• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حكم الخبر الواحد عند العامة

حكم الخبر الواحد عند العامة

وبقيت جملة أخرى من كلامكم، لابد لي من جوابها، زعمتم: أن حديث المنزلة خبر واحد، ثم قلتم: إن الخبر الواحد لا اعتبار به ولا اعتماد عليه.

أقول إذا يصدر هذا الكلام من أحد الشيعة فإنه يقبل منه، لأنه على الأصل والمبنى المقبول عندنا.

ولكن صدور هذا الكلام من مثلكم يثير التعجب والتساؤل، لأن في مذهبكم خبر الواحد مقبول وحجيته ثابتة، حتى أن بعض علمائكم حكم بتكفير وفسق المنكر له، فقد قال ملك العلماء شهاب الدين في كتابه " هداية السعداء " في فصل المضمرات من كتب الشهادات.

ومن أنكر الخبر الواحد والقياس، وقال: إنه ليس بحجة، فإنه يصير كافرا! ولو قال: هذا الخبر الواحد غير صحيح، وهذا القياس غير ثابت، لا يصير كافرا ولكن يصير فاسقا!

الحافظ: لقد سررت جدا من حسن بيانكم وسعة اطلاعكم عن كتبنا، وقد وجدتكم على خلاف ما كنت أسمع من قبل بأن علماء الشيعة لا يلمسون كتبنا ويعتقدون بنجاستها، فكيف بمطالعتها؟!

قلت: هذه أقاويل وأباطيل أعداء الإسلام، فانهم يريدون أن يفرقوا بين المسلمين، وفي المثل: " يعكروا الماء ليصطادوا سمكا "، وهو من باب " فرق تسد ".

يريدون فرض سيادتهم وهيمنتهم علينا، ولكنا يجب أن نكون واعين في هذه الأمور ويجب أن نعرف خطط أعدائنا المستعمرين فنبينها لعامة الناس حتى لا يقعوا في شباكهم، ويتبصروا في تشخيص مصالحهم ومضارهم، فيخبوا آمال الأعداء بمخالفتهم.

يجب أن نوجه أتباعنا المسلمين إلى مفاهيم القرآن الكريم حيث يقول: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(9).

على أثر غفلتنا عن القرآن، وابتعادنا عن تعاليمه الحقة، يتمكن عدو المسلمين أن يتصرف في أفكارنا، فنصدق أكاذيبه ونعتقد بأباطيله! منها ما كنت تسمعه، كما قلت: بأن علماء الشيعة لا يلمسون كتبكم... إلى آخره.

نحن نأخذ كتب المرتدين والكفار والمشركين بكلتي يديدنا ونطالعها حتى نعرف ما يقولون، فنأخذ صحيحها ونطرح سقيمها، ونرد شبهاتها الموجهة إلينا، فكيف بكتبكم وأنتم إخواننا في الدين؟!

فاعلموا.. أننا على خلاف ما قيل لكم، بل نحترم كتبكم ونطالعها بدقة وإمعان، ونستفيد من أقوال علمائكم وأقوال محققيكم، ونستفيد من الأحاديث والروايات الصحيحة المروية في مسانيدكم وصحاحكم، وإن كثيرا من الكتب التي تدرس في حوزاتنا العلمية تكون من تأليف وتصنيف علمائكم.

منتهى الأمر بعض رواتكم المقبولين عندكم، غير موثقين ولا معتبرين عندنا، مثل: أنس وأبي هريرة وسمرة وغيرهم، وهذا لا يخصنا الآن، فإن بعض علمائكم أيضا لا يقبلونهم، منهم: أبو حنيفة، فإنه لا يقبل هؤلاء الثلاثة ونظراءهم!

وكتبكم عندنا معتبرة ونستفيد منها، وأنا شخصا أكثر مطالعاتي حول النبي (ص) وسيرته المباركة وتاريخ الأئمة من آله صلوات الله عليهم تكون من كتبكم، وأستند إليها في خطبي ومحاضراتي، وأنقل منها أكثر مما أنقل من كتبنا.

وإن مكتبتي الخاصة تحتوي على أكثر من مائتي مجلد مطبوع ومخطوط من كتبكم المشهورة في التفسير والتاريخ والفقه والحديث والكلام والرجال و....

ولكنا نطالع كتبكم مطالعة تحقيق وتمحيص فكما أن النقاد والصرافين يميزون بين الدراهم والدنانير، والصحيحة من المغشوشة، فكذلك نحن حينما نطالع أي كتاب لا نحسب محتوياته ومضامينه من المسلمات، بل نتفكر فيها ونميز بين الأحاديث والروايات والمواضيع، فنأخذ الصحيحة ونترك السقيمة، ولا تؤثر فينا شبهات وتشكيكات الفخر الرازي، ولا مغالطات ابن حجر، أو إشكالات روزبهان، او تكذيبات الآمدي وأمثالهم.

واعلم أن مطالعتي لكتبكم، والنظر في الأحاديث المروية والمقبولة عندكم، كانت السبب في معرفتي لأئمة أهل البيت (ع) أكثر، ويقيني بعلو مقامهم وعظم شأنهم.

الحافظ: لقد ابتعدنا عن موضوع البحث، فالرجاء بينوا وجه الاستدلال بحديث المنزلة، على أن عليا كرم الله وجهه كان في رتبة النبوة؟!

قلت: يثبت بهذا الحديث الشريف ثلاث خصائص للإمام علي (ع):

1ـ مقام النبوة بأنه لو كان نبي بعده لكان عليا ولكنه (ص) خاتم النبيين.

2ـ مقام وزارة النبي (ص) وخلافته.

3ـ أفضلية الإمام علي (ع) على جميع الصحابة.

ودليل ذلك... أن النبي (ص) جعل الإمام عليا (ع) منه بمنزلة هارون من موسى، وكان هارون نبيا، وكان وزير موسى وخليفته في قومه، وكان أفضل بني إسرائيل بعد أخيه موسى.

النواب: هل كان هارون نبيا؟!

قلت: نعم.

النواب: عجبا! إني ما سمعت بهذا من قبل! فهل ذكر الله نبوته في القرآن الحكيم؟!

قلت: نعم، في سورة النساء، الآية 163، قوله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا).

وفي سورة مريم، الآية 53 قوله تعالى: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا).

الحافظ: إذا على هذا فمحمد وعلي كلاهما نبيان مبعوثان من عند الله إلى الخلق!

قلت: أنا لا أقول هكذا، وأنت تعلم أن عدد الأنبياء كثير جدا، وهو محل اختلاف بين العلماء، حتى قال بعضهم: إن عددهم مائة وعشرون ألفا أو اكثر، لكن كان أكثرهم يتبعون الأنبياء أولي العزم من الرسل وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيدنا ونبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهارون كان نبيا غير مستقل وإنما كان تابعا لأخيه موسى ويعمل على شريعة أخيه.

كذلك الإمام علي عليه السلام، كان تاليا لرتبة أخيه وابن عمه رسول الله (ص) واصلا مقام النبوة ولكن غير مستقل بالأمر، بل كان تابعا لشريعة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص).

وكان غرض النبي (ص) من هذا الحديث الشريف أن يعرّف عليا عليه السلام لأمته في هذا المقام، ويثبت له تلك الرتبة الرفيعة والدرجة العلية، وهذه خصيصة عالية من خصائص الإمام علي عليه السلام.

وذكر ابن الحديد في " شرح نهج البلاغة " حديث المنزلة وعلّق عليه قائلا:

ويدل على أنه وزير رسول الله (ص) من نص الكتاب والسنة، قول الله تعالى: (اجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * و أشركه في أمري)(10).

وقال النبي (ص) في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ".

فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى.

فإذا هو وزير رسول الله (ص) وشاد أزره، ولولا أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره(11).

وذكر العلامة محمد بن طلحة الشافعي حديث المنزلة عن النبي (ص) في كتابه مطالب السؤول: 1/ 54 ط دار الكتاب، وعلق عليه فقال: فتلخيص منزلة هارون من موسى أنه كان أخاه ووزيره، وعضده، وشريكه في النبوة، وخليفته على قومه عند سفره، وقد جعل رسول الله (ص) عليا منه بهذه المنزلة، وأثبتها له، إلا النبوة، فإنه (ص) استثناها في آخر الحديث بقوله: " لا نبي بعدي " فبقي ما عدا النبوة المستثناة ثابتا لعلي عليه السلام من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك.

وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف، فقد دل الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزية العلية لعلي عليه السلام، وهو حديث متفق على صحته.

انتهى كلامه.

وذكر مثل هذا الكلام العلامة ابن الصباغ المالكي في كتابه " الفصول المهمة " وكذلك كثير من علمائكم الكبار وقد ذكروا الحديث وعلقوا عليه تعليقات مفيدة، ولكن الوقت لا يسمح أن أذكر لكم كل مقالات علمائكم وتعليقاتهم المؤيدة لكلامنا حول حديث المنزلة.

الحافظ: ولكني أظن أن الاستثناء في الحديث ينفي مرتبة نبوة علي كرم الله وجهه، وإن قولكم: إن سيدنا محمدا (ص) لو لم يكن خاتم النبيين وكان الله يبعث بعده نبيا لكان ذلك علي بن أبى طالب! من غلوكم ولم يقل به قائل.

قلت: إن الحق واضح، ولكنك يا للأسف تتبع أسلافك في إنكار الحق بعد ظهوره، نعوذ بالله من التعصب والعناد!

ثم اعلم أن هذا القول لا يكون من الشيعة فحسب حتى ترمينا بالغلو ، وإنما كثير من علمائكم ذهب هذا المذهب أيضا.

الحافظ: لا أعرف أحد من علمائنا ذهب هذا المذهب، وان كنتم تعرفون أحدا فاذكروا اسمه!

قلت: أحد علمائكم الذي أخذ بهذا القول هو: ملا علي بن سلطان محمد الهروي القاري، صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة.

قال في كتابه " المرقاة في شرح المشكاة " عند ذكره حديث المنزلة قال: وفيه إيماء إلى انه لو كان بعده (ص) نبيا لكان عليا.

ومنهم: العلامة الشهير والعالم النحرير جلال الدين السيوطي، في آخر كتابه " بغية الوعاظ في طبقات الحفاظ " ذكر مسندا عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله (ص) قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنتَه.

ومنهم: المير سيد علي الهمداني، الفقيه الشافعي، ذكر في الحديث الثاني من المودة السادسة في كتابه " مودة القربى " عن أنس بن مالك، أنه روى أن رسول الله (ص) قال: إن الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيا ، واخترت ابن عمي وصيي، يشد عضدي كما يشد عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي، ووزيري، ولو كان بعدي نبيا لكان علي نبيا، ولكن لا نبوة بعدي.

فثبت أن الشيعة لا تنفرد بهذا المقال، بل هناك كثير من علمائكم قالوا به أيضا.

بل قال به النبي (ص) أيضا كما يظهر من الأخبار المروية في كتبكم ، وقد مرت.

فحديث المنزلة يضمن جميع مراتب هارون بالنسبة لموسى لعلي بن أبي طالب بالنسبة لمحمد المصطفى (ص) إلا النبوة بعده (ص) التي استثناها فقال (ص): " إلا أنه لا نبوة بعدي ".

وأجلى المراتب الثابتة لهارون هي خلافته لقوله تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)(12) ومنها تثبت خلافة علي عليه السلام بعد خاتم النبيين (ص).

الحافظ: لقد ذكرت الآيات القرآنية أن هارون شريك موسى في أمر النبوة، فكيف جعلوه خليفة له؟! والحال أن مرتبة الشريك أعلى من مرتبة الخليفة، فإذا جعلوا الشريك خليفة فقد أنزلوا من مقامه، لأن مقام النبوة أعلى من مقام الخلافة.

قلت: لو تدبرت في حديثنا السابق وفهمته، ما طرحت هذا الأشكال ! فقد بينا أن نبوة موسى هي الأصل ونبوة هارون تابعة لنبوة أخيه، كما يقال: إن فلانا عضو على البدل، فكأنه خليفته.

ثم إن هارون كان شريك أخيه في تبليغ الرسالة السماوية، هذا ما يظهر من الآيات التي تحكي كلام موسى ودعاءه في قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا)(13).

ولكن علي بن أبي طالب هو الرجل الوحيد الذي كان شريكا لرسول الله (ص) في جميع صفاته الخاصة ومراحل الكمال إلا النبوة الخاصة.

الحافظ: ما زلنا نزداد تعجبا وحيرة منكم، لأنكم تغالون في علي كرم الله وجهه غلوا يأباه العقل السليم! أليس قولكم هذا إن عليا كان يشارك النبي (ص) في جميع صفاته الخاصة مغالاة صريحة في حق علي كرم الله وجهه؟!

قلت: إن كلامي هذا ليس غلوا ولا يأباه العقل، بل هو الحق الصريح ويحكم به العقل السليم الصحيح، فإن خليفة النبي (ص) يجب أن يكون ـ على القاعدة العقلية ـ مثله في جميع صفاته الكمالية حتى يصح أن يكون بديله وقائما مقامه وممثله.

لذلك، فإن كثير من علمائكم الكبار ذهبوا مذهبنا وقالوا مقالنا.

منهم: الإمام الثعلبي في تفسيره، والعالم الفاضل السيد أحمد شهاب الدين في كتاب " توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل " قال: ولا يخفى أن مولانا أمير المؤمنين قد شابه النبي في كثير، بل أكثر الخصال الرضية والفعال الزكية وعاداته وعباداته وأحواله العلية، وقد صح ذلك له بالأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل والبرهان، ولا يفتقر إلى إيضاح حجة وبيان، وقد عد بعض العلماء بعض الخصال لأمير المؤمنين علي التي هو فيها نظير سيدنا النبي الأمي، فهو نظيره في النسب، ونظيره في الطهارة بدليل قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(14).

ونظيره في آية ولي الأمة، بدليل قوله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(15).

ونظيره في الأداء والتبليغ، بدليل الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره، فنزل جبرئيل قال: لا يؤديها إلا أنت أو من هو منك، فاستعادها منه فأداها علي رضي الله تعالى عنه في الموسم.

ونظيره في كونه مولى الأمة بدليل قوله (ص): " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ".

ونظيره في مماثلة نفسيهما، وأن نفسه قامت مقام نفسه (ص)، والله تعالى أجرى نفس علي مجرى نفس النبي (ص) فقال: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)(16).

ونظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب رسول الله (ص) وجواز دخوله المسجد جنبا كحال رسول الله (ص) على السواء.

لما وصل الحديث إلى هذا الموضوع، وإذا بهمهمة قامت بين الحاضرين من أهل السنة والجماعة. فسألت عن سبب ذلك، فأجاب النواب قائلا:

في خطبة يوم الجمعة في المسجد، نسب الحافظ هذه الفضيلة لسيدنا أبي بكر (رض)، والآن جنابكم تنسبوه للإمام علي رضي الله عنه، لذلك تحير الحاضرون من هذا التناقض!

قلت ـ مخاطبا للحافظ ـ: أ صحيح أنك نسبت هذه الفضيلة للخليفة أبي بكر؟!

الحافظ: نعم.. لقد ورد عن الصحابي الجليل والثقة العدل أبي هريرة (رض): أن رسول الله (ص) أمر بسد أبواب بيوت الأصحاب التي تنفتح في المسجد إلا باب بيت أبي بكر (رض) وقال (ص): أبو بكر مني وأنا منه.

قلت: لا يخفي على كل من طالع التاريخ بدقة وتحقيق، أن بني أمية سعوا في خلق الفضائل والمناقب للصحابة الذين كانوا مناوئين لعلي بن أبي طالب (ع)، ولا سيما المناقب التي تعد من خصائص أمير المؤمنين علي (ع) فنسبوها للآخرين.

فكان معاوية يدعو أبا هريرة والمغيرة وعمرو بن العاص ونظراءهم، فيشبع بطونهم بألوان الطعام، ويغريهم بالأموال والحطام، ويأمرهم بنقل الروايات المجعولة والأخبار المعلولة لأهل الشام، وكان المناوئون البكريون والعمريون والعثمانيون ينشرون تلك الأكاذيب بين الأنام.

ولكن ظهر أمام هؤلاء المفترين الوضاعين، جماعة من علمائكم المحققين، وفضحوا بعض تلك الأخبار المجعولة وكشفوا الستار عنها.

منهم: العلامة الكبير والعالم النحرير، ابن أبي الحديد، قال : فلما رأت البكرية ما صنعت الشيعة، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: " لو كنت متخذا خليلا " فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو " سد الأبواب " فإنه كان لعلي (ع) فقلبته البكرية إلى أبي بكر...(17).

والعجب منك أيها الحافظ إذ تنقل هذا الخبر المجعول لأصحابك وتترك الخبر الصحيح المتواتر والمجمع عليه، وقد أثبته كبار علمائكم وأصحاب الصحاح كلهم رووا: أن رسول الله (ص) أمر بسد جميع الأبواب التي كانت تنفتح على مسجده إلا باب بيته وباب بيت الإمام علي (ع).

النواب: لقد صار هذا الخبر موضع اختلاف، فالحافظ يقول: إنه من مناقب أبي بكر (رض)، وأنتم تقولون: إنه من فضائل سيدنا علي كرم الله وجهه ومن خصائصه دون الصحابة، فهل عندكم مدارك وأسناد معتبرة عندنا أي: تكون المشهورة؟!

قلت: نعم.

روى الإمام أحمد في مسنده 1/175 و 2/26 و 4/369.

والنسائي في سننه، وأيضا في خصائصه: 13 و14.

والحاكم في المستدرك 3/117 و 125.

وسبط ابن الجوزي في التذكرة 24 و 25.

وابن الأثير الجزري في أسنى المطالب 12.

وابن حجر في الصواعق المحرقة 76.

وابن حجر العسقلاني في فتح الباري 7/205.

وابن كثير في تاريخه 7/342.

والمتقي الهندي في كنز العمال 6/408.

والهيثمي في مجمع الزائد 9/115.

ومحب الدين الطبري في الرياض 2/192.

والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 4/153.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء 116، وفي بعض كتبه الأخرى.

مثل: جمع الجوامع والخصائص الكبرى واللآلي المصنوعة ج 1.

ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب.

والحمويني في فرائد السمطين.

وابن المغازلي في المناقب.

والمناوي في كنوز الدقايق.

وشهاب الدين القسطلاني في إرشاد الساري 6/81.

والقندوزي في ينابيع، أفراد الباب 17 لهذا الحديث.

والحلبي في السيرة الحلبية 3/374.

ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول 17.

هؤلاء وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم رووا عن كبار الصحابة المعتبرين عندكم، كالخليفة الثاني، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وزيد بن أرقم، وبراء بن عازب، وأبي سعيد الخدري، وأبي حازم، والأشجعي، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وغيرهم، قالوا: إن النبي (ص) أمر بسد جميع الأبواب التي كانت تفتح من بيوت الصحابة في المسجد إلا باب بيت علي بن أبي طالب (ع).

وبين بعض علمائكم المحققين توضيحات كاملة وكافية لتوجيه وهداية المغتربين والمغررين بالدعايات الأموية فضلوا عن الحق وعن الصراط المستقيم.

لقد خصص العلامة محمد بن يوسف الشافعي في كتابه " كفاية الطالب " بابا، وهو الخمسون خصصه في هذا الموضوع، وبعد أن يروي الأخبار وينقل الروايات المعتبرة والمقبولة بسنده يقول: هذا حديث حسن عال.

ثم يقول: وإنما أمر النبي (ص)، بسد الأبواب وذلك لأن أبواب مساكنهم كانت شارعة إلى المسجد فنهى الله تعالى عن دخول المساجد مع وجود الحيض والجنابة، فعم النبي (ص) بالنهي عن الدخول في المسجد والمكث فيه للجنب والحائض وخص عليا بالإباحة في هذا الموضع.

وما ذاك دليل على إباحته المكروه له، وإنما خص بذلك لعلم المصطفى (ص) بأنه يتحرى من النجاسة هو وزوجته فاطمة وأولاده صلوات الله عليهم، وقد نطق القرآن بتطهيرهم في قوله عز وجل:

(إنما يريد ليذهب أهل ويطهركم تطهيرا) (18) إلى آخره ما رواه وعلقه العلامة الكنجي.

فمع هذا التوضيح من العلامة الكنجي الشافعي فليقايس جناب الحافظ مع الخبر الذي نقله إلى المصلين في يوم الجمعة عن أبي هريرة، ثم لينظر هل يكون عنده دليل على طهارة أبو بكر؟! مع غض النظر عن كل الاسناد والمدارك التي ذكرتها في تأييد الخبر وصحته في الإمام علي بن أبي طالب (ع) لا غيره.

فلينظر الحافظ هل يكون عنده دليل طهارة أبي بكر حتى يسمح له فتح بابه في المسجد وتردده فيه؟!

فلما لم يدع أحد من المسلمين طهارة أبي بكر، لم يكن خبر فتح بابه على المسجد صحيحا، بل هو كذب افتراه الجعالون، وقد تذكرت الآن حديثا بالمناسبة، رواه كبار علمائكم عن الخليفة عمر بن الخطاب.

ورواه الحاكم في المستدرك 3/125، والحافظ سليمان القندوزي في " ينابيع المودة " باب 56 ص 210، نقلا عن " ذخائر العقبي " ومسند الإمام أحمد، ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب: 261، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 76، وجلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء، وغير هؤلاء، كلهم رووا ـ باختلاف يسير في الألفاظ ـ أن عمر بن الخطاب قال:

" لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منها أحب إلي من خمر النعم:

زوجه النبي (ص) بنته.

وسد الأبواب إلا بابه، وسكناه المسجد مع رسول الله، يحل له فيه ما يحل له.

وأعطاه الراية يوم خيبر ".

فاكتفي بهذا المقدار في هذا الإطار، وأظن أن الحق قد انكشف والسحاب قد انقشع، وظهر الواقع لحضرة النواب وجناب الحافظ وجميع الحاضرين.

والآن نرجع إلى محور حديثنا من قبل، وهو كلام السيد شهاب الدين ، حول الإمام علي (ع):

فبعد مقايسته لبعض خصال الإمام علي (ع) المشابهة لخصال النبي (ص)، يقول في آخر حديثه: ومن تتبع أحواله في الفضائل المخصوصة، وتفحص أحواله الشمائل المنصوصة، يعلم أنه كرم الله تعالى وجهه بلغ الغاية في اقتفاء آثار سيدنا المصطفى، وأتى النهاية في اقتباس أنواره حيث لم يجد فيه غيره مقتضى.

هذا نموذج من مقالات واعترافات كبار علمائكم في حق الإمام علي (ع) ومقاماته العالية وفضائله السامية، نقلتها لكم حتى تعرفوا، أني لم أغال في حق الإمام علي (ع)، ولم أدع شيئا بغير مستند في حقه.

بل كل ما أقوله إنما هو عن دليل وبرهان، وتدقيق وإتقان.

وعلماء الشيعة كلهم كذلك، كل ما نقلوه من فضائل الإمام علي عليه السلام ومناقبه إنما هي مستندة إلى كتب كبار علمائكم ومحققيكم.

ولكن من دواعي الأسف أن بعض علمائكم، وخاصة في زماننا، إذا واجهوا عوام الناس والجهلاء من أتباعهم، ينكرون تلك الفضائل والمناقب المروية في الكتب المعتبرة عندهم في حق الإمام علي عليه السلام، بل يكذب بعضهم بكل صلافة الشيعة وغيرهم إذا نقلوا تلك الأخبار والروايات المعتبرة.

وحاصل الكلام، فقد ثبت أن علي بن أبي طالب هو نظير رسول الله (ص) وشريكه، كما كان هارون بالنسبة لموسى بن عمران (ع) ولما وجد موسى أخاه هارون أولى وأفضل من جميع بني إسرائيل، وهو اللائق بهذا المقام، سأل ربه عز وجل فيه وقال: (واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري....)(19).

وكذلك محمد المصطفى، خاتم الأنبياء (ص) لما وجد أخاه علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل أمته، وأرجحهم علما وعقلا، فهو أليقهم بأمر الخلافة، وأولاهم بمقام الإمامة، سأل ربه سبحانه وتعالى فيه ما سأله النبي موسى (ع) في حق أخيه.

النواب: هل وردت روايات في هذا الباب؟

قلت: أما الشيعة فقد أجمعوا على هذا الموضوع من غير إنكار، وأما علماؤكم فقد نقلوا أيضا في كتبهم المعتبرة روايات صحيحة وأحاديث صريحة في ذلك ، منهم:

ابن المغازلي الفقيه الشافعي، في " مناقبه ".

وجلال الدين السيوطي، في تفسيره " الدر المنثور ".

والإمام الثعلبي، في تفسيره " كشف البيان ".

وسبط ابن الجوزي، في كتابه " تذكرة الخواص " في ذيل آية الولاية، وروى في صفحة 14، عن أبي ذر الغفاري وأسماء بنت عميس ـ إحدى زوجات أبي بكر، قالا:

صلينا يوما الظهر في المسجد مع رسول الله (ص) وإذا برجل قام يسأل الناس شيئا فما أعطاه أحد، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار إليه بإصبعه ، فأخرج السائل خاتمه من إصبعه، فرأى النبي (ص) ذلك، فنظر نحو السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: (قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * واشركه في أمري) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما).

اللهم وأنا محمد صفيك ونبيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به أزري.

فوالله ما انتهى النبي (ص) من الدعاء، إلا ونزل جبرئيل بالآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(20).

والعلامة محمد بن طلحة نقل هذا الخبر مع اختلاف يسير في الألفاظ ، في كتابه " مطالب السؤول 19 ".

وهناك خبر آخر، نقله الحافظ أبو نعيم في " منقبة المطهرين " والشيخ علي الجعفري في " كنز البراهين " والإمام أحمد بن حنبل في " المسند " والسيد شهاب الدين في " توضيح الدلائل " والسيوطي في " الدر المنثور " وآخرون من كبار علمائكم، لا يسع الوقت لذكر أسمائهم لكثرتهم، فقد ذكروا في كتبهم بطرق مختلفة عن : أسماء بنت عميس وغيرها من الصحابة، ورووا عن ابن عباس ـ حبر الأمة ـ أنه قال:

أخذ رسول الله (ص) بيدي وبيد علي بن أبي طالب، فصلى أربع ركعات ، ثم رفع يده نحو السماء وقال: اللهم سألك موسى بن عمران، وأنا محمد أسألك: أن تشرح لي صدري، وتيسر لي أمري، وتحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي عليا، أشدد به أزري، وأشركه في أمري.

فقال ابن عباس: سمعت صوتا يقول: يا أحمد! قد أوتيت ما سألت.

وقال ابن عباس: فأخذ النبي (ص) بيد علي ورفعها نحو السماء، وقال: يا علي! ارفع يدك واسأل ربك ليعطيك شيئا.

فرفع علي يده وقال: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي عندك ودا.

فنزل جبرئيل بالآية الكريمة: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)(21).

فتعجب الأصحاب من هذا الموضوع، فقال النبي (ص): مما تعجبون؟! إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل في علي عليه السلام كرائم القرآن.

الشيخ عبد السلام: على فرض صحة كلامكم، فإن حديث المنزلة لا يخص علي بن أبي طالب، بل ورد في حق الشيخين أبي بكر وعمر (رض).

فقد روى قزعة بن سويد، عن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال رسول الله (ص): أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قلت: لو كنتم تعرفون رأي علمائكم في رواة هذا الحديث لما تمسكتم به!

فإن قزعة كالآمدي، كذاب جعال، وإن كبار علمائكم الرجاليين، ردوا عليه وقالوا، إن رواياته غير مقبولة.

منهم: العلامة الذهبي في كتابه " ميزان الاعتدال " قال في ترجمة قزعة بن سويد: نقل هذا الحديث ـ منزلة الشيخين ـ عمار بن هارون وأنكره فقال : هذا كذب.

لذا فنحن نتعجب منكم إذ تتركون الحديث المجمع عليه، والمروي في كتب الفريقين، وهو مؤيد بأحاديث صحيحة أخرى، وتتمسكون بحديث ضعيف، مردود عند الفرقين، وغير مقبول عند كبار علمائكم الأعلام!!

ولما وصلنا إلى هنا نظر بعض الحضور إلى الساعة وقالوا: لقد طال بنا الحديث، ومضى من الليل نصفه، فلنترك الحوار حول الموضوع إلى الليلة القابلة.

فوافق جميع الحاضرين، وتوادعوا، وذهبوا إلى بيوتهم.

________________
9- سورة الحجرات، الآية 6.‏
10- سورة طه، الآية 29 ـ 32.‏
11- شرح نهج البلاغة: 13 / 211/ ط دار إحياء الكتب العربية.‏
12- سورة الأعراف، الآية 142.‏
13- سورة طه، الآية 25 - ـ34.‏
14- سورة الاحزاب، الآية 33.‏
15- سورة المائدة، الآية 55.‏
16- سورة آل عمران، الآية 61.‏
17- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/49 ط دار إحياء التراث العربي.‏
18- سورة الأحزاب، الآية 33.‏
19- سورة طه، الآيات 29ـ 32.‏
20- سورة المائدة، الآية 55.‏
21- سورة مريم الآية 96.‏



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page