ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله أولياء ثم لا تنصرون ) .
هذا هو أدب القرآن الكريم وهو أدب آل البيت عليهم السلام . وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين ، والاتصال بهم ومشاركتهم في أي عمل كان ومعاونتهم ، ولو بشق تمرة .
ولا شك أن أعظم ما مني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور ، والتغاضي عن مساوئهم ، والتعامل معهم ، فضلا عن ممالاتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم ، وما جر الويلات على الجامعة الإسلامية إلا ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق ، حتى ضعف الدين بمرور الأيام ، فتلاشت قوته . ووصل إلى ما عليه اليوم ، فعاد غريبا .
وأصبح المسلمون أو ما يسمون أنفسم بالمسلمين ، وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم وأرذل المجترئين عليم ، كاليهود الأذلاء ، فضلا عن الصليبيين الأقوياء .
لقد جاهد الأئمة عليهم السلام في أبعاد من يتصل بهم عن التعاون مع الظالمين ، وشددوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالاتهم ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب ، ومن ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين عليه السلام إلى محمد بن
مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم : ( أوليس بدعائهم إياك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيهم ، سالكا سبيلهم .
يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم . فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم ، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك .
فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسئول . . . ) ( 1 ) . ما أعظم كلمة ( وحاسبها حساب رجل مسئول ) ، فإن الانسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سره بكرامة نفسه ، بمعنى أنه لا يجده مسئولا عن أعماله ،
ويستحقر ما يأتي به من أفعال ، ويتخيل أنه ليس بذلك الذي يحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه إن هذا من أسرار النفس الانسانية الأمارة ، فأراد الإمام أن ينبه الزهري على هذا السر النفساني في دخيلته الكامنة ، لئلا يغلب عليه الوهم فيفرط في مسئوليته عن نفسه .
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمال مع الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وقد كان من شيعته ورواة حديثه الموثقين قال - حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان : دخلت عليه . فقال لي : يا صفوان كل
شئ منك حسن جميل ، خلا شيئا واحدا قلت : جعلت فداك ! أي شئ ؟ قال : أكراك جمالك من هذا الرجل " يعني هارون " . قلت : والله ما أكريته أشرا ولا بطرا ، ولا للصيد ، ولا للهو ، ولكن أكريته لهذا الطريق " يعني طريق مكة " ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني . قال : يا صفوان أيقع كراك عليهم ؟ قلت : نعم جعلت فداك . قال : أتحب بقاهم حتى يخرج كراك ؟ قلت : نعم . قال : فمن أحب بقاهم فهو منهم ، ومن كان منهم فهو كان ورد النار . قال صفوان : فذهبت وبعت جمالي عن
آخرها . فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة ، فكيف بمن يستعينون به على الظلم أو يؤيدهم في الجور ، وكيف حال من يدخل في زمرتهم أو يعمل بأعمالهم أو يواكب قافلتهم أو يأتمر بأمرهم .
______________
(1) راجع تحف العقول ص 66 . ( * )
عقيدتنا في التعاون مع الظالمين
- الزيارات: 3456