• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أثر الشفاعة

(هل هو إسقاط العقاب أو زيادة الثواب؟)
هل إنّ نتيجة الشفاعة هو حطّ ذنوب المذنبين وإسقاط العقاب والمضار عنهم والعفو عن العصاة، أم هي زيادة الثواب ورفع الدرجات للمطيعين؟
لقد ذهب جمهور المسلمين إلى الأوّل، والمعتزلة إلى الثاني.
إنّ فكرة الشفاعة كانت عند اليهود والوثنيين قبل الإسلام، إلاّ أنّ الإسلام طرحها مهذّبةً من ما علق بها من الخرافات.
وغير خفي على من وقف على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة، أنّ الشفاعة الدارجة بينهم ـ خصوصاً اليهود ـ كانت مبنيّة على رجائهم لشفاعة أنبيائهم وآبائهم في حطّ ذنوبهم وغفران آثامهم، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي، ويرتكبون الذنوب تعويلا على ذلك الرجاء.
وفي هذا الموقف يقول سبحانه ردّاً على تلك العقيدة الباعثة على الجرأة: {من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه} (البقرة/255). ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشفاعة المحرّرة من كل قيد: {ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى} (الأنبياء/28). وحاصل الآيتين أنّ أصل الشفاعة التي يدّعيها اليهود ويلوذ بها الوثنيّون حقّ ثابتٌ في الشريعة السماوية، غير أنّ لها شروطاً أهمّها إذنه سبحانه للشافع ورضاؤُه للمشفوع له.
ولعلّ أوضح دليل على عمومية الشفاعة في الإسلام ما اتّفق على نقله المحدِّثون من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إدّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي "(1).
فكان دافع المعتزلة بتخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة هو الموقف الذي اتخذوه في حقّ العصاة ومقترفي الذنوب في أبحاثهم الكلامية. فإنّهم قالوا بخلود أهل العصيان في النار.
ومن الواضح أنّ من يتخذ مثل هذا الموقف لا يصح له أن يعمّم آيات الشفاعة إلى العصاة، وذلك لأنّ التخليد في النار لا يجتمع مع التخلص عنها بالشفاعة.
قال الشيخ المفيد: اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار موجهة إلى الكفّار خاصّة، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، وزعموا أنّ الوعيد بالخلود في النار عام في الكفّار وجميع فسّاق أهل الصلاة.
واتّفقت الإمامية على أنّ من عُذِّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة لم يخلد في العذاب وأُخرج من النار إلى الجنة، فينعم فيها على الدوام ووافقهم على ذلك من عددناهم، وأجمعت المعتزلةُ على خلاف ذلك وزعموا أنّه لا يخرج من النار أحدٌ دخلها للعذاب(2).
نعم، نسب العلامة الحلي في "كشف المراد" تلك العقيدة إلى بعض المعتزلة لا إلى جميعهم(3)، وكذلك نظامُ الدين القوشجي في "شرحه على التجريد"(4).
وقد خالفهم أئمة المسلمين وعلماؤهم في هذا الموقف وقالوا بجواز العفو عن العصاة عقلا وسمعاً.
أمّا العقل فلأنّ العقاب حق لله تعالى فيجوز تركه.
وأما السمع، فللآيات الدالة على العفو في ما دون الشرك، قال سبحانه: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء/48).
والآية واردة في حق غير التائب، لأنّ الشرك مغفور بالتوبة أيضاً، وقال سبحانه: {وإنّ ربّك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} (الرعد/6) أي تشملهم المغفرة مع كونهم ظالمين.
وقال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً} (الزمر/53)، إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة على العفو في حق العصاة. ومع ذلك لا مانع من شمول أدلّة الشفاعة لهم.
وأوضح دليل على العفو بدون التوبة قوله سبحانه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات} (الشورى/25) فإنّ عطف قوله: {ويعفوا عن السيئات} على قوله: {يقبل التوبة} بـ "واو العطف"، يدل على التغاير بين الجملتين، وإنّ هذا العفو لا يرتبط بالتوبة وإلاّ كان اللازم عطفُه بالفاء.
وقال سبحانه: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} (الشورى/30). فإنّ الآية واردةٌ في غير حق التائب، وإلاّ فإنّ الله سبحانه يغفر ذنوب التائب جميعها لا كثيرها مع أنّه سبحانه يقول: {ويعفوا عن كثير}.
فتلخّص من ذلك أنّه لا مانع من القول بجواز العفو في حق العصاة كما لا مانع من شمول آيات الشفاعة لهم.
نعم، يجب إلفات النظر إلى نكتة وهي أنّ بعض الذنوب الكبيرة ربما تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه، كما تقطع الأواصر الروحية مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فصاحب هذه المعصية لا تشمله الشفاعة، فيجب عليه دخول النار حتى يتطهّر بالعذاب وتصفو روحه من آثار العصيان، ويليق لشفاعة الشافعين.
____________
1- سنن ابن ماجة: 2/1441 وغيرها، والحديث ممّا اتّفق على نقله المحدثون.
2- المفيد: أوائل المقالات: 14.
3- العلاّمة الحلّي: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 261، طـ. صيدا.
4- نظام الدين القوشجي: شرح التجريد: 501.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page