• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الغلو في فضايل عثمان : 43 - تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام

روى البلاذري عن عباس بن هشام بن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال: لما عزل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها، فكان يجالس قراءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان، وحرقوص بن زهير السعدي، وجندب بن زهير الأزدي، وشريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر العبسي، وكعب ابن عبدة النهدي، وكان يقال لعبدة بن سعد بن ذو الحبكة -، وكان كعب ناسكا وهو الذي قتله بسر بن أرطاة بتثليث - وعدي بن حاتم الجواد الطائي ويكنى أبا طريف، وكدام بن حضري بن عامر، ومالك بن حبيب بن خراش، وقيس بن عطارد بن حاجب، وزياد بن خصفة بن ثقف، ويزيد بن قيس الأرحبي، وغيرهم فإنهم لعنده وقد صلوا العصر إذ تذاكروا السواد والجبل ففضلوا السواد وقالوا: هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل، وكان حسان بن محدوج الذهلي الذي ابتدأ الكلام في ذلك فقال عبد الرحمن بن خنيس الأسدي صاحب شرطة: لوددت أنه للأمير وأن لكم أفضل منه. فقال له الأشتر: تمن للأمير أفضل منه ولا تمن له أموالنا. فقال عبد الرحمن: ما يضرك من تمني حتى تزوي ما بين عينيك فوالله لو شاء كان له. فقال الأشتر: والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد وقال: إنما السواد بستان لقريش. فقال الأشتر: أتجعل مراكز رماحنا وما أفاء الله علينا بستانا لك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه. ووثب بابن خنيس فأخذته الأيدي.
فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال: إني لا أملك من الكوفة مع الأشتر وأصحابه الذين يدعون القراء وهم السفهاء شيئا. فكتب إليه أن سيرهم إلى الشام.
وكتب إلى الأشتر: إني لأراك تضمر شيئا لو أظهرته لحل دمك وما أظنك منتهيا حتى يصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فإذا أتاك كتابي هذا فسر إلى الشام لإفسادك من قبلك وإنك لا تألوهم خبالا. فسير سعيد الأشتر ومن كان وثب مع الأشتر وهم: زيد و صعصعة ابنا صوحان، وعائذ من حملة الطهوي من بني تميم، وكميل بن زياد النخعي، وجندب بن زهير الأزدي، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، ويزيد بن المكفف النخعي، وثابت بن قيس بن المنقع النخعي، وأصعر (1) بن قيس بن الحارث الحارثي فخرج المسيرون من قراء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرهم معاوية وأكرمهم، ثم إنه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا فحبسه معاوية فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدن من يمنعه. فأمر بحبس عمرو فتكلم سائر القوم فقالوا: أحسن جوارنا يا معاوية! ثم سكتوا فقال معاوية: مالكم لا تكلمون فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالكلام؟ لئن كنا ظالمين فنحن نتوب إلى الله، وإن كنا مظلومين فإنا نسأل الله العافية. فقال معاوية: يا أبا عائشة! أنت رجل صدق. وأذن له في اللحاق بالكوفة، وكتب إلى سعد بن العاص: أما بعد: فإني قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير إلى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه فأحسن جواره وكف الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودك، فإنه قد أعطاني موثقا أن لا ترى منه مكروها. فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.
وبلغ معاوية أن قوما من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه فكتب إلى عثمان:
إنك بعثت إلي قوما أفسدوا مصرهم وأنغلوه، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي و يعلموهم ما لا يحسنونه حتى تعود سلامتهم غائلة، واستقامتهم اعوجاجا.
فكتب إلى معاوية يأمره أن يسيرهم إلى حمص، ففعل وكان واليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، ويقال: إن عثمان كتب في ردهم إلى الكوفة فضج منهم سعيد ثانية فكتب في تسييرهم إلى حمص فنزلوا الساحل.  الأنساب 5: 39 - 43.

صورة مفصلة
إن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الصحابة من تأمير بني أمية ولا سيما الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين، وإخراج مال الفئ إليهم وما جرى في أمر عمار وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته، ثم اتفق أن الوليد بن عقبة لما كان عاملا على الكوفة وشهد عليه بشرب الخمر صرفه، وولى سعيد بن العاص مكانه فقدم سعيد الكوفة واستخلص من أهلها قوما يسمرون عنده فقال سعيد يوما: إن السواد بستان لقريش وبني أمية، فقال الأشتر النخغي: وتزعم إن السواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك ولقومك؟ فقال صاحب شرطته: أترد على الأمير مقالته؟ وأغلظ له، فقال الأشتر لمن حوله من النخع وغيرهم - 2 -.
من أشراف الكوفة: ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأ عنيفا وجروا برجله، فغلظ ذلك على سعيد وأبعد سماره، فلم يأذن بعد لهم فجعلوا يشتمون سعيدا في مجالسهم ثم تعدوا ذلك إلى شتم عثمان، واجتمع إليهم ناس كثيرا حتى غلظ أمرهم فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيرهم إلى الشام لئلا يفسدوا أهل الكوفة وكتب إلى معاوية وهو والي الشام: إن نفرا من أهل الكوفة قد هموا بإثارة الفتنة وقد سيرتهم، إليك، فانههم فإن آنست منهم رشدا فأحسن إليهم وارددهم إلى بلادهم.
فلما قدموا على معاوية، وكانوا: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم جمعهم يوما وقال لهم:
إنكم قوم من العرب ذووا أسنان وألسنة وقد أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مواريثهم، وقد بلغني أنكم ذممتم قريشا، ونقمتم على الولاة منها، ولولا قريش لكنتم أذلة إن أئمتكم لكم جنة فلا تفرقوا عن جنتكم، إن أئمتكم ليصبرون على الجور ويحتملون فيكم العتاب، والله لتنتهين أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر ثم تكون شركاؤهم فيما جررتم عليه الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية، وإن غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.
فقال معاوية: إنك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلا وقد عرفتكم الآن، وعلمت أن الذي أغراكم قلة العقول، أعظم عليكم أمر الاسلام فتذكروني الجاهلية، أخزى الله قوما عظموا أمركم، إفقهوا عني ولا أظنكم تفقهون: إن قريشا لم تعز في جاهلية ولا في الاسلام إلا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا، وأمحضهم أنسابا، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس تأكل بعضهم بعضا إلا بالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا؟ إلا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحابا، وكان خيارهم قريشا، ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصح الأمر إلا بهم، وقد كان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟ أف لك ولأصحابك، أما أنت يا صعصعة!
فإن قريتك شر القرى، أنتنها نبتا، وأعمقها واديا، وألأمها جيرانا، وأعرفها بالشر، لم يسكنها شريف قط، ولا وضيع إلا شب بها نزاع الأمم وعبيد فارس، وأنت شر قومك أحين أبرزك الاسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا، وتنزع إلى الغواية؟ إنه لن يضر ذلك قريشا ولا يضعهم ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم لغير غافل، قد عرفكم بالشر فأغراكم بالناس، وهو صارعكم وإنكم لا تدركون بالشر أمرا إلا فتح عليكم شر منه وأخزى، قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم، لا ينفع الله بكم أحدا أبدا ولا يضره، ولستم برجال منفعة ولا مضرة، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا نبطرنكم النعمة، فإن البطر لا يجر خيرا، اذهبوا حيث شئتم، فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم.
وكتب إلى عثمان: إنه قدم علي قوم ليست لهم عقول ولا أديان، أضجرهم العدل لا يريدون الله بشئ، ولا يتكلمون بحجة، إنما هممهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم، وليسوا الأكثر ممن له شعب ونكير. ثم أخرجهم من الشام.
وروى الحسن المدائني: إنه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم، وإن معاوية قال لهم في جملة ما قاله: إن قريشا قد عرفت إن أبا سفيان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه صلى الله عليه وآله فإنه انتجبه وأكرمه، و لو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا حلماء.
فقال له صعصعة بن صوحان: كذبت، قد ولدهم خير من أبي سفيان، من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له، فكان فيهم البر والفاجر والكيس والأحمق.
قال: ومن المجالس التي دارت بينهم: إن معاوية قال لهم: أيها القوم ردوا خيرا واسكنوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين فاطلبوه وأطيعوني.
فقال له صعصعة: لست بأهل لذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال: إن أول كلام ابتدأت به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
فقال صعصعة: بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: إن كنت فعلت فإني الآن أتوب وآمركم بتقوى الله وطاعته ولزوم الجماعة وأن توقروا أئمتكم وتطيعوهم.
فقال صعصعة: إذا كنت تبت فإنا نأمرك أن تعتزل أمرك فإن في المسلمين من هو أحق به منك ممن كان أبوه أحسن أثرا في الاسلام من أبيك، وهو أحسن قدما في الاسلام منك.
فقال معاوية: إن لي في الاسلام لقدما وإن كان غيري أحسن قدما مني لكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطاب، فلو كان غيري أقوى مني لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري، ولا حدث ما ينبغي له أن أعتزل عملي، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلي فاعتزلت عمله، ولو قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلا وهو خير، فمهلا فإن في دون ما أنتم فيه، ما يأمر في الشيطان وينهى، ولعمري لو كانت الأمور تقضي على رأيكم وأهوائكم ما استقامت الأمور لأهل الاسلام يوما وليلة، فعودوا الخير وقولوه. فقالوا: لست لذلك أهلا. فقال:
أما والله إن لله لسطوات ونقمات وإني لخائف عليكم أن تتبايعوا إلى مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن فيحلكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل.
فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته فقال: مه، إن هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه بعضا، ثم قام من عندهم فقال: والله لا أدخل عليكم مدخلا ما بقيت وكتب إلى عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإنك بعثت إلي أقواما يتكلمون بألسنة الشياطين وما يملون عليهم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون على الناس، وليس كل الناس يعلم ما يريدون، وإنما يريدون فرقة، ويقربون فتنة، قد أثقلهم الاسلام وأضجرهم، و تمكنت رقى الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا كثيرا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة، ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم و فجورهم فارددهم إلى مصرهم، فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسلام.
فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة فردهم إليه فلم يكونوا إلا أطلق ألسنة منهم حين رجعوا، وكتب سعيد إلى عثمان بضج منهم، فكتب عثمان إلى سعيد أن سيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أميرا على حمص وهم: الأشتر، وثابت بن قيس الهمداني (2) وكميل بن زياد النخعي، وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة، وجندب بن زهير الغامدي، وحبيب بن كعب الأزدي، وعروة ابن الجعد (3) وعمرو بن الحمق الخزاعي.
وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه: أما بعد: فإني قد سيرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنكم لستم تألون الاسلام وأهله شرا. والسلام.
فلما قرأ الأشتر الكتاب قال: أللهم أسوأنا نظرا للرعية، وأعملنا فيهم بالمعصية فعجل له النقمة. فكتب بذلك سعيد إلى عثمان، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقا.
وروى الواقدي: إن عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أياما وفرض لهم طعاما ثم قال لهم: يا بني الشيطان! لا مرحبا بكم ولا أهلا، قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد في بساط ضلالكم وغيكم، جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم، يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم، أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد، أنا ابن من عجمته العاجمات، أنا ابن فاقئ عين الردة، والله يا ابن صوحان! لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى إن بلغني أن أحدا ممن معي دق أنفك فاقتنعت رأسك، قال:
فأقاموا عنده شهرا كلما ركب أمشاهم معه ويقول لصعصعة: يا ابن الخطية! إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر، مالك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون: نتوب إلى الله، أقلنا أقالك الله، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال: تاب الله عليكم. فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردهم إلى الكوفة.
تاريخ الطبري 5: 88 - 90، الكامل لابن الأثير 3: 57 - 60، شرح ابن أبي الحديد 1: 158 - 160 ورأى هذه الصورة أصح ما ذكر في القضية، تاريخ ابن خلدون 2: 387 - 389، تاريخ أبي الفدا ج 1: 168 في حوادث سنة 33.
قال الأميني: كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع من أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من منفي إلى منفى، والاصاخة إلى سعاية ذلك الشاب المستهتر والله سبحانه يقول: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (4) وكان على الخليفة أن يبعث إليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرط في جنب أولياء الله بتسميته إياهم السفهاء وهم قراء المصر، وزعماء الملأ، ونساك القطر، وفقهاء القارة، وهم القدوة في التقوى والنسك، وبهم الأسوة في الفقه والأخلاق، ولم يكن عليهم إلا عدم التنازل لميول ذلك الغلام الزائف، وعدم مماشاتهم إياه على شهواته ومزاعمه، وهلا أستشف الخليفة حقيقة ما شجر بينه وبين القوم حتى يحكم فيه بالحق، لكنه بدل أن يتخذ تلكم الطريقة المثلى في القضية استهواه ذلك الشاب المترف فمال إليه بكله، ونال من القوم ما نال، وأوقع بهم ما حبذه له الحب والمعمي والمصم، لكن الدين وملأه أنكرا ذلك عليه وحفظه التاريخ مما نقم به على عثمان.
كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لاعن حلم، وخشونة لا يستمر عليها، كل ذلك لم يكن لنصرة حق أو ابتغاء إصلاح، وإنما كان يكاشفهم جلبا لمرضاة الخليفة، ويوادعهم لما كان يدور في خلده من هوى الخلافة غدا، وكان يعرف القوم بالشدة والمتبوعية، فما كان يروقه قطع خط الرجعة بينه وبينهم متى تسنى له الحصول على غايته المتوخاة، وكانت هذه الخواطر لا تبارحه، ولا يزال هو يعد الدقائق والثواني للتوصل إليها، وكان أحب الأشياء إليه اكتساح العراقيل دونها، ولذلك أطلق سراح القوم وتثبط عن النهضة لنصرة عثمان لما استنصره (كما سيأتي تفصيله) حتى قتل و معاوية في الخاذلين له.
وأما ابن خالد فقد مجرى أبيه في الفظاظة والغلظة، فلم يعاملهم إلا بالرعونة ولم يجاملهم إلا بالقسوة، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
وهاهنا نوقفك على نبذ من أحوال من يهمك الوقوف على حياته الثمينة من أولئك الرجال المنفيين الأبرار، حتى تعلم أن ما تقولوه فيهم وفعلوه بهم في منتأى عنهم، وإنما كان ذلك ظلما وعدوانا، وتعلم أن ابن حجر مائن فيما يصف به الأشتر من المروق (5) غير مصيب في قذفه، متجانف للإثم في الدفاع عن عثمان بقوله: إن المجتهد لا يعترض عليه في أموره الاجتهادية، لكن أولئك الملاعين المعترضون لا فهم لهم بل ولا عقل (6).

الأشتر
1 - مالك بن الحارث الأشتر، أدرك النبي الأعظم وقد أثنى عليه كل من ذكره، ولم أجد أحدا يغمز فيه، وثقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يحمل عدم رواية أي إمام عنه على تضعيفه، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب 10: 12: قال مهنا: سألت أحمد عن الأشتر يروي عنه الحديث؟ قال: لا. قال: ولم يرد أحمد بذلك تضعيفه، وإنما نفى أن تكون له رواية. وكفاه فضلا ومنعة كلمات مولانا أمير المؤمنين في الثناء عليه في حياته وبعد المنون، وإليك بعض ما جاء في ذلك البطل العظيم:
1 - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين كتبه إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر:
أما بعد: فقد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الفجار من حريق النار. و هو: مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله، لا كليل الظبة (7) ولا نابي الضريبة، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم، ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشد شكيمته على عدوكم. إلخ.
تاريخ الطبري 9: 55، نهج البلاغة 2: 61، شرح ابن أبي الحديد 2: 30.

صورة أخرى
رواها الشعبي من طريق صعصعة بن صوحان.
أما بعد: فإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر، لا ناكل من قدم، ولا واه في عزم، من أشد عباد الله بأسا، وأكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النار، وأبعد الناس من دنس أو عار، وهو: مالك بن الحرث الأشتر، حسام صارم، لا نابي الضريبة، ولا كليل الحد، حكيم في السلم، رزين في الحرب، ذو رأي أصيل، وصبر جميل، فاسمعوا له وأطيعوا أمره، فإن أمركم بالنفر فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به نفسي نصيحة لكم، وشدة شكيمته على عدوكم. إلخ (8).
2 - من كتاب للمولى أمير المؤمنين كتبه إلى أميرين من أمراء جيشه.
وقد أمرت عليكما وعلى من في حيز كما مالك بن الحارث الأشتر، فاسمعا له وأطيعا واجعلاه درعا ومجنا، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل.
قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 417: فأما ثناء أمير المؤمنين عليه السلام عليه في هذا الفصل فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري كان الأشتر أهلا لذلك، كان شديد البأس جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق، ومن كلام عمر: إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف، ولين في غير ضعف. ا هـ.
3 - من كتاب كتبه مولانا أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر يذكر فيه الأشتر فيقول:
إن الرجل الذي كنت وليته مصر كان لنا نصيحا، وعلى عدونا شديدا، وقد استكمل أيامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون، فرضي الله عنه، وضاعف له الثواب، وأحسن له المآب.
تاريخ الطبري 6: 55، نهج البلاغة 2: 59، الكامل لابن الأثير 3: 153، شرح ابن أبي الحديد 2: 30.
4 - لما بلغ عليا (أمير المؤمنين) موت الأشتر قال: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين،. أللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر. ثم قال: رحم الله مالكا فقد كان وفى بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها من أعظم المصائب، قال المغيرة الضبي: لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر (9).
5 - عن جماعة من أشياخ النخع قالوا: دخلنا على علي أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف و يتأسف عليه ثم قال: لله در مالك، وما مالك؟ لو كان من جبل لكان فندا (10)، ولو كان من حجر لكان صلدا، أما والله ليهدن موتك عالما، وليفرحن عالما، على مثل مالك فليبك البواكي، وهل موجود كما لك؟.
وقال علقمة بن قيس النخعي: فما زال على يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب دوننا، وعرف ذلك في وجهه أياما.
وفي لفظ الشريف الرضي والزبيدي: لو كان جبلا لكان فندا، لا يرتقيه حافر، ولا يوفى عليه الطائر.
نهج البلاغة 2: 239، شرح ابن أبي الحديد 2: 30، لسان العرب 4: 336، الكامل لابن الأثير 3: 153، تاج العروس 2: 454.
6 - قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 416: كان فارسا شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها، شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام و نصره وقال فيه بعد موته: رحم الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 - دس معاوية بن أبي سفيان للأشتر مولى عمر فسقاه شربة سويق فيها سم فمات فلما بلغ معاوية موته قام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد: فإنه كانت لعلي بن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر، و قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر. تاريخ الطبري 6: 255، الكامل لابن الأثير 3: 153، شرح ابن أبي الحديد 2: 29.
قال الأميني: ما أجرأ الطليق ابن الطليق الطاغية على السرور والتبهج بموت الأخيار الأبرار بعد ما يقتلهم، ويقطع عن أديم الأرض أصول بركاتهم، ويبشر بذلك أمته الفئة الباغية، ويأمرهم بالدعاء عليهم، أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون، وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا؟.
8 - وقبل هذه كلها ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دفن أبي ذر سيد غفار من قوله في لفظ الحاكم وأبي نعيم وأبي عمر: ليموتن أحدكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين. وفي لفظ البلاذري: يلي دفنه رهط صالحون. وقد دفنه مالك الأشتر وأصحابه الكوفيون كما في أنساب البلاذري 5: 55، وحلية الأولياء لأبي نعيم 1: 17، والمستدرك للحاكم 3: 337، والاستيعاب لأبي عمر 1: 83، وشرح ابن أبي الحديد، 3: 416 فقال: هذا الحديث يدل فضيلة عظيمة للأشتر رحمه الله وهي شهادة قاطعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مؤمن.
قال الأميني: ما أبعد المسافة بين هذه الشهادة وبين وصف ابن حجر إياه في الصواعق ص 68 بالمروق وعدم الفهم والعقل، ولعنه إياه وأصحابه الصلحاء، وقد عزب عنه أنه لا يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد.
نحن لسنا الآن في صدد التبسط في فضائل مالك وتحليل نفسياته الكريمة ومآثره الجمة وإلا لأريناك منه كتابا ضخما، ولقد ناء بشطر مهم منها الفاضلان الشريفان السيد محمد الرضا آل السيد جعفر الحكيم النجفي، وابن عمه السيد محمد التقي بن السيد السعيد الحكيم النجفي في كتابيهما المطبوعين المخصوصين بمالك، وقد سبقهما إلى ذلك بعض علمائنا السابقين، يوجد كتابه المخطوط في مكتبة مولانا الإمام الرضا عليه السلام بخراسان المشرفة، حيا الله حملة العلم سلفا وخلفا.
2 - زيد بن صوحان العبدي الشهير بزيد الخير، أدرك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وترجمه أبو عمر وابن الأثير وابن حجر في معاجم الصحابة، قال أبو عمر: كان فاضلا دينا سيدا في قومه.
أخرج أبو يعلى وابن مندة والخطيب وابن عساكر من طريق علي عليه السلام مرفوعا: من سره أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان.
وفي حديث آخر: الأقطع الحبر زيد، زيد رجل من أمتي تدخل الجنة يده قبل بدنه - قطعت يده يوم القادسية -.
وفي حديث أخرجه ابن مندة وأبو عمر وابن عساكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد وما زيد؟ يسبقه بعض جسده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده إلى الجنة.
وأخرج ابن عساكر من طريق الحكم بن عيينة قال: لما أراد زيد أن يركب دابته أمسك عمر بركابه ثم قال لمن حضره: هكذا فاصنعوا بزيد وإخوته وأصحابه.
تاريخ ابن عساكر 6: 11 - 13، تاريخ الخطيب 8: 440، الاستيعاب 1: 197، أسد الغابة 3: 234، بهجة المحافل 2: 237، الإصابة 1: 582.
وفي الفائق للزمخشري 1: 35: قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: زيد الخير الأجذم من الخيار الأبرار.
وفي معارف ابن قتيبة ص 176: كان من خيار الناس، وروي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: زيد الخير الأجذم، وجندب ما جندب؟ فقيل: يا رسول الله! أتذكر رجلين؟
فقال: أما أحدهما فسبقته يده إلى الجنة بثلاثين عاما، وأما الآخر فيضرب ضربة يفصل بها بين الحق والباطل، فكان أحد الرجلين زيد بن صوحان شهد يوم جلولاء فقطعت يده وشهد مع على يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين! ما أراني إلا مقتولا. قال: وما علمك بهذا يا أبا سليمان؟ قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني. فقتله عمرو ابن يثربي وقتل أخاه سليمان يوم الجمل.
وفي تاريخ الخطيب 8: 439: كان زيد يقوم الليل ويصوم النهار وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها، وقال: قتل يوم الجمل وقال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وفي رواية: لا تغسلوا عني دما ولا تنزعوا عني ثوبا إلا الخفين، وارمسوني الأرض رمسا فإني رجل محاج. زاد أبو نعيم: أحاج يوم القيامة.
وفي مرآة الجنان لليافعي 1: 99: كان زيد بن سادة التابعين صواما قواما و في شذرات الذهب 1: 44: من خواص علي من الصلحاء الأتقياء.
وقال عقيل بن أبي طالب لمعاوية في حديث مروج الذهب 2: 75: أما زيد و عبد الله (أخوه) فإنهما نهران جاريان يصب فيهما الخلجان، ويغاث بهما اللهفان، رجلا جد لا لعب معه.
ووصفه أخوه صعصعة لابن عباس لما قال له: أين أخواك منك زيد وعبد الله؟ صفهما فقال: كان " زيد " والله يا ابن عباس عظيم المروة، شريف الأخوة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العروة، أليف البدوة، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الدهر، ذاكر الله طرفي النهار وزلفا من الليل، الجوع والشبع عنده سيان، لا ينافس في الدنيا، وأقل في أصحابه من ينافس فيها، يطيل السكوت، ويحفظ الكلام، وإن ينطق نطق بمقام يهرب منه الدعار الأشرار، ويألفه الأحرار الأخيار. فقال ابن عباس: ما ظنك برجل من أهل الجنة، رحم الله زيدا.
3 - صعصعة بن صوحان العبدي أخو زيد الخير المذكور، ذكر في معاجم الصحابة قال أبو عمر: كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلقه ولم يره. كان سيدا فصيحا خطيبا دينا. قال الشعبي: كنت أتعلم منه الخطب، وقال عقيل بن علي بن أبي طالب لمعاوية في حديث: أما صعصعة فعظيم الشأن، عضب اللسان، قائد فرسان، قاتل أقران، يرتق ما فتق، ويفتق ما رتق، قليل النظير، وقال ابن الأثير: كان سيدا من سادات قومه عبد القيس، وكان فصيحا خطيبا لسنا دينا فاضلا يعد في أصحاب علي رضي الله عنه.
له مع عثمان محاورة سيوافيك شئ منها، ومواقفه مع معاوية ذكرت جملة منها في مروج الذهب 2: 76 - 83، وتاريخ ابن عساكر 6: 424 - 427، وثقه ابن سعد والنسائي وابن حبان وابن عساكر وابن الأثير وابن حجر.
أخرج ابن شبة أن عمر بن الخطاب قسم المال الذي بعث إليه أبو موسى وكان ألف ألف درهم وفضلت منه فضلة فاختلفوا عليه حيث يضعها فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس فما تقولون فيها؟ فقام صعصعة بن صوحان وهو غلام شاب فقال: يا أمير المؤمنين! إنما تشاور الناس لم ينزل الله فيه قرآنا، أما ما أنزل الله به القرآن ووضعه مواضعه فضعه في مواضعه التي وضعه الله تعالى فيها فقال: صدقت أنت مني وأنا منك. فقسمه بين المسلمين.
راجع طبقات ابن سعد، مروج الذهب، تاريخ ابن عساكر، الاستيعاب، أسد الغابة، الإصابة، تهذيب التهذيب، خلاصة الجزري.
4 - جندب بن زهير الأزدي، صحابي مترجم له في الاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة وله في يومي الجمل وصفين مواقف محمودة مع أمير المؤمنين عليه السلام.
5 - كعب بن عبدة، سمعت فيما مر عن البلاذري إنه كان ناسكا.
6 - عدي بن حاتم الطائي، صحابي عظيم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة 7 لم يختلف اثنان في ثقته أخرج حديثه أئمة الصحاح الست، وقد أثنى عليه عمر بن الخطاب لما قال له: يا أمير المؤمنين أتعرفني؟ فقال: نعم والله إني لأعرفك، أكرمك الله بأحسن المعرفة، أعرفك والله آمنت إذ كفروا، وعرفت إذ أنكروا، ووفيت إذ غدروا، وأقبلت إذ أدبروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طئ جئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ يعتذر.
أخرجه أحمد في المسند 1: 45، وابن سعد في الطبقات، ومسلم في صحيحه، وأبو عمر في الاستيعاب، والخطيب في تاريخه، وابن الأثير في أسد الغابة وفيه: إنه كان منحرفا عن عثمان، وابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 166.
وأعجب ما أجده من التحريف في تاريخ الخطيب ما أخرجه في ج 1: 191 بالإسناد عن المغيرة قال: خرج عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وحنظلة الكاتب من الكوفة فنزلوا قرقيساء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان.
والصواب: يشتم فيه علي. فبدلت يد التحريف عليا بعثمان وذكره على علاته ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 167.
توجد ترجمة عدي في الاستيعاب، تاريخ بغداد ج 1، أسد الغابة، الإصابة، تهذيب التهذيب.
7 - مالك بن حبيب. له إدراك عد من الصحابة.
8 - يزيد بن قيس الأرحبي. له إدراك وكان رئيسا كبيرا عظيما عند الناس ولما ثار أهل الكوفة على عثمان اجتمع قراء الكوفة وأمروه، وكان مع علي في حروبه و ولاه شرطته ثم ولاه أصبهان والري وهمذان وهو المعني في قول ثمامة:

معاوي إن لا تسرع السير نحونا * فبايع عليا أو يزيد اليمانيا

وله يوم صفين مواقف وخطابات تعرب عن نفسياته الكريمة وملكاته الفاضلة، تذكر وتشكر، ذكر جملة منها ابن مزاحم في كتاب صفين، والطبري في تاريخه، وابن الأثير في الكامل، ومما ذكروه قوله:
إن المسلم السليم من سلم دينه ورأيه، إن هؤلاء القوم ما إن يقاتلونا على إقامة دين رأونا ضيعناه، ولا إحياء عدل رأونا أمتناه، ولا يقاتلونا إلا على إقامة الدنيا، ليكونوا جبابرة فيها ملوكا، فلو ظهروا عليكم - لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا - إذا ألزموكم مثل سعيد والوليد وعبيد الله بن عامر السفيه، يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت، ويأخذ مال الله ويقول: هذا لي ولا إثم علي فيه، كأنما أعطي تراثه من أبيه، وإنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا، قاتلوا، عباد الله! القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله، ولا تأخذكم في جهادهم لومة لائم، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا دينكم ودنياكم، وهم من قد عرفتهم وجربتم، والله ما أرادوا إلى هذا إلا شرا، واستغفر الله العظيم لي ولكم (11).
9 - عمرو بن الحمق (12) بن حبيب الخزاعي الكعبي. صحب النبي الأعظم وحفظ عنه أحاديث، وحظي بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم له لما سقاه لبنا وبقوله: أللهم أمتعه بشبابه فاستكمل الثمانين من عمره ولم ير شعرة بيضاء (13) أخرج حديثه البخاري في التعاليق، وابن ماجة والنسائي وغيرهم، وكان من أعوان حجر بن عدي سلام الله عليه وعليهم، ترجمه أبو عمر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة، وابن حجر في الإصابة، ولم أجد كلمة غمز لأي أحد فيه مع قولهم: كان ممن سار إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا أو صار بذلك من شيعة علي. وقولهم: إنه كان ممن قام على عثمان. وقولهم: كان أحد من ألب على عثمان.
وله يوم صفين مواقف مشكورة وكلم قيمة خالدة مع الأبد تعرب عن إيمانه الخالص، وروحه النزحة الطاهرة، راجع كتاب صفين لابن مزاحم ص 115، 433، 454، 551.
قال ابن الأثير في أسد الغابة 4: 101: قبره مشهور بظاهر الموصل يزار، وعليه مشهد كبير ابتدأ بعمارته أبو عبد الله سعيد بن حمدان - وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابني حمدان - في شعبان من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وجرى بين السنة والشيعة فتنة بسبب عمارته.
10 - عروة بن الجعد، ويقال: أبي الجعد البارقي الأزدي، صحابي مرضي مترجم له في معاجم الصحابة: الاستيعاب، أسد الغابة، الإصابة. روى حديث: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم. قال شيب بن غرفدة: رأيت في دار عروة سبعين فرسا رغبة في رباط الخيل (14) أخرج حديثه أئمة الصحاح الست فيها.
11 - أصعر بن قيس بن الحارث الحارثي: له إدراك ذكره ابن حجر في الإصابة 1: 109.
12 - كميل بن زياد النخعي، كان شريفا في قومه قتله الحجاج سنة 42، وثقه ابن سعد، وابن معين، والعجلي، وابن عمار، وذكره ابن حبان في الثقات (15).
13 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، من رواة الصحاح الأربعة من الستة قال ابن معين: ثقة. وقال ابن أبي داود: كان أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض الناس، تعلم الفرائض من علي قال ابن أبي خيثمة: قيل ليحيى: يحتج بالحارث؟
فقال: ما زال المحدثون يقلبون حديثه. وقال أحمد بن صالح المصري: ثقة ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي وأثنى عليه. ووثقه ابن سعد.
وهناك من كذبه والعمدة في ذلك الشعبي. قال ابن عبد البر في كتاب العلم:
أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث: كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي.
وقال أحمد بن صالح: لم يكن الحارث يكذب في الحديث، إنما كان كذبه في رأيه وقال الذهبي: والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب.    (تهذيب التهذيب 2: 145، 147)
فمحصل القول في الهمداني: إنه لا مغمز فيه غير نزعته العلوية الممدوحة عند الله وعند رسوله.
____________
(1) كذا في أنساب الأشراف بالعين المهملة وفي الإصابة بالمعجمة.
(2) في تاريخ الطبري: النخعي. بدل: الهمداني.
(3) في أسد الغابة 3: 403: كان ممن سيره عثمان رضي الله عنه إلى الشام من أهل الكوفة.
(4) سورة الحجرات: 6.
(5) راجع الصواعق ص 68.
(6) راجع الصواعق ص 68.
(7) الظبة بتخفيف الموحدة: حد السيف.
(8) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 29، جمهرة الرسائل: 1: 549.
(9) شرح ابن أبي الحديد 2: 29.
(10) الفند بالكسر: القطعة العظيمة من الجبل.
(11) كتاب صفين ص 279، تاريخ الطبري 6: 10، شرح ابن أبي الحديد 1: 485، الإصابة 3: 675.
(12) بفتح المهملة وكسر الميم.
(13) أسد الغابة 4: 100، الإصابة 2: 533.
(14) صحيح البخاري في المناقب باب قول الله تعالى: يعرفونه كما يعرفون أبنائهم.
(15) تهذيب التهذيب 8: 447.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page