• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في مقال أصدرته لجنة الفتوى بالأزهر

جاء في جريدة الوقت المصرية العدد الثاني لسنتها الأولى الموافقة سنة 1367 ما نصه:
(لجنة الفتوى بالأزهر تقول: " لا شيوعية في الاسلام " عن الأهرام الغراء)
كانت وزارة الداخلية قد أحالت إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر كتابا وتنال فيه مؤلفه مذهب العالم الصحابي أبي ذر الغفاري غفر الله له، وخلص من بحثه إلى القول بوجود (الشيوعية في الاسلام) وذلك لكي تعرف الوزارة رأي الدين في ذلك، وما إذا كان هذا الكتاب يمكن تداوله. وقد أحال فضيلة الأستاذ الأكبر هذا الموضوع إلى لجنة الفتوى في الأزهر، فاجتمعت برئاسة فضيلة الأستاذ الشيخ عبد المجيد سليم المفتي السابق ورئيس هذه اللجنة، وبحثت موضوع الكتاب بحثا مستفيضا، ثم أصدرت فيه فتواها وقد تلقت وزارة الداخلية هذه الفتوى من فضيلة الأستاذ الأكبر. وهذا نصها بعد الديباجة:

* لا شيوعية في الاسلام *

إن من مبادئ الدين الاسلام احترام الملكية ولن لكل امرئ أن يتخذ من الوسائل والسبل المشروعة لاكتساب المال وتنميته ما يحبه ويستطيعه ويتملك بهذه السبل ما يشاء، هذا وقد ذهب جمهور من الصحابة وغيرهم من الفقهاء المجتهدين إلى أنه لا يجب في مال الأغنياء إلا ما أوجبه الله من الزكاة والخراج والنفقات الواجبة بسبب الزوجية أو القرابة وما يكون لعوارض موقتة وأسباب خاصة كإعانة ملهوف وإطعام جائع مضطر، وكالكفارات وما يتخذ من العدة للدفاع عن الأوطان وحفظ النظام إذا كان ما في بيت مال المسلمين لا يكفي لهذا، ولسائر المصالح العامة المشروعة كما هو مفصل في كتب التفسير وشروح السنة وكتب الفقه الاسلامي. هذا هو الواجب. غير إن الاسلام يدعو كل قادر من المسلمين أن يتطوع بما شاء من ماله يصرفه في وجوه البر والخير مع عدم الإسراف والتبذير في ذلك كما قال الله تعالى: " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " وكما قال عز وجل في وصف عباده الذين أثنى عليهم: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " و كما تدل عليه السنة في أحاديث كثيرة. وذهب أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى إنه يجب على كل شخص أن يدفع ما فضل عن حاجته من مال مجموع عنده في سبيل الله أي في سبيل البر والخير وإنه يحرم ادخاره ما زاد عن حاجته ونفقته ونفقة عياله.
هذا هو مذهب أبي ذر ولا يعلم أن أحدا من الصحابة وافقه عليه. وقد تكفل كثير من علماء المسلمين برد مذهبه وتصويب ما ذهب إليه جمهور الصحابة والتابعين بما لا مجال للشك معه في أن أبا ذر رضي الله عنه مخطئ في هذا الرأي. والحق إن هذا مذهب غريب من صحابي جليل كأبي ذر وذلك لبعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، ولذلك استنكره الناس في زمنه واستغربوه منه، قال الآلوسي في تفسيره بعد ما بين مذهبه ما نصه: (وكثر المعترضون على أبي ذر في دعواه تلك وكان الناس يقرأون له آية المواريث ويقولون: لو وجب إنفاق كل المال لم يكن للآية وجه.
وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حل مستغربين منه ذلك. ا ه‍.
ومن هذا يتبين إن هذا الرأي خطأ وصاحبه مجتهد مغفور له خطؤه بل مأجور على اجتهاده، ولكنه لا يتابع فيما أخطأ فيه بعد تبيين إنه خطأ لا يتفق هو وما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله وقواعد الدين الاسلامي.
ولما كان مذهبه داعيا إلى الاخلال بالنظام والفتنة بين الناس طلب معاوية والي الشام من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يستدعيه إلى المدينة وكان أبو ذر وقتئذ في الشام فاستدعاه الخليفة فأخذ أبو ذر يقرر مذهبه ويفتي به ويذيعه بين الناس فطلب منه عثمان: أن يقيم بجهة بعيدة عن الناس فأقام (بالربذة) (مكان بين مكة والمدينة) قال ابن كثير في تفسيره: كان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه تحريم ادخار ما زاد على نفقة العمال. وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه فنهاه معاوية فلم ينته فخشي أن يضر بالناس في هذا فكتب يشكوه إلى عثمان وأن يأخذه إليه فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة وحده وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان.
وجاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر ما خلاصته: (إن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة ولذلك أمر عثمان أبا ذر أن يقيم بالربذة مع أن في بقائه بالمدينة مصلحة كبيرة لطالبي العلم لما في بقائه بالمدينة من مفسدة تترتب على نشر مذهبه)
ومما ذكرنا يتبين إن ما في هذا الكتاب (الشيوعية في الاسلام) لا يتفق هو ومبادئ الاسلام وقواعده. كما يتبين إنه لا شيوعية في الاسلام بالمعنى الذي يفهمه الناس، والذي صرح به صاحب هذا الكتاب وسماه (شيوعية الاسلام) ومن أجل هذا نرى ألا يذاع مثل هذا الكتاب بين الناس لئلا يتخذها المفسدون في الأرض الهدامون للنظم الصالحة ذريعة للاخلال بالنظام وإفساد عقول ضعفاء الإيمان والجاهلين بمبادئ الاسلام.

* (قال الأميني) *:
إن الوزارة الداخلية أو شيخ الأزهر لو أحال كل منهما النظر في هذه المهمة إلى لجنة عارفة بحال أبي ذر، واقفة على مقاله، مطلعة على كتب الحديث والسير والتفاسير، بصيرة على ما فيها من الغث والثمين، خالية عن الأغراض، بعيدة عن النعرات الطائفية، لحكمت بما هو الحق الصراح، وعرفت إن ما دعا إليه أبو ذر لم يكن خارجا عما سردته هي في مفتتح مقالها من اعتبار المالكية لكل إنسان، وما يجب عليه إنفاقه من المال، وما يتطوع به الرجل من النفقات، وقد أوقفناك قبل هذا على كل ذلك، وأن هياجه لم يكن موجها إلا إلى أناس معلومين كانوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها في سبيل الله، ويحرمون الأمة من منافعها المفروضة لها فضلا عن المندوب إليها والمرغب فيها. وبذلك كله تعرف إن ما عزت إليه اللجنة الحاكمة من غير بصيرة من وجوب إنفاق ما فضل من المال على حاجة الانسان ونفقته ونفقة عياله زور من القول، وفند من الرأي، وليتها أشارت إلى مصدر ما ادعته من مذهب أبي ذر الذي حسبته مخالفا لجمهور الصحابة والتابعين، وقد أسلفنا لك جملة مما أثر عنه في ذلك، وليس في شئ منه أي دلالة على ما ادعته من العز والمختلق، وليتها بينت العلماء الذين تصدوا لنقض مذهب أبي ذر، وأشارت إلى ما جاءوا به في تدعيم حجتهم، ولعلها أرادت بهم المؤرخ محمد الخضري، وأحمد أمين، وصادق إبراهيم عرجون، وعمر أبي نصر، ومحمد أحمد جاد المولى بك، وعبد الحميد بك العبادي، وأمثالهم من المحدثين المتسرعين الذين منيت بهم البلاد والعباد.
وأسلفنا لك أيضا قول عظماء الصحابة في أبي ذر وموافقتهم له على حقيقة رأيه، واستيائهم لما نكب به من جراء ذلك، وإجماع صلحائهم على إن ما جاء به كان رايا صحيحا دينيا محضا مستفادا من الكتاب والسنة.
وعجيب استغرابها مذهب أبي ذر وهي لا تعرفه، وأعجب منه اعتذارها له ببعده عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح مع قولها باجتهاد أبي ذر، أي اجتهاد هذا من عيلم أخذ المبادئ من مشرعها يبعد حامله عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح؟ نعم: كم وكم عند القوم من المجتهدين البعداء آرائهم عن مبادئ الاسلام كابن ملجم قاتل الإمام أمير المؤمنين، وأبي الغادية قاتل عمار، وابني هند والنابغة قائدي الفئة الباغية، وأمثالهم؟ (1) لكن شتان بين هؤلاء وسيد غفار؟.
أو ليس مما يضحك الثكلى ويبكي كل مسلم؟ أن يحسب إن مذهب أبي ذر بعيد عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الظاهر الواضح، وهو الذي لم يعبد الصنم قبل إسلامه وصلى سنين قبل المبعث الشريف موليا وجهه إلى الله وهو محسن، وهو ربع الاسلام ورابع المسلمين، وقد طوى جل سنيه على عهد النبوة في صحبة الرسول الأعظم ولم يفتأ متعلما منه، مصيخا إلى كل ما يدعو إليه ويهتف به، فتنتقش كل تلكم المثل العليا في نفسه كما تنتقش الصور في المرآة الصافية، بل تثبت فيها كما تثبت في العدسة اللاقطة.
كان صلى الله عليه وآله يدنيه دون الصحابة إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم، وقد سال رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل شئ حتى عن مس الحصى في الصلاة، وقد صب صلى الله عليه وآله في صدره ما صبه جبريل وميكائيل في صدره صلى الله عليه وآله، وعرفه صلى الله عليه وآله لأمته بأنه شبيه عيسى هديا وسمتا ونسكا وبرا وصدقا و خلقا وخلقا (2).
وما ظنك برجل قال فيه باب مدينة علم النبي مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لما سئل عنه: وعاء ملئ علما ثم أوكى عليه؟ (3)
أو ليس من العجب العجاب إن من هو هكذا وهو في عهد النبوة لم يزل في مدينة الرسول يتلقى منه صلى الله عليه وآله كل إفاضاته، ويستقي من مستقى الوحي يكون مذهبه بعيدا عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح، ويكون رأي كعب الأحبار اليهودي حديث العهد بالاسلام أو من بعده بعد لأي من عمر الدهر وقد نمى وترعرع وشب و شاب في عاصمة الفراعنة يوم غشيت الحقايق ظلمات بعضها فوق بعض قريبا منها و يكون صاحبه عارفا بها حاكما على مثل أبي ذر بما حكم، كأن الحقايق الإسلامية نصب عينه دون سيد غفار، أو معلقة على شحمة أذنه يسمع رنتها دون ذلك الصحابي العظيم؟.
هب أنا تنازلنا للجنة الحاكمة عن كل ما قلناه، ولكن هل يسعنا التغاضي عما جاء به الحفاظ وأئمة الحديث من طرق صحيحة عن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله في إطراء الرجل والثناء عليه وإكباره وتقرير هديه وهداه مع عدم استثناء شئ من أطواره في أولياته أو أخرياته؟ وهو العارف بعلم النبوة بكل ما ينهض به أبو ذر بعده، فهلا بدر صلى الله عليه وآله إلى ردعه عما سينوء به؟ بدل أمره إياه بالصبر على ما ينتابه من جراء ما قام به ودعا إليه، بدل عده ما أصابه من المحن مما هو لله وفيه، بدل إخباره بكل ما يجري عليه من النفي والجلاء مقصورا على ذلك من غير ردع.
ونسائل اللجنة الحاكمة عن الذين استنكروا مذهب أبي ذر واستغربوه منه من الصحابة أهم من علية الصحابة أو من أذنابها؟ وبطبع الحال إنها ستجيبنا إنهم الحكم بن أبي العاص، وأخوه الحارث بن الحكم، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، ومعاوية بن أبي سفيان، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن خالد، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإن شئت قلت حثالة من بني أمية البعداء عن مبادئ الاسلام وعما هو الحق الواضح وهن حذا حذوهم في الإكباب علي حطام الدنيا واكتناز المال من غير حله ممن أقلقوا السلام، وجروا الويلات إلى خليفة الوقت، وحرموا ضعفاء الأمة عن حقوقهم، وولغوا في الدماء المحرمة وأثاروها حروبا دامية، وألقحوها فتنة شعواء، فلم تزل عداء محتدما تتلقاها الأجيال من بعدهم حتى انتهت إلى عصرنا الحاضر، وهو الذي حفز اللجنة الحاكمة على رميها القول على عواهنه، ولكن صافق أبا ذر على رأيه الصحيح الموافق لمبادئ الدين الإمام أبو السبطين وشبلاه الإمامان وصلحاء الأمة كلهم ومن استاء لنكبات أبي ذر ونقم بها على خليفة الوقت.

* (حن قدح ليس منها) *
لقد جرأ تقحم هذه اللجنة الجائرة في حكمها " جبران ملكون " الصحافي النصراني صاحب جريدة الأخبار العراقية في سنتها العاشرة 1368 ه‍ في عددها المتسلسل 2503 الصادر في جمادى الأولى، فطفق يرقص لما هنالك من مكاء وتصدية، والمسكين لا يعرف مبادئ الاسلام ولو عرفها لا تبعها، ولا مبالغ رجالات المسلمين ولو عرفهم لنزههم وذب عنهم، لكنه حسب ما لفقوه حقيقة راهنة وصبها في بوتقة من القول هو أربى في إفادة ما حاولوه غير إنه يطفو عليه القوارص ولواذع قال:
لكن أبا ذر الغفاري يعتقد إنه يتعين على كل فرد أن ينفق في سبيل الله كل ما يفيض عن حاجته وحاجة أسرته، ولكن لم يعرف إن أحدا من الصحابة شاطره هذا الرأي، وإنما عارض الكثير من عقلاء المسلمين وحكمائهم في هذا المبدأ، فلا شك إذن في أن أبا ذر كان مخطئا في رأيه، ولا ينبغي إتباعه بعد أن ثبت أنه خطأ، وإن رأيه لا يتفق مع القرآن ولا السنة ولا المبادئ الإسلامية وتعاليمها. ا ه‍.
ونحن هاهنا لا نعاتبه ولا نستعتبه، أما الأول فإن الرجل كما قلناه بعيد عن كل ما يجب أن يقرب منه في أمثال هذه المباحث حتى يتسنى له الحكم البات فيها، وإنا أحسن ظنه بأولئك المتقولين زاعما إنهم هم الأقرباء من المبادئ الإسلامية العرفاء بحقيقة ما حكموا به، ولو كان الأمر كما زعم لكان الحق معهم، وإن كان لنا أن نؤاخذه بأن مرحلة حسن الظن لا يكتفى بها في باب القضاء الحاسم على عظيم من عظماء الأمة، فكان من واجبه أن يستفرغ وسعه في تحقيق تلكم المزاعم وهو في عاصمة من عواصم الاسلام " بغداد " وبمطلع الأكمة منه عاصمة الدنيا في العلم والدين " النجف الأشرف " وفيها العلماء، والمؤلفون، والمحققون، والجهابذة، وعباقرة الوقت في كل جيل، فكان من السهل عليه أن يستحفي الخبر هنالك أو هاهنا، ولهذا لسنا نستعتبه لخروجه عن الطريقة المثلى في القضاء، ونحن نعد هذه وأمثالها سيئة من سيئات اللجنة الحاكمة وهي المؤاخذة بها. وكأني بها وهي تحسب إنها تحسن صنعا، وتبتهج بما نشرته من الحكم الساقط وقذف عظيم من عظماء الأمة بما تبرأ منه ساقة المسلمين، وتراه دفاعا عن بيضة الاسلام المقدس، وكفاحا للشيوعية الهدامة، وردما لثلمة أتت على الدين من ذلك المبدء التعس، وكأنها جاءت بقرني حمار لما استشهدت على ما ارتأته بأقاويل أناس زور عن مواقف الحق والصدق.

شهود اللجنة
لقد استشهدت اللجنة على ما أرادت بكلام الآلوسي وابني كثير وحجر كأنها لم تجد في أبي ذر كلاما لغير هؤلاء من ناصبي العداوة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وما أذهلها أو تذاهلت هي عما قدمناه من الكلمات فيه؟ وما كان أغناه عن الركون إلى هذه التافهات المختلقة المائنة؟ لكنا نعذرها على ذلك لأنها تتحرى ما يدعم دعواها، وما أشرنا إليه من الكلمات السابقة تنقض تلكم الدعوى وتدحرها، ولذلك اقتصرت في النقل على بعض تلكم الكلم، وإنما أسقطت البعض الآخر مما لفقوه للتهافت الظاهر بينها، فكأنها شعرت بذلك فحذفته، وهي تحسب أن البحاثة لا تراجع تلك الكتب ولا تقف على تناقضها، أو أن الآراء لا مناقشة في حسابها وليس ورائها محاسب ولو بعد حين، فنقول هاهنا: أما الآلوسي فإليك تمام كلامه في تفسيره 10: 87 قال: في تفسير قوله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم.
أخذ بظاهر الآية فأوجب إنفاق جميع المال الفاضل عن الحاجة أبو ذر رضي الله عنه، وجرى بينه لذلك وبين معاوية رضي الله عنه في الشام ما شكاه له إلى عثمان رضي عنه في المدينة، فاستدعاه إليها فرآه مصرا على ذلك حتى أن كعب الأحبار رضي الله عنه قال له: يا أبا ذر! إن الملة الحنيفية أسهل الملل وأعدلها وحيث لم يجب إنفاق كل المال في الملة اليهودية وهي أضيق الملل وأشدها كيف يجب فيها؟ فغضب رضي الله تعالى عنه وكانت فيه حدة وهي التي دعته إلى تعيير بلال رضي الله عنه بأمه وشكايته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله فيه: " إنك امرؤ فيك جاهلية " فرفع عصاه ليضربه وقال له: يا يهودي! ما ذاك من هذه المسائل؟ فهرب كعب فتبعه حتى استعاذ بظهر عثمان رضي الله عنه فلم يرجع حتى ضربه، وفي رواية: إن الضربة وقعت على عثمان، وكثر المتعرضون على أبي ذر في دعواه ذلك، وكان الناس يقرءون له آية المواريث ويقولون:
لو وجب إنفاق كل المال لم يكن للآية وجه، وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حل مستغربين منه ذلك، فاختار العزلة فاستشار عثمان فيها، وأشار إليه بالذهاب إلى الربذة، فسكن فيها حسبما يريد، وهذا ما يعول عليه في هذه القصة، ورواها الشيعة على وجه جعلوه من مطاعن ذي النورين وغرضهم بذلك إطفاء نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ا ه‍

* في هذه الكلمة مواقع للنظر *
1 - قوله: أخذ بظاهر الآية. الخ. ليس للآية ظاهر غير باطنها وليس فيها إيجاب لإنفاق جميع المال المؤد زكاته الفاضل عن الحاجة، فأي ظهور فيها يعاضد ما عزوه إلى أبي ذر؟ حتى يسعه الأخذ به والتعويل عليه، وإنما هي زاجرة عن الاكتناز الذي بيناه في صفحة 320 ولم يؤثر قط عن أبي ذر المصارحة ولا الإشارة إلى شئ مما عزاه إليه، بل أوقفناك على أن كل ما روي عنه أو فيه مناف لذلك.
2 - ما رتبه على ذلك من وقوع النزاع بينه وبين معاوية وقد أسلفنا في صفحة 295 عن صحيح البخاري من أن النزاع بينهما كان في نزول الآية لا في مفادها فكان معاوية يزعم إنها نزلت في أهل الكتاب وأبو ذر يعمهما عليهم وعلى المسلمين، ومر أيضا مراد أبي ذر من الانفاق ومقدار المنفق من المال وإنه ليس ما فضل عن الحاجة وإنما هو ما ندب إليه الشرع واجبا أو تطوعا، ولم يكن إنكار إلا على الاكتناز الذي هو لدة الاحتكار في الأطعمة يحر الملأ عن منافع النقدين ونمائهما، ويحرم الفقراء خاصة عن حقوقهم المجعولة فيهما من ناحية الدين، وقد فصلنا القول في هذه كلها.
3 - ما رواه من قصة كعب الأحبار. لقد أقرأناك المأثور من هذه القصة و كيفية الحال فيها واختلاف ألفاظها وليس في شئ منها أكثر ما لفقه الآلوسي من قول الرجل لأبي ذر: إن الملة الحنيفة. الخ. ومن استعاذته بظهر عثمان، وعدم اكتراث أبي ذر لذلك ووقوع الضربة على عثمان، ووليته ذكر لما تقوله مصدرا ولو من أضعف الكتب أو من مدونات القصاصين، لكنه أراد أن ينشب على أبي ذر ثورة وهو في عالم البرزخ بوقوع الضربة على عثمان، غير أنه أخفق ظنه وأكدى أمله بفضل التنقيب الصحيح.
ونذكر لك هنالك لفظ أحمد في مسنده 1 : 63 من طريق مالك بن عبد الله الزيادي عن أبي ذر: إنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له و بيده عصاه فقال عثمان رضي الله عنه: يا كعب! إن عبد الرحمن توفي وترك مالا، فما ترى فيه؟ فقال: إن كان يصل فيه حق الله فلا باس. فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواق. أنشدك الله يا عثمان! اسمعته؟ ثلاث مرات. قال: نعم.
ومنه يتجلى إنها قضية في واقعة ترجع إلى مال عبد الرحمن بن عوف الذي ترك ذهبا قطع بالفؤس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وبلغ ربع ثمنه ثمانين ألفا، وقد أعطي له ذلك بغير استحقاق من مال الله الذي يستوي فيه المسلمون، فكانت أثرة ممقوتة واكتنازا منهيا عنه، وما كانت فتوى كعب تبرر شيئا من عمله لأنه لم يكن من نماء زرع أو نتاج ماشية أو ربحا من تجارة حتى يطهره إخراج حقوق الله منه، وإنما كان المال كله لله، وأفراد المسلمين فيه شرع سواء، وإن كان لابن عوف فيه حقا فعلى زنة بقية المسلمين فحسب.
والعجب من هذا الاستفتاء ومن توجيهه إلى كعب خاصة وهو يهودي قريب العهد بالاسلام وفي المنتدى مثل أبي ذر عالم الصحابة، والمستفتي جد عليم بحقيقة ذلك المال لأنه هو الذي أدره عليه جزاء حسن اختياره للخلافة يوم الشورى، ولم تكن ثروته الشخصية تفي لتلكم العطايا الجزيلة، فليس لها مدر إلا مال الله، فعلى أبي ذر البصير بمواقع أحكام الشرع أن ينكر تلكم المنكرات على من استباح ذلك العطاء، وعلى من استباح أخذه واكتنازه، وعلى من حاول أن يبرر تلكم الأعمال.
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون.
وإن كانت توجب نظرية أبي ذر هذه الشيوعية أو الاشتراكية؟ فقد سبقه إليها الخليفة الثاني ببيان أو في وتقرير أوضح، أخرجه الطبري في تاريخه 5: 33 من طريق أبي وائل قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين.
وأخرجه ابن حزم في المحلى 6: 158 فقال: هذا إسناد في غاية الصحة والجلالة وفي عصر المأمون 1: 2: حرم عمر بن الخطاب على المسلمين اقتناء الضياع والزراعة لأن أرزاقهم وأرزاق عيالهم وما يملكون من عبيد وموال، كل ذلك يدفعه لهم من بيت المال، فما بهم إلى اقتناء المال من حاجة.
نعم: عزبت عن اللجنة نظرية الخليفة الثاني في ناحية المال أو أن عظمة الخلافة صدتهم عن الجرأة عليه لكن أبا ذر لم يكن خليفة، فتمنعهم عظمته عن التقول عليه، وقد مات في المنفى فريدا وحيدا لا يجد من يعينه أو يدافع عنه أو يجهزه بعد موته فيتوثب عليه حتى الخنافس والديدان، غير إن له يوما آخر يحشر فيه أمة واحدة هنالك تبلى السرائر ويعلم ما ارتآه أبو ذر وما رمي به. ذلك يوم مشهود له الناس، والحكم هنالك لله الواحد القهار.
4 - ما عزا إليه من الحدة وهو ينافي تشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله إياه بعيسى بن مريم في هديه وخلقه ونسكه وزهده (4) فهو ممثل المسيح عليه السلام في هذه الأمة، و أنى تقع الحدة منه؟ إلا أن يدعوه إليها الدين كما هو من خصال المؤمنين الموصوفين بالوداعة بينهم، والخشونة في ذات الله، وأبو ذر في الرعيل الأول منهم، فليس من المستطاع أن نخضع لصحة هذه الرواية وفيها الوقيعة من أبي ذر فيمن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله يقربه ويدنيه ويحبه.
فلا تكاد تنهض حجة على مفادها ولو جاءت بسند صحيح لأن المعلوم من حال أبي ذر هو ما أخبر بن النبي الصادق الأمين، وعلى فرض صحتها قضية في واقعة لا تعدو أن تكون فلتة ليست لها لدة، ولعلها صدرت منه قبل تحريم ذلك كما ذهب إليه شراح صحيح البخاري (5) وبمثلها لا يمكن أن تثبت لأبي ذر غريزة الحدة فيحمل ما صدر منه في المقام عليها.
وكأن الرجل هاهنا ذهل عما ذكره في كتابه (مسائل الجاهلية) ص 129 من قوله: إن أبا ذر رضي الله تعالى عنه قبل بلوغه المرتبة القصوى من المعرفة تساب هو وبلال الحبشي المؤذن فقال له: يا ابن السوداء. فلما شكا بلال إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: شتمت بلالا وعيرته بسواد أمه؟ قال: نعم. قال: حسبت إنه بقي فيك شئ من كبر الجاهلية. فألقى أبو ذر خده على التراب ثم قال: لا أرفع خدي حتى يطأ بلال خدي بقدمه. ا ه‍.
وهكذا رواه البرماوي، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 1: 113 وقال:
زاد ابن الملقن: فوطئ خده.
هذا أبو ذر وهذا أدبه وكرم أخلاقه، وإنه لعلى خلق عظيم.
5 - ما ادعاه من كثرة المتعرضين على أبي ذر. الخ. ليته سمى واحدا من أولئك المتعرضين، أو سمى مصدرا ولو من أتفه المصادر يصافقه على هذه الدعوى، وإنما كانت الصحابة يومئذ بين مصافق لأبي ذر على هتافه، ومسل له على نكبته، ومستاء على ما أصابه من الأذى، وناقم على من فعل به ذلك، فلم يكن عندئذ من يرد عليه قوله، ويحفظ آية المواريث وأبو ذر ناسيها وهو وعاء ملئ علما بشهادة من أعلم الأمة باب مدينة علم النبي صلى الله عليهما وآلهما.
كان من العزيز على صلحاء الصحابة المنابأة بالفادح الجلل تسيير أبي ذر إلى الربذة لكرههم ذلك ونبوء سمعهم عنه، وكان الصحابي الصالح يسترجع مرارا لما قرع سمعه ذلك النبأ المزري، وكان يقول: ارتقبهم واصطبر، اللهم إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه، اللهم وإن اتهموه فإني لا أتهمه، اللهم وإن استغشوه فإني لا استغشه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتمنه حين لا يأتمن أحدا، ويسر إليه حين لا يسر إلى أحد (6).
ولعل الآلوسي يريد بمن ذكرهم من المتعرضين طغمة آل أمية المتخذين مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا، وكتابه دغلا، غير أنهم ما كانوا يجادلون بالقرآن وما كانوا يعرفون منه إلا ظاهرا من قوله تعالى: ولا تنس نصيبك من الدنيا.
وكانت مجادلته مجالدة بالحراب والعتاد، وكان قولهم في ذلك صخبا وجلبة، فتبعهم الآلوسي تحت جامع النزهة.
6 - حسبانه بأن خروجه إلى الربذة كان مللا منه من تعرض الناس وازدحامهم عليه مستغربين منه رأيه بعد أن استشار عثمان فأشار إليه بالذهاب إليها فسكن فيها حسبما يريد. وهذه أكذوبة أخرى فقد مر فيما تقدم إنه نفي إلى الربذة، ومنع الناس عن مشايعته، فلم يدن منه أحد إلا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وابناه الإمامان وعمار معهم، وما جرى بينهم وبين مروان، ثم ما جرى بين الإمام وبين عثمان، وما قال له مشايعوه من كلمات التسلية، وما قاله أبو ذر نفسه لمن زاره في الربذة، وقول عثمان لعمار: يا عاض أير أبيه! أتحسب أني ندمت من تسييره؟ إلى كلمات أخرى كلها صريحة في تسييره على صورة غير مرضية، ونقمة الصحابة جمعاء على من فعل به ذلك. وقد عرفت قبل هذه كلها إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك النفي والإخراج بالرغم من أشواق أبي ذر المحتدمة على جواره مرقد النبي الأعظم، فراجع تفاصيل هذه الجمل فيما تقدم من صحائف هذا الجزء، لكن الآلوسي أراد أن يخفف وطأة النقد على من والاه ورد النقمة عنه فصدر للقصة صورة خيالية، وحسب أن التنقيب لا يكشف عن عوارها، وليت اللجنة الحاكمة لم تتغافل عن إن هذه الجملة الأخيرة تنافي ما استشهدت به من كلام ابني كثير وحجر فقد اعترفا بأن خروج أبي ذر إلى الربذة كان تسييرا بلا اختيار منه غير أنهما حاولا الاعتذار عن قبل من ارتكب ذلك.
7 - قوله: هذا ما يعول عليه في هذه القصة. الخ. انظر إلى هذا الرجل كيف يحاول أن يغمط الحقائق الثابتة حسب ميوله وأهواءه، وهو يزعم أن الأمة ستتخذ ما لفقه أصلا متسبعا، فتمحو الكتب وتلقي الستار على صفحة التاريخ، وتحذف الأحاديث من مدوناتها وتضرب صفحا عن غير كتابه مما ثبت فيها كل ما نفاه هو كما قدمنا لك ذلك في أبحاثنا هذه؟ وقصارى القول إن العلماء في هذه المسألة فريقان: فقسم سرد تلكم الأحوال سردا تاريخيا أو أخرجها إخراج الحديث من غير تعرض لما لها أو عليها وقد عرفت هؤلاء، وفريق يعترف بكل ما هنالك غير إنه يعتذر عمن ارتكب هاتيك الأحوال بأنها كانت لحفظ أبهة الخلافة، وصيانة منصب الشريعة، وإقامة حرمة الدين (7) وليس أحد من هؤلاء من الشيعة حتى يجعل الآلوسي روايتهم غير معول عليها، وهل من الجائز أن لا يتفطن أعلام القوم وحفاظهم في كل تلكم القرون الخالية لما جاء به الآلوسي، وحسبوا أولئك ما روته الشيعة صحيحا وجعلوه من مطاعن عثمان المتسالم عليه عندهم، وجاءوا ينحتون له الأعذار في تبريره؟ وبعد هذه كلها فلا عذر للجنة الحاكمة في أن تعتمد على مثل هذه الكلمة التي مزيجها الكذب، وحشوها الأغلاط، والعوار مكتنف بها من شتى نواحيها، هذا حال الشاهد الأول الذي استشهدت به اللجنة الحاكمة.

الشاهد الثاني
أما شاهد اللجنة الثاني وهو ابن كثير، وما أدراك ما ابن كثير، وما أراك ما كتاباه في التفسير والتاريخ؟ مجاميع الفحش، وموسوعات البهت، وكراريس الدجل، ومن تدجيله هاهنا ما ادعاه من نسبة تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال إلى أبي ذر و إنه كان يفتي به ويحثهم عليه. الخ. على حين إنه لا يوجد لأبي ذر أي فتوى تصرح أو تلوح بذلك التحريم أو حث له على ذلك أو أمر به أو تغليظ فيه، غير ما لفقه الأفاكون في الأدوار المتأخرة من عزو مختلق، نعم: وربما يتخذ مصدرا لهذه الأفائك ما شوه به الطبري صحيفة تاريخه من مكاتبة السري الكذاب من طريق شعيب المجهول عن سيف الساقط المتهم بالزندقة، الذين عرفت موقفهم من الدين والصدق والأمانة وعرفت حال روايتهم خاصة في ص 328326، وغير خاف ذلك على مثل ابن كثير و من لف لفه، لكنهم نبذوا الرجل نبذة ليسقطوه عن محله، ويسقطوا آرائه عن الاعتبار فتشبثوا بالحشيش كالغريق، لكنهم خابوا وفشلوا، وإنما المأثور عنه تلاوة الآية الكريمة، ونقل السنة الواردة عن نبي الاسلام في اكتناز الذهب والفضة، وأما الآية الكريمة فقد عرفت مقدار دلالتها وإن الخلاف لواقع بين أبي ذر ومعاوية إنما هو بالنسبة إلى نزولها دون المفاد، وإنه لو صحت النسبة لوجب قذفهما معا أو تبرئتهما معا.
علي أن لأبي ذر في ما ادعاه من شأن الآية مصافقون فروى ابن كثير نفسه عن ابن عباس: إنها عامة. وعن السدي أنه قال: هي في أهل القبلة. فهو أيضا يوافقه في الجملة.
وفي تفسير الخازن 2: 232: قال ابن عباس والسدي: نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين، وقال القرطبي في تفسيره 8: 123: قال أبو ذر وغيره: المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين، وهو الصحيح لأنه لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال: و يكنزون بغير " والذين " فلما قال: " والذين " فقد استأنف معنى آخر يبين إنه عطف جملة على جملة، فالذين يكنزون كلام مستأنف وهو رفع على الابتداء، قال السدي: على أهل القبلة.
وقال الزمخشري في الكشاف 2: 31: ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين. وقال البيضاوي في تفسيره 1: 499: ويجوز أن يراد به المسلمون الذين يجمعون المال ويقتنونه ولا يؤدون حقه. وقال الشوكاني في تفسيره 2: 339: والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك. وقال الآلوسي في تفسيره 10: 87: والمراد من الموصول إما الكثير من الأحبار والرهبان، وإما المسلمون وهو الأنسب لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله.
فرأي أبي ذر أخذا بمجاميع هذه الكلمات هو الصحيح والأنسب والأولى، وما تفرد به بل ذهب إليه آخرون، فلماذا لا يقذفون هؤلاء بما قذف به أبو ذر، وهل لأبي ذر حساب آخر يسوغ الفرية عليه دون أولئك؟ نعم. نعم.
وأما السنة فقد روى نظير ما رواه غير واحد من الصحابة، لكن القوم لم يضمروا على أحد منهم من الحقد ما أضمروه على أبي ذر لمكان رأيه في الإمامة منذ الصدر الأول، ونزعته العلوية التي لم يزل مجاهرا بها، ومناوئته للبيت الأموي، فحاولوا تشويه ذكره وتفنيد رأيه بكل ما تيسر لهم، فمن أولئك الصحابة:
1 - عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وآله على بلال وعنده صبرة من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: أعد ذلك لأضيافك. قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟ أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إجلالا.
رواه البزاز بإسناد حسن والطبراني في الكبير وقال: أما تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم؟.
2 - أبو هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله عاد بلال فأخرج له صبرا من تمر فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: ادخرته لك يا رسول الله! قال: أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنم؟ أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا.
رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن.
3 - أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا توكي فيوكا عليك. وفي رواية: أنفقي، أو أنفحي، أو أنضحي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك. رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
4 - بلال مرفوعا: يا بلال! مت فقيرا ولا تمت غنيا، قلت: وكيف لي بذلك؟ قال ما رزقت فلا تخبأ، وما سئلت فلا تمنع. فقلت: يا رسول الله! وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النار.
رواه الطبراني في الكبير، وابن حبان في كتاب الثواب، والحاكم وصححه.
5 - أنس بن مالك قال أهديت للنبي ثلاث طوائر فأعطى خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد، فإن الله يأتي برزق غد. رواه أبو يعلى والبيهقي ورجال أبي يعلى ثقات.
6 - أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدخر شيئا لغد.
رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي.
7 - سمرة بن جندب مرفوعا: إني لألج هذه الغرفة ما ألجها خشية أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن.
8 - أبو سعيد الخدري مرفوعا: ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة و عندي منه شئ إلا شئ أعده للدين.
رواه البزار وهو إسناد حسن وله شواهد كثيرة.
9 - أبو أمامة: إن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يوجد له كفن فأتي النبي صلى الله عليه وآله فقال: انظروا إلى داخلة إزاره فأصيب دينار أو ديناران فقال: كيتان
10 - توفي رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كية. ثم توفي آخر فوجد في مئزرة ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيتان.
رواه أحمد والطبراني من عدة طرق، وابن حبان في صحيحه من طريق عبد الله ابن مسعود.
11 - سلمة بن الأكوع قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير. فقال باصبعه: ثلاث كيات.
أخرجه أحمد بإسناد جيد وابن حبان في صحيحه باللفظ المذكور والبخاري نحوه
12 - أبو هريرة: إن أعرابيا غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر فأصابه من سهمه ديناران فأخذهما الأعرابي فجعلهما في عباءة فخيط عليهما ولف عليهما، فمات الأعرابي فوجد الديناران فذكر ذلك لرسول الله فقال: كيتان.
رواه أحمد وإسناد حسن لا بأس به.
هذه جملة من تلكم الأحاديث، وقد جمعها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 1: 253 258.
13 - أخرج أحمد في مسنده 1: 300 من طريق ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى أحد فقال: والذي نفس محمد بيده ما يسرني إن أحدا يحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت ادع منه دينارين إلا دينارين أعدهما للدين إن كان.
14 - أخرج ابن كثير نفسه في تفسيره 2: 352 من طريق عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غير لا يكون عبد يكنز فيمس دينار دينارا ولا درهم درهما ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته.
رواه سفيان عن عبد الله بن عمر بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود، ورواه ابن مردويه عن أبي هريرة.
15 - حكى ابن كثير عن أبي جعفر ابن جرير الطبري من طريق ثوبان مرفوعا: من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك. ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعها سائر جسده. قال: ورواه ابن حبان في صحيحه.
16 - ونقل في ص 353 عن ابن أبي حاتم بإسناده من طريق ثوبان مرفوعا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه.
17 - وذكر عن أبي يعلى بالإسناد من طريق أبي هريرة مرفوعا: لا يوضع الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم، ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
18 - أخرج أحمد من طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: حدثني صاحب لي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تبا للذهب والفضة وقال: إنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! قولك: تبا للذهب والفضة. ماذا ندخر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين على الآخرة. تفسير ابن كثير 2: 351.
19 - أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: لما نزلت في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقال: يا رسول الله! أي المال نتخذ؟
قال: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة تعين أحدكم على أمر الآخرة.
20 - وقبل هذه كلها ما أخرجه إمام الحنابلة أحمد في مسنده 1: 62 من طريق عثمان بن عفان من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كل شئ سوى ظل بيت، وجلف الخبز، وثوب يواري عورته والماء، فما فضل عن هذا فليس لابن آدم فيهن حق. وأخرجه أبو نعم في حلية الأولياء 1: 61.
هذه الأحاديث أخرجها أئمة الفقه وحفاظ الحديث وأعلام التفسير في تآليفهم محتجين بها لما ارتأوه من الترغيب إلى الزهد والتطوع بالانفاق، والترهيب عن الاكتناز والادخار، ولم يتكلم أحد منهم في راو من رواتها، وما أتهم أي منهم بما اتهم به أبو ذر، فإن كان للتأويل والحمل على معنى صحيح فيها مجال فهي وما رواه أبو ذر على شرع سواءا فأي وازع عن تأويل ما جاء به أبو ذر؟ ولماذا رشقوه بين أولئك الصحابة بنبال القذف؟ مع أن أبا ذر لم يكن هتافه ذلك للدعوة إلى تهذيب النفس بالزهادة في حطام الدنيا والفوز بمراتب الكمال، وإنما كان نكيره على أمة اتخذت كنوزا مكدسة من الذهب والفضة على غير وجه حلها كما فصلنا القول في ذلك تفصيلا.
وإذ لم يجد ابن كثير شاهدا قويما لما ادعاه من أقوال أبي ذر تشبث بعمله فقال: وقد أحضره رضي الله عنه وهو عنده هل يوافق عمله قوله فبعث إليه بألف دينار ففرقها من يومه ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال: إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب فقال: ويحك إنها خرجت ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.
وليس فيه إلا زهد أبي ذر المهلك سبده ولبده، ولم يكن عمله هذا عن فتوى و لا إيجاب، وإنما كان تطوعا ومبالغة في الزهادة والجود، وقد سبقه إلى ذلك سيد البشر صلى الله عليه وآله، عاش صلى الله عليه وآله كما عرفت ومات ولم دع دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا، وترك درعه رهنا عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير (8) وحذا حذوه آله سلام الله عليهم الذين كانوا يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (9) الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون (10) الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية (11) وقد خرج الإمام السبط الحسن الزكي من ماله مرتين، وقاسم الله عز وجل ماله ثلاث مرارا حتى أن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفا ويمسك خفا (12)
وما أكثر الزهاد أمثال أبي ذر في أمة محمد صلى الله عليه وآله وقد أفنت الزهادة كل مالهم من ثمة ورمة وقد عد ذلك في الجميع فضيلة يذكرون بها ويشكرون عليها إلا في أبي ذر شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة فاتخذوه مدركا لتلك الفتوى المزعومة غفرانك اللهم وإليك المصير.

استشهاد اللجنة بكلمة ابن حجر
أما الشاهد الثالث (ابن حجر) فليت اللجنة الحاكمة لم تلخص كلامه ففيما سرده في فتح الباري 3: 213 ما لا يلائم خطة اللجنة ففيه من أعلام النبوة ما قدمنا ذكره من عهد النبي صلى الله عليه وآله بذلك النفي والإخراج في سياق يؤدي أن أبا ذر سيكون مضطهدا في ذلك مظلوما، ويؤكد هذا السياق ما أسلفناه من قوله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر! أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعد. قال: في الله؟ فقال صلى الله عليه وآله: في الله. قال: مرحبا بأمر الله. وما كان في الله وبعين الله ويعرف صلى الله عليه وآله صاحبه بالصلاح، ويراه في هديه ونسكه وزهده شبيه نبي معصوم كعيسى سلام الله عليه، ويأمره بالصبر لا يكون فاسدا ولا تترتب عليه مفسدة، إذن فلا أدري أين يكون مقيل نظرية ابن حجر الملخصة عند اللجنة من الصدق؟
ومما ذكره ابن حجر في فتح الباري ما حكاه عن بعض أعلام قومه: الصحيح أن إنكار أبي ذر كان على سلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه.
نعم هذا هو الصحيح كما قدمناه في صفحة 335 ويعرفه كل من سبر التاريخ و الحديث. إذن فليس من المتسالم عليه ما حاوله ابن حجر في ملخص قوله وتحرته اللجنة في حكمها والاستشهاد بكلامه، مثل هذا الأساس لا تبنى عليه برهنة، ولا يصح به حكم لأي إنسان أو عليه لكن ابن حجر قال، والجنة حكمت، والقوة نفذت ذلك الحكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هؤلاء شهود اللجنة الحاكمة، وقد اختبرت أنت أيها القارئ حالهم ومقالهم، إذن فما ظنك بما ابتنوه على ذلك من شفا جرف هار؟ نحن أعلم بما يقولون، وما أنت عليهم بجبار، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد.
هاهنا أكرر مخاطبة اللجنة بأن دليلها في إثبات شيوعية أبي ذر غيرنا ناهضة لإثبات ما ترتأيه لأن نظرية أبي ذر على ما ادعته هي وجوب إنفاق ما فضل عن حاجة الانسان، ومقتضاه أنه يملك التصرف في قدر الحاجة، والشيوعي لا يقول بذلك وإنما يحاول إلغاء الملكية رأسا، ثم إن الحكومة الشيوعية تدر عليه قدر الحاجة أو بمقدار العمل صونا لحياته فهو كالأجير عندها يقتات بما يعمل أو كعائلتها تسد عيلتها بمقدار خلتها، على ما قدمناه من أن رأي أبي ذر لا يستوعب المال كله وإنما يريد الإخراجات الواجبة وما تدعو إليه العاطفة البشرية والمروءات من الأعطيات المندوبة، فاللجنة لم تعط النصفة حقها في إسناد ما أسندته إلى أبي ذر، كما إنها لم تؤد حق الرد على الشيوعية الممقوتة، فهي مائنة فيما تقول خبريا أو مخبريا، وجائرة في حكمها من حيث لا تشعر.
كان حقا علينا أن ننظر في بقية الكلمات المقولة في شيوعية أبي ذر على وجه.
التفصيل ككلمة الخضري في المحاضرات 2: 36، 37. و عبد الحميد بك العبادي عميد كلية الآداب في (صور من التاريخ الاسلامي) ص 13109 تحت عنوان (أبو ذر الغفاري). و
أحمد أمين في فجر إسلامه 1: 136. و
محمد أحمد جاد المولى بك في " إنصاف عثمان " ص 41 - 45. و
صادق إبراهيم عرجون في " إنصاف عثمان " ص 35. و
عبد الوهاب النجار في " الخلفاء الراشدون " ص 317.
ومن حذا حذوهم ممن اقتحم معارك التاريخ والأبحاث الخطرة من دون منة علمية تنقذهم من القحمة وصرعة الاسترسال التي لا تستقال، لكنهم لم يألوا بأكثر مما فندناه غير ما ذكره بعضهم (13) من أن أبا ذر أخذ المبدأ الشيوعي من عبد الله بن سبا إستنادا إلى رواية الطبري السابقة في ص 326 عن السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي، وقد عرفناك هنالك ما في رجالها من أفاك وضاع، أو معتد أثيم، أو ضعيف متفق على ضعفه، أو مجهول لا يعرف، وما في متنها من ملامح الكذب وآثار الافتعال.
على أن عبد الله بن سبا المعروف باليهودية والافساد وتفريق كلمة المسلمين الذي عزوا إليه ثورة المصريين، وإنه يمم الحواضر الإسلامية لإلقاح الفتن وإثارة الملأ على خليفة الوقت، وبث تلكم المبادئ التعيسة، لم ينظر إليه رامق شزرا، ولا وقع عليه قبض من سلطات الوقت، ولا أصابه نفي عن الأوساط الدينية، وقد ترك يلهو ويلعب كما تشاء له الميول والشهوات، لكن النقمات كلها توجهت على الأبرار من صحابة محمد صلى الله عليه وآله والتابعين لهم بإحسان كأبي ذر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، ومالك بن الحارث الأشتر، وزيد وصعصعة ابني صوحان، وجندب بن زهير، وكعب بن عبدة الناسك، ويزيد الأرحبي العظيم عند الناس، وعامر بن قيس الزاهد الناسك، وعمرو بن الحمق المعروف بدعاء النبي صلى الله عليه وآله له، وعروة البارقي الصحابي الجليل، وكميل بن زياد الثقة الأمين، والحارث الهمداني الفقيه الثقة (14) فمن منفي هلك في تسييره، إلى مضروب كسرت أضالعه، إلى مهان توجهت إليه لسبات الألسن.
وقبل هؤلاء مولانا أمير المؤمنين صالح الأمة، يراه عثمان أحق بالنفي من أولئك كما يأتي حديثه، وأخرجه إلى ينبع مرة بعد أخرى ليقل هتاف الناس باسمه للخلافة، وقال لابن عباس: اكفني ابن عمك. وقال ابن عباس: ابن عمي ليس بالرجل يرى له ولكنه يرى لنفسه فأرسلني إليه بما أحببت. قال: قل له: فليخرج إلى ماله بالينبع فلا اغتم به ولا يغتم بي. فأتى عليا فأخبره فقال: ما اتخذني عثمان إلا ناضحا ثم أنشد يقول:
فكيف به إني أدواي جراحه * فيدوى فلا مل الدواء ولا الداء
وقال: يا ابن عباس! ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحا بالغرب (15) أقبل وأدبر بعث إلي أن أخرج، ثم بعث إلي أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إلي أن أخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثما. (16)
فهلا كان ابن سبا وأصحابه بمرأى من الخليفة ومسمع وقد طغوا في البلاد و أكثروا فيها الفساد؟ وكيف بهضة أمر أولئك الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ولا يهمه قمع تلكم الجرثومة الخبيثة باجتثاث أصلها؟ بإعدام عبد الله بن سبا، أو صلبه على جذوع النخل، أو قطع يده ورجله من خلاف، أو نفيه من الأرض.
هلا كان واجب الخليفة أن يشاور صلحاء الصحابة في الرجل الضال المضل بدل ما شاور أبناء بيته الساقط في أبي ذر العظيم بقوله القارص: أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب إما أن اضربه أو أحبسه أو اقتله، فإنه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الاسلام؟ (17)
نعم: كان عبد الله بن سبا من جراثيم العيث والفساد، وجذوم الكفر والالحاد، ولم يفتأ يتقلب بين المسلمين بنواياه السيئة وإن لم يثبت عنه المبدأ الشيوعي قط، ولا إثارة الثائرين على عثمان إلا بمكتوبة السري عن شعيب عن سيف المكذوبة الساقطة التي لا قيمة لها في سوق الاعتبار (18) فإن المسلمين خصوصا الثائرين على عثمان والمتجمهرين عليه وهم جل الصحابة لو لم نقل كلهم (كما يأتي تفصيله في الجزء التاسع بإذن الله) و خصوصا من لاث بمولانا أمير المؤمنين من علية الصحابة كأبي ذر وعمار ومالك الأشتر وابني صوحان وأمثالهم ما كان يقيمون وزنا لنعرات أي ابن انثى تجاه ما اتخذوه من مستقى الوحي فضلا عن مثل ابن سبا المعروف عندهم ملكاته ونزعاته في أمسه ويومه ذاك، فأنى يصيخون إلى ماله من هلجة وهم رجال الفكرة الصالحة في المجتمع الديني ولم يثبت التاريخ الصحيح اتصال أحد منهم بهذا الرجل فضلا عن تأثيره في نفسياتهم وإثارة الفتن في المجتمع الديني بأيديهم، وهلا كان خليفة الوقت أراح المسلمين من شره بتشتيت شمله وتمزيق جمعه؟ كما فعله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فقطع عن أديم الأرض أصول تلك النزعات الوبيلة بإلقاء الدخان على حامليها كما مر في الجزء السابع ص 156 ط 2، وذكره ابن حزم في الفصل 4: 186.
____________
(1) ممن أسلفنا ذكرهم في الجزء السابع ص 105، 106 ط 2.
(2) راجع في كل ذلك صفحة 316312 من هذا الجزء.
(3) راجع ص 311 من هذا الجزء.
(4) راجع ص 312 314 من هذا الجزء.
(5) راجع فتح الباري لابن حجر، وإرشاد الساري للقسطلاني، وعمدة القاري للعيني.
(6) راجع من هذا الجزء صفحة 315.
(7) راجع الرياض النضرة 2: 146، الصواعق ص 68، تاريخ الخميس 2:
(8) طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 836، 837، مسند أحمد 1: 300، تاريخ الخطيب البغدادي 4: 396.
(9) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث 107 111 ط 2.
(10) راجع ما فصلناه في الجزء الثاني ص 47، 52، ج 3: 163155 ط 2.
(11) نزلت في أمير المؤمنين كما مر في هذا الجزء. ص 54.
(12) حلية الأولياء 2: 38، صفة الصفوة 1: 330، الصواعق ص 82.
(13) كالخصري وأحمد أمين.
(14) سيوافيك حديث أمرهم في الجزء التاسع بإذن الله تعالى.
(15) نضح الجمل حمله من بئر أو نهر ليسقى به الزرع فهو ناضح. والغرب بالفتح فسكون: الدلو العظيمة، والكلام تمثيل للتسخير.
(16) نهج البلاغة 1: 468، العقد الفريد 2: 274.
(17) راجع ما مر ص 298، 306 من هذا الجزء.
(18) راجع ص 328326 من هذا الجزء.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page