عد ممن سيره الخليفة عبد الرحمن بن حنبل الجمحي. قال اليعقوبي: سير عبد الرحمن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى القموس (1) من خيبر، وكان سبب تسييره إياه أنه بلغه كرهه مساوي ابنه وخاله وأنه هجاه.
وقال العلائي عن مصعب وأبو عمر في الاستيعاب إنه لما أعطى عثمان مروان خمس مائة ألف من خمس أفريقية قال عبد الرحمن:
وأحلف بالله جهد اليمين * ما ترك الله أمرا سدى
ولكن جعلت لنا فتنة * لكي نبتلى بك أو تبتلى
دعوت الطريد فأدنيته * خلافا لما سنه المصطفى
ووليت قرباك أمر العباد * خلافا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس الغنيمة * آثرته وحميت الحمى
ومالا أتاك به الأشعري * من الفئ أعطيته من دنا
فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * ولا قسما درهما في هوى (2)
فأمر به فحبس بخيبر، وأنشد له المرزباني في معجم الشعراء أنه قال وهو في السجن:
إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا * أبا حسن غلا شديدا أكابده
بخيبر في قعر الغموص كأنها * جوانب قبر أعمق اللحد لا حده
أإن قلت حقا أو نشدت أمانة * قتلت؟ فمن للحق إن مات ناشده؟
وكتب إلى علي وعمار من الحبس:
أبلغ عليا وعمارا فأنهما * بمنزل الرشد إن الرشد مبتدر
لا تتركا جاهلا حتى يوقره * دين الإله وإن هاجت به مرر
لم يبق لي منه إلا السيف إذ علقت * حبائل الموت فينا الصادق البرر
يعلم بأني مظلوم إذا ذكرت * وسط الندي حجاج القوم والعذر
فلم يزل علي يكلم عثمان حتى خلى سبيله على أنه لا يساكنه بالمدينة فسيره إلى خيبر فأنزله قلعة بها تسمى " القموص " فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان و ساروا إليه من كل بلد فقال عبد الرحمن:
لولا علي فإن الله أنقذني * على يديه من الأغلال والصفد
لما رجوت لدى شد بجامعة * يمنى يدي غياث الفوت من أحد
نفسي فداء على إذ يخلصني * من كافر بعد ما أغضى علي صمد
كان عبد الرحمن مع علي في صفين قال الطبري من طريق عوانة: إنه جعل ابن حنبل يقول يومئذ:
إن تقتلوني فأنا ابن حنبل * أنا الذي قد قلت فيكم نعثل
راجع تاريخ الطبري 6: 25، تاريخ اليعقوبي 2: 150، الاستيعاب 2: 410، شرح ابن أبي الحديد 1: 66، الإصابة 2: 395.
قال الأميني: هذا أحد المعذبين الذين أقلتهم غيابة الجب مصفدا بالحديد و لم يجهز عليه إلا إنكاره المنكر، وجنوحه إلى الحق المعروف، والكلام فيه لدة ما كررناه في غير واحد من زملائه الصالحين، وأحسن ما ينم عن سريرته شعره الطافح بالإيمان.
____________
(1) كذا في لفظ اليعقوبي. وفي الإصابة: الغموص كما في الأبيات. والصحيح: القموص بالقاف المفتوحة وآخره صاد مهملة.
(2) قد تنسب هذه الأبيات إلى أسلم راجع 8: 254.
الغلو في فضايل عثمان : 46 - تسيير الخليفة عبد الرحمن بن حنبل الجمحي
- الزيارات: 2538