• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كيف يعلّم القرآن الكريم

 

 

كيف يعلّم القرآن الكريم


القرآن كتاب عالمي:
لايختص القرآن الكريم في موضوعاته بأمة من الأمم كالأمة العربية مثلا، كما لايختص بطائفة من الطوائف كالمسلمين بل يوجه خطابه إلى غير المسلمين كما يتكلم مع المسلمين. ودليلنا على هذا الخطابات(1) الكثيرة الموجهة في القرآن إلى الكفار والمشركين وأهل الكتاب واليهود وبني اسرائيل والنصارى.. احتج مع كل طائفة من هذه الطوائف ودعاهم إلى معارفه الحقة.
القرآن احتج مع كل هذه الطوائف ودعاهم إلى الدين من دون أن يقيد الخطاب بالعرب، فقال لعباد الأصنام: (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فأخوانكم في الدين)(2).
وقال لأهل الكتاب: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولانشرك به شيئا ولايتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله)(3).
كما نرى لم يقل القرآن «فان تاب مشركو العرب» أو «يا أهل الكتاب من العرب» وأمثال هذه الخطابات.
نعم في بدء الاسلام حيث لم تنتشر بعد الدعوة الاسلامية ولم تخرج من اطار الجزيرة العربية كانت الخطابات موجهة إلى العرب، أما من السنة السادسة من الهجرة حيث انتشرت الدعوة وتجاوزت الجزيرة فلم يبق مجال لتوجيه الخطاب إلى أمة خاصة.
وبالاضافة إلى الآيات السابقة هناك آيات أخرى تدل على عموم الدعوة، كقوله تعالى: (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)(4).
وقوله: (وما هو الا ذكر للعالمين)(5).
وقوله: (ان هو الا ذكر للعالمين)(6)
وقوله: (انها لأحدى الكبر. نذيرا للبشر)(7).
ومن الوجهة التاريخية نرى أن كثيرا من عبدة الأصنام واليهود والنصارى أسلموا، كما أسلم ايضا جماعة من قوميات غير عربية كسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وأحزابهم.
القرآن كتاب كامل:
القرآن الكريم يحتوي على الغاية الأسمى التي يهدف اليها الانسانية ويبينها بأتم الوجوه، لأن الوصول إلى الغاية الأسمى لايمكن الا بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالأصول الأخلاقية والقوانين العملية، وهذا ما يتولىشرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول: (يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم)(8).
ويقول في موضع آخر بعد ذكر التوراة والانجيل: (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا)(9).
وبيانا لاشتماله على حقيقة شرائع الأنبياء يقول: (شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذي أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى)(10).
وفي احتوائه على سائر الأشياء يقول: (ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)(11).
ومختصر ما في الآيات السابقة: ان القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة، وفيه كل مايحتاج اليه البشر في سيره التكاملي نحو السعادة من أسس العقائد والأصول العملية.
القرآن كتاب دائم:
الفصل السابق يتكفل باثبات أن القرآن الكريم كتاب دائم، وذلك لأن كلاما ما لو صح وتم بصورة مطلقة لايحد بوقت من الأوقات أو زمان من الأزمنة. والقرآن ينص على تمامية كلامه وكماله، فيقول: (انه لقول فصل. وما هو بالهزل)(12).
وهكذا تكون المعارف الحقة، حقيقة خالصة وواقع محض، والأصول الأخلاقية والقوانين العملية التي بينها القرآن هي نتيجة تلك الحقائق الثابتة، ولايتطرق اليها البطلان ولاتنسخ بمضي الأعوام والقرون، يقول تعالى: (فماذا بعد الحق الا الضلال)(13).
ويقول: (وانه لكتاب عزيز لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)(14).
ولايخفى أن أبحاثا كثيرة كتبت حول أحكام القرآن وأنها دائمة لاتختص بوقت من الأوقات، الا أنها خارجة عن موضوع بحثنا الذي نحاول فيه معرفة مكانة القرآن عند المسلمين كما يدل عليها القرآن نفسه.
القرآن مستقل في دلالته:
القرآن الكريم كلام كسائر مايتكلم به الناس، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وليس فيه خفاء على المستمعين.
ولم نجد دليلا على أنه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله.
أما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن أي انسان عارف باللغة العربية بامكانه أن يدرك معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي.
وبالاضافة إلى هذا نجد في كثير من الآيات يخاطب طائفة خاصة كبني اسرائيل والمؤمنين والكفار، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس(15) ويحاججهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو كانوا في شك أنه من عند الله تعالى. وبديهي أنه لايصح التكلم مع الناس بما لامفهوم واضح له، كما لايصح التحدي بما لايفهم معناه.
وزيادة على هذا يقول تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(16).
ويقول: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(17).
تدل الآية على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم والتدبر يرفع ما يتراءى بالنظرة الأولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح أن الآيات لو لم تكن لها دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للتدبر والتأمل، كما لم يبق مجال لحل الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل.
***
وأما ما ذكرنا من انه لادليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن، فلأننا لم نجد هكذا دليل لذلك الا ما ادعاه بعض من أننا في فهم مرادات القرآن يجب أن نرجع إلى ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ما أثر عنه وعن أهل بيته المعصومين عليهم السلام.
ولكن هذا ادعاء لايمكن قبوله، لأن حجية قول الرسول والأئمة عليهم السلام يجب أن تفهم من القرآن الكريم، فكيف يتصور نوقف حجية ظواهره على أقوالهم عليهم السلام. بل نزيد على هذا ونقول: ان اثبات أصل النبوة يجب أن نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقا.
وهذا الذي ذكرناه لاينافي كون الرسول والأئمة عليهم السلام عليهم بيان جزئيات القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لم نجدها في ظواهر القرآن، وأن يكونوا مرشدين إلى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية:
(وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم)1(18).
(وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا)(19).
(وما أرسلنا من رسول الاليطاع باذن الله)(20).
(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)(21).
يفهم من هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الالهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم السلام هم خلفاء الرسول في ذلك. وهذا لاينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه.
للقرآن ظاهر وباطن:
يقول الله تعالى في كلامه المجيد: (واعبداو الله ولاتشركوا به شيئا)(22).
ظاهر هذه الآية الكريمة أنها تنهى عن عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)(23)، ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر أن العلة في المنع من عبادة الأصنام أنها خضوع لغير الله تعالى. وهذا لايختص بعبادة الاصنام بل عبر عز شأنه عن اطاعة الشيطان أيضا بالعبادة حيث قال: (ألم أعهد اليكم يابني آدم أن لاتعبدوا الشيطان)(24).
ومن جهة أخرى يتبين أنه لافرق في الطاعة الممقوتة بين أن تكون للغير او للانسان نفسه، فان اطاعة شهوات النفس أيضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله: (افرأيت من اتخذ الهه هواه)(25).
وبتحليل أدق نرى أنه لابد من عدم التوجه إلى غير الله جل وعلا، لأن التوجه الى غيره معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها، يقول تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس) إلى قوله (أولئك هم الغافلون)(26).
عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله (ولا تشركوا به شيئا) أنه تعالى ينهي عن عبادة الأصنام وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة غير الله من دون أذنه، ولو توسعنا اكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الانسان نفسه باتباع شهواتها، أما لو ذهبنا إلى توسع اكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه إلى غيره.
ان هذا التدرج ¬ ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى أوسع وهكذا ¬ جار في كل من الآيات الكريمة بلا استثناء.
وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب الحديث والتفسير من قوله: (ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن)(27).
وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن أو ظهر وبطن، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة، الا أنهما واقعا في الطول لا في العرض، فان ارادة الظاهر لا تنفي ارادة الباطن وارادة الباطن لاتزاحم ارادة الظاهر.
لماذا تكلم القرآن باسلوب الظاهر والباطن:
1 ¬ الانسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحبات(28) الذي يعلو الماء، اذ ركز أوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية وكل ما يقوم به من المساعي والجهود أعطيت أزمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.
اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة، وأفكاره انما تتبع معلوماته الحسية. فان الأكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والاياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الانسان من الأعمال والأفعال وضعت أسسها على المادة ولايفكر الا فيها.
وما نراه في بعض الأحيان من الآثار المعنوية ¬ كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وأمثالها ¬ انما يدركها بعض الأفهام لأنها تجسم مصاديق مادية، فان الانسان يقيس حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما أو علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما أشبه هذه الأشياء.
ومع هذا تختلف الأفهام في ادراك المعنويات التي هي أوسع نطاقا من الماديات، فان بعض الأفهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات، وبعضها تدرك ادراكا قليلا، وهكذا تندرج الى أن تصل بعض الأفهام بسهولة إلى درك أوسع المعنويات غير المادية.
وعلى كل حال فكلما تتقدم الأفهام نحو ادراك المعنويات تقل تعلقها بالمظاهر المادية المغرية، وكلما قل تعلقها بالمادة زادت في ادراكها، ومعنى هذا أن كل انسان بطبيعته الانسانية فيه الاستعداد الذاتي لهذا الادراك، ولو لم يشبه بالشوائب العرضية لأمكن تربيته وتقدمه.
2 ¬ نستنتج مما سبق أنه لايمكن حمل مايدركه الذي هو في المرتبة العليا من الفهم والعقل على الذي هو في المرتبة السفلى ولو حاولنا هذا الحمل لكانت نتيجته عكسية، وخاصة في المعنويات التي هي أهم من المحسوسات المادية، فانها لو ألقيت كما هي على العامة لأعطت نتيجة تناقض النتيجة الصحيحة المتوخاة.
ولابأس أن تمثل ها هنا بالمذهب الوثني. فلو تأمل الباحث في قسم «اوبانيشاد» من كتاب «ويدا» الكتاب البوذي المقدس، لو تأمل الباحث فيه وقارن بين أقواله مقارنة صحيحة ليرى أنه يهدف إلى التوحيد الخالص. ولكنه مع الأسف يستعرض هدفا بلا ستار وعلى مستوى أفكار العامة، فكانت النتيجة أن اتجه ضعفاء العقول من الهنود الىعبادة أوثان شتى.
اذا لايمكن رفع الستار بصورة مكشوفة عن الأسرار الغيبية وما يتعلق بما وراء الطبيعة والمادة للماديين ومن لم يذعن بالحقائق.
3 -¬ بالرغم مما نجده في الأديان من حرمان العامة من كثير من المزايا الدينية، كحرمان المرأة في البرهمية واليهودية والمسيحية وحرمان غير رجال الدين من ثقافة الكتاب المقدس في الوثنية والمسيحية.. بالرغم من كل ذلك فان أبواب الدين الاسلامي لم تغلق في وجه أحد، فان المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكا لفئة خاصة، فلافرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والأبيض والأسود، كلهم مساوون في نظر الاسلام وليس لأحد ميزة على أحد.
قال تعالى: (اني لاأضيع عمل عامل منكم ومن ذكر او أنثى بعضكم من بعض)(29).
وقال عز من قائل: (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم)(30).

***

بعد تقديم هذه المقدمات الثلاث نقول: ان القرآن الكريم ينظر في تعاليمه القيمة إلى الانسانية بما أنها انسانية، ونعني أنه يوسع تعاليمه على الانسان باعتباره قابلا للتربية والسير في مدارج الكمال.
ونظرا إلى أن الأفهام والعقول تختلف في ادراك المعنويات ولايؤمن الخطر عند القاء المعارف العالية كما أسلفنا.. يستعرض القرآن الكريم تعاليمه بأبسط المستويات التي تناسب العامة ويتكلم في حدود فهمهم ومداركهم الساذجة.
ان هذه الطريقة الحكيمة نتيجتها أن تبث المعارف العالية بلغة ساذجة يفهمها عامة الناس، وتؤدي ظواهر الألفاظ في هذه الطريقة عملية الالقاء بشكل محسوس أو مايقرب منه وتبقى الحقائق المعنوية وراء ستار الظواهر فتتجلى حسب الأفهام ويدرك منها كل شخص بقدر عقله ومداركه.
يقول تعالى: (انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم)(31).
ويقول ممثلا للحق والباطل ومقدار الأفهام: (أنزل من السماء ماءا فسالت أودية بقدرها)(32).
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله في حديث مشهور: «انا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم»(33).
ونتيجة أخرى لهذه الطريقة ان ظواهر الآيات تكون كأمثلة بالنسبة إلى البواطن، يعني بالنسبة إلى المعارف الالهية التي هي أعلى مستوى من أفهام العامة، فتكون تلك الظواهر كأمثال تقرب المعارف المذكورة إلى الأفهام، يقول جل جلاله:
(ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس الا كفورا)(34).
ويقول: (وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون)(35).
وفي القرآن الكريم كثير من الأمثال، الا أن الآيات المذكورة وما في معناها مطلقة لاتختص بأمثال قرآنية خاصة. فعليه لابد من القول بأن الآيات كلها أمثال بالنسبة إلى المعارف العالية التي هي المقصد الأسمى للقرآن.
في القرآن المحكم والمتشابه:
يقول الله تعالى: (كتاب أحكمت آياته)(36).
ويقول: (الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)(37).
ويقول: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ومايعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)(38).
نرى في الآية الأولى أنها تنص على أن القرآن كله محكم وتريد أنه ثابت لايدخل عليه أي خلل أو بطلان. والآية الثانية تنص على أن القرآن كله متشابه، وتريد أن آياته على وتيرة واحدة في الجمال والأسلوب وحلاوة اللهجة والاعجاز. أما الآية الثالثة فتقسم القرآن إلى قسمين محكم ومتشابه، وملخص مانفهم منها هو:
أولا: المحكم ما كان ثابتا في دلالته بحيث لايشتبه مراده بمراد آخر، والمتشابه ما كان غير ذلك.
وثانيا: على كل مؤمن راسخ الايمان أن يؤمن بالآيات المحكمة ويعمل بها، وكذلك يؤمن بالآيات المتشابهة ولكن لايعمل بها.
والذين يتبعون الآيات المتشابهة ويعملون بما يوحيه عليهم التأويل فانهم منحرفون عن الحقائق ويبتغون الفتنة واغواء الناس.
معنى المحكم والمتشابه عند المفسرين العلماء:
اختلف علماء الاسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة ربما تبلغ الأقوال في ذلك إلى عشرين قولا.
والذي جرى عليه عملهم من العصر الاسلامي الأول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد هو:
1 -¬ المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لايشتبه بالمعنى غير المقصود، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
2 -¬ المتشابه هو الآيات التي لاتقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لايعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لايعمل بها.
هذا قول مشهور عند اخواننا علماء السنة وهو المشهور أيضا عند الشيعة، الا أنهم يعتقدون بأن النبي والأئمة عليهم السلام يعلمون تأويل الآيات المتشابهة، وعامة المؤمنين حيث لاطريق لهم إلى معرفة تأويلها فيرجعون عليها إلى الله والرسول والأئمة عليهم الصلاة والسلام.
وهذا القول بالرغم من أن عليه عمل أكثر المفسرين لايوافق الآية الكريمة (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) الخ، كما أنه لايطابق ماتدل عليه سائر الآيات لأنه:
أولا: اننا لانعرف في القرآن آيات لانجد طريقا إلى معرفة مداليلها ومعانيها المقصودة. هذا بالاضافة إلى أن القرآن وصف نفسه بأوصاف كالنور والهادي والبيان، وهذه الأوصاف لاتتفق مع عدم معرفة المداليل والمعاني.
ومن جهة أخرى تقول الآية (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)(39)، فكيف يصح أن يكون التدبر في القرآن رافعا لكل اختلاف مع أن فيه آيات متشابهة لايمكن التوصل إلى معرفة معناها كما عليه قول المشهور الذي نقلناه.
ويمكن أن يقال: ان المقصود من الآيات المتشابهة هي الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور كـ«الم، الر، حم» وأشباهها، حيث لايمكن معرفة معانيها الحقيقية.
ولكن لابد من الالتفات إلى أن في الآية الكريمة وضعت الآيات المتشابهة مقابلا للآيات المحكمة. ولازم هذه التسمية أن المتشابه له مدلول من قبيل المدلول اللفظي الا أنه يشتبه فيه مع المدلول الحقيقي، والحروف المقطعة في أوائل السور ليس لها هكذا مدلول.
وبالاضافة إلى هذا يدل ظاهر الآية على أن جماعة من أهل الزيغ ومبتغي الفتنة يسعون في الاضلال بواسطة الآيات المتشابهة، ولم يسمع أن شخصا في المسلمين أضل الناس بالحروف المقطعة المذكورة، بل الذين يضلون الناس انما يضلون بتأويل كلها لابهذه الحروف خاصة.
وقال بعض: ان الآية تشير إلى قصة ملخصها: ان اليهود حاولوا معرفة المدة التي يعيش فيها الاسلام بواسطة الحروف المقطعة في أوائل السور، ولكن قرأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الفواتح واحدة بعد واحدة وأبطل هذا ما زعموه(40).
وهذا الكلام غير صحيح أيضا، لأن القصة لو صحت تدل على أن اليهود كانت لهم محاولة أجابهم النبي عليها في نفس المجلس، وهي ليست من الأهمية بحيث تستدعي ذكر الآية «المتشابه» والزجر عن اتباعه. هذا مع العلم أن قول اليهود لم يكن فيه فتنة، لأن الدين لو كان حقا لايضره تحديد الزمن ¬ ونعني به قبوله النسخ ¬ كما نراه في الأديان الحقة التي كانت قبل الاسلام.
ثانيا: لازم هذا القول أن تكون كلمة «التأويل» في الآية بمعنى المدلول خلاف الظاهر، ويختص هذا المعنى بالآية المتشابهة. وكلا الموضوعين ليسا بصحيح، فاننا سنذكر في البحث الذي وضعناه لمعرفة التأويل والتنزيل بأن «التأويل» في عرف القرآن ليس من قبيل المعنى والمدلول اللغوي، كما نذكر بأن جميع الآيات المحكمة والمتشابهة لها تأويل ولايختص ذلك بالآيات المتشابهة.
ثالثا: وصفت الآية الكريمة جملة «آيات محكمات» بـ«هن أم الكتاب»، ومعنى هذا أن الآية المحكمة تشتمل على أمهات ما في الكتاب من الموضوعات وبقية الآيات متفرعة عنها. ولازم هذا أن الآيات المتشابهة ترجع إلى الآيات المحكمة في مداليلها والمراد منها، ونعني بذلك ارجاع المتشابهات إلى المحكمات لمعرفة معناها الحقيقي.
وعليه ليس في القرآن آية لانتمكن من معرفة معناها والآية اما محكمة بلا واسطة كالمحكمات نفسها، أو محكمة مع الواسطة كالمتشابهات. وأما الحروف المقطعة في فواتح السور فليس لها مدلول لفظي لغوي، فهي ليست من المحكم والمتشابه.
ويمكن معرفة ما قلنا من عموم قوله تعالى (افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) وقوله (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
أسلوب ائمة أهل البيت في المحكم والمتشابه:
مانفهمه من ملخص ما أثر عن أئمة اهل البيت عليهم السلام هو نفي وجود آية متشابهة لايمكن معرفة مدلولها الحقيقي، بل الآيات التي لم تستقل في مداليلها الحقيقية يمكن معرفة تلك المداليل بواسطة آيات أخرى، وهذا معنى ارجاع المحكم الىالمتشابه. فان ظاهر قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى)(41) وقوله (وجاء ربك)(42) يدل على الجسمية وأن الله تعالى مادة، ولكن لو أرجعناهما إلى قوله (ليس كمثله شيء)(43) علمنا أن الاستواء والمجيء ليسا بمعنى الاستقرار في مكان أو الانتقال من مكان إلى مكان آخر.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف القرآن الكريم: (وان القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، ولكن
نزل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم فاعملوا به وماتشابه عليكم فآمنوا به)(44).
وقال علي عليه السلام: «يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض»(45).
ونقل عن الامام الرضا عليه السلام انه قال: «من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم» ثم قال: «ان في اخبارنا تشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولاتتبعوا متشابهها فتضلوا»(46).
ان هذه الأحاديث وخاصة الأخيرة منها صريحة في أن الآيات المتشابهة هي الآيات التي لاتستقل في مدلولها بل لابد من ردها إلى الآيات المحكمة، ومعنى هذا ¬ كما أسلفنا ¬ أنه ليس في القرآن آية لايمكن معرفة معناها بطريق من الطرق.
في القرآن التأويل والتنزيل:
«تأويل القرآن» وردت في ثلاث آيات هي:
1 -¬ (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله)(47).
2 ¬- (ولقد جئناكم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون. هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق)(48).
3 -¬ (وما كان هذا القرآن أن يفترى) إلى قوله تعالى (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمايأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين)(49)
التأويل مأخوذ من الأول بمعنى الرجوع، ويراد من التأويل الشيء الذي ترجع الآية اليه. والتنزيل يقابل التأويل وهو المعنى الواضح للآية الذي لايحتاج إلى ارجاعه إلى شيء آخر.
معنى التأويل عند المفسرين والعلماء:
اختلف المفسرون في معنى التأويل اختلافا شديدا، وبعد الفحص في أقوالهم يمكن ارجاعها الىاكثر من عشرة، الا أن المشهور فيه قولان:قول القدماء، ومحصل كلامهم أن التفسير والتأويل .

______________________________
(1) وردت هذه الخطابات والاحتجاجات في آيات كثيرة جدا لانرانا بحاجة إلى سردها هنا.
(2) سورة التوبة: 11.
(3) سورة آل عمران: 64.
(4) سورة الأنعام: 19.
(5) سورة القلم: 52.
(6) سورة ص: 87.
(7) سورة المدثر: 35، 36.
(8) سورة الأحقاف: 30.
(9) سورة المائدة: 48.
(10) سورة الشورى: 13.
(11) سورة النمل: 89.
(12) سورة الطارق: 14 ¬ 15.
(13) سورة يونس: 32.
(14) سورة السجدة: 42.
(15) أمثال يا أيها الذين كفروا» و«يا أهل الكتاب» و«يابني اسرائيل» و«يا أيها الناس».
(16) سورة محمد: 24.
(17) سورة النساء: 82.
(18) سورة النحل: 44.
(19) سورة الحشر:7.
(20) سورة النساء: 64.
(21) سورة الجمعة: 2.
(22) سورة النساء: 36،
(23) سورة الحج: 30.
(24) سورة يس: 60.
(25) سورة الجاثية: 23.
(26) سورة الأعراف: 179.
(27) الصافي المقدمة الثانة، وسفينة البحار «بطن».
(28) الحباب بفتح الحاء:
الفقاقيع التي تعلو الماء.
(29) سورة آل عمران: 195.
(30) سورة الحجرات:13.
(31) سورة الزخرف:3/4.
(32) سورة الرعد: 17.
(33) بحارالأنوار1/37.
(34) سورة الاسراء: 89.
(35) سورة العنكبوت: 43.
(36) سورة هود: 1.
(37) سورة الزمر: 23.
(38) سورة آل عمران: 7.
(39) سورة النساء: 82.
(40) أنظر: تفسير العياشي1/26، وتفسير القمي أول سورة البقرة ونور الثقلين1/22.
(41) سورة طه: 5.
(42) سورة الفجر: 22.
(43) سورة الشورى:11.
(44) الدر المنثور 2/8.
(45) نهج البلاغة، الخطبة131.
(46) عيون الأخبار 1/190.
(47) سورة آل عمران: 7،
(48) سورة الأعراف: 53.
(49) سورة يونس 39.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page