وهو وان بالغ القوم في ثنائه ومدحه وتوثيقه والاطراء عليه ، لكن يعلم بأدنى تتبع أنه أيضاً من المنافقين (1) ، الأشرار والملعونين بلسان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصيه سيد الابرار ، ومن المبغوضين ، المنحرفين عن أهل البيت الأطهار صلى الله عليه وعليهم ، ما تعاقبت الادوار ، ونصّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضلالته واضلاله ، ذكر محدثهم النحرير ابن عساكر الذي اثنى عليه ابن خلكان ، واليافعي في تاريخه عن أبي يحيى حكيم ، قال : كنت جالساً مع عمّار فجاءه أبو موسى فقال : ما لي ولك ألست أخاك ؟ قال : ما أدري ولكن سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلعنك ليلة الجمل قاله : انه قد استغفر لي قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (2).
وهذا الحديث وان حكم ابن عدي وابن الجوزي بوضعه ونسبا الوضع إلى بعض رواته لكن ردّ عليهم علاّمتهم المحض السيوطي في اللآلي المصنوعة قال :
قال ابن عدي : حدّثنا أحمد بن الحسين الصوفي ، ثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، ثنا حسين الاشقر ، عن قيس بن الربيع عن ، عمران بن ظبيان ، عن حكيم بن يحيى قال : كنت جالساً مع عمّار... الخ ، قال : قال ابن عدي : والبلاء من العطار لا من حسين ، قلت : العطار وثقه الخطيب في تاريخه (3).
وفي لسان الميزان قال الخطيب : قال محمد بن منصور : كان ـ يعني العطار ـ ثقة ، مأموناً حسن العقل (4).
ثم لا يخفى ان كثيراً من علماء العامة صرحوا ، بان لعن الكافر أيضاً غير جائز ، حتى يثبت موته على الكفر ، فيتضح حينئذ حال أبي موسى غاية الوضوح ، وذكر ابن أبي الحديد في مواضع من شرحه أن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) يلعن أبا موسى في قنوت صلاته وفي كنز العمال ، وهو من الكتب التي عليها غاية اعتمادهم واستنادهم :
عن عبدالرحمن ابن معقل قال : صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال : في قنوته اللهم عليك بمعاوية وأشياعه وعمرو بن العاص وأشياعه وعبدالله بن قيس وأشياعه. (5)
وروى جماعة منهم البيهقي عن علي ( عليه السَّلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان بني اسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاّ وأضلاّ ، وأن هذه الامة مختلفة فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلاّ وضلّ من اتبعهما.
وقال سبط ابن الجوزي : قال الشعبي : لما فصّل الحكمان من دومة الجندل عزم علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه على قتالهم ، فقام خطيباً وقال : أيها الناس قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة فخالفتموني وعصيتموني ، ولعمري ان المعصية تورث الندم ، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد الاّ ضحى الغد
ألا ان هذين الحكمين ، قد نبذا كتاب الله وراء ظهورهما ، فأماتا ما أحيى القرآن ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير بينة ولا سنة ماضية ، وكلاهما لم يرشدا فبرئا من الله ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدوا الجهاد (6).
وذكر هذه الخطبة أيضاً ابن الصباغ من علماء القوم في « الفصول المهمة » وقال محدّثهم الحاوي للمحاسن والمفاخر ابن عبد البر في « الاستيعاب » ، في ترجمة أبي موسى الاشعري في الكنى :
ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ، ثم لما دفع أهل الكوفة حتى قتل عثمان ثم كان منه بصفّين.
وفي التحكيم ما كان ، وكان منحرفاً عن علي لانه عزله ولم يستعمله ، وغلبه أهل اليمن في إرساله التحكيم.
وقال في باب الأسماء في ترجمة عبدالله بن قيس : وولاّه عمر على البصرة في حين عزل المغيرة عنها ، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان ، فعزله عثمان عنها وولاه عبدالله بن عامر بن كريز ، فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها ، فلمّا رفع أهل الكوفة سعيد بن العاص ، ولّوا أبا موسى وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقرّه عثمان على الكوفة ، إلى أن مات.
وعزله علي عنها ، فلم يزل واجداً على علي ( عليه السَّلام ) ، حتى جاء منه ما قال حذيفة ، فقد روى فيه الحذيفة كلام كرهت ذكره ، والله يغفر له ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان (7).
والذي طوى ذكره من كلام حذيفة ، فقد ذكره غيره ، وهو أنه وصف بعض الناس عند حذيفة أبا موسى بالدين ، فقال حذيفة : أما أنتم فتقولون ذلك ، وأما أنا فاشهد أنه عدوّ لله ولرسوله ، وحرب لهما في الحياة الدنيا ، و يوم يقوم الأشهاد ، ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وهذا الكلام وان أخفاه وستره وتأنف عن ذكره صاحب الاستيعاب ، الاّ أنه يكفي في المقام ما صرّح به من انحراف أبي موسى عن علي ( عليه السَّلام ) ، وحديث ما كنا نعرف المنافقين الاّ ببغضهم علي بن ابي طالب ، في غاية الإشتهار ، وقد أورده في ترجمته ( عليه السَّلام ).
وذكر ابن حجر في فتح الباري ، في شرح ما رواه البخاري من أن علياً بعث عماراً والحسن الى الكوفة ليستنفروا ويستنهضا الناس.
وان أبا موسى أخذ في تخذيل الناس عن النهوض ناقلاً عن عمر ابن شبه ، والطبراني ، بسندهما إلى ابن أبي ليلى ، وذكر عبدالله ابن مسلم ابن قتيبة الدينوري في كتاب الامامة والسياسة ما لفظه :
وذكروا أن علياً لما نزل قريباً من الكوفة بعث عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الاشعري ، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة فبعثهما علي إليه وإلى أهل الكوفة يستنصرهم.
فلما قدما عليه قام عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر ، فدعوا الناس إلى نصرة علي ( عليه السَّلام ) فلما أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى ، فقالوا : ترى الخروج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا ؟
قال أبو موسى : أما سبيل الآخرة ففي ان تلزموا بيوتكم ؛ وأما سبيل الدنيا وسبيل النار فالخروج مع من أتاكم فاطاعوه ؛ فتباطأ الناس على علي ( عليه السَّلام ) ، وبلغ عمّاراً ومحمداً ما أشار به أبو موسى على أولئك فأتياه فأغلظا له في القول.
فقال أبو موسى : والله ان تبعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما ; ولئن أرادنا للقتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل حتى نفرغ من قتلة عثمان ، ثم خرج أبو موسى وصعد المنبر ثم قال : أيها الناس ان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممن لم يصحبه ، وان لكم حقّاً عليَّ أؤدّيه إليكم ، ان هذه الفتنة ، النائم فيها خير من اليقظان ، والقائم فيها خير من الساعي والساعي خير من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتى تخلى هذه الفتنة.
_______________
1. روى الذهبي بسنده ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنّا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبدالله وأبو موسى المسجد فقال : أحدهما منافق ، ثم قال : إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدالله. سير أعلام النبلاء 2 : 393 و 394 ، المعرفة والتاريخ 2 : 771 تاريخ مدينة دمشق 32 : 93.
وروى أيضاً : عن الشعبي قال : كتب عمر في وصيته : ألاَّ يَقِرَّ لي عامل أكثر من سنة ، وأقِرِّوا الأشعري أربع سنين.
وأيضاً : الزهري ، عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ، ربما قال له ، ذكِّرنا يا أبا موسى فيقرأ. سير أعلام النبلاء 2 : 391.
2. تاريخ مدينة دمشق 32 : 93.
3. اللآلي المصنوعة 1 : 391.
4. تاريخ بغداد 3 : 57 ، لسان الميزان 5 : 328 رقم 988/7773.
5. كنزالعمال 8 : 82 رقم : 21989.
6. تذكرة الخواص : 103.
7. الاستيعاب 3 : 979.
مشاهير الرواة في حديث السنة : عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري
- الزيارات: 5034