وكذا ابن حزم الاندلسي وهو من أعيان علماء العامة ويحتج بافاداته صاحب الامتاع ، وذكر محي الدين ابن العربي في « الباب الثالث والعشرين و المائتين » من الفتوحات : « رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عانق أبا محمد بن حزم المحدّث فغاب الواحد في الاخر فلم يزالا واحداً وهو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذه غاية الوصلة وهو المعبر عنه بالاتحاد » (1).
وابن حزم هذا حكم بموضوعية بعض روايات البخاري أيضاً.
قال في كتاب المحلى : ومن طريق البخاري « قال هشام بن عمّار : أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، أنا عطية بن قيس الكلابي ، أنا عبد الرحمن غنم الأشعري ، حدّثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ، والله ما كذبني أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحرير والخمر والمعازف » (2) ، وهذا منقطع لم يتصل ، ما بين البخاري وصدقة بن خالد ، ولايصح في هذا الباب شيء أبداً ، وكل ما فيه فموضوع (3).
ولنقتصر في ذكر رواياته الموضوعة التي تدل مضامينها على كذبها على القدر ، فان الكلام في ذلك يطول جداً.
وهذا شطر من موضوعاته التي لاتوافق أصول العامة وقواعدهم أيضاً ، وأما الروايات المخالفة لما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وصح عن معادن العلم والحكمة فممّا لاتحصى ، ولسنا نتعرض لها في هذه الرسالة فانها تحتاج الى كتاب مفرد في ذلك.
فلنرجع إلى بيان أحوال يسير من رواة أحاديثه وممن احتج بهم واستدل لهم : فنقول في توضيح شنايع بعض من روى عنه البخاري وغيره من ارباب الصحاح الست ولا نأتي في هذا الفصل أيضاً إلاّ بما كتب اعيان العامة وعلمائهم مما يتّضح منه قدح رواتهم وكونهم ضالين مبدعين أو خارجين عن الاسلام والدين أو كذابين وضّاعين ولانروي عن علماء الامامية في اثبات هذا الامر شيئاً.
وليعلم ان التعرض لحال جميع رواته الموصوفين بما ذكر يحتاج إلى مجلدات ضخام ويأبى عند المقام ، فالاولى التعرض لحال مشاهير رواتهم واعيان قادتهم وثقاتهم ومن أكثروا عنه النقل والرواية في جميع كتبهم ، فيعلم منه حال باقيهم ومن لم نسمّهم.
ثم ان من كان من هؤلاء المشاهير صحابياً أو من التابعين فهو عند العامة معدّل بنصّ الفرقان الكريم وأحاديث الرسول الكريم وخير الامة بمقتضي ما يرونه عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : خير القرون الذي من بعدي ، فاذا أوضحنا شنائع امثال هؤلاء ومن كلمات علمائهم فالسكوت عن حال الباقين أولى وأحرى.
________________
1. الفتوحات المكية 2 : 519 ط ، دار صادر ، بيروت.
2. صحيح البخاري كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميها بغير اسمها 7 : 193 رقم 5590.
3. المحلّى كتاب البيوع 7 : 565 رقم 1566 ، وقد ردّ على ابن حزم في قوله هذا ، جماعة من مدافعي البخاري في كتبهم ، فمنهم ابن الصلاح ، في صيانة صحيح مسلم : 82 ، 83 ، والعراقي ، في التقييد والايضاح : 91 ، وابن حجر ، في فتح الباري 10 : 52 ، 53 ، والأثري ، في الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف.
ابن حزم وتكذيب حديث المعازف
- الزيارات: 1865