طباعة

بكاؤها على أبيها

لم تزل الصديقة الحوراء بعد أبيها ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشي عليها ساعة بعد ساعة من البكاء على أبيها و كانت تجلس الحسن والحسين عليهماالسلام بين يديها و تقول: أين أبو كما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد اُخرى أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض و لا أراه يفتح هذا الباب أبداً [روضة الواعظين للفتال ص 130 و مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 116.]
و داخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزائها على أبيها و يطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها و أميرالمؤمنين يكتب ذلك
[اُصول الكافي بهامش مرآة العقول ج 1 ص 382 .]

و سألت أميرالمؤمنين عليه السلام عن قميص أبيها الذي غسله فيها فلما رأته و شمته غشي عليها من البكاء فغيبه عنها
[الكافي.] و في بعض الأيام سألت (بلال)

[كتبنا في هامش بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ص 205 طبع النجف ترجمة مفصلة لبلال الحبشي لاحظها.] أن يؤذّن و قد انقطع عنه بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلما قال اللّه اكبر ذكرت أباها و أيامه فلم تتمالك عن البكاء و لما قال: أشهد أنّ محمداً رسول اللّه سقطت لوجهها مغشياً عليها فقطع بلال الأذان و لم يتمه.
[من لا يحضره الفقيه للصدوق ص 61.]

و في اليوم الثامن من وفاة أبيها صلّى اللّه عليه و آله خرجت زائرة قبره المطهر فلما وقع بصرها على القبر قالت: واأبتاه وا محمداه وا أباالقاسماه و اربيع الأرامل واليتامى من للقبلة والمصلّى و من لابنتك الوالهة الثكلى بقيت بعدك وحيدة و حيرانة فريدة قد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغص عيشي لا أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي و لا راداً لدمعتي و لا معيناً لضعفي قد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محل ميكائيل انقلبت بعدك الأسباب و تغلقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما ترددت أنفاسي باكية لا ينفذ شوقي إليك و لا حزني عليك يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين و أصبحت الناس عنّا معرضين
[البحار ج 1 ص 50.]

و لم تبرح عن البكاء والشكوى مما نالها من الظلم والعدوان فتأذى شيوخ المدينة لذلك و سألوا أميرالمؤمنين أن يهدأها عن البكاء فلها إما الليل أو النهار
[مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 87.]، و لما ذاكرها أميرالمؤمنين قالت: يا أباالحسن ما أقل مكثي بينهم فلا أسكت عن البكاء على أبي لا في الليل و لا النهار فلم يمنعها عن ذلك ولكن بنى بيتاً في البقيع سماه (بيت الأحزان)

[في تاريخ المدينة للسمهودي ج 2 ص 95 ان الغزالي ذكر استحباب الصلاة في مسجد فاطمة عليهاالسلام بالبقيع و قال غيره انه المعروف ببيت الحزن لأن فاطمة عليهاالسلام أقامت فيه أيام حزنها على أبيها (ص).] و كان من جريد النخل
[كتاب المختار من نوادر الأخبار لمحمد بن أحمد المقري الأنباري بهامش مفيد العلوم لأبي بكر الخوارزمي ص 191 مصر.] فإذا أصبحت خرجت بولدها إلى ذلك البيت فلا تزال فيه إلى اللّيل فيأتي إليها أميرالمؤمنين عليه السلام و يرجعها إلى المنزل
[البحار ج 10 ص 51.]

و حكي عن العلامة السيد باقر بن آية اللّه الحجة السيد محمد الهندي المتوفى سنة 1329 انه رأى في المنام صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه ليلة الغدير حزيناً كئيباً فقال له: يا سيدي ما لي أراك في هذا اليوم حزيناً والناس في فرح و سرور بعيد الغدير فقال عليه السلام: ذكرت اُمي الزهراء و حزنها ثم قال:

    لا تراني اتخذت لا و علاها بعد (بيت الأحزان) بيت سرور
   بعد (بيت الأحزان) بيت سرور بعد (بيت الأحزان) بيت سرور

و لما انتبه السيد قدس سره نظم قصيدة في أحوال الغدير و ما جرى على الزهراء بعد أبيها و ضمنها هذا البيت والقصيدة محفوظة مشهورة مطلعها:

   كل غدر و قول افك و زور هو فرع من جحد نص الغدير
   هو فرع من جحد نص الغدير هو فرع من جحد نص الغدير