ابن الجوزي ( 510 ـ 597 هـ ) حيث ألّف كتاباً باسم « مشكل الحديثين أو مشكل الصحاح » ولم يزل مخطوطاً في أربعة أجزاء.
وأمّا من الشيعة ، فقد قام فقيه الطائفة والمتتبع المتضلّع الشيخ فتح الله النمازي الاصفهاني المشهور بـ « شيخ الشريعة » ( 1266 ـ 1339 هـ ) بدراسة صحيح البخاري في كتاب هو ماثل بين يديك وقد ألفه ( قدس سره ) ولم يسمّه باسم ، غير انّ تلميذه المتتبّع الشيخ آقا بزرك الطهراني ( 1293 ـ 1389 هـ ) استكتبه لنفسه وأسماه بـ « القول الصراح في نقد الصحاح » ، وقد كانت النسخة منحصرة بما استكتب ، فاستدعيت من صديقنا العزيز المجاهد في سبيل الله آية الله الشهيد ميرزا علي الغروي ( قدس سره ) مؤلف الموسوعة الفقهية باسم « التنقيح في شرح العروة الوثقى » أن يرسل لي صورة من نسخة الشيخ آقا بزرك الطهراني المتوفرة في مكتبته ، وقد لبّى ( قدس سره ) طلبي هذا.
وقد قام بتحقيق الكتاب والتعليق عليه وإخراج مصادره الباحث المحقّق الشيخ حسين غيب غلامي الهرساوي ، فعلّق عليه تعاليق ثمينة ، شكر الله
مساعيه الجميلة ، وهو ممّن قد خاض في عبارات هذه المباحث في غير واحد من تآليفه.
ولعلّ هناك من يعيب على هذا النوع من التأليف بأنّه يثير حفيظة البعض ، لأنّ كثيراً من أهل السنّة تلقّوا صحيح البخاري كتاباً صحيحاً برمّته يسمو عن البحث والنقد ، ولكن الحقّ انّ كل كتاب غير كتاب الله خاضع للبحث والنقاش.
إنّ السنّة النبوية تراث خالد للأُمّة الإسلامية تعد المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم في مجالي العقيدة والشريعة.
فالسنّة المحكية ـ أي قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفعله وتقريره ـ من الحجج القطعية الّتي لا تخضع للتمحيص ، كيف لا وهو كلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
وإنّما الخاضع للتحقيق والتنقيب هو السنّة الحاكية عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلا عتب على باحث أن يقوم بدراسة الحديث دراسة موضوعية قائمة على أُسس علمية وبلغة هادئة.
فهذا النمط من البحث لجدير بالاهتمام والعناية من قبل الباحثين والمحقّقين لما فيه من تقرير للسنّة النبوية ، وتمحيصها عمّا ليس منها.
وها نحن بحمد الله لم نختلف فيما جاء به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولو كان هناك اختلاف فإنّما هو في ما روي عنه ، وهذا هو الّذي أرشدنا إليه الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) ، عندما قال له بعض اليهود :
ما دفنتم نبيكم حتّى اختلفتم فيه !!
فقال ( عليه السَّلام ) له : « إنّما اختلفنا عنه ، لا فيه ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم : « اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فقال : إنّكم قوم تجهلون ». (10)
_________________
1. ابن حجر العسقلاني : هدى الساري : ص 7 ؛ مقدمة صحيح البخاري : 1 / 10.
2. الصواعق المحرقة : 18.
3. تاريخ الإسلام ، وفيات عام 230 ـ 240 ؛ تاريخ بغداد : 10 / 66.
4. لاحظ نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار : 15 / 51 ـ 54.
5. خصائص علي بن أبي طالب : 75.
6. مسند أحمد بن حنبل : 5 / 347.
7. مسند أحمد : 4 / 438.
8. سنن الترمذي : 5 / 632.
9. صحيح البخاري : 5 / 163 ، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع.
10. نهج البلاغة ، قصار الكلمات ، برقم 317.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page