طباعة

الزعم الخامس: مخالفة مصحف عبد الله بن مسعود للمصحف الموجود

قال النوري:
"إنّه كان لعبد الله بن مسعود مصحف معتبر فيه ما ليس في القرآن الموجود مستلزم لعدم مطابقته لتمام ما نزل على النبىّ صلّى الله عليه وآله إعجازاً..."(1).
ثم يذكر المحدث النوري موارد كانت موجودة في مصحف عبد الله بن مسعود، غير موجودة اليوم فيما بأيدينا من مصاحف، معقباً ذلك بالإقرار بـ: "إن تلك الأخبار أكثرها ضعاف وكون بعضها من طرق أهل السنة"(2).
والجواب عن ذلك:
أولا: إن اختلاف مصحف ابن مسعود مع سائر المصاحف إنما كان في قراءته الزيادة التفسيرية أحياناً، وتبديله كلمات غير مألوفة إلى نظيراتها المألوفة لغرض الإيضاح، وهذه المسألة تصبح مستساغة حينما نرجع إلى الأبحاث التي تتعلق بمفردات من قبيل "الإقراء" و"التنزيل" و"التأويل"، وكذلك حينما نراجع المستندات التي تحكي عن أن الصحابة كانوا يقومون بشرح الآيات القرآنية في مصاحفهم ـ كما يشير إليه ابن الجزري في قوله: "كانوا [أي الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً لأنّهم محققون لما تلقوه عن النبىّ صلّى الله عليه وآله قرآناً فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه"(3) ـ وإذا لم يكن الأمر كما قلناه آنفاً ـ بل كان الاختلاف على صعيد نفس القرآن والآيات القرآنية ـ فإن هذا الاختلاف الحاصل بين مصحف ابن مسعود وبقية المصاحف يستدعي تجاهل مصحف ابن مسعود نفسه ورده دون الأخذ به نظراً إلى كونه من أخبار الآحاد، بينما القرآن الذي بين أيدينا إنما نقل لنا بالتواتر، وهذا يعني معارضة مصحف ابن مسعود مع الأدلة القطعية التي دلّت على سلامة القرآن من التحريف.
ثانياً: لقد أنكر ابن مسعود ـ كما تزعم مصادر أهل السنة ـ قرآنية المعوذتين بدعوى أنهما عوذتان لا أكثر، ولم يثبت سورة الفاتحة في مصحفه نظراً لكونها عدل القرآن لا منه.
لكن ذلك منه لا ينم عن قصد لتحريف الكتاب، وسيأتي إن شاء الله تعالى موقف علماء أهل السنة من هذا الإنكار، واتفاق الإمامية على بطلان موقفه من المعوذتين.
____________
1 ـ فصل الخطاب: ص 135.
2 ـ نفس المصدر: ص 136. لقد نقل المحدث النوري سبعة وعشرين مورداً عن مصحف ابن مسعود، تسعة منها من كتب أهل السنة وثمانية منها من كتب الشيعة. انظر المصدر السابق: ص 136 ـ 139.
3 ـ النشر في القراءات العشر: ج 1، ص 32 وبمضمونه عن القاضي أبي بكر في الانتصار، نقل عنه الزركشي في البرهان: ج 1، ص 235.