• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الوحده الوجوديه

الوحده الوجوديه

و كان ما تباعد منها مضموما فى وحده طرفاها الازل و الابد!
الادب اصاله فى الفكر و الحس و الخيال و الذوق، تربط بين صاحبها و جمله الكائنات فى وحده وجوديه مطلقه. ثم تعبر عن نفسها بحياه تحيا على اصول من هذه الوحده، و باسلوب جمالى هو تجسيم حى للتفاعل بين الاديب و الكون.
و لما كان العلم تجزئه كان الفن توحيدا. و لما كان العلم ينظر الى الاشياء من حيث هى كائنات وجب فكها و تذريرها، كان الفن ينظر الى الاشياء من حيث هى كائنات مجزاه فى ظاهرها، موحده فى اصولها و حقيقتها، مما يوول الى فكره الشمول الكونى و الارتباط الكامل بين مختلف مظاهر الوجود!
و ما كان الادب الا بهذا الشمول!
و اذا كان الفلاسفه قد فطنوا الى وحده الوجود فى العصور المتاخره، فان الاديب قد فطن لها منذ كان الانسان و كانت فى اعماقه بذور الفن و احاسيس الادب. ذلك لان دليل الفيلسوف عقله و قياسه، و كلاها محدود بالنسبه للمركب الانسانى الحى. و دليل الاديب شعوره و الهامه، و هما انبثاق عاجل و امض عن جمله كيانه.
ثم ان نظره الفيلسوف الى الكون كوحده متفاعله متكامله، ان هى الا نظره تظل سطحيه اذا ما قيست بنظره الاديب. فالفيلسوف يشاهد و يراقب و يقيس ثم يسجل. و اداته فى ذلك العقل وحده، و العقل شى ء من الانسان الحى بل قل هو جانب منه. و الاديب
يتفاعل مع الكون و الحياه تفاعلا مباشرا مستمرا اذ يحس و يستلهم بعقله و شعوره و خياله و مزاجه و ذوقه جميعا، اى بجمله كيانه. و هو، الى ذلك، اسبق و اعمق. فالاديب استاذ الفيلسوف: استاذه و دليله منذ كان، و استاذه و دليله الى الابد!
و اذا كان هذا هو الامر، و هو كذلك، فان على بن ابى طالب عظيم من عظماء هذه الطائفه من حيث النظره و الاسلوب: طائفه الادباء الخالدين الذين ينظرون الى نجوم السماء و رمال الصحراء و مياه البحار و كساء الطبيعه فاذا هى اشياء من نفوسهم، هذه النفوس التى تستشعر فى الكون قوه وجوديه واحده جامعه كانت منذ الازل و تبقى الى الابد.
يقول ميخائيل نعيمه الذى يمثل طاقه الفنان على الاحساس العميق بوحده الوجود فى ادبنا العربى المعاصر: ''''بل كيف يكون اديبا من لا يحس جذوره فى الازل و الابد، و لا يحس ما مضى و ما سياتى!''''
ان هذا الاحساس بالجمال الاسمى الذى يلف الكائنات جميعا، على تباين مظاهرها، بوشاح واحد، هو ما تراه فى آثار عباقره الادب مهما تنوعت موضوعات هذه الاثار، و مهما اختلفت ظروفها. فاذا انت سمعت صوت الشاعر العظيم ينطق بلسان المسيح قائلا: ''''تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو، ولكن اقول لكم انه و لا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحده منها!'''' سمعت صوتا من اعظم ما سمع الكون، و ادركت امتع نظره تخترق اعماق الجمال الكلى، و تساءلت: انى للتراب و الصخر و سحب السماء ان تاتى بمثل هذه الروعه و هذا الجمال، جمال زنابق الحقل و هى تنمو، لو لم تكن وحده الوجود هذه و لو لم يكن الجمال مدار الوجود الواحد، و رابطه اجزائه منذ البدايه حتى النهايه؟ و هو، فى الوقت ذاته، مدار الفكره و الشعور لدى الفنان: الخالق الصغير!
و من ذلك قول المسيح الرائع و قد جاووه بزانيه جعلت على نفسها سبيلا بحكم شرائعهم:
''''من كان منكم بلا خطيئه فليرجم هذه الزانيه بحجر!''''
و اذا انت سمعت قول الشاعر العظيم ينطق بلسان سليمان بن داود:
''''جيل يمضى و جيل ياتى و الارض قائمه مدى الدهر. و الشمس تشرق والشمس تغرب
ثم تسرع الى موضعها الذى طلعت منه. تذهب الريح الى الجنوب و تدور الى الشمال، تدور و تطوف فى مسيرها ثم الى مداورها تعود الريح! جميع الانهار تجرى الى البحر و البحر ليس بملان ثم الى الموضع الذى جرت منه الانهار الى هناك تعود لتجرى ايضا!''''
و اذا سمعته ايضا يقول:
''''انا ورده الشارون و سوسنه الاوديه، كالسوسنه بين الشوك كذلك خليلتى بين البنات. كالتفاحه فى اشجار الغابه كذلك حبيبى بين البنين. قد اشتهيت فجلست فى ظله و ثمره حلو فى حلقى. قد ظهرت الزهور فى الارض و وافى او ان القضب و سمع صوت اليمامه فى ارضنا.
''''يا حمامتى التى فى نخاريب الصخر و فى خفايا المعاقل ارينى محياك، اسمعينى صوتك فان صوتك لطيف و محياك جميل، الى ان ينسم النهار و تنهزم الظلال. عد يا حبيبى و كن كالظى او كغفر الايله على جبال باتر.
''''جميله انت يا خليلتى! جميله انت و عيناك كحمامتين من وراء نقابك، و شعرك كقطيع معز يبدو من جبل جلعاد.
شفتاك كسمط من القرمز و نطقك عذب. خداك كفلقه رمانه من وراء نقابك. عنقك كبرج داود المبنى للسلاح الذى علق فيه الف مجن، جميع تروس الجبابره. الى ان ينسم النهار و تنهزم الظلال انطلق الى جبل المر و الى تل اللبان. هلمى معى من لبنان ايتها العروس. معى من لبنان انظرى من راس امانه من راس حرمون من مرابض الاسود من جبال النمور. شفتاك تقطران شهدا ايتها العروس و تحت لسانك عسل و لبن و عرف ثيابك كعرف لبنان.
''''عين جنات و بئر مياه حيه و انهار من لبنان، هبى يا شمال و هلمى يا جنوب انسمى على جنتى فتنسكب اطيابها!''''
اذا انت سمعت ذلك و وعيته وعيا صحيحا، ادركت ان سليمان ينهل شعره من المنهل ذاته الذى ارتوى منه المسيح و ان اختلف الموضوع.
و من ذلك قول فيكتور هيغو، احد عظماء الفنانين الذين نبغوا بعد الثوره الفرنسيه، و هو
حوار بين الكواكب يرينا الشاعر به الانسان و قد ضاع و كاد يختفى هو و الارض التى يسكنها، لضالتهما فى سعه الكون الواحد العجيب:
ما هذا الصوت التافه الضعيف الذى يهمس؟
ايتها الارض، ما الغايه من دورانك، فى افقك الضيق المحدود؟
و هل انت سوى حبه من الرمل مصحوبه بذره من رماد؟
اما انا، ففى السماء الزرقاء الشاسعه ارسم اطارا هائلا
فترى المسافه المكانيه، و هى فزعه مرعوبه، جمالى مشوها!
و هالتى، التى تحيل شحوب الليالى الى حمره قانيه
ككرات من الذهب تعلو و تهبط متقاطعه فى يد الحاوى،
تبعد، و تجمع، و تمسك سبعه من الاقمار الضخمه الهائله!
و ها هى الشمس تجيب:
سكوتا، هناك فى زاويه من السماوات، ايتها الكواكب، انتم رعاياى!
هدوءا! انا الراعى و انتم الرعيه.
انكما كعربتين تسيران جنبا الى جنب للدخول من الباب.
فى اصغر بركان عندى، المريخ مع الارض
يدخلان دون ان يلمسا جوانب المدخل!
و ها هى ذى نجوم الدب الاصغر تضى ء مثل
سبع اعين حيه لها بدل الحبات شموس!
و ها هوذا طريق المجره يرسم
غابه ناضره جميله مليئه بنجوم السماء!
ايتها الكواكب السفلى، ان مكانى من مكانكم فى درجه من البعد
حتى ان نجومى المضيئه الثابته الشبيهه بمجاميع الجزائر المتناثره فى الماء،
و شموسى الكثيره، ليست بالنسبه لنظركم الضعيف القاصر،
فى زاويه بعيده من السماء شبيهه بصحراء حزينه يتلاشى الصوت فيها،
سوى قليل من الرماد الاحمر قد انتثر فى جوف الليل!''''
و ها هى ذى نجوم مجره اخرى تصور عوالم لا تقل عن تلك العوالم، متناثره فى الاثير، ذلك المحيط الذى لا رمال فيه و لا حصباء فى جوانبه، تذهب امواجه ولكن لا تعود ابدا الى شواطئه.
و اخيرا ها هو الا له يتحدث:
''''ليس لدى الا ان انفخ، فيصبح كل شى ء ظلاما''''
[ نظريه الانواع الادبيه، ترجمه عن الفرنسيه الدكتور حسن عون.]
و اليك ما يقوله على بن ابى طالب فى صفه الطاووس'''':
[ ما تحتاج اليه من شرح المفردات و التعابير الوارده فى هذه القطعه، تجده فى فصل ''''خلقه الطاووس'''' بهذا الكتاب.]
''''و من اعجبها خلقا الطاووس الذى اقامه فى احكم تعديل، و نضد الوانه فى احسن تنضيد. بجناح اشرح قصبه. و ذنب اطال مسحبه. اذا درج الى الانثى نشره من طيه، و سما به مظلا على راسه. تخال قصبه مدارى من فضه، و ما انبت عليه من عجيب داراته و شموسه خالص العقيان و فلذ الزبرجد. فان شبهته بما انبتت الارض قلت: جنى جنى من زهره كل ربيع. و ان ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل او مونق عصب اليمن. و ان شاكلته بالحلى فهو كفصوص ذات الوان قد نطقت باللجين المكدل: يمشى مشى المرح المختال، و يتصفح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و اصابيغ و شاحه!
''''فاذا رمى ببصره الى قوائمه زقا معولا يكاد يبين عن استغاثته، و يشهد بصادق توجعه، لان قوائمه حمش كقوائم الديكه الخلاسيه. و له فى موضع العرف قنزعه خضراء موشاه. و مخرج عنقه كالابريق، و مغرزها الى حيث بطنه كصبغ الوسمه اليمانيه، او كحريره ملبسه مرآه ذات صقال
''''و مع فتق سمعه خط كمستدق القلم فى لون الاقحو ان ابيض يقق، فهو ببياضه فى سواد ما هنالك ياتلق. و قل صبغ الا و قد اخذ منه بقسط و علاوه بكثره صقاله و بصيص ديباجه و رونقه فهو كالازاهير المبثوثه لم تربها امطار ربيع و لا شموس قيظ. و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى، و ينبت تباعا، فينحت من قصبه انحتات اوراق الاغصان ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه: لايخالف سالف الوانه، و لا يقع لون فى غير مكانه. اذا تصفحت شعره من شعرات قصبه ارتك حمره ورديه، و تاره خضره زبرجديه، و احيانا صفره عسجديه، فكيف تصل الى صفه هذا عمائق الفطن، او تبلغه قرائح العقول، او تستنظم و صفه اقوال الواصفين!''''
و اليك قليلا من قوله فى خلق السماء و الارض:
''''فطر الخلائق بقدرته، و نشر الرياح برحمته، و وتد بالصخور ميدان ارضه. ثم انشا سبحانه فتق الاجواء، و شق الارجاء، و سكائك الهواء، فاجرى فيها ماء متلاطما تياره متراكما زخاره، حمله على متن الرياح العاصفه، و الزعزع القاصفه. ثم انشا سبحانه ريحا اعتق مهبها، و اعصف مجراها، و ابعد منشاها، فامرها بتصفيق الماء الزخار، و اثاره موج البحار، فمخضته مخض السقاء و عصفت به عصفها بالفضاء ترد اوله الى آخره، و ساجيه الى مائره...''''
و اوصيك خيرا بهذه الايات الروائع التى تتحدث بها عبقريه الامام الى المركب الانسانى جميعا فتصور له كيف يستوى الجليل و اللطيف من الكائنات، و الشمس و القمر، و الماء و الحجر، و الكبير و الصغير، و الهين و الصعب، فى معنى الوجود. و كيف تشترك جميعا فى صفه الكون فاذا هى متساوقه متعاونه فى النشيد الاعظم: نشيد الوجود الواحد الذى لايجوز فيه تعظيم الدوحه العاتيه على حساب النبته الناميه، و لا يصح فيه تمجيد البحر الواسع و احتقار الساقيه التى تضيع مياهها بين العشب و الحصى.
يقول على:
''''لو ضربت فى مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلاله الا على ان فاطر النمله هو فاطر النخله. و ما الجليل و اللطيف، و الثقيل و الخفيف، و القوى و الضعيف، فى خلقه الا سواء!
و كذلك السماء و الهواء، و الرياح و الماء. فانظر الى الشمس و القمر، و النبات و الشجر، و الماء و الحجر، و اختلاف هذا الليل و النهار، و تفجر هذه البحار، و كثره هذه الجبال، و طول هذه القال الخ...''''
ثم استمع اليه يقول:
''''لا تنالون نعمه الا بفراق اخرى، و لا يعمر معمر منكم يوما من عمره الا بهدم آخر من اجله، و لا تجدد له زياده فى اكله الا بنفاد ما قبلها من رزقه، و لا يحيا له اثر الا مات له اثر، و لا يتجدد له جديد الا بعد ان يخلق له جديد، و لا تقوم له نابته الا و تسقط منه محصوره. و قد مضت اصول نحن فروعها!''''
انه الوجود الواحد يتكلم عن نفسه، بلسانه!
و فى خاطرى هذه المشابهه بين مقطع من معلقه امرى ء القيس، و مقاطع كثيره من ادب ابن ابى طالب، و هى تصب جميعا فى معنى الوحده الوجوديه الكامله. ثم تزيد عن ذلك بانطاقه فذه الى قهر الظالم و المعتدى، و الى نصره الضعيف فى النبت و الارض و البهيمه و الارض الواطئه حتى يستوى الوجود قويا بهيا.
يقول الشاعر الكونى امرو القيس اولا ما خاصته:
لقد قعدت لذلك البرق ارقب من اين يجى ء المطر، و يا لروعه ما رايت! لقد اقبل المطر من جهات اربع سيولا سيولا! رايته من بعيد فكان يمينه فى تقديرى على جبل ''''قطن'''' و يساره على جبلى ''''الستار'''' و ''''يذبل''''. و راح الماء ينبجس شديدا هنا و هناك فتقلب سيوله الاشجار قلبا عتيا، و مر على جبل ''''القنان'''' برشاشه فاكره الوعول على النزول عنه. بعد ذلك يقول الشاعر:
• و تيماء لم يترك بها جذع نخله++ كان ثبيرا فى عرانين و بله++ كان ذرى راس المجيمر غدوه++ و القى بصحراء الغبيط بعاعه++ كان مكاكى الجواء غديه++ كان السباع فيه غرقى عشيه++ بارجائه القصوى، انا بيش عنصل
• و لا اطما الا مشيدا بجندل كبير اناس فى بجاد مزمل من السيل و الغثاء فلكه مغزل نزول اليمانى ذى العياب المحمل نشاوى سلاف من رحيق مفلفل بارجائه القصوى، انا بيش عنصل بارجائه القصوى، انا بيش عنصل
فانت ترى الى امرى ء القيس كيف يلحظ ان المطر قد اسقط نخل تيماء كله، و جرف ابنيتها فلم يبق منها الا المشيد بالجنادل و الصخور. اما جبل ''''ثبير'''' المعتز بشموخه على ما ماحوله من الارض الواطئه، فقد غطاه المطر الا راسه، فبدا كشيخ قوم ملتف بكساء مخطط. و تتابع الامطار طوفانها حول الجبال ثم تلقى اثقالها جميعا فى الصحارى التى ظلت زمنا قاحله لا نبت فيها و لا رواء، فاذا بها تنبت عشبا و زهرا ملونا يشبه الثياب الملونه الحسناء التى ينشرها التاجر اليمانى امام اعين الناس. و قد احسن المطر الى هذه الصحارى المجدبه فاذا هى رياض زاهيه تغنى بها الطير طربه سكرى! اما الوحوش الضاريه التى كانت تستبيح لنفسها افتراس الضعيف من الحيوان و الطير، فقد ذلها المطر و اغرقها فطفت على الماء كانها جذور البصل البرى.
و هكذا يبدو المطر فى خاطر الشاعر الجاهلى الكبير، الذى يتابع رحلته حتى النهايه، و كانه يمثل قوه الوجود المدبره. فهو قوى عادل كريم ينصر الصعفاء الممثلين بالارض الواطئه و صغار الطير، فيما الوادى بالنبت و الزهر و اللون و يدخل الفرحه على قلوب العصافير فتطرب و تغنى. و يداعب الاقوياء الممثلين بالجبال التى يضايقها من كل جانب و يضعف من شانها. و يفتك بذوى البطش الممثلين بالسباع الضاريه فيقهرها و يغرقها و يجعلها تافهه!
و هذا على يحس امام الغيث ما احسه امرو القيس من تمثيله القوه العادله الكريمه، فيقول فى خاتمه حديث طويل:
''''فلما القت السحائب بعاع ما استقلت به
[ البعاع: ثقل السحاب من الماء. و القى السحاب بعاعه: امطر كل ما فيه.] من العب ء المحمول عليها، اخرج به من هو امد الارض النبات
[ الهوامد من الارض: ما لم يكن بها نبات.] و من زعر الجبال الاعشاب
[ زعر، مجمع ازعر، و هو: الموضع القليل النبات.] فهى تبهج بزينه رياضها
و تزد هى بما البسته من ريط ازاهيرها
[ ريط، جمع ريطه- بالفتح- و هى كل ثوب رقيق لين.] و حليه ما سمطت به
[ سمط الشى ء: علقت عليه السموط و هى: الخيوط تنظم فى القاده.] من ناضر انوارها، و جعل ذلك باغا لانام و رزقا لانعام!''''
ثم ان عليا يوجز الفكره البعيده فى ما شاهده امرو القيس من عمل المطر فى الجبال و السباع، بهذه الكلمه: ''''من تعظم على الزمان اهانه!''''
و ان هذه الروائع التى عبرت بنا فى هذا الفصل، لتنبع كلها من معين واحد بالرغم من اختلاف موضوعاتها و تباين اغراضها و تباعد ظروفها. ففيها جميعا هذه الاصاله فى الفكر و الحس و الخيال و الذوق، التى تربط بين صاحبها و جمله الكائنات فى وحده وجوديه مطلقه!
و اراك حيث رحت فى ادب على بن ابى طالب، شاعرا بهذه الاصاله التى تحدوه ابدا الى اكتناه الروابط الخفيه الكامنه وراء مظاهر الحياه والموت، و وراء الاشكال التى تختلف على الحقيقه الواحده الثابته التى لا تختلف. و ما نزعته التوحيديه الجامحه الا نزعه الاديب الحق يريد ان يركز الوجود، فى عقله و قلبه على السواء، على اصول لايجوز فيها قديم و لا جديد!
و يتبين من نهج البلاغه ان نظريات ابن ابى طالب الاجتماعيه و الاخاقيه، تنبع بصوره مباشره او غير مباشره من هذه النظره الواحده الشامله الى الوجود. فما اقرب الموت من الحياه فى سنه الوجود. و ما اقرب طرفى الخير و الشر. و ما اكثر ما يجتمع الحزن و السرور فى قلب واحد فى وقت معا، و الكسل و النشاط فى جسد واحد. ''''فرب بعيد هو اقرب من قريب- فى ادب ابن ابى طالب- و رب رجاء يودى الى الحرمان، و تجاره توول الى الخسران''''. و ليس عجيبا ان يجوز فى الناس قول ابن ابى طالب: ''''من حفر لاخيه بئرا وقع فيها، و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، و من تكبر على الناس ذل'''' فالدائره الوجوديه الواحده تقضى على الناس و الاشياء و الكائنات جميعا بالخضوع لقاعدتها
التعادليه التى ادركها الامام بحدسه و عقله و حسه على السواء، ادراكا عجيبا لشده ما فيه من الوضوح ثم لكثره ما يمد صاحبه بالقوه على الكشف، فاذا به يعبر عن هذا الادراك بكلمات تولف قواعد رياضيه تتناول المظاهر و تنفذ منها الى ما وراءها من اصول وجوديه عميقه ثابته.
و هكذا يستوى ابن ابى طالب و قمم الوجود على صعيد واحد من النظره الى الحياه الواحده، و الاحساس العميق بالوجود الواحد، فاذا بادبه صرخات متاحقه تنطلق من قلب عبقرى يريد ان ينفذ الى الاشياء حتى يرى اغوارها فيطمئن الى هذا الادراك، و حتى يعقل ما تباين منها ثابتا على قاعده، و ما اختلف منها نابعا من اصل، و ما تباعد منها مضموما فى وحده طرفاها الازل و الابد!


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page