طباعة

عصمة الصديقة

لقد عرفت فيما تقدم اتفاق المفسّرين و أرباب الحديث والتاريخ على ان الآية الكريمة «انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً» نزلت فيمن اشتمل عليهم الكساء و هم النبي الأعظم و وصيّه المقدم و ابنته الزهراء و سبطاه سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين و لم يخف المراد من الرجس المنفي في الآية بعد أن كانت واردة في مقام الإمتنان و اللطف بمن اختصت بهم فإن الغرض بمقتضى أداة الحصر قصر إرادة المولى سبحانه على تطهير من ضمهم الكساء عن كل ما تستقذره الطباع و يأمر به الشيطان و يحق لأجله العذاب و يشين السمعة و تقترف به الآثام و تمجه الفطرة و تسقط به المروءة و إليه يرجع ما ذكره ابن العربي في الفتوحات المكية في الباب 29 من ان الرجس فيها عبارة عن كل ما يشين الإنسان و كذا ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن الأزهري من انه كل مستقذر من عمل و غيره.

و ليس من المعقول تفسيره بخصوص الحدث المرتفع بالطهارت الثلاث الوضوء والغسل والتيمّم بحيث يكون المراد من تطهيرهم كونهم دائماً على طهارة رافعة للحدث الأصغر إذ لم يثبت لهم هذا الحكم دون الامة كما لا يراد منه خصوص الخبث لأن التطهير منه واجب على عامة المكلفين و لا يختص بمن نزلت فيهم الآية و حمل التطهير في الآية على عدم تأثر الاخباث فيهم إذا أصابتهم لا قرينة عليه.

بل المراد من إذهاب الرجس الذي هو مساوق لحصول الطهارة المرادة للمولى جلّ شأنه معنى أرقى من جميع ذلك و هو ما أشرنا إليه من نفي عموم الرجس فإن اللام الداخلة عليه للإستغراق الجنسي و لم تكن هناك قرينة متصلة أو منفصلة على تخصيصه بنوع خاص من الرجس، و هذا المعنى الذي قلناه هو الموافق للإمتنان الإلهي واللطف الربوبي و هو عبارة عن العصمة العامة التي تقول بها الإمامية الإثنا عشرية في أئمتهم عليهم السلام فالكتاب العزيز معاضد لها أفادته الراهين الجلية من قداستهم عن كل ذلك.
و عليه فالآية المباركة دالة على مشاركة الصديقة الطاهرة عليهاالسلام لهم في هذا المعنى الجليل أعني العصمة الثابتة للأنبياء والأوصياء لأنها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية الكريمة و من اُولئك الأفراد الذين قال فيهم النبي صلّى اللّه عليه و آله: اللّهمّ انّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطيهراً.

ولو أعرضنا عن البرهنة العلمية فإنا لا ننسى مهما نسينا شيئاً انها صلوات اللّه عليها مشتقّة من نور النبي صلّى اللّه عليه و آله المنتخب من الشعاع الإلهي فهي شظية من الحقيقة المحمدية المصوغة من عنصر القداسة المفرغة في بوتقة النزاهة و انها من أغصان الشجرة النبوية و فرع من جذم الرسالة و لمعة من النور الأقدس المودع في ذلك الأصل الكريم فمن المستحيل والحالة هذه أن يتطرق الإثم إلى أفعالها أو ان توصم بشي ء من شية العار فلا يهولنك ما يقرع سمعك من الطنين أخذاً من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة و قد تخلت (الحوراء) عنهما فلا تجب عصمتها فإنا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لأجل تبليغ الأحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها و انما تمسّكنا لعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكوّنة من النور الإلهي المستحيل فيمن اشتق منه مقارنة أثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في مثل ترك الأولى.

و هذه القدسية كما أوجبت عدم تمثل الشيطان بصورهم في المنام على ما أنبأت عنه الآثار الصحيحة أوجبت نزاهة (الزهراء) عما يعتري النساء عند العادة و الولادة تفضيلاً لها و لمن ارتكض في بطنها من طاهرين مطهّرين.

و ممّا يؤكد العصمة فيها المتواتر من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله: فاطمة بضعة مني يغضبني من أغضبها و يسرني من سرها و ان اللّه يغضب لغضبها و يرضى لرضاها

[الغدير لحجةالإسلام الشيخ ميرزا عبدالحسين الأميني ج 7 ص 176.] فإن هذا كاشف عن اناطة رضاها بما فيه مرضاة الرب جل شأنه و غضبه بغضبها حتى انها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح لابدّ من أن يكون له جهة شرعية تدخله في الراجحات و لم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية و هذا معنى العصمة الثابتة لها سلام اللّه عليها.

و قد استفاد السهيلي من هذا الأحاديث انها أفضل من الشيخين لكونها بضعة من الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و ان سبها كفر لأنه يغضب أباها قطعاً و يوجب سخط المولى سبحانه و يقول ابن حجر كل من أوقع في فاطمة

فتأذت به فالنبي صلّى اللّه عليه (و آله) و سلم يتأذى به بشهادة هذا الخبر و لا إشكال في تحريم أذى من يتأذي المصطفى (ص) بتأذيه

[المصدر ص 235 ج 7.] فتبه من هذا لأمر غامض.