فإنه أشبه شئ بمخاريق المعتوهين، أو من يريد تحطيما من عظمة أمر المولى سبحانه، أو إغراء لبسطاء الأمة على اقتحام الجرائر بحسبان أن حر الجحيم الشديد الذي أوقده المنتقم الجبار للعصاة عامة لا يصيب هذه الأمة وإنما هو للأمم السابقة ومن لم يعتنق الاسلام من الموجودين، وأنت إذا تأملت في نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة (1) التي وقودها الناس والحجارة (2) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم (3) إذا الجحيم سعرت (4) وبرزت الجحيم لمن يرى (5) ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر (6) كلا إنها لظى نزاعة للشوى (7) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (8) وما إدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر (9) قالوا ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين (10) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم (11)
أو تأملت فيما هدد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحر بقوله:
قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (12) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله: إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (13) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أن الأمم كلها بالنسبة إليها شرع سواء، بل إن توجيه تلكم الخطابات إلى الأمة المرحومة المعنية بالتهذيب وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة، أو مغبة عصيان، فذهبوا رهائن أعمالهم، وبه يتم اللطف، وتحسن التربية، وهو الذي كان يبكي الصالح، ويفجع المتقين، ويدر عبرات الأولياء، ويجعل سيدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضا على لحيته، يبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا ربنا! يا ربنا! - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: إلي تغررت؟ إلي تشوقت؟ هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق (14).
ثم أي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمام الذي لا يكون الحر فيه إلا صحيا تزاح به الأوساخ، وتعرق به الأبدان وترفع به الأتعاب، وترتاح به الأجسام؟ وهل يهدد بمثله عصاة البشر الذي خلق ظلوما جهولا جموحا، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه؟
____________
(1) سورة الهمزة آية 7.
(2) سورة البقرة آية 24.
(3) سورة التوبة آية 35.
(4) سورة التكوير آية 12.
(5) سورة النازعات آية 36.
(6) سورة المرسلات آية 33.
(7) سورة المعارج آية 15.
(8) سورة القمر آية 48.
(9) سورة المدثر آية 29.
(10) سورة المدثر آية 45.
(11) سورة الدخان آية 46.
(12) سورة التوبة آية 81.
(13) سورة النساء آية 10.
(14) حلية الأولياء 1 ص 85، الاستيعاب 2 ص 463، الرياض النضرة 2 ص 212،، زهر الآداب للقيرواني 1 ص 38، تذكرة السبط ص 270، مطالب السؤول ص 33، إتحاف الشبراوي ص 7.
أما الحديث الرابع: إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام
- الزيارات: 2996