أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح ثم اقبل على الناس؛ فقال بينا رجل يسوق بقرة أذ ركبها فضربها فقالت انا لم نخلق لهذا انما خلقنا للحرث! فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم: قال صلى الله عليه وآله وسلم فاني أؤمن بهذا انا وأبو بكر وعمر! وماهما ثم وبينا رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبها حتى استنقذها منه، فقال له الذئب: استنقذتها مني! فمن لها يوم السبع؟! يوم لا راعي لها غيري! فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم: قال صلى الله عليه وآله وسلم فاني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر: وماهما ثم أ هـ (1).
ان أبا هريرة نزوع إلى الغرائب تواق الى العجائب قد استخفته إلى خوارق العادات نزية من الشوق والهيام (2) فتراه طروباً الى التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية، كفرار الحجر بثياب موسى، وكضرب موسى ملك الموت حتى فقأ عينه، ونزول جراد الذهب على أيوب، وأمثال ذلك من المستحيلات عادة.
وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة، الأمر الذي لم يقع أصلا؛ ولا هو واقع قطعاً، ولن يقع ابداً، وسنة الله في خلقه نحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة، وبرهاناً على الاتصال بالله عز سلطانه، ومقام الرجل حيث ساق بقرته الى الحقل فركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات. وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلى القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فان المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثاً باجماع العقلاء.
وما أغنى أبا بكر وعمر عن هذه الفضيلة، وليتهما سمعا أبا هريرة يحدث بها ولو فعل على عهدهما لأعذر الى الله تعالى فيه، ولكنه تذرع بهما إلى اشباع شهوة الإغراب والتخريف في نفسه، ومشى ظلهما إلى ذلك، وهو يعلم ان مكذّبه يمنى بسخط الرأي العام، ويرمي بالخروج على الخليفتين.
____________
(1) أي وماهما بحاضرين هناك وهذا الحديث تجده في: 2/171 من صحيح البخاري وأورده ايضاً في: ص190 من الجزء نفسه في فضل أبي بكر، وأخرجه ـ مسلم من عدة طرق عن أبي هريرة في: ص316 والتي بعدها من الجزء، الثاني من صحيحه في فضائل أبي بكر، وأخرجه أحمد في اول: 2/246 من مسنده من حديث ابى هريرة.
(2) النزية من الشوق والهيام ما فاجأ الانسان منهما.
كيفية حديثه -17 ـ بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين
- الزيارات: 2127