طباعة

الغلو في فضايل عثمان : 14 - رأي الخليفة في صلاة المسافر

أخرج أبو عبيد في الغريب وعبد الرزاق والطحاوي وابن حزم عن بي المهلب قال:
كتب عثمان: إنه بلغني إن قوما يخرجون إما لتجارة أو لجباية أو لحشرية (1) يقصرون الصلاة وإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو.
ومن طريق قتادة عن عياش المخزومي: كتب عثمان إلى بعض عماله: إنه لا يصلي الركعتين المقيم ولا البادي ولا التاجر، إنما يصلي الركعتين من معه الزاد والمزاد.
وفي لفظ ابن حزم: إن عثمان كتب إلى عماله: لا يصلي الركعتين جاب ولا تاجر ولا تان (2) إنما يصلي الركعتين. الخ.
وفي لسان العرب: في حديث عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو يحضره عدو. قال أبو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت (3).
وفي هامش سنن البيهقي 3: 137: شاخصا: يعني رسولا في حاجة، وفي النهاية: شاخصا: أي مسافرا ومنه حديث أبي أيوب: فلم يزل شاخصا في سبيل الله.
قال الأميني: من أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلها كما أوقفناك عليها في ص 111 - 115، وقبلها عموم قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (4) ولأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور في عموم الآية نظر واسع لم يخصوه بالمباح من السفر بل قالوا بأنه يعم سفر المعصية أيضا كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلى 4: 264، والجصاص في أحكام القرآن 2: 312، وابن رشد في بداية المجتهد 1: 163، وملك العلماء في البدايع 1: 93، والخازن في تفسيره 1: 413.
وليس لحضور العدو أي دخل في القصر والاتمام وإنما الخوف وحضور العدو لهما شأن خاص في الصلوات، وأحكام تخص بهما، وناموس مقرر لا يعدوهما.
فمقتضى الأدلة كما ذهبت إليه الأمة جمعاء: إن التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر، فهم وبقية المسافرين شرع سواء، وإلا فهم جميعا في حكم الحضور يتمون صلاتهم من دون أي فرق بين الأصناف، وليس تفصيل الخليفة إلا فتوى مجردة ورأيا يخص به، وتقولا لا يؤبه له تجاه النصوص النبوية، وإطباق الصحابة، واتفاق الأمة، وتساند الأئمة والعلماء، وإنما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة، أو تسرعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل، أو أنه عرف الدليل لكنه لم يكترث له وقال قولا أمام قول رسول الله صلى الله عليه وآله.
كناطح صخرة يوما ليقلعها * فلم يضرها فأوهى قرنه الوعل
على أن التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق علي كرم الله وجهه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (5).
وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي بركعتين. (6)
____________
(1) كذا في النسخ بالمهملة والصحيح كما يأتي، الجشر. بالمعجمة.
(2) التناية: هي الفلاحة والزراعة " نهاية ابن الأثير ".
(3) سنن البيهقي 3: 126، المحلى لابن حزم 5: 1، نهاية ابن الأثير 2: 325، لسان العرب 5: 207، كنز العمال 4: 239، تاج العروس: 100 و ج 4: 401.
(4) -
(5) تفسير ابن جرير 5: 155، مقدمات المدونة الكبرى لابن رشد 1: 136، تفسير ابن عطية كما في تفسير القرطبي 5: 362، الدر المنثور 2: 209، تفسير الشوكاني 1: 471 تفسير الآلوسي 5: 134.
(6) تفسير ابن كثير 1: 544، الدر المنثور 2: