طباعة

.. وطرق التشيع بابنا

وفي غمرة تلك الهواجس التي تتزاحم على خاطري كان في بيتنا ازدحاماً من نوع آخر، فقد بدأ الأهل بحزم أغراضهم بقصد السفر إلى قريتنا في شمال السودان، فهناك مناسبة زواج أبن عمي وفي تلك المناسبة تجتمع كل العائلة قادمة من كل مدن السودان، فظروف العمل تفرق البيت الواحد وتفصل الأحبة عن الأحبة، خاصة أن المسافات في السودان بين المدن كبيرة ويتعسر على الأهل مقابلة بعضهم إلا في بعض المناسبات.
ففرحة اللقاء بالأهل والأقارب أسكنت ذلك البركان الذي يتنفس في أعماقي، وازدهرت الحياة من جديد في ناظري، وفي طول الطريق لم أفكر إلا في أخوالي وأعمامي وخالاتي وعماتي..، لعل بين أحضانهم الدافئة اطفي آلام الألم والشك والحيرة، ولعل ذكريات الطفولة بين بيوتات القرية القديمة الواقعة بين ضفاف النيل وخدرة النخيل وبين السلسلة الجبلية كأنه عقد ألتف حول عنقها ليجعل منها عروساً للنيل أو يجعلها آية لسحر الطبيعة الفاتنة التي تجلى الباري في صنعها، فلعل روحي تعشق جمال الخالق وتسرح به بعيداً فتنتابها جذبة صوفي تنكشف معه الحقيقة.
ثم جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وانكسرت تلك الريشة التي كادت أن ترسم لي عطلة بعيدة عن كل ما يهيج نفسي، فصراع الأديان وصراع النفس مع الاختيار لم أكن أتوقع أن يلحقني في تلك القرية النائية ويطرق باب بيتنا، ومن الطارق يا ترى.. شيء غير مألوف.. وشخص غير معروف.. من.. ؟ الشيعة.. نحن في السودان ليس في النجف أو طهران... أم مع تغير الزمان تتغير أيضاً البلدان؟.
لا.. لم تتغير البلدان والطارق من السودان، فهو خالي، ومجموعة أخرى من أقاربي، فقد كان صادق احساسي فالتغير الذي لاحظته في خالي في سلوكه وكلامه لم يكن معهوداً، فقد كان شاباً عصرياً منفتحاً على الحياة كل ما كان يشغله دراسته الجامعية، فتبدلت تلك الصورة بهذه الصورة ناسكاً عابداً لا يتحدث إلا في أمر الدين.
..فقلت أصدقني القول يا خالي أهو الدين الذي غير ذاك الحال؟
قال: الشيعة..
قلت: ماذا؟
قال: الشيعة.
نعم الشيعة.. فكانت تلك الكلمات هي صوت دقات الباب.