• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في الكتب المذكورة

لقد تضمنت هذه الكتب أشياء هي كافية في إثارة عواطف المؤمنين على من كتبها ولو لم يكن له سابقة سوء غيرها. منها:
قوله عن المهاجرين والأنصار وليس في المدينة غيرهم: إن أهل المدينة قد كفروا، واخلفوا الطاعة، ونكثوا البيعة. وقوله: فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأحد. وهو يريد أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، المشهود لهم جمعاء بالعدالة عند قاطبة أهل السنة، ولقد صعدوا وصوبوا في إثبات ذلك بما لا مزيد عليه عندهم، ولا يزالون يحتجون بأقوالهم وما يؤثر عنهم من قول أو عمل في أحكام الدين، كما يحتجون بما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السنة، ثقة بإيمانهم، وطمأنينة بعدالتهم، ويرون أنهم لا ينبسون ببنت شفة ولا يخطون في أمر الدين خطوة إلا بأثر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسموع أن منقول:
أو مشاهدة عمل منه صلى الله عليه وآله وسلم يطابق ما يرتأونه أو يعملون به، فهل على مؤمن هذا شأنه قذف أثقل عليه من هذا؟ أو تشويه أمس بكرامته من ذلك؟ ولعمر الحق أن من يغض عن مثله فلا يستثيره خلو عن العاطفة الدينية، خلو عن الحماس الاسلامي، خلو عن الشهامة المبدئية، خلو عن الغيرة على الحق، خلو وخلو. ولذلك اشتدت الصحابة عليه بعد وقوفهم على هذا وأمثاله.
ثم إنه ليس لأحد طاعة مفترضة على أعناق المسلمين بعد الله ورسوله إلا إمام حق يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتجمهرون على عثمان وهم الصحابة أجمع كانوا يرون أنه تخطاهما، وأن ما كان ينوء به من فعل أو قول قد عديا الحق منهما، فأي طاعة واجبة والحال هذه وحسبان القوم كما ذكرناه حتى يؤاخذوا على الخلف؟.
والبيعة إنما لزمت إن كان صاحبها باقيا على ما بويع عليه، والقوم إنما بايعوه على متابعة الكتاب والسنة والمضي على سيرة الشيخين، وبطبع الحال أنها تنتكث عند نكوص صاحبها عن الشروط، وهو الذي نقمه المسلمون على خليفتهم، فلا موجب لمؤاخذتهم أو منابذتهم، وهاهنا رأى المسلمون أن الرجل زاد ضغثا على أبالة، فهو على أحداثه الممقوتة طفق يستثير الجنود عليهم، ويعرضهم على القتل والنهب، فتداركوا الأمر فأوردوه حياض المنية قبل أن يجلب إليهم البلية، وتلافوا الأمر قبل أن يمسهم الشر، وما بالهم لا تستثيرهم تلكم القذائف؟ وهم يرون أنهم هم الذين آووا ونصروا ولم يألوا جهدا في جهاد الكفار حتى ضرب الدين بجرانه، فمن العجيب والحالة هذه أن يشبهوا بالأحزاب والكفرة يوم أحد.

* (ومنها) *
تلونه في باب التوبة التي تظاهر بها على صهوة المنبر بملأ من الصحابة، وسجل ذلك بكتاب شهد عليه عدة من أعيان الأمة وفي مقدمهم سيدنا أمير المؤمنين علي عليه السلام، وكتب ذلك إلى الأمصار النائية كما تقدم في صفحة 171 و هو في كل ذلك يعترف بالخطيئة ويلتزم بالإقلاع عنها، لكنه سرعان ما نكث التوبة وأبطل المواثيق المؤكدة بكتبه هذه، إذ حسب أن من يكتب إليهم سينفرون إليه مقانب وكتائب وهم أولياءه ومواليه، فنفى عنه المآثم التي شهد عليها أهل المدينة بل وأهل الأمصار من خيرة الأمة، وهو يريد أن يقلب عليهم ظهر المجن، فيؤاخذ وينتقم وكأنه نسي ذلك كله حتى قال: في كتابه إلى أهل مكة: لا أدعى إلى توبة أقبلها، ولا تسمع مني حجة أقولها.
يقول له المحامي عن المدنيين: أو لم تدع أيها الخليفة إلى التوبة فتبت على الأعواد وعلى رؤس الاشهاد مرة بعد أخرى؟ لكنهم وجدوك لا تقر على قرار، ولا تستمر على مبدء، وشاهدوك تتلون تلون الحرباء (1) فجزموا بأن التوبة لا تردعك عن الأحداث، وأن النزوع لا يزعك عن الخطايا، وجئت تماطل القوم بذلك كله حتى يوافيك جيوشك فتهلك الحرث والنسل، وتمكن من أهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي يقول: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما إلا قتلته. الخ،
عرف القوم أيها الخليفة نواياك السيئة فيهم، وعرفوا انحرافك عن الطريقة المثلى بإبعاد مروان إياك عنها كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو يخاطبك: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك؟ وإن مثلك مثل الظعينة يقاد حيث يسار به (2) فنهضوا للدفع عنهم وعن بيضة الاسلام من قبل أن يقعوا بين الناب والمخلب، فوقع ما وقع وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ولنا هاهنا مناقشة أخرى في حساب الخليفة فنقول له: ما بالك تكر رأيها الخليفة قولك عن الخلافة: إنها رداء الله الذي كساني. أو إنها قميص سربلنيه الله. أو ما يماثل ذلك؟ تطفح به كتبك أو يطفو على خطبتك، ويلوكها فمك بين كلمك، كأنك قد حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك، واتخذتها وردا لك كأنك تحاذر في تركها النسيان غير أنه عزب عنك محاسبة من تخاطبهم بها إياك، فما جواب قومك إن قالوا لك؟
متى سربلك الله بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك، وانقلب عليك بعد قبل موته وعددته لذلك منافقا، وأوصى أن لا تصلي عليه أنت، وكان يقول لعلي أمير المؤمنين خذ سيفك وآخذ سيفي إنه قد خالف ما أعطاني، وكان يحث الناس عليك ويقول: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه، وحلف أن لا يكلمك أبدا، وقد دخلت عليه عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمك (3) وهاجرك إلى آخر نفس لفظه. وتبعه على خلافك الباقون من أهل الشورى.
وكلنا نحسب أن نصب الخليفة لا يجب على الله سبحانه إن كنا مقتفين أثر الشيخين وإنما هو مفوض إلى الأمة تختار عليها من شاءت، وإن حدنا في ذلك من قول الله تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (4) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (5) وعن نصوص النبي الأعظم وقد مر شطر منها في غضون أجزاء كتابنا هذا.
فهل ترى أيها الخليفة أنه كان يجب على الله سبحانه أن يمضي خيرة الأمة؟ أكان في رأي الجليل إعواز في تقييض الإمام بنفسه حتى ينتظر في ذلك مشتبك آراء الأمة أو مرتبك أهوائهم فيمضي ما ارتأوه؟ وبهذه المناسبة تنسب ذلك السربال إليه، لا أضنك أيها الخليفة يسعك أن تقرر ما استفهمناه، غير أن آخر دعواك بعد العجز عن الجواب: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله.
وعلى كل لقد أوقفنا موقف الحيرة في أمر هذا السريال ومن حاكه والنول الذي حيك عليه، فقد وجدنا أول الخلفاء تسربله بانتخاب غير دستوري بانتخاب جر الويلات على الأمة حتى اليوم، بانتخاب سود صحيفة التاريخ وشوه سمعة السلف، وقد تقمصه ابن أبي قحافة وهو يعلم أن في الأمة من محله من الخلافة محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير، كما قاله مولانا أمير المؤمنين ثم مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده، فيا عجبا يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (6) فتقمصه الثاني بالنص ممن قبله وهو يعلم أن في الأمة من هو أولى منه كما قال مولانا أمير المؤمنين (7) وسربلك إياه أيها الخليفة عبد الرحمن بن عوف وفي لسانه قوله لعلي: بايع وإلا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره، فخرج علي مغضبا فلحقه أصحاب الشورى قائلين: بايع وإلا جاهدناك (8). فأي من هذه السرابيل منسوج بيد الحق حتى يصح عزوه إليه سبحانه؟ ولهذا البحث ذيول ضافية حولها أبحاث مترامية الأطراف، حول خلافة الخلفاء من بني أمية وغيرهم يشبه بعضها بعضا، ولعلك في غنى عن التبسط في ذلك والاسترسال حول توثبهم على عرش الإمامة.
نعم: الخلافة التي يصح فيها أن يقال: إنها سربال من الله سبحانه، هي التي قيض صاحبها المولى جلت قدرته، وبلغ عنه نبيه الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، هي التي أخبر به النبي الأعظم به أول يومه فقال: إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (9) فهي إمرة إلهية لا تتم إلا بالنص وليس لصاحبها أن ينزعها، هي التي قرنت بولاية الله ورسوله في قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا (10) وهي التي أكمل الله بها الدين وأتم بها النعمة (11) وشتان بينها وبين رجال الانتخاب وإن كان دستوريا؟.
وأما ما ارتآه المتجمهرون وعبثت به الميول والشهوات، فهي سلطة عادية يفوز بها المتغلبون، وبيد الأمة حلها وعقدها، والغاية منها عند من يحذو حذو الخليفة في جملة من الصولات كلائة الثغور، واقتصاص القاتل، وقطع المتلصص، إلى آخر ما مر تفصيله في الجزء السابع صفحة 131 - 151 ط 2 وليس في عهدة المتسلق على عرشه تبليغ الأحكام، وترويض النفوس، وتهذيب الأخلاق، وتعليم الملكات الفاضلة، وتربية الملأ في عالم النشو والارتقاء، فإن تلكم الغايات في تلكم السلطات تحصل بمن هو خلو عن ذلك كله كما شوهد فيمن فاز بها عن غير نص إلهي.
___________
(1) الحرباء: ضرب من الزحافات تتلون في الشمس ألوانا مختلفة، يضرب بها المثل في المنقلب
(2) راجع ما مر في صفحة 174، 175 من هذا الجزء.
(3) راجع ما مر في هذا الجزء من حديث عبد الرحمن بن عوف ص 86 - 91.
(4) سورة القصص: 67.
(5) سورة الأحزاب: 36.
(6) راجع ما أسلفناه في الجزء السابع ص 81 ط 2.
(7) يأتي حديثه بلفظه.
(8) الأنساب للبلاذري 5: 22.
(9) مر حديثه في الجزء السابع ص 134 ط 2.
(10) راجع ما مضى في الجزء الثاني ص 47، والجزء الثالث ص 155 - 167 ط 2.
(11) راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 230 - 239 ط 2.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page