وقد قيل من الشعر كثيرٌ في مقبرة البقيع في صدر الإسلام فقد قال حسان بن ثابت هذا الشعر فيها:
ما بل عينك لا تنام كأنما كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعاً على المهدي أصبح ثاويا يا خير من وطيء الثرىٰ لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفاً ليتني غيبت قبلك في (بقيع الغرقدِ)
بأبي وأمي من شهدت وفاته في يوم الأثنين النبي المهتدي
فضللت بعد وفاته متلبداً متلدداً يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك (بالمدينة) بينهم يا ليتني صبحّت سم الأسود
وقال الشاعر أبوبكر العيدي أو العيذي [1]:
لي بالحجاز غرام لست أدفعه ينقاد قلبي له طوعاً ويتبعه
يهرني البرق (مكيّاً) تبسمه إذا تراءىٰ (حجازياً) تطلّعه
وفي ربي (يثرب) غايات كلّ هوي شموسه مستجاش النصر متبعه
حيث النبوة مضروب سرادقها والفضل شامخ طود الفخر أفرغه
وحيث كان طريق الوحي متضحاً بين السماء وبين الأرض مهيعه
وخاتم الأنبياء المصطفىٰ شرفاً حمد باهر الأشواق مضجعه
صلى الإله عليه ما تكرر بالصلاة فرض مصلّ أو تطوّعه
وللشفاعة أبواب مفتحة مشفع من بمفناها تشفّعه
محل قدس وتشريف يُجَرّ به ذيل الجمال علي ذي المال يدفعه
يشب نيران أشواقي غليل هوىٰ إليه ليس سوي مرآة ينقّعه
ويستمد حنيني كل منحنأ منه وعامرُهُ الزاكي وبلقعه
(عقيقه) و (قباه) و(البقيع) وما يحد (أحد) لمن في الله مصرعه
مستنزل الفوز والغفران مهبطه وملتقىٰ كل رضوان ومجمعه
أحبّه وأحب النّازلين به وما تضم نواحيه وأربعه
طبعاً جبلت عليه في الغرام به وأين من طبع من يهوىٰ تطبّعُهُ
وقال فيها الشريف المرتضىٰ:
هل لياليّ بالمنفىٰ رجوع مثلما كنّ لي ونحن جميعُ
اذ قناتي محتدة وشفيعي من شبابي إلي الحسان شفيعُ
ساحباً (بالبقيعِ) من نشواتي فضل ثوبي اذ البقيع بقيعُ
وطنُ طاب جوُّه وثراه فكأن المصيف فيه ربيعُ
وفي قصيدة لأحد العلماء في المدينة المنورة وهو إبن معصوم المدني قال فيها عن البقيع و عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وآله الأطهار عليه السلام:
يا عينُ هذا المصطفىٰ أحمدُ خيرُ الورىٰ والسيّدُ الأمجدُ
وهذه القبّةُ قد أشرقَتْ دون عُلاها الشمسُ والفرقدُ
وهذه الرّوضةُ قد أزهرت فيها المُني والسُّؤْلُ والمقصدُ
وهذه طيبةُ فاحتْ لنا أرجاؤها والسّفحُ والغُرْقَدُ
وعَينُها الزّرقاءُ راقت ولم يَحلَّها الأثمِدُ والمِرْوَدُ
فما لأحزانيَ لاتَنجلي وما لنيراني لاتخمدُ
هذا المصلّىٰ والبَقيعُ الذي طاب به المنهلْ والمورِدُ
أرضٌ زكَتْ فخراً ونافَتْ عُلاً فالأنجمُ الزُّهرُ لها حُسَّدُ
حصباؤها الدرُّ وأحجارُها وتُربُها الجَوهرُ والعسجدُ
تمنَّت الأقمارُ والشهِبُ لو كانت نَواصيها بها عقَّدُ
فما علىٰ من كُحلَتْ عينُه بتُربها لو عافها الإثمِدُ
بها مَزايا الفَضلِ قد جُمِّعَتْ وفضلُها في وصفِه مُفرَدُ
يغبطُها البيتُ وأرْكانُه وزمزمٌ والحِجْرُ والمسجِدُ
مشهدُ سَعدٍ فضلُه باهرٌ ملائكُ الله به سُجَّدُ
وكيف لا وهو مقامٌ لِمن له علىٰ هام العُلىٰ مَقْعَدْ
وموطنُ الصّفوة من هاشمٍ يا حبَّذا الموطِنُ والمشهَدُ
خيرُقُريشٍ نَسَباً في الورىٰ زكا به العُنصرُ والمَحْتِدْ
وخِيَرةُ الله الذي قد عَلا به العُلىٰ والمجدُ والسُّؤددُ
غُرَّتُه تجلو ظلامَ الدُّجىٰ وهو الأعزُّ الأشرفُ الأسعدُ
الفاتحُ الخاتِمُ بحرُ النَّدىٰ وبَرُّهُ والمنهجُ الأقصَدُ
فضّلهُ الله علىٰ رُسْلهِ وسائرُ الرسل به تَشهدْ
آياتُه كالشّمس في نورها أبصَرَها الأكمَةُ والأرمدُ
حنّ إليه الجذعُ من فُرقةٍ وفي يديه سبّح الجَلْمدُ
والماءُ من بين أصابيعهِ فاض إلىٰ أن رَوِيَ الوُرَّدُ
والقمرُ انشقَّ له طائعاً وراح بالطّاعة يُسْتَسْعَدُ
والشمسُ عادَت بعد ليلٍ له وعَوْدُها طوعاً له أحمدُ
وكم له من آيةٍ في الوَرىٰ دانَ لها الأبيضُ والأسودُ
حديثُها ما كان بالمُفترىٰ والصبحُ لايَخفي ولا يُجْحَدُ
فيا رسولَ الله يا خيرَ من يقصدُهُ المُتِهمُ والمُنِجدُ
سمعاً فدتكَ النَّفْسُ من سامع دعوةَ داعٍ قَلبُه مُكمَدُ
دعاكَ والوجدُ به مُحدِقُ لعلَّ رُحْماكَ له تُنجِدُ
طالَ بيَ الأسرُ وطالَ الأسىٰ وما علىٰ ذلك لي مُسْعِدُ
قد نفذَ الصَّبرُ لما نالني وكيف لايَفني ولا يَنفَدُ
فالغارةَ الغارةَ يا سيّدي فانّكَ الملجأ والمَقصِدُ
حبُّكَ ذُخري يومَ لا والدٌ يُغني ولا والدةٌ تُسعِد
وأنتَ في الدّارين لي موئلٌ اذا جفا الأقربُ والأبعدُ
فاكشفْ بَلائي سيِّدي عاجلاً علَّ حَراراتِ الأسىٰ تَبرُدُ
وأدْنِني منك جِواراً فقد ضاقَ بيَ المضجَع والمرقَدْ
وبَوِّئَنِّي طَيبَةً مَوطناً فانَّها لي سابقاً مَوِلدُ
وهي لَعمري مقصِدي والمُنىٰ لا الأبلقُ الفردُ ولا ثهمدُ
ثُم سلامُ الله سبحانَهُ عليك صَبُّ دائمُ سَرمدُ
وآلِك الغرِّ الكرام الآلي لهم أحاديثُ العلىٰ تُسندُ
ما غرَّدت في الروض أيكيَّةٌ وما زهت أغصانُها المِيَّدُ
وما غدا ينشدنا منشد يا عين هذا المصطفى أحمد
وفي قصيدة أخرىٰ لأحد علماء المدينة وهو الشيخ عبداللطيف المدني حول المدينة المنورة يقول في مطلعها[2].
إرحل لطيبة لاتؤم سواها فعساك أن تحظي برؤية طاها
وإذا وصلت لها أكتحل من تربها هو أثمد العينين منه جلاها
دار الهنا فيها الغنا مع المنار دار الحبيب قلوبنا تهواها
هي طيبة طابت وطاب أصولها ومدينة رب السّماء بناها
ويعدد ما بها من آثار حتي يصل إلي البقيع فيقول:
وبها البقيع وأهله في روضةٍ شهداؤها في جنة مأواها
وبه كذاك سراجُ طيبة في الوجا عثمان ذو النورين ساد ولاها
وكذاك عباساً وسيدنا الحسن في قبةٍ والنورِ من أعلاها
وبه الرضية أم سيدنا علي وكذا حليمة ان مررت تراها
وكذاك عمة خير من وطيء الثرىٰ في قبة شرفت رقت لعلاها
ونساء خير المرسلين قبورهم مشهورة وسط البقيع تراها
ورد في شعر كثير عن البقيع قوله[3]:
إذا أمسيت بطن مجاح دوني وعمق دون عرّة فالبقيع
فليس بلائمي أحدٌ يصلي إذا أخذت مجاريها الدموع
___________________________
[1]موسوعة العتبات المقدسة: جزء 3 ـ ص 115 ـ 116.
[2] . فضائل المدينة وزيارة سيدنا الرسول صلى الله عليه وآله ـ في هامش كتاب العقد الثمين في فضائل البلد الأمين ـ جمعة أحد بن الشيخ محمد الحضرامي ـ ص 3 ـ 5.
[3] . علي طريق الهجرة.. رحلات في قلب الحجاز ـ عاتق بن غيث البلادي ـ ص 85.
البقيع في الشعر القديم
- الزيارات: 2910