• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مناظرة محمد بن أبي بكر مع معاوية

مناظرة محمد بن أبي بكر مع معاوية

المناظرة الثانية عشر(مناظرة محمد بن أبي بكر(1) مع معاوية)

لما صرف عليّ ـ عليه السلام ـ قَيْسَ بن سعد بن عبادة عن مصر، وجَّه مكانه محمد بن أبي بكر، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتابا فيه:

من محمد بن أبي بكر، إلى الغاوي معاوية بن صخر، أما بعد، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه، ولا ضعف في قوته، ولا حاجة به إلى خلقهم، ولكنه خلقهم عبيدا، وجعل منهم غويّا ورشيدا، وشقيّا وسعيداً، ثم اختار على علم واصطفى وانتـخب مـنهم محمدا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، فانتخبه بعلمه، واصطفاه برسالته، وائتمنه على وحيه، وبعثه رسولاً ومبشراً ونذيراً ووكيلاً فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علـي بـن أبي طـالب ـ عليه السلام ـ صدّقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول، وحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تُساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نيّةً، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة، وعمه سيّد الشهداء يوم اُحد، وأبوه(2) الذابُّ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعليّ ـ مع فضله المبين القديم ـ أنصارُهُ الذين معه وهم الذين ذكرهم الله بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والانصار، وهم معه كتائب وعصائب، يرون الحق في اتّباعه، والشقاء في خلافه، فكيف يالك الويل ! تعدلُ نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ووصيّه وأبو ولده، أول الناس له اتباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتَّع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمِنت كيده، ويئست من روحه؛ فهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه معاوية: من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمد ابن أبي بكر، أما بعد: فقد أتاني كتابُك تذكر فيه ما الله أهلُه في عظمته وقدرته وسلطانه، وما اصطفى به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف، ولابيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، ومُواساته إيّاه في كل هول وخوف، فكان احتجاجك عليَّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك، وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحَقه لازما لنا مبرورا علينا، فلما اختار الله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأبلج حُجَّته، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقَّه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفّقا واتَّسقا.

ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهمَّا به الهموم، وأرادا به العظيم، ثم إنه بايع لهما وسلّم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يُطْلعانه على سرهما، حتى قبضهما الله.

ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الاقاصى من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مُناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر، وقس شبرك بفترك، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزنُ الجبال بحلمه، لا يلين عن قسر قناته، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهَّد مهاده، وبنى لملكه وساده، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبدَّ به ونحن شركاؤه، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أودَعْ ذلك، والسلام على من أناب(3) .


--------------------------------------------------------------------------------

(1) هو: محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة القُرَشيَّ التيميّ، جليل القدر عظيم المنزلة، كان شجاعا زاهدا فاضلاً، صحيح العقل والرأي، من خواص علي ـ عليه السلام ـ ومن حواريه المجتهدين في طاعته، وأمه أسماء بنت عُميس بن النعمان، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، وهاجرت معه إلى الحبشة، فولدت له هناك عبدالله بن جعفر الجواد، ثم قُتل عنها يوم مُؤتة، فخلف عليها أبو بكر، فأولدها محمدا، ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ، وكان محمد ربيبه وخرّيجه، وجاريا عنده مجرى أولاده، رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصِّبا، فنشأ عليه، فلم يكن يعرف له أبا غير عليّ، ولا يعتقد لاحد فضيلة غيره، حتى قال علي ـ عليه السلام ـ: محمد ابني من صلب أبي بكر، ولد ـ رضي الله عنه ـ في حجة الوداع، وقتل بمصر في خلافة علي ـ عليه السلام ـ سنة 38 هـ ـ بعد واقعة صفين ـ وكان عامله عليها، وقال فيه ـ عليه السلام ـ لما استشهد: فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملاً كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعاً. (نهج البلاغة ص408 رقم الكتاب: 35) ومن ولده: القاسم فقيه الحجاز، ومن ولد القاسم: عبد الرحمن من فضلاء قريش ومن ولد القاسم ايضا أم فروة، تزوجها الباقر محمد بن علي ـ عليه السلام ـ، فأولدها الصادق أبا عبدالله جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ.

راجع ترجمته في: شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد: ج6 ص53 و ج10 ص249، تهذيب الكمال ج24 ص541، تهذيب التهذيب ج9 ص 80، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص58.

(2) هو: عبد مناف ـ وقيل عمران ـ، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكافله وكاشف كربه، وابو الائمة الاطهار ـ عليهم السلام ـ، وكان أبو طالب ـ عليه السلام ـ شيخاً جسيماً وسيماً عليه بهاء الملوك ووقار الحكماء، وهو الذي كفل الرسول صغيراً وحماه وحاطه كبيراً، ومنعه من مشركي قريش، ولقى لاجله عناءاً عظيماً وقاسى بلاً شديداً، وصبر على نصره والقيام بأمره، وقد جاء في الخبر أنه لما توفي ابو طالب أوحى الله للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقيل له اخرج منها فقد مات ناصرك.

فقد كان ـ عليه السلام ـ بحق نعم الناصر والكافل والمحامي المجاهد بالنفس والولد والاهل، والى هذا، يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في ميميته العصماء:

 

· ولــولا أبو طالب وابنه فذاك بـمكة آوى وحامى فللّه ذا فاتـحـاً للهُـدى والله ذا للمعالي خـتــاما

· لما مثل الدّين شخصاً فقاما وهذا بيثرب جسّ الحمـاما والله ذا للمعالي خـتــاما والله ذا للمعالي خـتــاما

والادلة والشواهد على ايمان ابي طالب ـ عليه السلام ـ ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار لا تخفى على من له ادنى بصيرة، إلا أن حاسدي ومبغضي امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يأبوا الا أن يكفّروه حسداً وحقداً.

 

· ان يحسدوك على علاك فانما متسافل الدرجات يحسد من علا

· متسافل الدرجات يحسد من علا متسافل الدرجات يحسد من علا

وذلك مع وجود الادلة الواضحة، والشواهد اللائحة والتي منها: مواقفه المشهورة تجاه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والتي تدل على ايمانه العميق بوحدانية الله تعالى وبرسالة رسوله الكريم ومن تلك الدلائل الواضحة على ايمانه هو: ان فاطمة بنت أسد ـ عليها السلام ـ من السابقات الى الاسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات، وان الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وكان امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يأمر أن يُحج عن عبد الله وأبيه وأبي طالب، ولا يُحج عن كافر.

وتولى هو ـ عليه السلام ـ غسل أبيه، والمسلم لا يجوز له أن يتولى غسل الكافر.

ومن الشواهد الدالة على ايمانه، الاشعار التي تضمنت اقراره بالله تعالى وبالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وحيث انه لا فرق بين ان يكون هذا الاقرار في النثر او الشعر.

فمنها قوله ـ عليه السلام ـ:

 

· نصرت الرَّسولَ رسولَ المليكِ أذبُّ وأحـمـي رسـولَ الالهِ حـمــاية حامٍ عليه شفيقْ

· ببيـضٍ تلالا كلمع البروقْ حـمــاية حامٍ عليه شفيقْ حـمــاية حامٍ عليه شفيقْ

ومنها أيضاً قوله:

 

· والله لــن يصـلوا إليك بجمعهم فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وعـرضت ديـناً قد عرفت بأنه من خير أديان البرية ديــنا

· حتى أوسد بالتراب دفـيـنا وابشر بذاك وقرّ منك عيونـا من خير أديان البرية ديــنا من خير أديان البرية ديــنا

وانما لم يظهر الاسلام ويجاهر به، لانه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما تهيأ له.

ومن تلك الادلة ايضاً اجماع اهل البيت، الائمة الطاهرين ـ عليهم السلام ـ الذين هم كسفينة نوح، من ركبها نجى ومن تأخر عنها غرق وهوى، وهم العترة الذين من تمسك بهم لن يضل ابداً.

ومما ورد عنهم في ذلك: ما ورد عن عبد العظيم بن عبد الله العلوي انّه كان مريضاً فكتب الى ابي الحسن الرّضا ـ عليه السلام ـ عرّفني يابن رسول الله عن الخبر المروي انّ ابا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه فكتب اليه الرّضا ـ عليه السلام ـ: بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد: فأنّك ان شككت في ايمان أبى طالب كان مصيرك الى النار.

واما الاخبار التي يرويها البعض في كفر ابي طالب فلا اساس لها من الصحة، واما احاديث الضحضاح فانما تروى عن المغيرة بن شعبة، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ مشهور معلوم وفسقه غير خافٍ.

وتوفي ابو طالب ـ عليه السلام ـ في آخر السنة العاشرة من الهجرة وتوفيت السيدة خديجة ام المؤمنين ـ عليها السلام ـ بعده بثلاثة ايام، فسمى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ذلك العام عام الحزن، وقال: ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات ابو طالب.

وقد رثاه امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بقوله:

 

· أبا طالب عصمة المستجير لقد هـدّ فقدك أهل الحفاظ ولـقــاك ربك رضوانه فقد كنت للطهر من خير عم

· وغيث المحول ونور الظـلم فصلّى عليك ولي النـعــم فقد كنت للطهر من خير عم فقد كنت للطهر من خير عم

فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم مات ويم يُبعث حيا.

ورزقنا الله شفاعته.

راجع: رسالة ايمان ابي طالب للشيخ المفيد، اسنى المطالب في ايمان ابي طالب للعلامة احمد زيني دحلان، ديوان ابي طالب وذكر إسلامه لابي نعيم علي بن حمزة البصري، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج14 ص 65 ـ 84، سفينة البحار للقمي ج2 ص 87 ـ 90، ابو طالب مؤمن قريش للعلامة الشيخ عبد الله الخنيزي.

(3) مروج الذهب للمسعودي: ج 3 ص 20، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 188، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 183، بحار الانوار ج 33 ص 575 ح 723.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page