• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العداله الكونيه و ما يمثله على منها تكافو الوجود

العداله الكونيه و ما يمثله على منها
تكافو الوجود

و احس على ان هذا الكون العظيم متعاون متكافل فكان من ذلك ان الريح اذا اشتدت حركت الاغصان تحريكا شديدا، و اذا اجفلت قلعت الاشجار و هاجت لها العناصر، و انها اذا لانت و جرت فويق الارض جريا خفيفا سكرت بها صفحات الماء و سكنت تحتها الاشياء!

و ادرك كذلك ان قوه الوجود الشامله ترعى هشيم النبت بقانون ترعى به الورق الاخضر و الزرع الذى استوى على سوقه و اهتز للريح!

و اسقط ابن ابى طالب نظريه التجار بقول تناوله من روح الوجود و كانه يشارك به الكون فى التعبير عما فى ضميره!

نظره واحده يلقيها المرء على الكون الخارجى و احواله: على النجوم الثابته فى سعه الوجود و الكواكب السابحه فى آفاق الابد، و على الشمس المشرقه و السحاب العارض و الريح ذات الزفيف، و على الجبال تشمخ و البحار تقصفها القواصف او يسجو على صفحاتها الليل،

تكفيه لان يثق بان للكون قانونا و ان لاحواله ناموسا واقعا كل منهما تحت الحواس و قائما بكل مقياس.

و نظره واحده يلقيها المرء على ما يحيط به من الطبيعه القريبه و احوالها: على الصيف اذ يشتد حره و تسكن ريحه، و الخريف اذ يكتئب غابه و تتناوح اهواوه و تعبس فيه اقطار السماء، و الشتاء اذ ترعد اجواوه و تضطرب بالبروق و تندفع امطاره عبابا يزحم عبابا و تختلط غيومه حتى لتخفى عليك معالم الارض و السماء، و الربيع يبسط لك الدنيا آفاقا نديه و انهارا غنيه و خصبا و رواء و جنانا ذات الوان، كافيه لان تجعله يثق بان لهذه الطبيعه قانونا و ان لاحوالها ناموسا واقعا كل منهما تحت الحواس و قائما بكل مقياس.

و نظره فاحصه واحده يلقيها المرء على هذى و ذاك، كافيه لتدله على ان هذه النواميس و القوانين صادقه ثابته عادله، يقوم منطقها الصارم بهذه الصفات، و فيها و حدها ما يبرر وجود هذا الكون العظيم!

القى ابن ابى طالب تلك النظره على الكون فوعى وعيا مباشرا ما فى نواميسه من صدق و ثبات و عدل، فهزه ما راى و ما وعى، و جرى فى دمه و مشى فى كيانه و اصطخب فيه احساسا و فكرا، فتحركت شفتاه تقولان: 'الا و انه بالحق قامت السماوات و الارض'. و لو حاولت ان تجمع الصدق و الثبات و العدل فى كلمه واحده، لما وجدت لفظه تحويها جميعا غير لفظه 'الحق'. ذلك لما يتحد فى مدلولها من جوهر الكلمات الثاث!

و ادرك ابن ابى طالب فى اعماقه ان المقايسه تصح اصا و فرعا بين السماء و الارض اللتين قامتا بالحق و استوتا بوجوهه المتلازمه الثاثه: الصدق و الثبوت و العدل، و بين الدوله التى لا بد لها ان تكون صوره مصغره عن هذا الكون القائم على اركان سليمه ثابته، فاذا به يحيا فى عقله و ضميره هذه المقايسه على صوره عفويه لا مجال فيها لواغل من الشعور او لغريب من التفكير، ثم لا يلبث ان يقول:

'و اعظم ما افترض من تلك الحقوق حق الوالى على الرعيه، و حق الرعيه على الوالى فريضه فرضها الله لكل على كل، فجعلها نظاما لالفتهم، فليست تصلح الرعيه الا بصاح الولاه، و لا يصلح الولاه الا باستقامه الرعيه. فاذا ادت الرعيه الى الوالى حقه،

و ادى الوالى اليها حقها، عز الحق بينهم، و اعتدلت معالم العدل و جرت على اذلالها السنن

[اذلال، جمع ذل- بكسر الذال- و ذل الطريق: محجته، و هى جادته، اى وسطه. و جرت السنن اذلالها، او على اذلالها: جرت على وجوهها.] فصلح بذلك الزمان و طمع فى بقاء الدوله. و اذا غلبت الرعيه و اليها، او اجحف الوالى برعيته، اختلفت هنالك الكلمه و ظهرت معالم الجور و تركت محاج السنن فعمل بالهوى و عطلت الاحكام و كثرت علل النفوس، فا يستوحش لعظيم حق عطل

[اى، اذا عطل الحق لا تاخذ النفوس و حشه او استغراب لتعودها تعطيل الحقوق و افعال الباطل، و لاستهانتها بما تفعل.] و لا لعظيم باطل فعل! فهنالك تذل الابرار و تعز الاشرار و تعظم تبعات الله عند العباد!'

و اوصيك خيرا بهذا الاحكام للروابط العامه الكبرى بين عناصر الدوله على لسان على، ثم بين الاعمال الخيره المنتجه و بين ثبوت هذه العناصر على اسس من الحق، او قل من الصدق و الثبوت و العدل: وجوه الحق الثلاثه التى تقوم بها السماوات و الارض.

و احس على ان هذا الكون العظيم متعاون متكافل فكان من ذلك ان الريح اذا اشتدت حركت الاغصان تحريكا شديدا، و اذا اجفلت قلعت الاشجار و هاجت لها العناصر، و انها اذا لانت و جرت فويق الارض جريا خفيفا سكرت بها صفحات الماء و سكنت تحتها الاشياء.

و احس ان الشمس اذا القت على الارض نورها بدت معالم الارض للعيون و الاذهان، و اذا خلتها خلت عليها من الظلمه ستارا. و ان النبته تنمو و تزهو و تورق و قد تثمر، و هى شى ء يختلف فى شكله و غايته عن اشعه النهار و جسم الهواء و قطره الماء و تراب الارض، و لكنها لا تنمو و لا تورق الا بهذه الاشعه و هذا الجسم و هذه القطره و هذا التراب.

و احس ان الماء الذى 'تلاطم تياره و تراكم زخاره' كما يقول، انما 'حمل على متن الريح العاصفه و الزعزع القاصفه'. و ان الريح التى 'اعصف الله مجراها و ابعد منشاها' ماموره- على بعد هذا المنشاء- 'بتصفيق الماء الزخار و اثاره موج البحار، تعصف به

عصفها بالفضاء و ترد اوله الى آخره، و ساجيه الى مائره

[الساجى: الساكن. و المائر: الذى يذهب و يجى ء، او المتحرك مطلقا. و عب عبابه: ارتفع عاه.] حتى يعب عبابه'. و من زينه الارض و بهجه القلوب هذه النجوم و هذى الكواكب، و ضياء الثواقب

[الثواقب: المنيره المشرقه.] و السراج المستطير

[المستطير: المنتشر الضياء. و الشراج المستطير: الشمس.] و القمر المنير!

احس ابن ابى طالب من وراء ذلك جميعا ان هذا الكون القائم بالحق، انما ترتبط عناصره بعضها ببعض ارتباط تعاون و تساند، و ان لقواه حقوقا افترضت لبعضها على بعض، و انها متكافئه فى كل وجوهها متلازمه بحكم وجودها و استمرارها.

فادرك فى اعماقه ان المقايسه تصح اصا و فرعا بين هذه العناصر المتعاونه المتكافئه، و بين البشر الذين لا بد لهم ان يكونوا متعاونين متكافئين بحكم وجودهم و استمرارهم، فهم من اشياء هذا الكون يجرى عليهم ما يجرى على عناصره جميعا من عبقريه التكافل الذى يراه على فرضا عليهم لا يحيون الا به و لا يبقون. فاذا به يلف عالم الطبيعه الجامده و عالم الانسان بومضه عقل واحده، و انتفاضه احساس واحده، ليستشف عداله الكون القائم على وحده من الصدق و الثبات و العدل، مطقا هذا الدستور الذى يشارك به الكون فى التعبير عن ضميره، قائلا:

'ثم جعل من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافا فى وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها الا ببعض!'

و من هذا المعين ايضا قول له عظيم يقرر به ان دوام نعمه من النعم مرهون بما فرض على صاحبها من واجب طبيعى نحو اخوانه البشر، و ان عدم القيام بهذا الواجب كاف وحده لان يزيلها و يفنيها:

'من كثرت النعم عليه كثرت الحوائج اليه. فمن قام فيها بما يجب عرضها للدوام و البقاء، و من لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال و الفناء'.

ففى هذين القولين من التعبير عن عداله الكون، و الناس من موجوداته، ما لا يحتاج الى كثير من الايضاح. فحقوق العباد- على لسان على- يكافى ء بعضها بعضا. فهى اشبه ما تكون بحق الماء على الريح، و النبته على الماء، و الماء على الشمس، والشمس على قانون الوجود. و هذه السنه التى تفرض على الانسان الا يستحق شيئا من الحقوق الا بادائه حقوقا عليه، ليست الا سنه الكون العادله القائمه بهذا العدل.

و لينظر القارى ء فى هذا الامر نظرا سديدا ثم ليقل رايه فى ما راى. فانه ان فعل ادرك لا شك ان هذه القاعده التى بلغ ابن ابى طالب بها الى جذور العداله الكونيه، ثابته لا تغير نفسها و لا شذوذ ينقضها.

فعناصر هذا الكون لا تاخذ الا قدر ما تعطى، و لا يكسب بعضها الا ما يخسره بعضها الاخر. فاذا اخذت الارض من الشمس نورا و دف ءا، اعطت الوجود من عمرها قدر ما اخذت. و كذلك اذا اخذت من الليل ظلا يغمرها. و اذا تناولت الزهره من عناصر الكون الكثيره ما يحيها و ينميها و يعطيها عبيرا شهيا، فلسوف ياخذ النور و الهواء من لونها و عطرها بمقدار ما اعطياها، حتى اذا تكامل انعقادها و بلغت قمه حياتها، تعاظم مقدار ما تدفعه من عمرها، فاذا بالحياه و الموت يتنازعانها حتى تسلم اليه اوراقها و جذعها. اما الارض فتبتلع منها كل ما كانت قد منحتها اياه.

و البحر لا يستعيد الى جوفه الا ما اعطى السماء من غيوم و البر من امطار.

و كذلك الانسان فى حياته الخاصه. فهو لا يحظى بلذه الا بفراق اخرى يدفعها، قاصدا او غير قاصد، عوضا عما اخذ. و هو لا يولد الا و قد تقرر انه سيموت. يقول على: 'و مالك الموت هو مالك الحياه!'

و عن هذا التوازن الحكيم فى قانون الكون برحابه و افلاكه، و ارضه و سمائه، و جامداته و احيائه، يعبر ابن ابى طالب بهذه الكلمه التى تجمع سداد الفكر الى عنف الملاحظه الى عبقريه البساطه: 'و لا تنال نعمه الا بفراق اخرى!'

و لينظر الناظرون فى هذا القول فانهم ان فعلوا و ثقوا بانه الواقع الذى يرتسم كلمات هى اشبه بالقاعده الرياضيه التى لا يمكن الخروج عليها.

اما فى الحياه العامه، فليس بين شوون الانسان شان واحد يشذ عن هذه القاعده التى انتزعها على بن ابى طالب من ماده الكون العظيم. فحقك على مجتمعك هو ان يقيم هذا المجتمع ما تعطيه، كميه و نوعا، ثم ان تاخذ منه بمقدار ما اعطيت. اما اذا حصلت من المكافاه على اقل مما اعطيت، فان نصيبك عند ذاك ذاهب الى سواك، و ان سواك يتمتع بخير انت صاحبه و لا شك، و انك فى النتيجه مغصوب مظلوم. و اما اذا اخذت من المكافاه فوق ما اعطيت، فان نصيب غيرك منها ذاهب اليك، و ان سواك من الخلق يجوع بما اكلت، و انك بذلك غاصب ظالم. و وجود المظلوم و الظالم فى المجتمع مفسده له و منقصه فى موازين العداله الاجتماعيه التى لا تستقيم الا اذا دخلت فى نطاق مريح من العداله الكونيه. و البطل لا يمكن ان يكون قاعده بل الحق هو القاعده. و 'الحق لا يبطله شى ء' فى قانون الكون! و هو كذلك فى مذهب ابن ابى طالب.

و النظر فى الساطع العظيم من مظاهر العداله الكونيه، لم يكن ليلهى عليا عن النظر فى ما خفى منها و دق. و شانه فى ذلك شان عباقره الشعراء الذين تولف دقائق الاشياء لديهم، فى الماده و المعنى، ما تولفه عظائمها فهم لا يفرقون فيها بين كبير و صغير، فهى بالمنشاء واحده و هى كذلك بالدلاله.

و ليس للذى يبهر الانظار حساب فى عقولهم و قلوبهم يعلو على حساب ما ينزوى فى المخابى ء و بين الظلال. و رب نظره تجرى من الاحاسيس فى كيان هولاء ما لا تجريه ينابيع الكلام! و رب اشاره يدركون فيها من التصريح ما لا يرونه بالف اعلان! و رب زهره فى كنف صخره ينعمون لديها من الشعور بعظمه الوجود بما لا ينعمون به لدى الدوحه العاتيه. بل رب صغير فى نظرهم اجل من كبير، و قليل اكثر من كثير! و ارى من الموافق ان اذكر فى هذا المجال نتفه من حديث طويل سقته بصدد الكلام على موقف صاحب الاحساس العظيم و الفكر المحيط من الكون الذى يستوى خفيه و ظاهره فى الدلاله على ما فيه من جليل، قلت:

'و كانى بهذه الطبيعه تمثل للشاعر جمال الحريه التى يشتهى، اذ ترسل الريح حين تشاء و كيف تشاء لا يهمها اسخط الناس عليها ام رضوا قانعين! و تفجر الينابيع من

الصخر، حين تروم، و من رخى التراب، و تجريها هادئه فى السهل او تقذف بها من اعالى الجبال. و تبرز من صدرها اشجارا و صخورا و قمما و وديانا على طريقتها التى تريد، لا يعنيها ان تنبت الزنابق الى جانب الشوك او تعلق ابر السم وردا اخضر العود طيب الريح. و لا تتقيد بمعرفه تقوم بتحقير الهشيم اليابس و تعظيم الاخضر الفينان، و بالسخريه من صغار الهوام تطل من ثقوب الصخور، تمجيدا لشراسه القوى من الوحش يفترس الضعيف'.

[باختصار عن كتاب 'فاغنر و المراه' للمولف صفحه 164 -163.]

بهذه النظره و بهذا الشعور واجه ابن ابى طالب مظاهر الوجود الواحد فى الطبيعتين الصامته و الحيه، و احس احساسا بديهيا و عميقا معا بان قوه الوجود الشامله ترعى هشيم النبت بقانون ترعى به الورق الاخضر و الزرع الذى استوى على سوقه و اهتز للريح. و انها تعنى بالفسيل

[الفسيل: صغار الشجر.] الضئيل من شجر الارض كما تعنى بالعتى من الدوح العظيم. اما البهم و الحشرات و الغوغاء

[البهم: صغار اولاد الضان و المعز. الغوغاء: صغار الجراد.] و صغار الطير، فان الطبيعه لم تبذل فى رعايثها نصيبا اقل مما تبذله فى رعايه الهائل من الوحش و نسر الفضاء. فلكل من المخلوقات مكانه فى سعه الوجود و لكل حقه بهذا الوجود. لذلك لم يمنع الطود الشامخ عن ابن ابى طالب رويه الحصاه و ذره التراب. و لم يفته و هو ينظر الى الطاووس ان يلتفت الى النمله المتواضعه الدابه فى خفايا الارض بين حطامها و حصاها، فاذا هى فى الوجود خلق جليل و شى ء كثير. و ما كان على ليرى فى الطاووس و النمله اللذين يبسطهما النهار، شيئا يزيد فى معنى الوجود و فى قيمته عما كان يراه فى الخفافيش

[راجع، فى هذا الكتاب، روائع على فى وصف الطاووس و الخفاش.] التى جعل لها الليل نهارا و قبضها الضياء الباسط لكل شى ء. و انما كان يرى من غوامض الحكمه فيها ما يراه فى عظائم المخلوقات.

و يكفى هذا المخلوق، فى نهج على، ان يكون ذا رمق- اى ان يكون حيا- لتكفل له قوه الوجود الشامله كفلا اساسيا ما يقيه خطر الموت قبل حينه. فان العداله الكونيه ما اقامت حيا من الاحياء الا و عدلت وجوده بما يمسك عليه مده بقائه. و هذا ما يعنيه عبقرى

الملاحظه الدقيقه الضابطه على بن ابى طالب بقوله: 'و لكل ذى رمق قوت، و لكل حبه آكل'.

اما اذا حيل بين ذى الرمق و قوته، و الحبه و آكلها، فان فى هذا المنع اعتداء على موازين العداله الكونيه و افتراء على قيمه الحياه و معنى الوجود . يقول على: 'والله لو اعطيت الاقاليم السبعه على ان اعصى الله فى نمله اسلبها لب شعيره، ما فعلت!'

اما الاعتداء على موازين العداله الكونيه، فان العقاب عليه قائم بطبيعه هذه العداله العامه نفسها التى تقاضى الفاعل مقاضاه لا لين فيها و لا قسوه، و انما عدل و مجازاه.

و من ثم كانت النظره العلويه الجليله الى معنى الحياه الواحده بكثيرها و قليلها، بكبيرها و صغيرها. فالعداله الكونيه التى و ازنت بين الاحياء و رعتهم فى مختلف حالاتهم و اقامت بينهم اعمالا مشتركه و حقوقا متبادله و واجبات متعادله، لم تفرق بين مظهر من مظاهر الحياه و آخر، و لم تامر بان يعتد قوى على ضعيف لما خص به القوى من اداه العتو، و لم تاذن للكثير بان يغبن القليل حقه بما خص به من صفات الكثره. و هى من ثم لا تغتفر ظلم القليل بحجه مصلحه الكثير. فاذى يغبن كائنا حيا فى نهج ابن ابى طالب فكانما غبن الكائنات الحيه جميعا. و من قتل نفسا بغير حق فكانما قتل النفوس جمله. و من آذى ذا رمق فكانما آذى كل ذى رمق على وجه الارض. فالحياه هى الحياه فى نهجه و احترامها هو الاصل و عليه تنمو الفروع.

ففى نظريات عدد كبير من المفكرين و المشترعين، و فى 'آراء' معظم هولاء الذين يسمون انفسهم رجال سياسه، يجوز الاعتداء على العدد القليل من الناس فى سبيل العدد الكثير. و فى حساب هولاء، لا يقاس الخير الا بسلامه العدد الكثير، ثم فى بلوغه ما يصبو اليه من حال. فاذا قتل بحادث اعتداء الف من الخلق، فالامر فظيع. و اذا قتل الفان فالامر افظع. و هكذا دواليك. اما اذا قتل انسان واحد، بمثل هذا الحادث، فالقضيه هينه و الامر بسيط. فان دفاتر تجار الارواح عند ذاك لا يسقط منها الكثير. اما جداول الضرب و عمليات الجمع و القسمه، فن الميسور تعديلها بعمليه حساب بسيطه.

اما ابن ابى طالب فيسحق نظريات هولاء التجار، بقول يتناوله مباشره من روح الوجود الذى لا قيمه لديه للارقام فى معنى الحياه، بل للحياه نفسها:

'فوالله لو لم يصيبوا من الناس الا رجلا واحدا معتمدين

[معتمدين: قاصدين.] لقتله، بلا جرم جره، لحل لى قتل ذلك الجيش كله'.

و الواضح هنا ان الموضوع ليس 'قتل الجيش كله' بل تمكين فكره احترام الحياه فى اذهان اصحاب السلطه، و لفت انظارهم الى ان قتل نفس واحده، قصدا و اعتمادا، انما يساوى قتل الخلق جميعا.

و لو اننا قسنا نظره على بن ابى طالب فى هذا المجال بنظرات كثير من المفكرين الذين راوا ان موازين العداله لا تتحرك الا بالقوه و الكثره، لبدا لنا كيف ينحدرون حيث يسمو، و كيف يتزمتون و يغلظون حيث يرحب افقه و تعلو على يديه قيم الحياه. ففيما يطبل بعض هولاء و يزمرون لما 'اكتشفوه' من آراء و نظريات تبيح للقوى ان يعتز بقوته و حسب، و للكثير ان تتسع آماله بهذه الكثره وحدها - و فى كل ذلك اعتداء على قانون الحياه العادل، و على اراده الانسان القادره المطوره الخيره- نرى ابن ابى طالب يكشف عما هو اسمى بمقياس الحياه نفسها لانه حقيقه، و بمقياس الاراده الانسانيه لانه خير، فيقول ببساطه العظيم: 'و رب يسير اغنى من كثير!' ثم يوضح بقول اجل و اجمل:

'و ليس امرو، و ان عظمت فى الحق منزلته، بفوق ان يعان على ما حمله الله من حقه

[بفوق ان يعان: اى باعلى من ان يحتاج الى الاعانه.] و لا امرو، و ان صغرته النفوس و اقتحمته العيون

[اقتحمته العيون: حقرته. بدون ان يعين: باعجز من ان يساعد غيره.] بدون ان يعين على ذلك او يعان عليه!'

و فى هذين القولين ينقل ابن ابى طالب للناس مظهرا من مظاهر العداله الكونيه الباديه حيث امعنت النظر، و يقرر حقيقه طالما خفيت عن العقول التى تحصر نفسها فى اضيق نطاق.

يقرر على ان المظاهر البراقه الفضفاضه ليست فى حكم الواقع الوجودى الا غثا من الوجود تافها لا قيمه له و لا شان، و قد يبهر بها العاديون من الخلق و اهل الحماقات و الاغبياء

و المصفقون لكل لماع تافه فارغ، ولكن هذا الانهيار لا يلبث ان يتلاشى فجاه حين تطل شمس الحقيقه، و حين يكنس نورها العظيم ما خاله العاديون نورا و هو غش للعيون، و حين تعصف رياح الوجود العادل بعصافه التبن الخفيف. و من التاريخ و الحاضر دلائل لا تحصى على هذا الاضطراب فى المقاييس لدى الافراد و الجماعات، و هو اضطراب يستلزم نتائج توذى الحضاره و الحياه و الانسان لما فيها من انحراف عن موازين العداله الكونيه.

فلو كنت تعيش فى فتره من العصور الوسطى باوروبا، مثلا، لشاهدت فى بعض ايامك مواكب من الناس تتلوها مواكب باحدى الساحات العامه من هذه المدينه او تلك، و ذلك قصد التهليل و التصفيق لمخلوق من الناس مزركش الالبسه عاصب الراس بالزمرد و الزبرجد و الحجاره الكريمه المنظومه. و لشاهدت رجلا يسير على الرصيف وحيدا، عصبى الخطوه عنيف النظره، لا يعنيه امر المهللين و لا يعنيهم امره. فهم يهتفون بحياه 'عظيم' و هو اذ ذاك 'ليس بعظيم'. ثم اشرقت الشمس بعد زمن فطغت على الظلمه و ابرزت الاشياء فى مواضعها الحقيقيه. فماذا ترى عند ذاك؟ ترى ان هولاء الناس المهللين المصفقين- و هم بهذا المقام بمنزله اللاشى ء- انما كانوا يهتفون لمخلوق تافه يدعى لويس الرابع عشر مثلا، او لنذل من الانذال يدعى شارل الخامس، او لصغير كل الصغاره يدعى شارل الاول، او لغيرهم ممن يحملون اسماء تليها ارقام... دلاله على الصغاره. ثم ماذا يتضح لك بعد ذاك؟ يتضح ان رجل الرصيف الذى لم يهلل له القوم و لم يهتفوا بحياته، انما هو عظيم حق يدعى موليير، او ملتون، او غاليليو. و تجرى الايام، فاذا باصحاب الاسماء التى تليها الارقام، ليسوا الا التفاهه كلها. و اذا بالمشاه على الرصيف و لا ارقام لاسمائهم، و لا مهللين لهم، ليسوا الا العظمه كلها. و يطوى النسيان التافهين، و يطوى معهم اولئك 'اللاشى ء' من المصفقين الهاتفين. و يبرز هولاء على هامه الوجود، و تنزلهم الانسانيه من نفسها منازل الشموس من الظلمات. و يبرز معهم نفر قليل من الخلق هم الذين فهموهم، و قدروهم قدرهم العظيم، و تدفاوا بحرارتهم كما تتدفا الارض بنور الظهيره، و ادركوا ما ادركه على بن ابى طالب اذ قال: 'رب يسير انمى من كثير!'

انها العداله الكونيه التى تزن كل حى بميزانها العظيم، و تضعه موضعه، لا غش فى ذلك و لا خداع، و لا مجامله! العداله الكونيه التى لا تهون لديها قيمه و لا تعلو تفاهه!

و ان ابن ابى طالب لم يسم هذا 'اليسير' يسيرا الا لانه هكذا كان فى انظار الناس بزمانه و فى آرائهم. و لم يسم هذا 'الكثير' كثيرا الا للعله ذاتها. و هو يعلم انهم مخطئون، و ان ما يرونه يسيرا قد لا يكون كذلك. و ان ما يرونه كثيرا قد يخف فى ميزان الحق. اما هو، فقد كان يستشعر قيمه الحياه فى قوه و جلاء، و يستشعر امكاناتها العظيمه بجميع الاحياء، و يستشعر ان للكون اراده عادله فى تقييم الحياه حيث كانت، و فى احترام الاحياء حيث هم، فيطلق العبارات الحكيمه التى اشرنا اليها. و يطلق الكثيرات غيرها. حتى اذا غالى المغالون و انكروا ان لليسير مثل هذه القيمه و هذه الامكانات على النمو، توجه اليهم يقول: 'و ان اكثر الحق فى ما تنكرون!'

ثم ان حقيقه اخرى يقررها على بكلمته هذه: '... و ليس امرو و ان صغرته النفوس و اقتحمته العيون، بدون ان يعين على ذلك او يعان عليه'، هى ان كل انسان يمكنه ان ينفع مجتمعه و ينتفع به، ايه كانت موهبته، و بالغه امكاناته ما بلغت من الضاله.

و فى هذه النظره الى الانسان الضئيل الحظ من المواهب، توضيح لما فى خاطر على من الايمان العميق بالعداله الكونيه التى تجعل من قطرات الماء بحرا خضما و من ذريرات الرمال صحارى و فلوات، كما تجعل كل قليل داخلا فى الكثير، و كل صغير مستندا للكبير.

و فيها توضيح لطبيعه الحياه الخيره تحنو على ابنائها و تجعل كلا منهم فى اطار من خيرها فلا تغبنه و لا تقسو عليه.

و فيها الدليل على هذا الحنان العميق الذى كان على يغمر به الاحياء فلا يرى فيهم الا بشرا جديرين بان يحيوا الحياه كلها، و يفيدوا من خيرها، و يعاونوا و يعانوا.

و انك واجد صوره لهذه النظره العلويه الواثقه بعداله الكون و خير الحياه، المومنه بامكانات الانسان- ايا كان- على ان يكون شيئا كريما، فى ادب جان جاك روسو الذى يدور حول محور من الثقه بعداله الطبيعه و خير الحياه.

و كانى بابن ابى طالب قد خص هولاء الذين 'تصغرهم النفوس و تقتحمهم العيون' بالسهم الاوفر من اهتمامه ساعه خاطب الناس قائلا: 'ان الله لم يخلقكم عبثا' او ساعه

ابدع فى وصف ثقته بالطبيعه البشريه الخيره مواجها الخلق بهذا الراى الكريم: 'و خلاكم ذم ما لم تشردوا'. اى انكم، جميعا، خيرون و نافعون اصلا و فرعا، ما لم تميلوا عن الحق عامدين.

و تاكيدا لثبوت هذا الجانب من العداله الكونيه فى مذهب ابن ابى طالب، و اعنى به التسويه التامه فى كل حق و واجب بين من قل و من كثر، و من صغر و من كبر، يشير الى ان مركز هذه العداله انما يتساوى لديه الجميع لا فرق فيهم بين انسان و انسان. فصفتهم الانسانيه واحده، و قضيتهم بميزان الوجود واحده كذلك، و هم لا يتمايزون الا بما يعملون و ما ينفعون. اما من عمل و نفع فان قانون الوجود نفسه يثيبه. و اما من تبطل و بطر و اغتصب، فان هذا القانون نفسه يعاقبه بما يستحقه. يقول على: 'و لا يلويه شخص عن شخص، و لا يلهيه صوت عن صوت، و لا يشغله غضب عن رحمه، و لا تولهه رحمه من عقاب!'

و بهذا الصدد نعود بشى ء من التفصيل على ما ذكرناه من ان على ابن ابى طالب كشف النقاب عن العبقريه الوجوديه التى تجعل من طبيعه الاشياء ذاتها حاكما اعلى يعطى و يمنع و يعاقب و يثيب، فاذا الكائنات تحمل، بطبيعه تكونها، القدره على ان تقاضى نفسها بنفسها امتثالا لاراده الكون العادله.

يرى على بن ابى طالب ان الوجود متكافى ء ما نقص منه شى ء هنا الا و زاد فيه شى ء هناك. و كلا النقص و الزياده متساويان لا زياده الا بمقدار النقص و لا نقص الا بقدر الزياده. و جدير بالقول ان النظريه القائله بهذا التكافو فى اشياء الوجود، انما هى احدى النتائج الكبرى التى بلغ اليها نشاط الفكر البشرى فى زحفه العظيم الى اكتشاف اسرار الكون، كما انها نقطه انطلاق فى هذا المجال.

و جدير بالقول ايضا ان عددا من المفكرين الاوائل لم يتمكنوا من الالتفات الى هذه الحقيقه، و ان عددا انكروها، و ان هنالك فريقا من هولاء المفكرين راوها و ادركوا كثيرا من تفاصيلها و آمنوا بها و دعوا اليها. و ابناء هذا الفريق يتفاوتون هم ايضا فى قوه الملاحظه

و قوه التمثيل ثم فى قوه البيان عما شاهدوه و وثقوا به. فمنهم من لحظ هذا التكافو فى بعض مظاهر الكائنات فاعلن عن ذلك اعلانا فيه بعض البيان عن الحقيقه. و منهم من رآه فى مظاهر الكون الصامت جميعا و لكنه لم يستشعر له نتائج محسوسه فى مجرى الوجود و لم يجد له خطا موازيا فى مظاهر الكون الحى. و منهم من لحظه فى الطبيعه الصامته و استشعر له نتائج محسوسه فى مجرى الوجود و راى له خطا موازيا فى الكائنات الحيه و اعلن عنه باجلى بيان و اوثق كلام. من هذا الفريق على بن ابى طالب. بل قل انه فى طليعه هذا الفريق من المفكرين الاوائل لانه كاد يثبت هذه النظريه على نهج سليم قويم لا يتعارض و لا يتناقض و لا مهرب لبعضه من بعض. بل قل انه فعل ذلك و ابدع.

و لعل موقف ابن ابى طالب مما لحظه و رآه من مظاهر التكافو فى الوجود اجل من مواقف زملائه المفكرين من الناحيه العمليه. و ذلك بما الح عليه من تاكيد لهذه الحقيقه، توصلا الى ما يترتب عليها من نتائج فى حياه الناس افرادا و جماعه. و هذا الواقع ينسجم كل الانسجام مع محور الفلسفه العلويه الذى هو: الانسان.

قلنا ان عليا يرى الوجود متكافئا ما نقص منه شى ء هنا الا و زاد فيه شى ء هناك، و ان هذا النقص و هذه الزياده يتساويان لا زياده الا بمقدار النقص و لا نقص الا بقدر الزياده. فيقول اول ما يقول، منبها الانسان الى هذه الحقيقه عن طريق الصق الاشياء به، اى عن طريق وجوده ذاته:

'و لا يستقبل يوما من عمره الا بفراق آخر من اجله!'

و هل من خاطره فى ذهن انسان يمكنها ان تدحض هذه الحقيقه التى تعرض تعادليه الوجود بابسط ما يراه المرء من حال الوجود؟ ثم هل من قاعده رياضيه من قواعد الهندسه و الجبر الصق بالحقائق الثابته، و ادل على الواقع المطلق، و او جز فى تبيان الثابت و المطلق، من هذه الايه التى يصور بها ابن ابى طالب تعادليه الوجود من خلال الكائن الحى، و من ايامه؟

و اذا قال لى قائل ان هذه الفكره معلومه يعرفها الناس كل الناس، فعن ايه حقيقه جديده يكشف ابن ابى طالب فى زعمك اذن؟ قلت: ان الكشف عن الحقائق الخافيه لا يستلزم السكوت عن الحقائق الظاهره اذا كانت هذه اصلا لتلك، او تلك اصلا لهذه،

او اذا كان المنهج العام يستلزم ضبط التفاصيل سواء ما خفى منها و ما ظهر. فان على بن ابى طالب الذى تتماسك آراوه فى كل مذهب، ثم تتماسك مذاهبه جميعا فى وحده فكريه رائعه، لم يقل هذا القول 'المعلوم الذى يعرفه الناس كل الناس'، و لم يقل بمعناه قولا اروع و هو: 'نفس المرء خطاه الى اجله'، الا ليعود و يبنى على ما قاله بناء مفصلا فى اثبات نظريه تكافو الوجود.

فالذى قال 'لا يستقبل يوما من عمره الا بفراق آخر من اجله' 'و نفس المرء خطاه الى اجله'، انما قال ذلك ليعود الى الكشف عن حقيقه ابعد عن اذهان الناس و اخفى عن ملاحظتهم، و لكنها تجرى من القولين السابقين: 'و لا ينال الانسان نعمه الا بفراق اخرى!'

و اراك استوضحت ما فى هذا القول من قوه الملاحظه، و القدره على الكشف، و صراحه الفكر، و جلاء البيان. و ضبطا لمضمون هذه العباره فى صور و اشكال تختلف مظهرا و تتحد معنى و جوهرا، يقول على: 'كم من اكله منعت اكلات' و 'من ضيعه الاقرب اتيح له الابعد' و 'رب بعيد هو اقرب من قريب' و 'الموده قرابه مستفاده'

و 'من حمل نفسه ما لا يطيق عجز' و 'لن يضيع اجر من احسن عملا' و 'ما كسبت فوق قوتك فانت فيه خازن لغيرك'. فان فى هذه العبارات، و فى عشرات غيرها، ايجازا واضحا لتفاصيل نظريه التكافو الوجودى كما يراه على بن ابى طالب. فهى على اختلاف موضوعاتها القريبه، تدور فى مداها و ماخذها القصى على محور واحد من تعادليه الكون، فلا نقص هنا الا و تعدله زياده هناك. و العكس بالعكس.

ادرك ابن ابى طالب هذه الحقيقه الوجوديه فى قوه و عمق. و عاشها، و اعلن عنها فى كل فصل من حياته او قول من قوله، سواء اكان ذلك بالاسلوب المباشر او غير المباشر. و هو لا يدرك هذا الوجه من وجوه العداله الكونيه الا ليدرك وجها آخر يعكسه على شكل خاص، او قل ينبثق عنه انبثاقا، و هو ما نحن بصدده من الكلام على ان الطبيعه تحمل بذاتها المقياس فتعاقب او تثيب، و ليس بين مظاهر العداله الكونيه ما هو ابرز من هذا المظهر فى الدلاله عليها.

راى على ان شيئا واحدا من اشياء هذا الكون لم يوجد عبثا، بل ان لوجوده غايه

و هدفا. و راى ان لكل من الكائنات وظيفه يقوم بها، و ان على كل جارحه من جوارح الانسان فريضه يحتج بها الكون العادل عليه، و يساله عنها، و يحاسبه عليها. و بناء على هذا الواقع، تكون اشياء الوجود متساويه بحكم وجودها. اما الصغيره و الكبيره فشبيهتان بهذا المقياس. يقول على: 'و يحاسبك على الصغيره قبل الكبيره'. و انما قال ذلك لان الاكثريه من الناس لا يابهون ل 'الصغيره'، فاذا به يلفت انظارهم الى هذه الصغيره بتقديمها على الكبيره فى ما تستلزم من عقاب او ثواب، لكى يطمئن الى حدوث عمليه التسويه بينهما فى الاذهان و القلوب.

اما اذا احتج الكون على الانسان بما فرضه على جوارحه، و ساله عنه، و حاسبه على الصغيره و الكبيره، و جازاه بما عمل خيرا كان او شرا، فليس من الضرورى فى ملاحظه على و فى نهجه ان تتم عمليه الاحتجاج و المحاسبه و المجازاه هذه خارج نطاق الانسان نفسه. و ان هذه العمليه المركبه، الواحده على ما فيها من تركيب، لتتم ابدا- كما يلحظ على- فى حدود الكائن ايا كان. و هكذا تتم فى ما يتعلق بالانسان و هو احد الكائنات. يقول على: 'ان عليكم رصدا من انفسكم و عيونا من جوارحكم'. و الرصد الرقيب. و هذا الرقيب لا يالو جهدا فى ان يرى و يسجل و يعاقب او يثيب.

و فى لحظات فذه من تالق العقل المكتشف و الفكر النافذ، تبدو لعينى ابن ابى طالب الوان ساطعه من هذا الوجه من وجوه العداله الكونيه، لا يسعك ازاءها الا ان تعجب بهذا العقل و هذا الفكر. افلا ينطق ابن ابى طالب بلسان علماء العصر الحديث كما ينطق بلسان هذه العداله نفسها ساعه يقرر هذه الحقيقه: 'من اساء خلقه عذب نفسه!' ثم، الا ينطق بهذين اللسانين معا اذ يقول: 'يكاد المريب يقول: 'خذونى' و اذ يقول ايضا: 'فاكرم نفسك عن كل دنيه و ان ساقك رغب فانك تعتاض بما ابتذلت من نفسك!'

و مثل هذه الايات كثير كثير. و منها هذه الروائع: 'موت الانسان بالذنوب اكثر من موته بالاجل' و 'لا مروءه لكذوب و لا راحه مع حسد، و لا سودد مع انتقام، و لا صواب مع ترك المشوره'. و 'اذا كانت فى رجل خله رائقه فانتظروا اخواتها!'

و هكذا ادرك على بن ابى طالب ان الكون واحد، عادل، ثابت فى وحدته و عدله، جاعل فى طبيعه الكائنات ذاتها قوه الحساب و القدره على العقاب و الثواب. و هكذا عبر عما ادركه اروع تعبير.

بيد ان وجوها غير هذه من وجوه العداله الكونيه تفحصها على و ضبط اشكالها و الوانها. فما هى هذه الوجوه؟

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page