• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مع العترة الطاهرة

ولو تشبث ناصب عنيد ومتعصّب جحيد ، بأن اعراض البخاري عن الصادق ( عليه السَّلام ) وعن روايته ليس لكونه ناصباً منحرفاً ، بل دعاه إلى ذلك مزيد التحقيق والتنقيد والتنقيح والتورع وصون الشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها.
قلنا له : هذا والله عين النصب والإِنحراف ، وللنواصب والخوارج أن يقولوا : ما دعانا إلى ما قلنا في حق علي ( عليه السَّلام ) وأهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ مزيد التحقيق والتنقيد والتورع وصون الشرع المقدس ، ولذا صرفنا أعمارنا ووجهنا همّنا إلى إسقاطهم واسقاط كلماتهم عن درجة الإعتبار حتى لا يدخل في الشريعة ما ليس منها ، نعوذ بالله من هذه الهذيانات.
ولنذكر هنا أموراً ، ثم نتعرض للوجه الثاني من الوجوه الواردة على البخاري :
الأوّل : في بيان حال مجالد الذي قال القطان شيخ مشايخ البخاري : أنه أحب إليّ من جعفر !
قال الذهبي في ميزان الإعتدال : مجالد بن سعيد بن عمير الهَمْداني مشهور ، صاحب حديث ، على لين فيه ، روى عن قيس بن أبي حازم ، والشعبي ، وعنه يحيى القطان ، وأبو أسامة وجماعة ، قال ابن معين وغيره : لا يحتج به (1).
وقال أحمد : يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء.
وقال النسائي : ليس بالقوي (2) ، وذكر الأشج : أنه شيعي ؛ وقال الدارقطني : ضعيف ، وقال البخاري : كان يحيى بن سعيد يضعّفه ، وكان ابن مهدي لا يروي عنه ، وقال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد يقول : لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ! (3)
وقيل لخالد الطحان : دخلت الكوفة فَلِمَ لم تكتب عن مجالد ؟ قال : لأنّه كان طويل اللحية !
قلت : مِن أنكر ما له من الشعبي عن مسروق عن عائشة مرفوعاً : لو شئت لأجرى الله معي جبال الذَّهب والفضة (4).
فظهر أن مجالد مطعون عند مهرة فن الرجال ، وأن الإمام أحمد بن حنبل قال في حقه : ليس بشيء ، ويحيى بن معين قال : لا يحتجّ به ، ويحيى بن سعيد القطان الفتّان يرميه بالوضع ، ويقول : لو شئت أن يجعل مجالد هذه الأحاديث كلّها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله فَعَلَ ؛ ومع هذا يقول هذا الفتّان الشقي : أنه أحب إلي من جعفر ، نعوذ بالله ونشتكي إلى الله.
الثاني : أن جماعة من أعيان العامة ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب العترة العلوية ، وذكروا فيها من الأخبار والآثار المروية بطرقهم ما لايحصى.
وذكروا أن مودة السادات من أجزاء الإيمان ، ومن الفرائض الأكيدة ، وقالوا بوجوب تعزير المستخف بهم ، بل بكفره ، وحكموا بحرمة إهانتهم ، والوقيعة فيهم ، وإن أخطأوا في الإعتقاد ، أو فسقوا بالجوارح.
وذكروا أن السادات يموتون على الإيمان كأزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والعشرة المبشرة ، فهؤلاء وإن وقع منهم ما وقع في الدنيا إلاّ أنهم حال الخروج منها يموتون مع كمال الإيمان ، تصديقاً لبشارة ربّ العالمين.
والكلام في هذا المطلب طويل ، من أراده فعليه المراجعة إلى كتبهم ، ونحن لا نذكر منها إلاّ أحرفاً وأسطراً يسيرة.
والغرض أنه اذا كان إساءة الأدب والإيذاء بالنسبة إلى السادات العلوية بهذه المثابة ، فكيف يكون حال من استخفّ بسيدهم وإمامهم وحجتهم وعمادهم الذي تراب نعاله كحل الجواهر لأعين هؤلاء السادات ، وبشرف الإنتساب إليه والإنقياد له يرجون من الله رفع الدرجات ونيل المثوبات وغفران السيئات.
وبالجملة فجماعة منهم ألّفوا الكتب والرسائل في هذا المعنى فراراً عن إلزامات الشيعة ، وإصلاحاً لحال أسلافهم ، ودفعاً لتشنيع الشيعة عليهم بالنصب والإنحراف والبغض ، ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر.
وعدّ صاحب الصواعق هذا الإلزام والتشنيع من جملة تعصبات الشيعة ، قال في تعداد التعصبات.
التاسع عشر : أن أهل السنة أفرطوا بغض أهل البيت ، ذكر ذلك ابن شهر آشوب ، وكثير من علمائهم ، ولقّبوهم بالنواصب وهو كذب صرد وعصبيّة ظاهرة ، فإنهم يقولون : إن الله تعالى أوجب محبّة أهل بيت نبيّه على جميع بريته ولا يؤمن أحدكم حتى تكون عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحب إليه من نفسه ، ويروون في ذلك أحاديث.
منها : ما رواه البيهقي ، وأبو الشيخ ، والديلمي ، أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه.
ويكون عترتي أحب إليه من نفسه » (5).
وأخرج الترمذي ، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « أحبّوا أهل بيتي بحبّي » (6) ، إلى غير ذلك من الأخبار.
ويقولون : من ترك المودّة في أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد خانه ، وقد قال الله تعالى : ( لاتخونوا الله والرسول ) (7) ، ومن كره أهل بيته فقد كرهه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولقد أجاد من أفاد :
ولا تعدل بأهل البيت خلقاً وبغضهم لأهل العقل خسر         فأهل البيت هم أهل السيادة حقيقي وحبّهم عبادة (8)
ويوجبون الصلاة عليهم في الصلوات ، قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمد النيسابوري رحمه الله : من آمن بمحمد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن ، أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد ، انتهى كلام صاحب الصواعق.
وذكر ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي (9) في رسالة مناقب السادات : هم حجة الله على الورى فيهم نزل ، ( هل أتى ) (10) ، و ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّالمودّة في القربى ) (11) ، وعليه قول الشاعر :
من معشر حبّهم دين وبغضهم         كفر وقربهم منجى ومعتصم
مودّة القربى واجبة على المؤمن والسني بالنص الصريح ومن لم يقبل ولـم يتبع فلـيس بمؤمن موحد بل هو كافـر ملحد ملعون مرتد
وقال المناوي في فيض القدير ما هذا نصّه : أخلفوني ، بضمّ الهمزة واللام ، أي : يكونوا خلفائي في أهل بيتي علي وفاطمة وابنيهما ، فاحفظوا حقي فيهم ، وأحسنوا الخلافة عليهم بإعظامهم واحترامهم ونصحهم ، والإحسان إليهم ، وتوقيرهم والتجاوز عن مسيئهم ، ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) (12).
قال المجد اللغوي : وما احتج به من رمي عوامهم بالابتداع وترك الاتباع ، لاينج فإنه إذا ثبت هذا في معين لم يخرج عن حكم الذرية فالقبيح عمله لا ذاته.
وقد منع بعض العمال على الصدقات بعض الأشراف لكونه رافضياً فرأى تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، ومنعته فاطمة من الجواز على الصراط فشكاها لأبيها ، فقالت : منع ولدي رزقه.
فاعتل بأنه يسبّ الشيخين ، فالتفتت فاطمة إليهما وقالت : أتؤاخذان ولدي ؟ قالا : لا ، فانتبه مذعوراً في حكاية طويلة.
ولما جرى على الإمام أحمد بن حنبل من الخليفة العباسي ما جرى ، ندم وقال : اجعلني في حلّ ، فقال : ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حلّ ، إعظاماً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لقرابتك منه.
وحكى المقريزي عن بعض العلماء أنه كان يبغض بعض أشراف المدينة لتظاهرهم بالبدع فرأى المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم فعاتبه ، فقال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حاشا لله ما أكرههم وإنّما كرهت تعصبهم على أهل السنة فقال : مسئلة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ قال : نعم ، قال : هذا ولد عاق (13).
أقول : الحكاية التي أجملها في منع بعض العمال هي التي ذكرها مفصلة ، السيد نورالدين علي السمهودي في جواهر العقدين.
وحكاها أيضاً رضي الدين علي الحسيني الشامي في تنضيد العقود ، نقلاً عن السيد عبد الرحيم السمهودي في كتاب الإشراف عن فضل الأشراف ، قال السيد نور الدين المذكور : وهو من أعيان علماء العامة كما يظهر من المراجعة إلى كتبهم ، أخبرني الإمام الشيخ العلامة محقق المالكية في زمنه شهاب الدين أحمد بن يونس القسطنطني المغربي نزيل الحرمين الشريفين في مجاورته بالمدينة النبوية سنة خمس وسبعين وثلاثمائة.
أن بعض مشايخه ممن يثق به أخبره أن شخصاً من أعيان المغاربة عزم على التوجه من بلاده للحج ، قال : حضر إليه شخص من أصحاب الثروة مبلغاً أظنّه مائة دينار ، وقال له إذا وصلت إلى المدينة النبوية فسأل عن شخص من الأشراف بها يكون صحيح النسب ، فتدفع ذلك إليه عسى أن يكون لي بذلك وصلة بجده ( صلى الله عليه وآله وسلم )
قال : فلما رجع إليهم ذلك المغربي أخبر : أنه قدم المدينة وسأل عن أشرافها ، فقيل له : أن نسبهم صحيح غير أنهم من الشيعة ، الذين يسبون ، قال : فكرهت دفع ذلك لأحد منهم.
قال : ثم جلس إلي واحد منهم ، أو قال : جلست إليه فسألته عن مذهبه ؟ فقال : شيعي.
فقلت له : لو كنت من أهل السنة لدفعت إليك مبلغاً عندي ، قال : فشكى فاقته وشدّة احتياجه ، وسئلني شيئاً منه ، فقلت : لا سبيل إلي أن أعطيك شيئاً.
فذهب عني فلمّا نمت تلك الليلة رأيت أن القيامة قد قامت والناس يجوزون على الصراط فأردت أن أجوز فأمرتْ فاطمة ( عليها السَّلام ) يعني فمنعت ، فصرت استغيث ولا أجد مغيثاً حتى أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاستغثت به ، وقلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منعتني فاطمة من الجواز على الصراط ! فالتفت إلي وقال : قد قالت : انّك منعت ولدها رزقه.
فقلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله ما منعته إلاّ لأنّه يسبّ الشيخين ، قال : فالتفتت فاطمة ( عليها السَّلام ) إلى الشيخين وقالت لهما : تؤاخذان ولدي بذلك ؟ فقالا : لا ، بل سامحناه بذلك.
قال : فالتفت إلي وقال : ما الذي أدخلك بين ولدي وبين الشيخين ؟ فانتبهت فزعاً ، وأخذت المبلغ وجئت إلى ذلك الشريف فدفعته له ، فتعجب من ذلك ، وقال : بالأمس سئلتك في يسير منه ، فامتنعت ، والآن كيف جئتني به ؟ فقال : فقصصت عليه القصة فبكى ، وقال : أشهدك عليَّ وأشهد الله ورسوله أني لا أسبهما أبداً ما حييت (14).
وقال في تنضيد العقود : وعدم الإنتقال لما يصدر من ذريته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أجلّ القربات وأعظم المثوبات.
ففي توثيق عرى الإيمان للبازري : أنّ من علامات محبته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محبة ذريته ، واكرامهم والاغضاء عن انتقادهم.
فمن انتقد ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يحب محمداً قط ، وان يغضّ الإنسان من انتقاد ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت لأنهم قوم شرّفهم الله تعالى واجلاهم ، فلا تعيب عليهم أفعالهم كما تعيب الأفعال فيمن أقدارهم بحسب أفعالهم.
وقال الشيخ عبد القادر العبدروسي في كتاب عقد اللئآل في فضائل الآل : حكى التقي المقريزي ، عن يعقوب المغربي ، أنه كان بالمدينة النبوية في رجب سنة سبع عشرة وثمانمائة ، فقال له الشيخ العابد الفاسي : وهما بالروضة المكرمة.
إنّي كنت أبغض أشراف المدينة النبوية بني حسين ، لتظاهرهم بالرفض ، فرأيت وأنا نائم تجاه قبر الشريف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقول : يا فلان باسمي : ما لي أراك تبغض أولادي ؟
فقلت : حاشا لله ما أكرههم ، وإنّما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة ، فقال لي : مسألة فقهية ، أليس الولد العاق يلحق بالنسب ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال : هذا ولد عاق فلمّا انتبهت صرت لا ألقى من بني حسين أحداً إلاّ بالغت في اكرامه ، ثم قال : قال التقي المقريزي : وعندي عدّة حكايات صحيحة مثل هذا في حق بني حسن ، وبني حسين ، فإياك والوقيعة فيهم وان كانوا على أي حالة لأن الولد ولدٌ على كلّ حال صلح أو فجر (15).
وأيضاً في ذلك الكتاب ، ورأى الشيخ المحقق العارف المدقق أبو العباس المديني المغربي : فاطمة الزهراء رضي الله عنها كشفاً ، وهي تقول في أشراف يبغضون الشيخين : أنفك معك وإن كان أجذع.
وقال ملك العلماء شهاب الدين أحمد بن عمر الهندي الدولت آبادي صاحب « البحر الموّاج في التفسير والإرشاد » في النحو ، و « بديع البيان والمعاني » وغيرها ، وهو من عظماء أهل السنة وعلمائهم كما صرّح به بعضهم ، ويعرف أيضاً من كتاب « كشف الظنون » ، و « سبحة المرجان » ، و « تسلية الفؤاد » ، وغيرها ، قال في رسالة « مناقب السادات » ما هذا لفظه ... (16).
وليعلم ، أن مولّف هذه الرسالة أعني ملك العلماء عقد فيها باباً في اثبات عدم زوال الإيمان من جميع أولاد رسولنا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانهم لا يموتون مصرّين على الكبيرة ، واستدل فيها بالكتاب والأخبار ، وأطال في بيانها واقتصرنا من هذه الرسالة على هذا القدر ، وهو كاف في المرام.
والغرض من هذا كلّه ، انه اذا كان إساءة الأدب والإهانة وعدم المحبة بالنسبة الى العترة العلوية بهذه المثابة فكيف بالنسبة إلى الأئمة الإثني عشر عليهم صلوات الله الملك الأكبر ، الذين هم أصفياء الله من بين الورى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى مفاخر آل عدنان والمفترض طاعتهم على الإنس والجان ويفتخر هؤلاء العلوية بالإنتساب اليهم ، ونطق بشطر يسير من مناقبهم ومقاماتهم وكراماتهم لسان المتعصبين والناصبين الجاحدين.
وذكر نبذة قليلة منها بعض علماء السنة في كتبهم ، كفصل الخطاب ، وشواهد النبوة للجامي ، والفصول المهمة ، ومطالب السؤول ، وتذكرة الخواص ، وروضة الأحباب ، وكتاب ابن روزبهان ، وغيرها.
ويعجبني أن أذكر في المقام كلاماً ذكره إمامهم المتعصب المعاند والمشكك الناصب ، الجاحد الذي تمسك في كتبه لانتصار مذهبهم بكل حشيش ، وأنكر كثيراً ممّا ثبت بالضرورة ، حماية للباطل وترويجاً للفاسد الكاسد العاطل أعني فخرالدين الرازي ، فكلامه أدخل في الزام النواصب رماهم الله بعذاب واصب ، قال في رسالته الموضوعة لترجيح مذهب الشافعي ، عند ذكر الحجية على ترجيحه :
الحجة السادسة : القول بأن الشافعي أخطأ في مسألة كذا ، اهانة للشافعي القرشي ، واهانة قرشي غير جائز فوجب أن لايكون القطع بخطائه في شيء من المسائل ، انّما قلنا أن تخطئته اهانته ، لأن اختيار الخطاء ان كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل اهانة ، وان كان مع العلم كانت مخالفة الحق مع العلم بكونه حقاً ، من أعظم أنواع المعاصي ، وكانت نسبة الإنسان إليه إهانة لله ، وإنّما قلنا أن إهانة القرشي غير جائزة ، لما روى الحافظ باسناده عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « من يرد هوان قريش أهانه الله » (17).
وروى أيضاً باسناده ، عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الناس يصيحون بي ، ويقولون : انّك ابنة حمالة حطب النار ، فقام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو مغضب شديد الغضب ، فقال : ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ، فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (18) ، ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله تعالى : ( إنّ الّذينَ يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) (19).
فإذن ظهر وجه الإستدلال ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل ، وكان الحاكم أبو عبدالله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلا يدخل تحت هذا الوعيد (20).
أقول : وقد ظهر أيضاً ظهوراً لا يرتاب فيه عاقل كفر من خطّأ أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين ، والأئمة الطاهرين وأهل البيت المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وثبت انهم ملعونون في كتاب الله وعلى لسان نبيه في الدنيا والآخرة ، والأخبار متواترة مسطورة في كتبهم وصحاحهم بمنع أبي بكر وعمر أمير المؤمنين عمّا يدعيه من فدك والخمس وغيرهما.
وقصارى ما ذكروا في تأويلها وتوجيهها لا تخرج عن تخطئتها لهما ومما يقضى منه العجب ، أن الرازي نفسه خطّأ الشافعي في مواضع ( من هذه الرسالة ) فاستحق اللعن والطرد بمقتضى كلامه واحتجاجه.
بل نسب إليه ما لايجوز ، وهو أعظم من التخطئة حيث ذكر في عدد الإعتراضات التي أوردها الشافعي على الإمام مالك ، ما هذا لفظه :
ومنها : أخبرنا مالك ، عن أبي الزبير ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو محرم بمنى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي وبه نأخذ.
وقال مالك : عليه عمرة وحجّة تامة وبدنة.
ورواه عن ربيعة وعن ثور بن زيد عن عكرمة ، فهو سيء القول في عكرمة ، ولايرى لأحد أن يقبل حديثه ، وهو يروي بيقين عن عطاء عـن ابن عباس خـلافه ، وعـطاء ثقة عنـده ، وعنـد النـاس.
قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول ، ثم يحتاج إلى شيء من علمه ، يوافق قوله ، فيسميه مرة ، ويسكت عنه أخرى ، ويروي عن ثور بن زيد ، عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن ذكر عكرمة ، وإنّما يحدّثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا فيها.
ثم قال الفخر : وأمّا الإعتراض الثاني : وهو أن مالكاً إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره ، واذا لم يحتج اليه تركه ، فهذا إن صح من مالك أورث ذلك طعناً في روايته وفي ديانته ، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز الشافعي أن يتمسك بروايات مالك ؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكرت الأئمة فمالك النجم.
ولايخفى أن مقدم القضية الشرطية ثابت بنص الشافعي الذي لا يجوز لأحد التشكيك في صدقه وأمانته ، وصحة أقواله ، فثبوت التالي واضح بلا مرية ، وأمثال هذا كثير في كلامه.
وقد أبرز هذا الداء الدفين ، والإنحراف عن الأئمة الطاهرين جماعة من فضلائهم بل يحتج به الدواني وجعله دليلاً على حقية مذهبه.
قال جلال الدين الدواني في شرحه على العقائد العضدية عند ذكر الحديث المعروف : « ستفرّق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة » عند حصر الماتن الفرقة الناجية في الأشاعرة ما هذا لفظه :
فإن قلت : كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة ، وكل فرقة تزعم أنها الناجية ؟
قلت : سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه ، وذلك إنّما ينطبق على الأشاعرة ، فإنّهم يتمسكون في عقائدهم بالأخبار الصحيحة المروية عنه عليه السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لايتجاوزون عن ظواهرها إلاّ بضرورة ، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم ، ولامع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روى عن أئمتهم لإعتقادهم العصمة فيهم ، انتهى.
وزاد حسين الخلخالي في حاشيته على شرح العقائد ، وأظهر كمال العداوة والنصب الكائن في صدور أعيانهم ، وأتى بما يدل على صدور الكذب والإفتراء والعياذ بالله عن أئمتنا الطاهرين حيث قال : قوله المتشبثين بما روى عن أئمتهم من غير استنادهم المروي إلى النبي عليه السلام وأصحابه ، وذلك الاتباع منهم لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والإفتراء منهم.
وهذه الحاشية معروفة عندهم ، مذكورة في كتاب كشف الظنون ويحتج بقراءتها ابراهيم بن حسن الكردي ، في كتاب « الأمم إلى إيقاظ الهمم » ، ثم ان بعض المعاصرين من العامة لكثرة ما شاهد من الزامات الشيعة ، سلك في المقام سبيل الإنصاف واتخذ طريق المداهنة والمساهلة في اظهار مكنون ضمائر اسلافه فقال في كتابه المسمّى بـ « حلّ المعاقد » في شرح العقائد ، قوله : كالشيعة الخ.
ههنا اختلاج فإنه إن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة الذين هم عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكونهم مجددي دين ، لا لأنّهم ناقلوه عن ناقل الدين فهو افتراء ، وإن أراد أن الشيعة يتبعون الأئمة لأنّهم نقلوا الدين ، وهم عدول الأمّة حتى أثبتوا العصمة لهم.
فالطعن إما لعدم كون الأئمة عليهم السلام عدولاً ، فهو تزلزل الإيمان ، أو لعدم صحة الإتباع بالأئمة ، وان كانوا عدولاً فهو ترجيح بلا مرجح ، فإن معاشر الأشاعرة إنّما يتبعون الأشعري ، والشافعي لأنهما ناقلا الدين ، عادلين فلا فرق فتدبر.
والعجب من كلام الدواني ، ما ذكره محققهم الملقب بشيخ الإسلام ، أعني ابن تيمية حيث نسب اتباع أخبار الأئمة عليهم السلام إلى الضلال وشنّع غاية التشنيع على اعتقاد حجية اجماعهم ، واتحاد قولهم مع قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في المنهاج :
وأما الفقه ، فهم يعني الشيعة من أبعد الناس عن الفقه ، وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت كعلي بن الحسين ، وابنه أبي جعفر ، وابنه جعفر بن محمد ، وهؤلاء رضي الله عنهم من أئمة الدين وسادات المسلمين لكن لاينظرون في الإسناد إليهم هل يثبت إليهم أم لا فإنه لا معرفة لهم بصناعة الحديث والإسناد.
ثم ان الواحد من هؤلاء اذا قال قولاً لايطلب دليله من الكتاب والسنة ولا ما يعارضه ، ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول كما أمر الله ورسوله بل قد اصّلوا لهم ثلاثة أصول :
أحدها : أن هولاء معصومون.
والثاني : أن كل ما يقولونه فإنه نقل عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
والثالث : أن إجماع العترة حجة ، وهؤلاء هم العترة ، فصاروا لذلك لاينظرون إلى دليل ولا تعليل.
قال : وإن كانت المسألة ممّا انفردوا بها اعتمدوا على الأصول الثلاثة التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفى.
وكم لهذا الناصب العنيد من نظائر هذا الكلام لعلك ستطلع على بعضها في تضاعيف المباحث.
والإنصاف أن هذا النصب والعداوة مما توارثوا بينهم ، و ورثه خلفهم عن سلفهم ومتأخرهم عن متقدمهم ، فإنّهم لم يزالوا منحرفين عن العترة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) ومتخلّفين عن سفينة نجاة الإمة.
هذا إمامهم الأعظم ومجتهدهم الأقدم أبو حنيفة مع أنه حكى عنه ملك العلماء في كتاب « هداية السعداء » من شدة اعتقاده بالعترة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) وانخفاضه لهم ، قد وقع منه مع أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليه ما وقع مما يكشف عن بطلان ما نسبوه إليه من المودّة والموالاة.
قال في « هداية السعداء » في شرح « ذخائر العقبى » في مناقب أولى القربى ، قال : القاضي عزّالحق والدين الزرندي المدني الحنفي : نقل عن أبي حنيفة الكوفي : أنه مرّ يوماً في سكّة من سكك بغداد فرأى بعض أولاد السادات يلعب بالجوز ، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشي أربعين خطوة ثم ركب وتوجّه إلى أصحابه فقال : من جال في قلبه ، أو من ظهر على لسانه أنه خير من صبي أو من غلام من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو عندي زنديق.
وهذه الحكاية المرسلة وإن كانت آثار الوضع عليها لائحة لكنها حجة عليه وعلى أتباعه.
ذكر قاضي القضاة أبو المؤيد محمد الخوارزمي في « جامع مسانيد أبي حنيفة » ما هذا لفظه :
« أبو حنيفة قال : جعفر بن محمد أفقه من رأيت ، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور ، أن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد; فهيّأ له مسائل شداداً.
فلخّصت أربعين مسألة وبعثت بها إلى المنصور بالحيرة ، ثم أبرد إلي فوافيته على سريره وجعفر بن محمد عن يمينه فوجدت من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور.
فاجلسني ثم التفت إلى جعفر قائلاً يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة ، فقال : نعم أعرفه.
ثم قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا حنيفة ، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة الحسنة ، ويفحم حتى أجاب عن أربعين مسألة.
فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء ، فلذلك أحكم أنه أفقه من رأيت ، أخرجه الحافظ طلحة بن محمد في مسنده عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد ، عن جعفر بن محمد بن الحسين الحازمي ، عن أبي نجيح ابراهيم بن محمد عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة » (21).
وأمثال هذا وان كانت كثيرة في كتب الإمامية أيدهم الله وأخبارهم الصحيحة مفصحة عنها ، إلاّ أن العامة يحكمون بوضعها وبطلانها ، وفي هذه الحكاية المسندة المعتبرة وجوه من الدلالة على خبث سريرة الإمام الأعظم.
ومنها : أنها تدل على أنه قصد بهذا الأمر الشنيع أن ينصرف وجوه الناس عن أبي عبدالله ( عليه السَّلام ) وينفضوا من حوله ويصير ( عليه السَّلام ) خفيفاً في أعينهم منحط الشأن عندهم واضح الجهل لديهم.
فإن المنصور لما رأى افتنان الناس به وانهماكهم في حسن الإعتقاد به طلب من أبي حنيفة مسائل مشكلة ليصرف قلوب الناس عنه وبعث إليه أن الناس قد فتنوا بجعفر فهيّأ له كذا فلخّص له تلك المسائل وبعث بها إليه ثم شافهه ( عليه السَّلام ) بها.
وفيه من الوجوه الدلالة على ضلالته وكفره مالا يخفى وقد عرفت سابقاً في الجملة حال اهانة الذرية العلوية بل يكفي في المقام أخبارهم المروية المتضمّنة للذم واللوم على معاداة آحاد الناس وحسدهم وترك النصيحة لهم.
ومنها : أنها تدل على أنه اعتقد عجز الإمام عليه السلام عن أسئلته ، وأنه يفحم بمسائل أعدّها وهيّأها مع قلة باعه في العلوم وعدم اشتغاله بمقدمات الفقه من العربية والنحو واعراضه عن الحديث ، وغاية بعده عن الروايات وعدم معرفته بما يعرفه أجلاف الأعراب.
مع أن علومهم لدنيّة ومعارفهم ربّانيّة ، وهذه المعارضة نظير معارضة يحيى بن أكثم المأبون قاضي المأمون غير المأمون الذي هو من أفاضل قضاتهم وأعاظم ثقاتهم وأماثل هداتهم مع العسكري ( عليه السَّلام ) وقصده الزامه وافحامه كما يعلم من المراجعة إلى كتب الخاصة والعامة ، وممن أوردها منهم ابن حجر المكي المتأخر المتعصب الباهت في الصواعق.
ومنها : أنها تدل على أنه من الصادّين عن سبيل الله ، اذ لا يخلو الأمر في الواقع من أن يكون معتقداً في حق الإمام 7 أنه يدعو الناس والعياذ بالله إلى غير دين الله ويرشدهم إلى غير أحكام الله ، فأراد صرف قلوبهم عنه فهو أشدّ ضلالة من النواصب والخوارج.
ويكفي في شناعة هذا الاعتقاد وضلالته وكفر صاحبه ما ملأت العامة به كتبهم ودساتيرهم وشحنوا به دفاترهم وطواميرهم أو يعتقد أنه يدعوهم إلى الحق المبين ومع ذلك أراد صرفهم عنه فهو من الملحدين بآيات الله والصادّين عن سبيل الله أو يكون شاكاً في ذلك فكذلك وعلى كل حال لا يخرج من كونه صاداً عن دين الله على جميع التقادير الثلاثة ، إذ المدار في الصدّ على نفس الأمر ، دون الاعتقاد فيصير مصداقاً لقوله تعالى ( الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ) (22).
ولمثل هذا ولظاهره حكم الإمام ( عليه السَّلام ) بأنه من الصادِّين ، على ما رواه ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في جامعه الكافي عن سدير ، قال : سمعت أبو جعفر ( عليه السَّلام ) وهو داخل ، وأنا خارج وأخذ بيدي ثم استقبل القبلة فقال : يا سدير إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار ، فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا ، وهو قول الله تعالى ( وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (23).
ثم أومئ بيده إلى صدره ، إلى ولايتنا ، ثم قال : يا سدير أفأراك الصادّين عن دين الله ؟ ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان ، وهم حلق في المسجد ، هؤلاء الصادّين عن دين الله بلا هدى من الله أو كتاب مبين (24).
ومما يقضى منه العجب أن بعضهم ذكر أن أبا حنيفة استشهد في طريق محبة مولانا الصادق ( عليه السَّلام ) ، قال محمود القادري في كتاب حياة الذاكرين : قيل أن رجلاً أتى أبا حنيفة رحمة الله عليه وقال : أخي توفي وأوصى بثلث ماله لإمام المسلمين ، إلى من أدفع ؟
فقال له أبو حنيفة : أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانيقي وكان يبغض أبا حنيفة كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعي ، فحلف السائل كذباً أنه ما أوفى بهذا السؤال ، فقال : أبو حنيفة : ادفع الثلث إلى جعفر بن محمد الصادق فإنه هو الإمام الحق ، انتهى.
وذكر صاحب كتاب غرّة الراشدين : أن هذه الفتوى صارت سبباً لحبه ، أقول : ولا أدري كيف جمع أبو حنيفة بين هذا التصديق والاعتراف وذاك التخلف والانحراف وبين هذا الاقرار والإلتزام وذاك الإعراض في جميع العقائد والأحكام وما قصده من الإفحام والإلزام.
اللهم إلاّ أن يقال : لاغرو ، فقد جمع بين الإذعان بنبوة سيد المرسلين والمخالفة في أربعمائة مسألة من مسائل الدين وقد ثبت بحمدالله زندقته وكفره باعترافه.
حيث انه اذا كان من جال في قلبه أنه خير من صبي من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زنديقاً ، بمقتضى صريح ما حكى من كلامه ، فكيف حال من قصد الالزام والإفحام لأئمة الأعلام من أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، وبالجملة فشنائعه أكثر من أن تسطر وأشهر من أن تذكر ، وقد [ ... ] (25)
فيها رسالة مفردة حتى أن حجة الإسلام الغزالي مع احترازه عن لعن يزيد عليه لعائن الله واحتياطه وتورعه ، حكى في كتاب المنخول (26) : أن أئمة السلف والخلف يلعنون أباحنيفة.
ولنختم هذا الأمر بكلام للناصب العنيد والمغصب الجحيد ابن روزبهان ، قال في صدر كتابه : ومن الغرائب أن هذا الرجل يعني العلامة وأمثاله ينسبون مذهبهم إلى الأئمة الاثني عشر ( صلوات اللّه عليهم ) أجمعين وهم صدور ايوان الإصطفاء وبدور سماء الأجتباء ، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاديح هواطل النعم ، ليوث غياض النبالة ، وغيوث رياض الأبالة ، وسباق مضامير السماحة ، وخزان نقود الرماحة ، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية ، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية ، وهم كما قلت فيهم :

شمّ المعاطس من أولاد فاطمة        علوّ رواسي طود الغر والشرف
فاقوا العرانين في نشر الندى كرما    بسمح كفّ خلا من هجنة السرف
تلقاهم في غداة الروع إذ رجفت        أكتاف اكفائهم في رحبة التلف
مثل الليوث إلى الأهوال سارعة        حماسة النفس لا ميلا إلى الصلف
بنو علي وصي المصطفى حقاً        أخلاف صدق نموا من أشرف السلف

وقال في موضع آخر عند ذكر العلامة رحمه الله : نبذاً من فضائل أهل البيت من طرق العامة ما هذا لفظه : ماذكر من فضائل آل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد والسلام ، أمر لاينكر فإن الإنكار على البحر برمته ، وعلى البرّ بسعته ، وعلى الشمس بنورها ، وعلى الأنوار بظهورها ، وعلى السحاب بجوده ، وعلى الملك بسجوده انكار لايزيد المنكر إلاّ الاستهزاء به ، ومن هو قادر على أن ينكر على جماعة هم أهل السداد وخزان معدن النبوة وحفاظ آداب الفتوّة صلوات الله وسلامه عليهم ، ثم ذكر قصيدة مشتملة على التسليم على النبي وآله بأسمائهم إلى خاتم الأوصياء صلوات الله عليهم.
أقول : ومن الغريب استغرابه لانتساب الإمامية إلى الأئمة الإثني عشر ، فإنه لم تكن الإمامية مع افناء أعمارهم في تتبع أحاديث الأئمة وأخبارهم ، المنتسبين إليهم ، فهل يجوز لجاهل أن ينسب أبا حنيفة وسفيان الثوري إليهم ؟ أو ينسب مصنّفوا صحاح العامة إليهم مع انحرافهم عنهم ؟
هذا أجلّهم البخاري ، قالوا في حقّه : أنه استراب في حقّ الإمام الصادق ! فلم يرو له ولم يحتج بخبره ، ولم ير حديثه لائقاً بالإيداع في صحيحه السقيم ، وبالجملة فالفكر فيهم طويل والتعجب منهم غير قليل.
_____________
1. سير أعلام النبلاء 6 : 286.
2. المصدر السابق.
3. ميزان الإعتدال 4 : 438 و 439.
4. ميزان الإعتدال 4 : 438 ـ 439.
5. مسند أحمد 3 : 207 ، فردوس الأخبار 5 : 154.
6. سنن الترمذي 5 : 664 رقم 3789 ، المستدرك للحاكم 3 : 150 ، المعجم الكبير للطبراني 10 : 281 رقم 10664.
7. الانفال : 28.
8. رشفة الصادي : 99.
9. شهاب الدين أحمد بن شمس الدين الزاولي الهندي الحنفي المتوفى 849 هـ مفسر ، نحوي ، عارف بالبلاغة ، تولى القضاء ، ومن تصانيفه : شرح البزدوي في الأصول.
10. الدهر : 1.
11. الشورى : 23.
12. الشورى : 23.
13. فيض القدير 1 : 219 رقم 302.
14. جواهر العقدين للسمهودي : 353 ـ 355 ، فضل آل البيت للمقريزي : 111 ، رشفة الصادي للحضرمي : 262.
15. فضل آل البيت للمقريزي : 111 ، رشفة الصادي : 263.
16. ذكر المؤلف فقرات باللغة الفارسية تعريبها كما يلي : لو أقرّ شخص على نفسه الإسلام وآمن بجميع شرائعه وعمل به ثم أهان علوياً وخاطبه بالتصغير « عُليوياً » فقد كفر.
وهكذا حال من أبغض محبوب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولو تقوّل بقوله استخفافاً : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحب اليقطين وأنا لا أحب » فإنه أيضاً كافر.
وعلى ذلك حال من تكبّر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتكبّر على أحد من أهله.
فاعلم ، أن التكبر والتحقير والظلم بالنسبة إلى الولد يعود إلى الوالد بحكم العقل والشرع والدّين والحس ، وهو أمر ثابت معلوم على كلّ ذي مسك ، وعند كل من تربى في حجور الأمهات الصالحة بالتربية الصحيحة.
نعم الإهانة إلى العبد وإن كان نسله من الكفار يسري إلى صاحبه ، ولا يخفى ذلك على أحد ، لأنك لو سألت المبتدئين المشتغلين بعلوم العربية وقرّاء الكافية في تركيب « زيداً ضربت غلامه » كانت في التقدير « أهنت » والإهانة يكون على زيد في ضرب غلامه.
فما تقول ، وما تحتسب !؟ أن الإهانة إلى خف العالم بأنه نجس ، مع أنه يصنع من جلود البقر والحمار ، وذلك أيضاً كفر.
فكيف بإهانة أحد من أولاد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو جزء له ومن صلبه ونسله؟!
حاش لله لا يظنه أحداً.
وفي كتاب « تذكرة الأولياء » يقول : من آمن بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يؤمن بأولاده ـ أي يتكبّر بالنسبة إلى أهل بيته ـ فحكمه حكم من لم يؤمن بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن في كتاب « زاهدي » و « عياني » يقول : « المؤّدة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هي شرط الإيمان ».
وهكذا فيه بعد ذكر حديث : « حبّك في شيء يعمي ويصم ويبكم » يقول : ونتيجة الكلام أن المودة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضروري بالنسبة إلى جميع أولاده نسباً من دون خصوصية إلى أخيارهم لأن لفظة « القربى » في الآية المباركة مطلقة ، فلا تنحصر في خواصهم حتى يقول أحد : المقصود بلزوم المودّة لأولاد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أعني ، أخيارهم ، وهكذا الامتثال لأمر الله المنزل في القرآن ، وهذه المودة التي كانت من أصول الطاعة.
فلو نظرت إلى مسيئهم في ارتكاب المعاصي وصار ذلك إلى عدم رعاية حقوقهم وقد شبهت نفسك بمن جنّ عليه ، ترك الصوم والصلاة لما سبّه شخص ولشدّة غضبه عليه يترك الصوم والصلاة ، لأنه يتدارك بذلك من خصومه !!
وكذا فيه : يقول الشيخ أحمد البخاري : من كان له محبة لأولاد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فطرته وقلبه فيشمله العطية والمغفرة من ربه ، ومن لم يكن من فطرته وقلبه بل يكتسب ولم يتعب نفسه ولا يجهد فهو الذي باعد عن رحمة الله وطرد مرجوماً وإن كان يمسح جبينه على الأرض من الصباح إلى المساء ، وعلم علم الأولين والآخرين لا ينفعه ولا يعتمد عليه ، فربّ عالم زاهد لا يتقرب بذلك.
فمن علائم الإيمان مودة أولاد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن آثار المودة أنه يسرّه رؤيتهم.
وفيه أيضاً : أن ايذاء العلوية ايذاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).وفي الباب أحاديث كثيرة لا نذكرها اقتصاراً.
فإيذاء أولاد الحسين ( عليه السَّلام ) ايذاء للنبي ولعلي وفاطمة ، وايذاءهم بنص الأحاديث يوجب الكفر والملعنة اتّفق أهل السّنة والجماعة على كفر واللعن على قاتل الحسين ، وأمره هكذا في السنة والتشريع ، وبعد ذكر الحديث : « يا علي أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا ، وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا » قال : لو سئل : ان تأويل هذا الحديث هو أن المؤمنين أولاد المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدخلون الجنة خلف أزواج النبي.
نقول في جوابه : يحرم على المقلد تأويل الأحاديث ، لأنه أقصر من القاصر ، ولا يصح هذا التأويل حتى من المجتهدين لأنّه خلاف للبشارة من النبي ، وموجب لإجمال كلامه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويسقط بذلك ، لأن البشارة لا يقبل الاحتمال والترديد.
17. مسند أحمد 3 : 42 ، 89 ، 90 ، سنن الترمذي 2 : 325 ، المستدرك 4 : 74 ، مناقب الشافعي للبيهقي 1 : 61.
18. رشفة الصادي : 106 ـ 107 ، أسد الغابة 5 : 473 ، الإصابة 8 : 76.
19. الاحزاب : 58.
20. مناقب الشافعي للرازي : 126.
21. جامع المسانيد للخوارزمي 1 : 222 ـ 223 ، المناقب للموفق بن أحمد : 173 ، سير أعلام النبلاء 6 : 257.
22. ابراهيم : 4.
23. طه : 82.
24. أصول الكافي كتاب الحجة 1 : 392 ـ 393 باب : ان الواجب على الناس بعد ما تفيضون مناسكهم ان يأتوا الامام ، ح 3.
25. بياض في الأصل.
26. المنخول في الأصول : قال السبكي : إنّه ، أي الغزالي ، ألّفه في حياة أستاذه امام الحرمين ، والكتاب ردّ على أبي حنيفة نعمان ، وأول من أشار إلى أن الكتاب لايمكن أن يكون للغزالي هو ابن حجر الهيتمي في كتابه : « الخيرات الحسان في مناقب النعمان » حيث قال :
اعلم ، أن بعض المتعصبين ممّن لم يمنح توفيقاً جاءني بكتاب منسوب للإمام الغزالي ، فيه من التعصب الفظيع والحط الشنيع على امام المسلمين وأوحد الأئمة المجتهدين أبي حنيفة رحمه الله ما تصم عنه الآذان.
وقال عبدالرحمن بدوي في كتابه « مؤلّفات الغزالي » : مخطوط « المنخول » في دار الكتاب المصرية ، برقم 188 ، 600 ، وعلى صفحة العنوان : هذا كتاب المنخول في الأصول ، لحجة الإسلام الغزالي.
وقال في « الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية » : رأيت رسالة له ـ للعمادي الكردري صاحب كتاب مناقب النعمان ـ في الردّ على منخول للإمام الغزالي المشتمل على التشنيع القبيح على الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. أنظر : الجواهر المضيئة 2 : 82 ، الخيرات الحسان : 4 ، الفوائد البهية : 16 ، ومؤلفات الغزالي : 7 ـ 16.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page