• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أقوال علماء الحكومات في آية التبليغ

 وقع علماء الخلافة في مشكلة عويصة ، فهم مضطرون لإبعاد الآية عن ولاية علي، وإلا فقدوا خلافتهم ومذاهبهم ومناصبهم ، ومآكلهم ومشاربهم ! لكن ماذا يصنعون؟ فإن قالوا إنها أمر بتبليغ الرسالة وقد نزلت في مكة كذَّبتهم الآية لأنها نزلت في آخر سورة قرب وفاة النبي’، وكان تبليغه للرسالة انتهى أو كاد ! وإن قالوا إن عصمته من الناس تتعلق بحياته ، فلماذا كان يتخذ الحرس من أول بعثته الى آخر عمره الشريف ؟! مع ذلك فقد تعمدوا وأبعدوها عن ولاية علي، وليكن ما يكون ! فتخبطوا في تفسيرها في أقوال واضحة التهافت والبطلان !

القول الأول:
أنها نزلت في أول البعثة ،
وأن النبي’خاف أن يبلغ رسالة ربه فامتنع أو تباطأ فهدده الله تعالى وطمأنه !
وهذه تهمة مشينة للنبي’الذي هو أعظم الناس إيماناً وشجاعة ، وحرصاً على تبليغ رسالة ربه ، بنص القرآن ، وبشهادة سيرته .
ولأن الآية وسورتها نزلت قبل شهرين تقريباً من وفاته’ ، ومعنى قولهم أنها نزلت قبل23 سنة من نزول المائدة !
وقد ذكر الشافعي هذا القول بلفظ:"يقال"(الأم:1/168) ! لكن هذا "اليُقال"صار قولاً معتمداً عن علماء كبار ، لأنهم لم يجدوا وجهاً غيره يبعد الآية عن يوم الغدير وولاية علي وهم مضطرون الى ذلك ولو بالكذب على النبي’(والإتكال على الله) ! روى السيوطي في الدر المنثور:2/298 والواحدي في أسباب النزول:1/139و438 عن ابن جريج قال: (كان النبي(ص) يهاب قريشاً فأنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فاستلقى ثم قال: من شاء فليخذلني. مرتين أو ثلاثاً. وعن مجاهد قال: لما نزلت: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، قال: يا رب إنما أنا واحدٌ كيف أصنع يجتمع علي الناس؟! فنزلت: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ! والطبري:6/198 . والوسيط:2/208، عن الأنباري: (كان النبي يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة ويخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من شر المشركين إليه وإلى أصحابه) وقال في الكشاف:1/659، والوسيط:2/208: إن الآية وعدٌ بالعصمة من القتل! وأكثر المخلطين في هذا القول ابن كثير ! فقد جعل الآية في أول البعثة وخلطها بآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ  وبتر حديث الدار الوارد في تفسيرها وحذف منه أن الله أمر نبيه’أن يختار خليفته ووصيه من عشيرته الأقربين، ثم أورد حديثاً مكذوباًً وفسره بأن النبي’كان يخاف أن يقتله القرشيون فطلب من بني هاشم شخصاً يكون خليفته في أهله ليقضي دينه، فقبل ذلك علي، ثم انتفت الحاجة إليه بنزول آية العصمة من الناس ! قال في النهاية:3/53 ، والسيرة:1/460: (قال عليٌّ: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، قال لي رسول الله: إصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبناً وادع لي بني هاشم ، فدعوتهم وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل الى أن قال: أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ قال فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله  قلت: أنا يا رسول الله ! قال: أنت ومعنى قوله في هذا الحديث: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت ، وكأنه (ص) خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله ويقضي عنه وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) انتهى وقد تجاهل ابن كثير أن روايته تنسب الجبن الى النبي’حتى في المرحلة الأولى التي كان مأموراً فيها بدعوة عشيرته الأقربين فقط !

القول الثاني:
أنها نزلت في مكة قبل الهجرة ،

فاستغنى النبي’ عن حراسة عمه أبي طالب أو عمه العباس! وهذا القول هو المشهور في مصادرهم، وبعض رواياته نصت على نزولها في مكة ، وبعضها لم تنص كرواية عائشة لكن البيهقي والسيوطي وغيرهما فسروها بذلك . روى في الدر المنثور:2/298 ، عن ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس قال: (سئل رسول الله (ص): أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ فقال: كنت بمنى أيام الموسم واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة؟ أيها الناس قولوا لاإله إلا الله وأنا رسول الله إليكم ، تنجوا ولكم الجنة . قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة ويبصقون في وجهي ويقولون كذاب صابئ ، فعرض عليَّ عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي: اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه. قال الأعمش: فبذلك تفتخر بنو العباس وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله(ص) إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه ، حتى نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فذهب ليبعث معه فقال: يا عم إن الله قد عصمني لاحاجة لي إلى من تبعث) ! والطبراني الكبير:11/205 ، والزوائد:7/17. أما رواية عائشة فرواها الترمذي:4/317: (قالت: كان النبي يُحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فأخرج رسول الله(ص) رأسه من القبة فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله).والحاكم:2/313 . وقال البيهقي في سننه:9/8 : (قال الشافعي: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغهم ما أنزل إليك ، فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قومه فنزل: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) وفي الدر المنثور:2/291، و298: (وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم النبي فيمن يحرسه فلما نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، ترك رسول الله الحرس . وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال: كان رسول الله لاينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل حتى نزلت آية العصمة). وأخذ بهذا القول: السهيلي في الروض الأنف:2/290 ، والقسطلاني في إرشاد الساري: 5/86 ، وابن العربي في شرح الترمذي:6 جزء11/174. والعيني في عمدة القاري:14/95  وابن جزي في التسهيل:1/244، والنويري في نهاية الأرب:16/196 ، والنيسابوري في الوسيط:2/209 ، والدميري في حياة الحيوان:1/79 . والزمخشري:1/659، والفخر الرازي:6 جزء12/50 ، مع أنهما قالا غير ذلك كما تقدم ! وأخذ به صاحب السيرة الحلبية:3/327 ، واغتنم الآية لإثبات فضيلة لأبي بكر فناقض نفسه ! قال: (سعد بن معاذ حرسه ليلة يوم بدر ، وفي ذلك اليوم لم يحرسه إلا أبو بكر شاهراً سيفه حين نام بالعريش ) ويدل على بطلان هذا القول: أن الآية في سورة المائدة نزلت قبيل وفاة النبي’ ، ولا يصح ربطها بالحراسة ، وعمدة أدلتهم على ذلك رواية القبة عن عائشة لكنها تدل على إلغائه الحراسة في المدينة ، والترمذي لم يصححها ، وضعف سندها سعيد بن منصور:4/1503. ورواية حراسة العباس للنبي’ضعفها الهيثمي وغيرهما ليس مسنداً لكن مهما صحت رواياتهم فالواقع يكذبها لأن المجمع عليه في سيرته’أنه كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه وتمنعه من القتل لكي يبلغ رسالة ربه وقد بايعه الأنصار بيعة العقبة على أن يحموه ويحموا أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم ، فلو كانت آية العصمة نزلت في مكة وكان معناها كما زعموا لما احتاج إلى ذلك ! كما أن غرض هذا القول تقليل دور أبي طالب في نصرة النبي’وإثبات دور مميز للعباس في حمايته ، مع أن دوره كان عادياً كبقية بني هاشم الذين لم يسلموا ولم يهاجروا !

القول الثالث:
أنها نزلت في المدينة ، فألغى النبي’حراسته !  
ورووا فيه أحاديث منها حديث القبة المتقدم عن عائشة . وفي الدر المنثور:2/298: (أخرج الطبراني وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله (ص) بالليل حتى نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فترك الحرس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ قال رسول الله: لاتحرسوني إن ربي قد عصمني. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق: كان يعتقبه ناس من أصحابه فلما نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فخرج فقال: يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله ما زال يحارسه أصحابه حتى أنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فترك الحرس حين أخبره أنه سيعصمه من الناس). وتاريخ المدينة: 1/301 ، عن ابن شقيق والقرظي ، والطبري: 6/199 ، عن ابن شقيق . والطبقات:1/113، والبيهقي في دلائل النبوة: 2/180 .
ويدل على بطلان هذا القول وكل الأقوال التي ربطت نزول آية التبليغ بالحراسة أنها نزلت في سورة المائدة بعد الوقت الذي زعموه مضافاً الى أن حراسته’استمرت الى آخر عمره الشريف كما يأتي

القول الرابع:
أنها نزلت في المدينة في السنة الثانية ، بعد أحُد !
في الدر المنثور: 2/291: (أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله(ص) فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليَّ. فقال رسول الله لعبد الله بن أبي: أبا حباب أرأيت الذي نفستَ به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه ! قال: إذن أقبل فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..إلى أن بلغ إلى قوله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).انتهى. وقصدهم أن آية التبليغ نزلت في سياق النهي عن تولي اليهود ، فيكون موضوعها النهي عن ولايتهم ، وليس وجوب ولاية علي.
ويكفي لبطلان هذا القول ، أنه من كلام عطية بن سعد ولم يسنده إلى النبي’. وهو لا يفسر: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، مضافاً إلى عدم صحة نزول الآيات في سورة المائدة في قصة ولاء ابن سلول لليهود ، الذي توفي قبل نزول سورة المائدة بنحو سنتين ! (تاريخ الطبري:2/381) .

القول الخامس:
أنها نزلت أثر محاولة شخص اغتيال النبي
وتناقضت روايتهم في ذلك ، فقال بعضها إن الحادثة كانت في غزوة بني أنمار المعروفة بذات الرقاع ، وإن شخصاً جاء إلى النبي’ وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه ، فأعطاه النبي’إياه بكل سهولة ! أو كان علقه وغفل عنه ، أو دلى رجليه في البئر وغفل عنه. إلخ. !قال السيوطي في الدر المنثور:2/298: (وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله (ص) بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل ، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ! فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمداً ، فقال له أصحابه: كيف تقتله ؟ قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به ! فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشِمْهُ، فأعطاه إياه فرعدت يده ، فقال رسول الله: حال الله بينك وبين ما تريد ، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.الآية. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول الله(ص)إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فأنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال:كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها..الخ.).
ومما يدل على بطلان هذا القول ، أن غزوة ذات الرقاع كانت في السنة الرابعة من الهجرة(سيرة ابن هشام:3/225)أي قبل نزول سورة المائدة بسنوات، وبعض روايات قصة غورث بلا تاريخ، وبعضها غير معقول! على أن نزولها في قصة غورث معارض برواية مصادرهم المعتمدة ، ففي سيرة ابن هشام:3/227 ، أن الآية التي نزلت في قصة غورث قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، وهذا لايصح لأن هذه الآية من سورة المائدة أيضاً ! كما روى بخاري وغيره تشريع صلاة الخوف في غزوة الرقاع ، وتشديد الحراسة على النبي’ حتى في الصلاة ، وهو كافٍ لرد نزول آية العصمة فيها ! قال في صحيحه:5/53: (عن جابر قال: كنا مع النبي(ص) بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي معلق بالشجرة، فاخترطه فقال له: تخافني؟ فقال لا. قال فمن يمنعك مني؟ قال الله . فتهدده أصحاب النبي(ص) وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين إسم الرجل غورث بن الحرث). ونحوه الحاكم:3/29 ، على شرط الشيخين، وفيه أن النبي’صلى بعد الحادثة صلاة الخوف بحراسة مشددة ! وروى أحمد قصة غورث:3/364 و390 و:4/59، وفيها صلاة الخوف وليس فيها نزول الآية ! ومجمع الزوائد:9/8 ، بتفصيل وليس فيها نزول الآية !

ملاحظات على تفسيرهم للآية
1- مع أن أصحاب الصحاح والسنن المعتمدة عندهم حريصون على رد مذهب أهل البيت^، ويعرفون أنهم يستدلون بآية التبليغ على مذهبهم ، لكنهم لم يرووا أي رواية صحيحة في رد مذهبنا ! مع أن بخاري عقد للآية في صحيحه بابين: في:5/88 ، والثاني في:8/9 ، وتعرض للآية في:6/50 ، و:8/210 ، وكذا مسلم:1/110 . وبذلك بقيت روايات الشيعة وما وافقها من روايات السنة بلا معارض من صحاحهم !
2- شملت رواياتهم في نزول الآية كل مدة بعثة النبي’وهجرته ما عدا حجة الوداع ! فاستثناؤهم تلك الفترة وحدها ، يوجب الشك في تعمدهم الهروب من سبب نزول الآية !
3- سبب نزول الآية في مصادرنا واحدٌ ، بتاريخ واحد ن على نحو الجزم واليقين ، وفي مصادرهم أسبابٌ متعددة ، بتواريخ متناقضة ، وهم منها في شكٍّ وحيرة .
4- رووا في سبب نزول الآية ما يوافق مذهب أهل البيت^ ، والسبب المجمع على روايته أقوى وأحق بالإتباع من المختلف فيه .
5- طعنوا برسول الله’وكذبوا عليه في تفسير الآية ! فقد رأيت أحاديثهم المكذوبة ونسبته اليه’أفعالاً لم يفعلها ! مضافاً الى طعنهم في شخصيته’وأنه خاف فلم يبلغ رسالة ربه حتى طمأنه وضمن له أنه لا يقتل ! بل يدل كلامهم على أن النبي’لم يثق بوعد ربه ، فاتخذ الحرس طوال حياته ! وتمادى ابن حجر في الطعن بالنبي’فقد قال القرطبي إن’كان وحده في قصة غورث بدون حراسة فتكون الآية نزلت قبلها ! فأجابه ابن حجر: بل نزلت يومذاك فألغى الحرس ، أما قبلها فكان يضعف إيمانه فيتخذ الحرس ، ويقوى إيمانه فيلغيه ! وفي قصة غورث كان إيمانه قوياً فكان بلا حراسة !
قال في فتح الباري:6/71: (قال القرطبي: هذا يدل على أنه (ص) كان في هذا الوقت لايحرسه أحدٌ من الناس، بخلاف ما كان عليه في أول الأمر  فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. قلت  عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي’أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: الله ، فأنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، وهذا إسناد حسن ، فيحتمل إن كان محفوظاً أن يقال: كان مخيراً في اتخاذ الحرس فتركه مرةً لقوة يقينه،فلما وقعت هذه القصة ونزلت هذه الآية ترك ذلك)!انتهى.
فاعجب لابن حجر كيف أغمض عينيه عن أن غزوة الرقاع سنة أربع ونزول الآية في سورة المائدة سنة عشر ، وراويها أبو هريرة جاء إلى المدينة سنة سبع، ويزعم أنه كان في غزوة الرقاع ونزلت الآية فيها ! فكيف يكون إسناده حسناً ! إن كل هذا التعسف لأن ابن حجر يريد ربط الآية بالحراسة لإبعادها عن بيعة الغدير ! لكنه أشار على خوف من علماء السلطة الى أنه يشك في أصل الموضوع بقوله: (إن كان محفوظاً)  ومعناه أنه يشك في أصل تفسيرهم للعصمة بالحفظ من القتل ! هذا ، وقد روى الكليني&:8/127،عن الإمام الصادق×قصة غورث وفيها معجزة نبوية وليس فيها نزول آية التبليغ،قال: (نزل رسول الله’في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه ، فرآه رجل من المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمداً ، فجاء وشد على رسول الله’ بالسيف ثم قال: من ينجيك مني يا محمد؟ فقال: ربي وربك فنسفه جبرئيل عن فرسه فسقط على ظهره فقام رسول الله’وأخذ السيف وجلس على صدره وقال: من ينجيك مني يا غورث؟ فقال: جودك وكرمك يا محمد ! فتركه ، فقام وهو يقول: والله لأنت خير مني وأكرم).انتهى.
6- لاعلاقة للعصمة في الآية بالقتل والحراسة ! فلا شك أن الله تعالى كان يحرس نبيه’بألطافه الخاصة ، كما رأيت في قصة غورث ، وفي مواجهة قريش واليهود وعملهم المستميت لقتله منذ بعثته وحتى وفاته’، لكنه مع ذلك كان مأموراً باستعمال الأسباب الطبيعية ، فطلب الحماية من الناس ، واتخذ الحراسة في مكة والمدينة الى آخر عمره الشريف ، ولم يُلغ الحراسة كما زعموا .
والعصمة في الآية هي العصمة من ارتداد الناس إن هو أعلن ولاية علي والعترة^، وأن ينكروا نبوته ويقولوا إنه يريد تأسيس ملك لبني هاشم كملك كسرى وقيصر ! وكل ما قاله علماء الخلافة لإثبات أن العصمة في الآية عصمة من القتل وأن النبي’ترك الحراسة بعدها ، كذبٌ محض ، لإبعاد الآية عن ولاية علي ! فهم يعلمون أن النبي’كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه من القتل الذي يراد به حتى يبلغ رسالة ربه ، وأن حراسته كانت في مكة ، ثم في المدينة ، واستمرت إلى آخر حياته’ ! قال اليعقوبي في تاريخه:2/36: (وكان رسول الله يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم شريف كل قوم ، لايسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول: لا أكره أحداً منكم إنما أريد أن تمنعوني مما يراد بي من القتل حتى أبلغ رسالات ربي ، فلم يقبله أحد ، وكانوا يقولون: قوم الرجل أعلم به) !وفي سيرة ابن هشام:2/23: (يقف على منازل القبائل من العرب فيقولوتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به).والطبري:2/83 ، وابن كثير:2/155 واستمر على ذلك الى آخر عهده في مكة ، وطلب البيعة من الأنصار على حمايته وحماية أهل بيته مما يحمون أنفسهم وأهليهم .قال ابن هشام:2/38: (فتكلم رسول الله(ص)فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم).والطبري:2/92 ، وأحمد:3/461 وأسد الغابة:1/174 ، وابن كثير:2/198 .الخ. وقد عقد المحدثون فصولاً لحراسته’وأسماء حراسه وقصصهم .قال صاحب عيون الأثر:2/402: (وحرسه يوم بدر حين نام في العريش: سعد بن معاذ ويوم أحد: محمد بن مسلمة ، ويوم الخندق: الزبير بن العوام وحرسه ليلة بنى بصفية: أبو أيوب الأنصاري بخيبر وحرسه بوادي القرى: بلال وسعد بن أبي وقاص وذكوان بن عبد قيس. وكان على حرسه(مسؤولاً) عباد بن بشر) وروى بخاري في فتح مكة:5/91: (خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله فرآهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم فأخذوهم).وروى أحمد:2/222 حديثاً موثقاً أن أصحابه’كانوا يحرسونه في غزوة تبوك أي في أواخر عمره الشريف ! ويضاف إلى ذلك أسطوانة الحرس التي ما زالت في المسجد النبوي بهذا الإسم منذ عام الوفود في السنة التاسعة (ابن هشام:4/214) !
فهل ينكرها المخالفون ليبعدوا الآية عن ولاية علي ؟! وهل تثنيهم الأدلة عن ذلك لأنهم أشربوا الإعراض عن علي؟!
7- خلاصة معنى الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ: ناداه باسمه المناسب لمهمته يقول له إنما أنت رسولٌ مبلغ ، ولست مسؤولاً عن النتيجة .
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ: وأمرك به جبرئيل في علي وحاولت تبليغه في حجة الوداع فشوش عليك المنافقون ولم يقل بلغ ما سوف ينزل اليك لأنه أنزله ولم يبينه له لأنه بينه والنبي’يعرفه وكان يتحين الفرصة المناسبة أو التمهيد المناسب ، فأمره الله أن يبلغه الآن فالماضي(أُنزل) هنا حقيقي على أصله، ولا قرينة تصرفه الى المستقبل ولا يصح أن يكون تم تبليغه وإلا لما صح قوله: وإنْ لَمْ تَفْعَلْ ، ولا أن يكون كل الرسالة لأنه يكون بلا معنى كقولك: يا فلان بلغ رسائلي كلها ، فإنك إن لم تفعل لم تبلغ رسائلي ! أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ: لأنه أمر من شؤون الربوبية والإدارة .
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ: لأن ما آمرك بتبليغه مكملٌ لرسالتك وضامنٌ لكل تبليغك ، فولاية عترتك من بعدك ليست أمراً شخصياً كما يظنها المنافقون ، بل جزءٌ لايتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة ، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل ، وبدونها تبقى الرسالة ناقصة والناقص لا اعتبار به، ورسالتك كالصرح حَجَرُهُ الأخير هو الأساسه كحجره الأول.
وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ: من أن يطعن القرشيون في نبوتك بسبب هذا التبليغ الثقيل عليهم ، ويتهموك بأنك حابيت أسرتك واستخلفت عترتك ، فسوف نمنعهم من أن يرفضوا نبوتك ، وسيظهرون لك الطاعة ويبايعون علياً وتمر المسألة بسلام ، إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ ، فأتم الحجة لربك ثم لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ  فخوف النبي’إنما كان على الإسلام من أن ترتد عنه قريش وليس على نفسه ، وعصمته التي ضمنها الله تعالى هي حفظ نبوته عند قريش وليست عصمةً من القتل أو الجرح أو الأذى ، لذلك لم تتغير حراسته’بعدها، ولا المخاطر والأذايا التي كان يواجهها بل زادت . وقال الفخر الرازي:12/50: (واعلم أن المراد من الناس هاهنا الكفار بدليل قوله تعالى: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ لايمكنُّهم مما يريدون). ثم ذكر الرازي رواية عائشة في إلغاء النبي’الحراسة ! وكلامه لايصح ، لأن عائشة تقصد تاريخاً قبل سورة المائدة ، ولأن لفظ الناس مطلق ولا قرينة على حصره بالكفار ، وخطر المنافقين عند نزول الآية على النبي’كان أشد من خطر غيرهم . إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ: الذين يظلمون عترتك من بعدك ، ويبدلون نعمة الله كفراً، ويظلمون بذلك الأمة ويقودونها الى الصراع على الحكم ويسببون انهيارها ، الى أن يبعث الله المهدي من ولدك ! فالذين يطعنون في النبي’ويتهمونه بأنه ينطق عن الهوى ويحابي عترته ، هم كما قال عمار بن ياسر&: (ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر ، فلما وجدوا عليه أتباعاً أظهروه) ! (مجمع الزوائد:1/113) فلا يستحقون أن يهديهم الله ! لذلك ضمن إسكاتهم حتى يبلغ رسوله رسالته ويتم الحجة عليهم ! وقد وفى الله لرسوله’بما وعد ، فأعلن النبي’يوم الغدير خلافة علي والعترة بصراحة وأمرهم أن يهنؤوه بتولية الله عليهم ، ففعلوا على كره ، ولم يطعن أحد منهم في نبوته’! لكنهم عند وفاته’أقصوا علياً والعترة، وفعلوا ما فعلوا !

والنتيجة:
أن الله تعالى أمر نبيه’أن يطلب الحماية من الناس لتبليغ رسالته ، على سنته عز وجل في أنبيائه^، فحصل عليها من الأنصار، وكان يحمي نفسه بالحراسة وقد نصره الله وهزم أعداءه المشركين واليهود ، وشملت دولته الجزيرة العربية الى أكراف الشام واليمن والبحرين وساحل الخليج . وصار جيشه يهدد الروم في الشام فلسطين ، وها هو’في السنة العاشرة يودع المسلمين ويتلقى آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس ! فما عدا مما بدا ، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ ! وصار النبي’الآن وهو قائد الدولة القوية بحاجة إلى حماية وعصمة من الناس؟! إنها ليست الحماية المادية، فقد وفرها الله له بالأسباب الطبيعية وألطافه على أحسن وجه . لكن تبليغه’لرسالة ربه في عترته يحتاج الى حماية من قريش لأنها عنيفة في حب السلطة وشرسة من أجلها ! فمصدر الخطر على ترتيب النبي’لخلافته كان محصوراً في قريش وحدها لا غير ! فلا قبائل العرب ولا اليهود ولا النصارى ، يستطيعون التدخل في هذا الأمر الداخلي وإعطاء الرأي فيه ، فضلاً عن عرقلة تبليغه أو تنفيذه ! وكأن النبي’كان آيساً من إمكانية تنفيذ الموضوع ، فهو يعرف طبيعة قريش وتعقيدها النفسي وإغراقها في المادية والمراوغة ، كقبائل اليهود الماديين المعقدين، الذين عانى منهم موسى والأنبياء^! لذلك أمره الله أن يتم عليهم الحجة ، وطمأنه بعصمته من ارتدادهم .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page