• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأقوال الثلاثة في تفسير آية إكمال الدين

1- قول أهل البيت:
أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة ، في رجوع النبي’من حجة الوداع ، عندما أمره الله تعالى أن يوقف المسلمين في غدير خم ويبلغهم ولاية علي فأوقفهم وبلغهم ما أمره به ربه . وهذه نماذج من أحاديثهم: ماتقدم من الكافي:1/289، عن الإمام الباقرقال: (وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض). وفي الكافي:1/198: (عن عبد العزيز بن مسلم قال:كنا مع الرضا×بمرو ، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا ، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي×فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسم×ثم قال:يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه’ حتى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ ، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً فقال عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍْ ، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره’: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا، وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض’ حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق ، وأقام لهم علياً×عَلَماً وإماماً ، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه ، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فهو كافر به ! هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة ، فيجوز فيها اختيارهم؟! إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم.إن الإمامة خصَّ الله عز وجل بها إبراهيم الخليل×بعد النبوة والخلة مرتبةً ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً، فقال الخليل×سروراً بها: ومن ذريتي؟قال الله تبارك وتعالى: لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة).

2- قول السنيين الموافق لأهل البيت:
وقد رووا حديث  الغدير بعشرات الروايات وفيها صحاح من الدرجة الأولى، جمعها بعض علمائهم كالطبري المؤرخ في كتابه (الولاية) فبلغت طرقها ونصوصها مجلدين ، وابن عقدة وابن عساكر وغيرهم . وتنص على أن النبي’دعا علياً وأصعده معه على المنبر ورفع يده حتى بان بياض إبطيهما وبلَّغَ الأمة ما أمره الله تعالى فيه ، وأمر المسلمين أن يهنؤوه ويبايعوه ، وقال له عمر بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة !...إلخ . ونص بعضها على أن آية إكمال الدين نزلت يومها بعد خطبة النبي’ . لكن أن أكثر علمائهم لم يقبلوا أحاديث نزولها يوم الغدير ، مع أنهم صححوا أحاديث الغدير ، والسبب أنهم أخذوا بقول عمر ومعاوية، أنها نزلت يوم عرفة ! فحديث الغدير عندهم محل إجماع ونزول آية إكمال الدين فيه محل خلاف .
أما علماؤنا فجمع عدد منهم أحاديث الغدير وآياته ، ومن أشهرهم: النقوي الهندي في عبقات الأنوار ، والسيد المرعشي في شرح إحقاق الحق ، والسيد الميلاني في نفحات الأزهار ، والشيخ الأميني في كتابه الغدير ، وقد أورد عدداً من روايات السنيين في نزول الآية يوم الغدير وهذه خلاصة ما ذكره&: (ومن الآيات النازلة يوم الغدير في أمير المؤمنين×قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًا.

ثم أورد عدداً من المصادر التي روتها، منها:
1 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب (الولاية) بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الكريمة يوم غدير خم في أمير المؤمنين.
2 - الحافظ ابن مردويه الأصفهاني ، من طريق أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ثم رواه عن أبي هريرة .
3 - الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، في كتابه (ما نزل من القرآن في علي).عن أبي سعيد الخدري: أن النبي(ص)دعا الناس إلى علي في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمَّ ، وذلك يوم الخميس فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما ، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية. إلخ .
4 - الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخه:8/290، عن أبي هريرة عن النبي(ص): من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخ ٍيا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ،فأنزل الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْالآية .
5 - الحافظ أبو سعيد السجستاني، في كتاب الولاية  عن أبي سعيد الخدري.
6 - أبو الحسن ابن المغازلي الشافعي ، في مناقبه عن أبي هريرة.
7 - الحافظ الحاكم الحسكاني، عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله’لما نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، قال: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي .
8 - الحافظ ابن عساكر الشافعي الدمشقي ، بطريق ابن مردويه، عن أبي سعيد وأبي هريرة . (الدر المنثور:2/259).
9 - أخطب الخطباء الخوارزمي، في المناقب/80 عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن النبي’يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمَّ ، وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس إلى إبطيه ، حتى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.الآية وروى في المناقب/94.
10 - أبو الفتح النطنزي روى في كتابه الخصايص العلوية ، عن أبي سعيد الخدري وجابر الأنصاري.
11 - أبو حامد سعد الدين الصالحاني عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ بغدير خم فقال رسول الله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي رواه الصالحاني .
12 - شيخ الإسلام الحمويني الحنفي ، روى في فرايد السمطين في الباب الثاني عشر  قال). (الغدير: 1/230).

3- قول عمر ومعاوية أنها نزلت يوم عرفة
وهو القول المشهور عند السنيين، رواه بخاري في صحيحه:1/16: أن رجلاً من اليهود قال لعمر: (يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ! قال: أيَّةُ آية ؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الآسْلامَ دِينًاً . قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي(ص) وهو قائم بعرفة يوم جمعة). ونحوه في:5/127، وفيه: (وهو واقف في عرفة قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً ! فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت ، وأين رسول الله(ص)حين أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا). وفي بعضها أن اليهودي كعب الأحبار وقلدت مصادر السنيين الرسمية رواية بخاري هذه ، وتعصب لها علماؤهم  ولم يَصْغَوْا لرد النسائي وسفيان الثوري وغيرهما أن يكون يوم عرفة في حجة الوداع يوم جمعة ! ولا لرواياتهم الصحيحة المتقدمة المؤيدة لرأي أهل البيت! فيكفي عندهم أن يقول عمر إنها لم تنزل يوم الغدير ، بل في عرفات قبل الغدير بتسعة أيام ، فهو مقدم على كل اعتبار !
قال السيوطي في الإتقان:1/75 ، في الآيات التي نزلت في السفر: (منها: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، وله طرقٌ كثيرة لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم . وأخرج مثله من حديث أبي هريرة ، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع. وكلاهما لايصح).ونحوه الدر المنثور:2/259. أما لماذا لايصح فلأنه عمر قال غيره ! وهذا هو الموقف العام لمذاهب الخلافة ، فهم يقولون بصحة حديث الغدير، لكن الآية نزلت قبله ولم تنزل فيه ، حتى لو خالفه الحساب والتاريخ والجغرافيا ! ومن المتعصبين لرأي عمر في الآية: ابن كثير ، وخلاصة كلامه في تفسيره:2/14: (عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة ، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ . وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول الله(ص)بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً ، رواهما ابن جرير) .
ثم ذكر ابن كثير رواية مسلم وأحمد والنسائي والترمذي المتقدمة وقال: (قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا . وشك سفيان& إن كان في الرواية فهو تورُّعٌ حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا ، وإن كان شكاً في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة فهذا ما أخاله يصدر عن الثوري فإن هذا أمر معلومٌ مقطوعٌ به لم يختلف فيه أحدٌ من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء ، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة لايشك في صحتها والله أعلم . وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر . وقال ابن جرير  عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه ! فقال عمر: أيُّ آيةٍ يا كعب؟ فقال: فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت والمكان الذي أنزلت فيه نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيدٌ. وقال ابن جرير.. حدثنا عمرو بن قيس السكوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، حتى ختمها فقال: نزلت في يوم عرفة ، في يوم جمعة.. وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس ! ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، يقول ليس بيوم معلوم عند الناس . قال: وقد قيل إنها نزلت على رسول الله(ص)في مسيره إلى حجة الوداع) . ثم قال ابن كثير: (قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله(ص)يوم غدير خم حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه ثم رواه عن أبي هريرة ، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه (ص) من حجة الوداع . ولا يصح لاهذا ولا هذا بل الصواب الذي لاشك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان ، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، وسمرة بن جندب ، وأرسله الشعبي ، وقتادة بن دعامة ، وشهر بن حوشب، وغير واحد من الأئمة والعلماء ، واختاره ابن جرير). انتهى. وتلاحظ أن ابن كثير لا يريد الإعتراف بوجود تشكيكٍ في أن يوم عرفة كان يوم جمعة لأن ذلك يخالف قول عمر ، ولذلك التفَّ على نفي سفيان الثوري معتذراً بأنه تقوى واحتياط من الثوري ! ولم يذكر ما رواه النسائي، والطبري في تفسيره:4/111، قال: (ثنا داود قال قلت لعامر: إن اليهود تقول:كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه؟ فقال عامر: أوَما حفظته؟ قلت له: فأي يوم؟قال: يوم عرفة أنزل الله في يوم عرفة ! وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية أعني قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، يوم الإثنين وقالوا: أنزلت سورة المائدة بالمدينة. ذكر من قال ذلك.عن ابن عباس وأنزلت سورة المائدة يوم الإثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).

آية إكمال الدين نزلت يوم الغدير وليس في عرفات !
نشكر الله أن المحدثين رووا كثيراً عن الوداع الرسولي المهيب ، الذي تم بإعلانٍ ربانيٍّ مسبق ، وإعدادٍ نبوي واسع ، وإن كانوا ضيعوا في أحاديثه هوية الأئمة الإثني عشر ، وكثيراً مما يتعلق بالعترة. وقد سجلوا حركة النبي’من المدينة ، والأماكن التي مر بها أو توقف فيها ومتى دخل مكة وأدى المناسك ، ثم حركة رجوعه’ حتى دخل إلى المدينة , وعاش فيها نحو شهرين هي بقية عمره الشريف’. وكله يؤكد قول أهل البيت ونجمل ذلك في نقاط:

أولاً: إن التعارض بين ما دلَّ على سبب نزول الآية ،
ليس بين حديثين أحدهما أصح سنداً وأكثر طرقاً ، كما صور أو تصور ابن كثير والسيوطي والطبري وغيرهم ، بل تعارضٌ بين حديث نبوي رواه أهل البيت وعدد من الصحابة ، وبين قولٍ لعمر ومعاوية رواه عنه بخاري وغيره ولم يسندوه إلى النبي’ ! ولو تنزلنا وقلنا إن أحاديث أهل البيت أقوال لهم يكون التعارض بين قول صحابي وقول أئمة أهل البيت. ولا شك في أن قولهم مقدم بحكم وصية النبي’بهم وأنهم عِدْلُ القرآن وأحد الثقلين ، بالحديث الصحيح المتواتر، كالذي رواه أحمد:3/14:(عن أبي سعيد قال رسول الله (ص): إني تاركٌ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض). ورواه أيضاً في:3/17 و26 و59، و4/366 ، و371 ، والدارمي:2/431 ، ومسلم 7/122 ، والحاكم على شرط الشيخين ، و:3/109 و148، وغيرهم.

ثانياًً: إن جواب عمر لليهودي غير مقنعٍ لليهودي ولا للمسلم !
لأنه إن قصد أن نزولها صادف يوم جمعة ويوم عرفة ! فيقول له اليهودي: إن كان ربكم لايعلم أنه يوم عيد فيا ويلكم من عبادته ! وإن يعلم فكيف أنزل عيد إكمال الدين على عيد أو اثنين ، وهو يعلم أنهما سيأكلانه ؟! فلماذا خرَّب عليكم ربكم هذا العيد ؟! وإن قصد عمر أن عيد إكمال الدين أدغم وصار مشتركاً في يوم واحد مع عيد عرفة والجمعة ، فأين هو إلا عند الشيعة ؟! وأسوأ من ذلك أن يكون قصده أنه تعالى تعمد تذويب عيد إكمال الدين ، أو نسي فأنزله في يوم عيد ، فتدارك المسلمون الأمر بالدمج والإدغام أو التنصيف ! فمن الذي اتخذ قرار الإدغام ؟ ومن يحق له أن يدغم عيداً إلهياً في عيد آخر ، أو يطعم عيداً ربانياً لعيد آخر؟! وما بال الأمة الإسلامية لم يكن عندها خبر بحادثة اصطدام الأعياد في عرفات حتى جاء هذا اليهودي في خلافة عمر ونبههم ، فأخبره عمر بأنه يوافقه على كل ما يقوله ، وأخبر المسلمين بقصة تصادم الأعياد في عرفات ، وأن الحكم الشرعي فيه الإدغام لمصلحة العيد السابق ، أو إطعام العيد اللاحق للسابق ! وهل هذه الأحكام للأعياد أحكامٌ إسلامية ربانية ، أم عمرية اعتباطية شبيهاً بقانون تصادم الأعياد الوطنية والدينية ، أو تصادم السيارات ؟! لقد اعترف عمر بالمشكلة التي طرحها اليهودي ، لكنه لم يحلها ! ثم رتب عليها أحكاماً من عنده لم يقل إنه سمعها من النبي’ !
وأصل مشكلته أنه اعترف بأن يوم نزول الآية يوم عظيمٌ ومهمٌّ في دين الإسلام، لأنه يوم أكمل الله فيه تنزيل الإسلام وأتمَّ فيه النعمة على أمته ، وأنه يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة تحتفل فيه وتجتمع فيه كبقية أعيادها الشرعية الثلاث: الفطر والأضحى والجمعة . بل ادعى أنه عيد فعلاً ! ووافق كعباً على أنه لو كان عند أمة أخرى لأعلنته عيداً ربانياً شرعياً. وعليه يجب أن يكون عيد إكمال الدين شرعياً في فقه السنيين، يضاف إلى عيدي الفطر والأضحى وعيد الجمعة ، فأين هو ؟!

ثالثاً: إن قول عمر في الآية مردود لأنه متناقض !
فقد فهم هذا اليهودي من الآية أن الله أكمل تنزيل الإسلام وختمه يوم نزول الآية وقبل عمر منه هذا التفسير ، ومعناه أن نزولها بعد نزول جميع الفرائض والأحكام ، فصح عنده ما قاله أهل البيت وما قاله السدي وابن عباس وغيرهما من أنه لم تنزل بعدها فريضةٌ ولا حكم .
ثم قال عمر وبسند صحيح: لكن نزل بعدها آيات الكلالة وأحكام الإرث وغيرها ،كما يأتي في بحث آخر ما نزل من القرآن ، فوجب أن يقول لليهودي: ليست الآية آخر ما نزل ليكون يومها عيداً ! ومن ناحية ثانية، فتح عمر على نفسه وأتباعه فقهاء المذاهب المطالبة بعيد الآية ! الذي لاعين له ولا أثر ولا إسم ولا رسم عندهم ! ومن ناحية ثالثة ، نقض عمر إجماع المسلمين على أن الأعياد الإسلامية توقيفية ، ولا يجوز لأحد أن يشرع عيداً من نفسه؟!
فحجة الشيعة في جعل يوم الغدير عيداً أنهم رووا عن النبي’أن يوم الآية عيدٌ شرعي، وأن جبرئيل أخبره بأن الأنبياء^كانوا يأمرون أممهم أن تتخذ يوم نصب الوصي عيداً فما هي حجة عمرفي تأييد كلام اليهودي وموافقته على أن ذلك اليوم يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة ! ثم أخذ يعتذر له بمصادفة نزولها في يوم عيدالخ.! فإن كان حَكَمَ بذلك من عند نفسه فهو تشريع وبدعة ! وإن كان سمعه من النبي’فلماذا لم يروه ولا رواه غيره ، إلا الشيعة ؟!
والواقع أن عمر تورط في(آية علي بن أبي طالب)من نواح عديدة ولم يخرج من ورطتها ولا أتباعه الى يومنا هذا !

رابعـاًً: الرواية عن عمر متعارضة،
وهذا يوجب سقوطها ، فقد رووا عنه بسند صحيح أن يوم عرفة كان يوم خميس ! ( قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ! قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله بعرفات) ! رواه النسائي:5/251، وروى في:8/114 أنها نزلت في عرفات يوم جمعة !

خامساًً: جزم سفيان الثوري جازماً أن يوم عرفة في حجة الوداع لم يكن يوم جمعة
قال بخاري في روايته: (قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا) وإنما قال (وأشك) مداراة لجماعة عمر الذين رتبوا كل أحداث حجة الوداع وأحداث التاريخ الإسلامي على أن يوم عرفات كان يوم جمعة ! وستأتي رواية النسائي في ذلك وتوافقها روايات نصت على أن الآية نزلت يوم الإثنين، ففي دلائل البيهقي:7/233: (عن ابن عباس قال: ولد نبيكم’يوم الإثنين ونبئ يوم الإثنين ، وخرج من مكة يوم الإثنين ، وفتح مكة يوم الإثنين ، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وتوفي يوم الإثنين).
قال في الزوائد:1/196: (رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف،وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح). وعلة الحديث عندهم مخالفته لعمر، وليس ابن لهيعة الذي وثقه عدد منهم ، وللحديث طرقٌ بدون ابن لهيعة وقد صرح بذلك السيوطي وابن كثير ! قال في سيرته:1/198: (تفرد به أحمد ورواه عمرو بن بكير عن ابن لهيعة وزاد: نزلت سورة المائدة يوم الإثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به وزاد أيضاً: وكانت وقعة بدر يوم الإثنين وممن قال هذا يزيد بن حبيب وهذا منكرٌ جداً ! قال ابن عساكر: والمحفوظ أن بدراً ونزول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يوم الجمعة، وصدق ابن عساكر) ومعنى (منكر) أنه مخالف لعمر ومعنى (المحفوظ) أي الرسمي الذي يُدَرِّسونه لرواتهم ! واخيراً، إن إشكالنا عليهم بأحاديث نزول الآية يوم الإثنين ، إلزامٌ لهم بما صححوه وإلا فالمعتمد عندنا أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة وأن وفاته’كانت في الثامن والعشرين من صفر فتكون الفاصلة بينهما نحو سبعين يوماً وعندنا أن بعثته’كانت يوم الإثنين وصلى عليٌّ×معه يوم الثلاثاء ، ووفاته’يوم الإثنين، وقد تكون سورة المائدة نزلت يوم الإثنين أي أكثرها ، ثم بقيتها ومنها آيتا التبليغ وإكمال الدين .

سادساً: أن عيد المسلمين يوم الأضحى وليس عرفة،
لكن عمر جعله يوم عرفة وهو بميزان الوهابية بدعة! فعلى رواية النسائي أن الآية نزلت ليلة عرفة لا يبقى عيد حتى يصطدم به العيد النازل ولا يحتاج الأمر إلى إدغام الأعياد أو تنصيفها كما ادعى عمر !

سابعاً: لو كان يوم عرفة يوم جمعة كما صححوا عن عمر ، لصلى النبي’بالمسلمين صلاة الجمعة،
بينما لم يروِ أحدٌ أنه صلاها في عرفات ، وأجمعوا على أنه صلى الظهر والعصر كالنسائي وغيره ! وقد وضع في سننه:1/290، عنواناً بإسم (الجمع بين الظهر والعصر بعرفة) روى فيه عن جابر بن عبد الله قال: (سار رسول الله (ص) حتى أتى عرفة. ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً)! وفي رواية أبي داود:1/429:(فجمع بين الظهر والعصر).
فلو كان عرفة يوم جمعة ولم يصلها النبي’لذكر ذلك ألوف المسلمين الذين حضروا حجة الوداع !

ثامنـاً: تورط علماء الجرح والتعديل السنيون في حديث أبي هريرة
الذي رواه الخطيب والحسكاني وابن عساكر وابن المغازلي وابن كثير والخوارزمي بأسانيد عن أبي هريرة، في أن آية إكمال الدين نزلت يوم غدير خم بعد خطبة النبي’ووصيته الأمة بالقرآن والعترة ، وبعد أن رفع يد علي×وأعلنه خليفة من بعده ! فقد روى أبو هريرة أن النبي’أمرهم أن يصوموا ذلك اليوم شكراً لله تعالى، قال: (من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً  وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي(ص) بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال عمر بن الخطاب بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ! فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا).(تاريخ دمشق:42/233، وغيره).
وسبب تحيرهم أنهم لايمكنهم الطعن في سند الحديث لأن رجاله موثقون من رجال الصحاح ! ولا يمكنهم قبوله لأن عمر أنكر أن تكون الآية نزلت في يوم الغدير وقال نزلت قبله بأيام ! بينما أبو هريرة ينسف كل ذلك وينسف السقيفة ويقول: نزلت ولاية علي من الله تعالى وبلغها النبي’فنزلت آية إكمال الدين ، وهنأه عمر وبخبخ له ! وعادة المتعصبين لعمر عندما يقعون في مأزق أن يفقدوا توازنهم ويردوا الحديث النبوي المخالف لقول عمر حتى (دفعاً بالصدر) وهو مصطلح لمن رد حديثاً بلا حجة تشبيهاً له بمن يدفع أحداً في صدره ! ويصفون الحديث بأنه منكر أو مكذوب لأنه يخالف قول عمر، كما فعل الذهبي وابن كثير ! قال السيد حامد النقوي في خلاصة عبقات الأنوار:7/246: (رويّ حديث صوم يوم الغدير بطريق صحيح رجاله كلهم ثقات ، فقد أخرج الحافظ الخطيب ، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران ، عن علي بن عمر الدار قطني ، عن أبي نصر حبشون الخلال ، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة ، عن عبد الله بن شوذب، عن مطر الوراق  عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم..الخ) وعدَّد الأميني&في الغدير:1/236 ، ستة عشر من علماء السنة رووا الحديث ، وقال: (رواية أبي هريرة صحيحة الإسناد عند أساتذة الفن منصوص على رجالها بالتوثيق. وحديث أبي سعيد له طرق كثيرة كما مر في كلام الحمويني في فرائده ، على أن الرواية لم تختص بأبي سعيد وأبي هريرة فقد عرفت أنها رواها جابر بن عبد الله، والمفسر التابعي مجاهد المكي ، والإمامان الباقر والصادق صلوات الله عليهما ، وأسند إليهم العلماء مخبتين إليها وقد سمعت عن السيوطي نفسه في دره المنثور رواية الخطيب وابن عساكر وعرفت أن هناك جمعاً آخرين أخرجوها بأسانيدهم مثل الحاكم النيسابوري ، والحافظ البيهقي ، والحافظ ابن أبي شيبة ، والحافظ الدارقطني ، والحافظ الديلمي ، والحافظ الحداد وغيرهم ، كل ذلك من دون غمز فيها من أي منهم).انتهى. فكلام ابن كثير وشيخه الذهبي غير صحيح ، أما العجلوني (كشف الخفاء:2/258)فكان أكثر إنصافاً منهما فنقل تكذيب الذهبي للحديث بدليل واه ولم يؤيده ولا ذكر أسانيده الصحيحة ! أما من طرقنا فروته مصادرنا المعتبرة، كأمالي الصدوق/50 ، والكافي:4/148، ونحوه الفقيه:2/90 وتهذيب الأحكام:4/305 ، وثواب الأعمال/74 .

تاسعاً: قالت بعض رواياتهم إن النبي’عاش بعد نزول الآية إحدى وثمانين ليلةً،
وهذا ينفي أن يكون يوم عرفة يوم جمعة ! فوفاة النبي’عندهم في الثاني عشر من ربيع الأول،فيكون من9 ذي الحجة إلى12ربيع الأول أكثر من تسعين يوماً ! فإما أن يوافقونا على رواية وفاته قبل ذلك وأنها في28 صفر أو يوافقونا على نزول الآية يوم الغدير18ذي الحجة ! قال في الدر المنثور:2/259: (عن ابن جريج قال: مكث النبي(ص)بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ). ونحوه البيهقي في شعب الإيمان:2/257 وفي تلخيص الحبير بهامش مجموع النووي:7/3: عن ابن جريح أنه(ص) لم يبق بعد نزول قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم إلا إحدى وثمانين ليلة والطبراني في الكبير برقم12984، وتفسير الطبري:4/106، عن ابن جريح قال: مكث النبي’بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة وراجع الغدير:1/230 .

عاشراً: القول بأن يوم عرفة كان يوم جمعة ،
تنفيه الروايات التي سجلت حركة النبي’من المدينة وأنها كانت الخميس لأربعٍ بقين من ذي القعدة. وهو المشهور عن أهل البيت وهو منسجم مع تاريخ نزول الآية في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة . فسفر النبي’ كان يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة ، لأربع بقين من ذي القعدة هي: الخميس والجمعة والسبت والأحد فيكون أول ذي الحجة الإثنين، ووصول النبي’إلى مكة عصر الخميس سلخ الرابع من ذي الحجة كما نصت رواية الكافي:4/245 ، ويوم عرفة الثلاثاء ، والغدير الخميس الثامن عشر من ذي الحجة ففي الوسائل:9/318: (خرج رسول الله’لأربعٍ بقين من ذي القعدة، ودخل مكة لأربعٍ مضين من ذي الحجة ، دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفلها).
وفي الكافي:4/245: (عن أبي عبدالله قال: حج رسول الله’ عشرين حجة إن رسول الله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ثم أنزل الله عز وجل عليه:وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله’يحج في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب.فخرج رسول الله’في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة فطاف بالبيت سبعة أشواط). وفي المسترشد/119: (عن أبي سعيد أن رسول الله’دعا الناس إلى علي×بغدير خم وأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فَقُمَّ ، وذلك يوم الخميس ، ثم دعا الناس وأخذ بضبعيه ورفعه حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه ، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ، فقال رسول الله’:الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي ).انتهى. ويؤيد قول أهل البيت رواية عيون الأثر:2/341 ، أن سفر النبي’ كان الخميس ، وما روته مصادر الفريقين من أنه’كان لايبدأ سفره إلا يوم خميس ، أو قلما يبدؤه في غيره . (بخاري:4/6 ، وأبو داود:1/586). ويؤيده روايتهم عن جابر أن حركته’كانت لأربعٍ بقين من ذي القعدة  كما في سيرة ابن كثير . وأن بخاري وأكثر الصحاح رووا أن سفره’كان لخمسٍ بقين من ذي القعدة بدون تحديد يوم . راجع صحيح بخاري:2/146 و184 و187 و4/7 وفيه: وقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة ، والنسائي:1/154 و208 و5/121 ، ومسلم:4/32 ، وابن ماجة:2/993 ، والبيهقي:5/33 ، وغيرها . ويؤيده أن مدة سيره’من المدينة إلى مكة لاتزيد على ثمانية أيامٍ وذلك بملاحظة الطريق الذي سلكه ، وهو في حدود400كيلومتراً وملاحظة سرعة السير حتى أن بعض الناس شكوا له تعب أرجلهم فعلمهم النبي’أن يشدوها ! وأن أحداً لم يرو توقفه في طريق مكة أبداً . وبذلك تسقط رواية خروجه من المدينة لستٍّ بقين من ذي الحجة ، كما في عمدة القاري، وإرشاد الساري، وهامش الحلبية:3/257لأنها تستلزم أن تكون مدة السير إلى مكة عشرة أيام ! وبهذا يتضح تكلف المخالفين حيث اعتمدوا رواية (خمس بقين من ذي القعدة) وحاولوا تطبيقها على يوم السبت ليجعلوا أول ذي الحجة الخميس، ويجعلوا يوم عرفة يوم الجمعة تصديقاً لقول عمر ! بل كانوا ملكيين أكثر من الملك لأنه روي عنه أنه الخميس. لاحظ ابن سعد في الطبقات:2/124، والواقدي في المغازي:2/1089 ، وتاريخ الطبري:3/148 ، وتاريخ الذهبي:2/701 ، وهامش السيرة الحلبية:3/3 ، وغيرهم . وقد حاول ابن كثير الدفاع عن هذا القول الحكومي ، وارتكب التكلف والمصادرة ، راجع سيرته:4/217.

والنتيجة:
أن القول بنزول آية إكمال الدين في يوم عرفة ، ترد عليه إشكالاتٌ عديدةٌ ، في منطقه وتاريخه وتوقيته وكلها تستوجب تركه وعدم الأخذ به فيكون رأي أهل البيت ومن وافقهم في سبب نزولها بدون معارض معتد به ، لأن المعارض الذي لايستطيع النهوض كعدمه والمتن الكسيح لاينهضه السند الصحيح ! عيد الغدير عيدٌ سنيٌّ أيضاً.

ختاماً:
إن المجمع عليه عند المسلمين أن يوم نزول الآية عيدٌ إلهيٌّ عظيم (عيد إكمال الدين وإتمام النعمة). بل ورد عن أهل البيت^أنه أعظم الأعياد الإسلامية على الإطلاق ، ودليله المنطقي أن العيد الأسبوعي للمسلمين مرتبط بصلاة الجمعة ، وعيد الفطر بعبادة الصوم، وعيد الأضحى بعبادة الحج أما هذا العيد فهو مرتبطٌ بإتمام الله تعالى نعمة الإسلام كله على الأمة، وقد تحقق في رأي السنيين بتنزيل أحكام الدين وإكمالها بدون تعيين رباني لقيادة الأمة وتحقق برأينا بإكمال تنزيل الأحكام وحل مشكلة القيادة وإرساء نظام الإمامة في عترة خاتم النبيين’إلى يوم القيامة . فالكل المسلمين متفقون على أنه عيدٌ شرعي ، فلماذا تخسر الأمة أعظم أعيادها ، ولا يكون له ذكر في مناسبته ولا مراسم تناسب شرعيته وقداسته؟! ولماذا لا يحييه أتباع المذاهب السنية بالشكل الذي ينسجم مع عقيدتهم وفقه مذاهبهم ؟!

أسباب النزول تكشف تحريفات السلطة
باستطاعتك أن تكشف رواة السلطة من أحاديث أسباب النزول أكثر من غيرها ، لأن الجانب الرياضي فيها أوضح ! فعندما تجد خمسة أسباب في نزول آية ، متنافية في المكان والزمان والحادثة ، لايمكن أن تقبلها وتقول كلها صحيحة ورواتها صحابة عدول وكلهم نجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا ! بل لابد أن يكون السبب واحداً ، والباقي غير صحيح ، أو كلها غير صحيحة ! لذا أدعو الباحثين في تفسير القرآن وعلومه الى العمل في هذا الحقل ليقدموا إلى الأمة والأجيال نتائج جديدة في فهم القرآن والسيرة ، بل في فهم العقائد والفقه والإسلام .
ولهذا أكد أمير المؤمنين على أهمية معرفة أسباب النزول ، لأنها تميز الحق من الباطل وتضع حداً للمحرفين المبطلين ! قال:(كنت إذا سألت رسول الله’أجابني، وإن فنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنياً ولا آخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة، إلا أقرأنيها وأملاها عليَّ وكتبتها بيدي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ، وكيف نزلت وأين نزلت وفين أنزلت ، إلى يوم القيمة ، ودعا الله لي أن يعطيني فهماً وحفظاً ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا على من أنزلت ). (بصائر الدرجات/218) .
ومن أوضح الأمثلة لأسباب النزول ، مسألة آخر ما نزل من القرآن ! فقد تتفهم أن يختلف المسلمون في أول ما نزل من القرآن، لأنهم لم يكونوا مسلمين يومها، ثم لم يكتبوا عن النبي’ماعدا علي× ! ثم منعتهم السلطة من كتابة سنة النبي’بعد وفاته ، فأوقعت الأجيال في مشكلات لاآخر لها ! لكن العجيب اختلافهم في آخر ما نزل من القرآن ، وقد كانوا دولةً وأمةً ملتفَّةً حول نبيها ، وقد أعلن لهم أنه راحل عنهم عن قريب،وحج معهم حجة الوداع،ومرض قبل وفاته أسبوعين  وودعوه وودعهم! فلماذا اختلفوا في آخر ما نزل عليه؟الجواب: إنها الأغراض السياسية التي دخلت في كل شئ

آخر ما نزل من القرآن: سورة المائدة وآيات الغدير
اتفق أهل البيت على أن آخر ما نزل من القرآن سورة المائدة فروى العياشي في تفسيره:1/288 عن علي قال: (كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً ، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله’بآخره ، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة فنسخت ما قبلها ولم ينسخها شئ . لقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء وثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها، حتى رأيت سُرَّتها تكاد تمسُّ الأرض، وأغميَ على رسول الله’حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله’فقرأ علينا سورة المائدة فعمل رسول الله’وعملنا). وقصده×أن المسح على القدمين في الوضوء هو الواجب وليس غسلهما، لأنه نزل في سورة المائدة . وفي الكافي:1/289، بسند صحيح عن الإمام الباقر قال: (أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً’أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله’وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه ، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب. قال عمر بن أذنية: قالوا جميعاً غير أبي الجارود وقال أبو جعفر×: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجل:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي  قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض) . وفي تاريخ اليعقوبي:2/43: (وقد قيل إن آخر ما نزل عليه:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً وهي الرواية الصحيحة ، الثابتة الصريحة).

رأي السنيين الموافق لرأي أهل البيت في سورة المائدة
رووا عن عائشة بسند صحيح ما يوافق رأي أهل البيت قالت: (إن سورة المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حلالاً فحللوه ، وما وجدتم فيها حراماً فحرموه) ( أحمد:6/188 وسنن البيهقي:7/172 وطبقات الحنابلة:1/427 . والحاكم:2/311 ، على شرط الشيخين ، والمحلى:9/407 ، وفي الغدير:1/228: ونقل ابن كثير من طريق أحمد والحاكم والنسائي ومجمع الزوائد:1/256 عن ابن عباس: فإنها أحكمت كل شئ ، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن ) . فالمتسالم عند أهل البيت^أن آخر ما نزل من القرآن المائدة  وتؤيده رواياتٍ صحيحة في مصادر السنة  بل إن آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ تكفي وحدها دليلاً على أنها آخر ما نزل من القرآن ، لأنها تقول إن نزول الأحكام قد تم، وتنفي نزول أي حكم بعدها مضافاً الى ما تقدم من النص على ذلك .

ودخلت السياسة على الخط فظهرت الهرطقة !
سئل الخليفة عمر ذات يوم عن بعض أحكام الربا فلم يعرفها فقال: متأسف ، فآية الربا آخر آية نزلت ، وتوفي النبي(ص) ولم يبينها لنا ! ومن يومها صار ختام ما نزل من القرآن مردداً بين المائدة وآيات الربا ! وصارت المائدة (من) آخر ما نزل ، وليس آخر ما نزل ! ففي الدر المنثور: 2/252، أن النبي’قال: (المائدة (من) آخر القرآن تنزيلاً فأحلوا حلالها وحرموا حرامها) فهل عرفت أن (من) موظفة من الحكومة لتصديق قول الخليفة؟ ولكن آية الربا التي قال عمر إنها آخر ما نزل ! موجودة في أربع سور: في الآيتين275 و276 من سورة البقرة والآية161 من سورة النساء ، والآية39 من سورة الروم ، والآية130 من سورة آل عمران.. وبعض هذه السور مكي وبعضها مدني ! فأي آية منها قصد الخليفة ؟! هنا تبرع الموظفون فقالوا إنه يقصد الآية278من سورة البقرة ! فصار مذهبهم أن آخر آية نزلت من القرآن وضعت في سورة البقرة التي نزلت في أول الهجرة ! وصار تحريم الربا تشريعاً إضافياً ، لأنه نزل بعد آية إكمال الدين ! وكأنهم لا يرون بأساً بهذا التهافت في نزول القرآن ، لأنهم يدافعون بذلك عن عمر الذي يعتقدون أنه خليفة النبي’!
قال أحمد:1/36: (قال عمر: إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا وإن رسول الله قبض ولم يفسرها، فدعوا الربا والريبة). وكنز العمال:4/186، عن تسع مصادر .
وقال السرخسي في المبسوط:2/51 و12/114: (فقد قال عمر رضي الله عنه:إن آية الربا آخر ما نزل وقبض رسول الله قبل أن يبين لنا شأنها) ! فكلام عمر يجب أن يكون صحيحاً، حتى لو استوجب تكذيب القرآن في إكمال الدين  واستوجب تقصير النبي’في بيان الوحي ! وقال في الإتقان:1/101: (وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت آية الربا وروى البيهقي عن عمر مثله وعند أحمد وابن ماجة عن عمر: من آخر ما نزل آية الربا) انتهى. ولكن إضافتهم (من) في حديث لاتحل المشكلة لأن غيره ليس فيه (من) !

مصيبة الكلالة عند عمر أكبر من مصيبة الربا
وذات يوم ، لم يعرف الخليفة عمر معنى الكلالة واستعصى عليه فهمها وداخ فيها ! فقال إنها آخر آية نزلت وتوفي النبي’ولم يبينها له ، أو بينها له بياناً ناقصاً ! روى بخاري:5/115: (عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ. ونحوه:5/185. وفي الإتقان: 1/101: (فروى الشيخان عن البراء بن عازب قال: آخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ، وآخر سورة نزلت براءة ) ونحوه أحمد:4/298. ومن يومها دخلت آية الكلالة على الخط ! وصار ختام ما نزل مردداً بين آيات الربا والكلالة ، والمائدة وإكمال الدين ! وقد راجعت ما تيسر لي من مصادرهم في الربا والكلالة ، فهالتني مشكلة الخليفة معهما وخاصةً الكلالة ، حتى أنه جعلها قضية هامة على مستوى قضايا الأمة الكبرى، وكان يطرحها على المنبر حتى آخر أيامه ويوصي المسلمين بحلها ! وهو أمر غريب يدل على شعوره العميق بالحرج أمام المسلمين لعدم تمكنه من استيعابها !
ففي صحيح بخاري:6/242: (عن ابن عمر قال: خطب عمر على منبر رسول الله فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل . والخمر ما خامر العقل . وثلاث وددت أن رسول الله(ص) لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً: الجد ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا). ومسلم في:2/81 ، بتفصيل ، ونحوه في:5/61 و8/245 ، ورواه ابن ماجة في:2/910  وفي الدر المنثور:2/249: وأخرج عبد الرزاق ، والبخاري ، ومسلم وابن جرير ، وابن المنذر ، عن عمر الخ. ويدل هذا الصحيح المؤكد على أن عمر لم يسأل النبي’عن الكلالة، وصرح به الحاكم وصححه:2/303 ، أن عمر قال: ( لأن أكون سألت رسول الله عن ثلاثٍ أحب إلي من حمر النعم: عن الخليفة بعده ، وعن قوم قالوا نقرُّ بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك أيحل قتالهم ، وعن الكلالة). لكن صحيح مسلم المؤكد أيضاً روى قول عمر إنه سأل النبي’ عنها مراراً ! قال مسلم في:5/61: (أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ! ما راجعت رسول الله(ص)في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه ، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟! وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لايقرأ القرآن).انتهى. فقد سأل النبي’عنها مراراً فوضحها له لكنه كرر سؤاله حتى غضب عليه النبي’لعدم فهمه لشرحه! ويدل الصحيحان التاليان على أن النبي’أخبره أنه لن يفهم الكلالة طول عمره أو دعا عليه بذلك ! ففي الدر المنثور:2/250: (وأخرج العدني والبزار في مسنديهما ، وأبو الشيخ في الفرائض ، بسند صحيح عن حذيفة قال: نزلت آية الكلالة على النبي في مسيرٍ له فوقف النبي(ص) فإذا هو بحذيفة فلقَّاها إياه ، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقَّاها إياه ، فلما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة: لقد لقَّانيها رسول الله فلقَّيتك كما لقَّاني، والله لا أزيدك على ذلك شيئاً أبداً). وفي كنز العمال:11/80  أن عمر سأل رسول الله: كيف يورث الكلالة؟قال: أو ليس قد بين الله ذلك ثم قرأ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ، فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ . فكأن عمر لم يفهم فأنزل الله:يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ ، فكأن عمر لم يفهم فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله طيب نفس فاسأليه عنها ! فقال: أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبداً ! فكان يقول: ما أراني أعلمها أبداً ، وقد قال رسول الله (ص) ما قال ! وذكر صحة الحديث . بل روى في الدر المنثور:2/249: أن النبي’قد كتبها لعمر في كتف، أي جلد معد للكتابة ! قال: (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن مردويه عن طاوس ، أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي عن الكلالة فسألته فأملاها عليها في كتف وقال: من أمرك بهذا أعمر، ما أراه يقيمها أوما تكفيه آية الصيف؟! قال سفيان: وآية الصيف التي في النساء: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ. فلما سألوا رسول الله نزلت الآية التي في خاتمة النساء). كما رووا أن عمر ألف في الكلالة كتاباً ثم مزقه ! فتأمل هذه التناقضات الصحيحة السند في حديث عمر والكلالة ! والمسائل الثلاث التي قال بخاري لم يبينها النبي’للأمة ولا سأل عمر عنها النبي’، كيف رووا أن النبي’كتبها لعمر ! إن دلالات هاتين القصتين متعددة وخطيرة ، تستحق أن يكتب الباحث فيها عشرات الصفحات ! ونكتفي منها: بأن صحاح الخلافة فيها متناقضاتٌ لايمكن لعاقل أن يقبلها ، بل لابد أن يرد بعضها أو جميعها ! وكيف يمكن أن تقبل أن عمر لم يسأل النبي’عن آية لأنها آخر آية نزلت ثم سأله عنها فكتبها له ثم سأله عنها مراراً فشرحها له فلم يفهمها ، حتى غمزه بإصبعه في صدره وغضب منه ! وأن تقبل أن الكلالة آخر آية نزلت ، وآيات الربا وأنهما نزلتا بعد إكمال الدين وانتهاء تنزيل أحكامه ! فهل معنى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ: عفواً ، لم أكمل أحكام الإرث والربا الخ.!
ونكتفي منها: بأن سلطة عمر على السنيين بلغت حداً تجعل ادعاءه غير المعقول معقولاً ! وتجعل وظيفة علمائه تكييف الإسلام وأحداث نزول آيات القرآن حسب ما قاله حتى لو تناقضت أقواله واتهمت النبي’بالتقصير في التبليغ أو اتهمت الله تعالى بالتناقض في قرآنه وأفعاله !
يريدونك أن تجادل عن شخص غير معصوم ، فتبرئه من الخطأ والتناقض، ولو رميت به الله تعالى ورسوله’! وإلا فأنت رافضي عدوٌّ للإسلام ورسوله’وصحابته ، مهدور الدم والمال والعرض !

تخبطهم في آخر مانزل لإبعاد الآية عن ولاية علي
يظهر أن السيوطي استحى لجماعته من كثرة الأقوال في آخر ما نزل من القرآن ، فأجملها إجمالاً ولم يعددها أولاً وثانياً ، كما عدد الأقوال الأربعة في أول ما نزل ! ونحن نعدها باختصار !
1 - أن آخر آية هي آية الربا وهي الآية 278 من سورة البقرة .
2 - أنه آية الكلالة: الورثة من الأقرباء غير المباشرين.آية176- النساء .
3 - أنه آية (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) آية281 - البقرة .
4 - أنه آية (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ...) لآية 128 - التوبة .
5 - أنه آية (وما أرسلنا من قبلك من رسول ...) لآية 25 - الأنبياء .
6 - أنه آية (فمن كان يرجو لقاء ربه ...) الكهف - 110 .
7 - أنه آية (ومن يقتل مؤمنا متعمداً ...) النساء - 93 .
8 - أن آخر سورة نزلت هي سورة التوبة .
9 - أن آخر سورة نزلت هي سورة النصر .
هذا ما جاء فقط في إتقان السيوطي:1/101، وقد تبلغ رواياتهم ضعف هذا ! وأحاديثها عندهم صحيحة ، والمطلوب المركزي لهم إبعاد الأمر عن سورة المائدة وآية إكمال الدين ، وإبعاد السورة والآية عن ولاية علي بن أبي طالب.  ثم لا مانع إن لزم الأمر أن يتنازلوا عن قول عمر ، لكن لمصلحة قول آخر يبعد الأمر عن ولاية علي×! ولذا دخل معاوية على الخط ، ونفى على المنبر أن تكون آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، آخر ما نزل ! ففي الطبراني الكبير:19/392 ، ووثقه مجمع الزوائد:7/14، عن عمرو بن قيس أنه (سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر نزع بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم  قال: نزلت يوم عرفة في يوم جمعة ، ثم تلا هذه الآية: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)! والشاميين:3/396، وتفسير الطبري:16/51، والدر المنثور:4/257، والإتقان:1/85 . ولذا نسب بخاري الى ابن عباس في صحيحه:5/182 قال: (سمعت سعيد بن جبير قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ..هي آخر ما نزل وما نسخها شئ). آية93: النساء ، ونحوه:6/15، والدر المنثور:2/196 ، عن البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن جرير والطبراني ، وأحمد، وسعيد بن منصور، وابن ماجة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم الخ. فهل يمكن لمسلم أن يقبل أن تحريم قتل المؤمن تشريع إضافي في الإسلام ، نزل بعد إكمال الدين ! ونسب الطبراني في الكبير:12/19، الى ابن عباس: (آخر آية أنزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ). 281 من سورة البقرة !
ونسب الحاكم:2/338الى أبيّ بن كعب وصححه على شرط الشيخين:(آخر ما نزل من القرآن: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ . وهي في سورة التوبة:128 ، ورواه في الدر المنثور:3/295 ، عن بن أبي شيبة ، وابن راهويه ، وابن منيع ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وابن الضريس ، وابن الأنباري ، وابن مردويه ، عن ابن كعب وفيه : إن أحدث القرآن عهداً بالله وفي لفظ بالسماء هاتان الآيتان الخ.

تحايلهم على معنى إكمال الدين من أجل عمر !
قال في الإتقان:1/102: (من المشكل على ما تقدم قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع ، وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها . وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال: لم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ ، مع أنه ورد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعدها ! وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال: الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم الدين بإفرادهم بالبلد الحرام ، وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون ، لايخالطهم المشركون) ! انتهى.
أقول: معنى كلام ابن جرير الطبري:أنه يعترف بأن الآية تنص على إكمال الدين فمعناه أنه لم ينزل بعدها أحكام ، لكن بما أن عمر قال إن آيات نزلت بعدها في أحكام الربا والإرث ، وسياقها الذي وضعت فيه في القرآن يأتي فيه بعدها مجموعة أحكام للحوم والطعام والزواج الخ. فالحل عند الطبري أن نلغي معنى إكمال الدين في الآية ونجعله إكماله بتحرير مكة ! حتى تسلم لنا أحاديث عمر عن الكلالة والربا وغيرها ! وهذا يعني وجوب تطويع آيات القرآن لكلام عمر ولو استلزم تفريغها من معناها ! لكن ماذا يصنعون بإقرار عمر لليهودي بأن يوم إكمال الدين عيد إكمال تنزيل الأحكام .
والصحيح ، ما نص عليه عامة فقهائهم وهو أن آية إكمال الدين إعلان عن إكمال تنزيل الشريعة: (فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام) ، وأرسلوا ذلك إرسال المسلمات ، كعمدة القاري:18/199، وتفسير مقاتل:1/280، وتفسير الطبري نفسه:6/106، عن إمامه السدي ، وتفسير ابن كثير:2/14، والإتقان:1/86 ، وغيرهم أما عندنا فقد فسير الإمام الباقر الآية بسند صحيح قال: (لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة قد أكملت لكم هذه الفرائض).
والفريضة عندنا تعني: كل تكليف شرعي ، ففي الكافي:2/644، عن الصادق قال: (قال رسول الله’: السلام تطوع والرد فريضة) وفي:2/33 ، عن الباقر قال: (قيل لأمير المؤمنين: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله’كان مؤمناً؟ قال: فأين فرائض الله؟ كان علي يقول: لو كان الايمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام).انتهى. فهذا الإجماع بيننا وبينهم ، دليل كاف لرد كل رواية أو مقولة ، تدعي نزول شئ من الأحكام بعد آية إكمال الدين .

معنى الإكمال يؤكد موقع علي ومنظومة الإمامة
حاول اللغويون التمييز بين الإكمال والإتمام وأعمقهم في ذلك الراغب في مفرداته ، والعسكري في الفروق اللغوية ، وأخطأ بعضهم فعدهما مترادفين مع أن القرآن ليس فيه مترادف بالكامل ! والظاهر أن مادة (كمل) تستعمل للمركب الذي لايحصل الغرض منه ولا يكمل إلا بكل أجزائه فإن نقص منها شئ كان وجوده ناقصاً أو مثلوماً ! ولذا قال علي×سيد الفصحاء بعد النبي’في عهده للأشتر: (فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك، ووفِّ ما تقربت به إلى الله من ذلك،كاملاً غير مثلوم ولا منقوص بالغاً من بدنك ما بلغ ) . (نهج البلاغة:3/103) .
فإكمال الدين رفع نقصه بتكميل أجزائه ، أو رفع ثلمه ، لأن الإسلام مركب من الدين وآلية تطبيقه التي هي الإمامة ، وعدم تبليغ الجزء المكمل للمركب يساوي عدم تبليغ شئ منه ، وبذلك يتضح أن الإمامة جزء لايتجزأ من الإسلام ، فلا وجود له وجوداً حقيقياً بدونها .أما النعمة فليست مركباً واحداً بل هي وجود متفاوت ودرجات وأجزاء ، فهي موجودة قبل تبليغ النبي’للإمامة،لكنها لاتكون تامة إلا بها ! فمعنى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، أتممتها بتكميل الإسلام ومنظومة الإمام فيه ، فإكمال مركب الدين بالإمامة ، وبها تتم النعمة على المسلمين إن هم أطاعوا الإمام الذي نصبه ربهم لهم ويدل على ذلك آية جمعت الإكمال والإتمام، هي قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ).(البقرة-233).
فالكمال للحولين لأنهما إسم لمركب ينتفي بانتفاء جزء منه ، فلو نقصت يوماً لم تتحقق الرضاعة لحولين . والتمام للرضاعة لأنها إسم للأعم فإن نقصت عن حولين فهي رضاعة ، وإن كانت غير تامة  هذا وللراغب الأصفهاني هنا لفتة جيدة ، هي أن إكمال الدين يعني ثبات صيغته النهائية وعدم حدوث النسخ فيه فالنسخ كان مفتوحاً في القرآن والسنة حتى نزلت الإمامة فانتهى وكمل الدين بصيغته الخالدة وتمت به النعمة. قال في مفرداته/440: (وقوله: وتمت كلمة ربك إشارة إلى نحو قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، الآية ونبه بذلك أنه لاتنسخ الشريعة بعد هذا).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page