طباعة

باب إمامة أبي جعفر محمد بن علي التقي (عليه السلام)


فصل في المقدمات :
الحمد لله الملك الشكور القادر الغفور الذي بيده مفاتيح الأمور عالم السر و النجوى و كاشف الضر و البلوى أهل المغفرة و التقوى له الحمد في الآخرة و الأولى و له الحكم و إليه ترجعون له العزة و الجلال و القدرة و الكمال و الإنعام و الإفضال و هو الكبير المتعال سبحانه و تعالى عما يشركون له الحجة القاهرة و النعمة الزاهرة
و الآلاء المتظاهرة يرزق من في السماء و الأرض أ إله مع الله قليلا ما تذكرون يرجع الأمر كله إليه و ينطق الكتاب بالحق لديه و هو يجير و لا يجار عليه إن كنتم تعلمون يظهر بصنعه شرائف صفاته و يحق الحق بكلماته و يحشر الخلق لميقاته و يريكم آياته فأي آيات الله تنكرون و جعل السماء سقفا محفوظا و بناء مصنوعا و ممسكا بلا عمد ممنوعا و هم عن آياته معرضون بسط الأرض فأخرج نباتها و أسكنها أحياءها و أمواتها فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون بعث المصطفى داعيا إلى جناته خالصا في إسلامه و إيمانه و يبين آياته للناس لعلهم يتذكرون نصب عليا إماما إزاحة للعلة و تأكيدا للأدلة و إظهارا للملة ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون و اختار أولاده أوصياء خلفاء كما قال تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ .
الصادق (عليه السلام) في هذه الآية قال : النجم رسول الله و العلامات الأئمة من بعده .
أبو الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال هم آل محمد .
أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما السلام) في قوله : بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إنهم الأئمة من آل محمد .
زيد بن علي في قوله : وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا قال نحن هم .
الباقر (عليه السلام) في قوله : إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إلى قوله راجِعُونَ نزل في علي ثم جرت في المؤمنين و شيعته هم المؤمنون حقا .
مالك الجهني قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أن يكون إماما من آل محمد ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله : وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً قال هم الأوصياء (عليه السلام) .
حنان بن سالم الحناط : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقال أبو جعفر (عليه السلام) آل محمد لم يبق فيها غيرهم .
سلام بن المستنير عن أبي جعفر في قوله : قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي قال ذلك رسول الله و أمير المؤمنين و الأوصياء من بعدهما .
أبو جعفر بن أبي الحسن بن أبي إبراهيم بن أبي عبد الله بن أبي جعفر بن أبي محمد
بن أبي عبد الله بن أبي الحسن بن أبي طالب (عليه السلام) .
اسمه : محمد .
و كنيته : أبو جعفر , و الخاص أبو علي .
و ألقابه : المختار و المرضي و المتوكل و المتقي و الزكي و التقي و المنتجب و المرتضى و القانع و الجواد و العالم الرباني ظاهر المعاني قليل التواني المعروف بأبي جعفر الثاني المنتجب المرتضى المتوشح بالرضا المستسلم للقضا له من الله أكثر الرضا ابن الرضا توارث الشرف كابرا عن كابر و شهد له بذا الصوامع استسقى عروقه من منبع النبوة و رضعت شجرته ثدي الرسالة و تهدلت أغصانه ثمر الإمامة .
و حساب الجمل و حساب الهند و طبقات الأسطرلاب تسعة تسعة و محمد بن علي تاسع الأئمة .

و لنا :

فديت إمامي أبا جعفر *** جوادا يلقب بالتاسع


و محمد بن علي الجواد ميزانه في الحساب إمام عادل زاهد وفي لاتفاقهما في ثلاثمائة ولد : بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان و يقال للنصف منه .
و قال ابن عياش : يوم الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس و تسعين و مائة .
و قبض : ببغداد ; مسموما ; في آخر ذي القعدة و قيل يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مائتين .
و دفن : في مقابر قريش إلى جنب موسى بن جعفر (عليه السلام) .
و عمره : خمس و عشرون سنة قالوا و ثلاثة أشهر و اثنان و عشرون يوما .
و أمه : أم ولد تدعى درة و كانت مريسية ثم سماها الرضا (عليه السلام) خيزران و كانت من أهل بيت مارية القبطية و يقال إنها سبيكة و كانت نوبية و يقال ريحانة و تكنى أم الحسن .
و مدة ولايته : سبع عشرة سنة .
و يقال , أقام مع أبيه : سبع سنين و أربعة أشهر و يومين .
و بعده : ثماني عشرة سنة إلا عشرين يوما .
فكان في سني إمامته : بقية ملك المأمون ثم ملك المعتصم و الواثق و في ملك الواثق استشهد .
قال ابن بابويه : سم المعتصم لمحمد بن علي (عليه السلام) .
و أولاده : علي الإمام , و موسى , و حكيمة , و خديجة , و أم كلثوم .
و قال أبو عبد الله الحارثي : خلف فاطمة , و أمامة فقط ; و قد كان زوجه المأمون ابنته , و لم يكن له منها ولد .
و سبب وروده بغداد : إشخاص المعتصم له من المدينة فورد بغداد لليلتين من المحرم سنة عشرين و مائتين و أقام بها حتى توفي في هذه السنة .
و الدليل على إمامته : اعتبار القطع على العصمة و وجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة و اعتبار القول بإمامة الاثني عشر و تواتر الشيعة .
و أما قول الكيسانية و الفطحية و غيرهم فكلهم قد انقرضوا و لو كانوا محقين لما جاز انقراضهم لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أمة محمد .
و قد ثبت بقول الثقات إشارة أبيه إليه : منهم : عمه علي بن جعفر الصادق و صفوان بن يحيى و معمر بن خلاد و ابن أبي نصر البزنطي و الحسين بن يسار و الحسن بن جهم و أبو يحيى الصنعاني و يحيى بن حبيب الزيات .
و كان بابه : عثمان بن سعيد السمان .
و من ثقاته : أيوب بن نوح بن دراج الكوفي و جعفر بن محمد بن يونس الأحول و الحسين بن مسلم بن الحسن و المختار بن زياد العبدي البصري و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي .
و من أصحابه : شاذان بن الخليل النيسابوري و نوح بن شعيب البغدادي و محمد بن أحمد المحمودي و أبو يحيى الجرجاني و أبو القاسم إدريس القمي و علي بن محمد بن هارون بن الحسن بن محبوب و إسحاق بن إسماعيل النيسابوري و أبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي و أبو علي بن بلال و عبد الله بن محمد الحضيني و محمد بن الحسن بن شمون البصري .
ريان بن شبيب و يحيى الزيات و غيرهما : أن المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لما رأى من فضله مع صغر سنه فعزم أن يزوجه بابنته أم الفضل فغلظ ذلك على العباسيين فاجتمعوا عنده و قالوا ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد
عزمت فتخرج به عنان أمر قد ملكناه الله و تنزع منا عزا قد ألبسناه الله و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء من التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا حتى أنه مات فأجابهم المأمون لكل كلمة جوابا ثم قال و أما أبو جعفر فقد برز على كافة أهل الفضل مع صغر سنه فقالوا إن هذا الفتى و إن راقك منه هديه لا معرفة له فأمهل ليتأدب ثم افعل ما تراه فقال المأمون ويحكم إني أعرف به منكم و إن أهل هذا البيت علمهم من الله و مواده و إلهامه فإن شئتم فامتحنوه فقالوا قد رضينا بذلك و اجتمع رأيهم على أن يسأله قاضي القضاة يحيى بن أكثم مسألة لا يعرف الجواب فيها و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك .
فجلس المأمون في دست و أبو جعفر في دست فسأله يحيى ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا فقال (عليه السلام) قتل في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا عمدا كان أو خطأ حرا كان أو عبدا صغيرا كان أم كبيرا مبتدئا أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها من ذوات الظلف من صغار الصيد كان أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما في الليل كان قتله للصيد أم نهارا محرما كان بالعمرة إذ قتله أم بالحج كان محرما فانقطع يحيى فسأله المأمون عن بيانه فأجابه بما هو مسطور في كتب الفقه ثم التمس منه أن يسأل يحيى فقال (عليه السلام) رجل نظر أول النهار إلى امرأة فكان نظره إليها حراما فلما ارتفع النهار حلت له و عند الزوال حرمت و عند العصر حلت و عند الغروب حرمت و عند العشاء حلت و عند انتصاف الليل حرمت و عند الفجر حلت و عند ارتفاع النهار حرمت و عند الظهر حلت .
تفسيره : هذا رجل نظر إلى أمة غيره ثم ابتاعها ثم أعتقها ثم تزوجها ثم ظاهرها ثم كفر عن الظهار ثم طلقها طلقة واحدة ثم راجعها ثم خلعها ثم استأنف العقد و ذلك بالإجماع و في رواية أنه ارتد عن الإسلام ثم تاب .
و قد أتاه ابن أكثم جدلا فانصاع لما يعلمه قطعه
فقال المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقال الحمد لله إقرارا بنعمته و لا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته و صلى الله على محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد و هو خمسمائة درهم جياد فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور قال نعم زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح قال قد قبلت .
الخطيب في تاريخ بغداد عن يحيى بن أكثم : أن المأمون خطب فقال الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته و لا إله إلا الله إقرارا بربوبيته و صلى الله على محمد عبده و خيرته أما بعد فإن الله جعل النكاح الذي رضيه لكما سبب المناسبة ألا و إني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم .
و يقال : إنه كان (عليه السلام) ابن تسع سنين و أشهر و لم يزل المأمون متوفرا على إكرامه و إجلال قدره .
و قد روى الناس : أن أم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر و تقول إنه يتسرى علي و يغيرني إليها فكتب إليها المأمون يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها .
الجلاء و الشفاء في خبر ... : أنه لما مضى الرضا جاء محمد بن جمهور العمي و الحسن بن راشد و علي بن مدرك و علي بن مهزيار و خلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة و سألوا عن الخلف بعد الرضا فقالوا بصريا و هي قرية أسسها موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة فجئنا و دخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد الله بن موسى و هو شيخ فقال الناس هذا صاحبنا
فقال الفقهاء قد روينا عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين و ليس هذا صاحبنا فجاء حتى جلس في صدر المجلس فقال رجل ما تقول أعزك الله في رجل أتى حمارا فقال تقطع يده و يضرب الحد و ينفى من الأرض سنة ثم قام إليه آخر فقال ما تقول أصلحك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال بانت منه بصدر الجوزاء و النسر الطائر و النسر الواقع فتحيرنا في جرأته على الخطإ إذ خرج علينا أبو جعفر و هو ابن ثمان سنين فقمنا إليه فسلم على الناس و قام عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه و جلس أبو جعفر في صدر المجلس ثم قال سلوا رحمكم الله فقام إليه الرجل الأول و قال ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة قال يضرب دون الحد و يغرم ثمنها و يحرم ظهرها و نتاجها و تخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها ثم قال بعد كلام يا هذا ذاك الرجل ينبش عن ميتة فيسرق كفنها و يفجر بها يوجب عليه القطع بالسرق و الحد بالزنى و النفي إذا كان عزبا فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم فقال الرجل الثاني يا ابن رسول الله ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال تقرأ القرآن قال نعم قال اقرأ سورة الطلاق إلى قوله وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ يا هذا لا طلاق إلا بخمس شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بإرادة عزم ثم قال بعد كلام يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء قال لا الخبر .

فقالت المرضعة له من سعد بن بكير :

إني أشبهك يا مولاي ذا لبة *** شثن البراش أو صماء حيات
‏و لست تشبه ورد اللون ذا لبد *** و لا ضئيلا من الرقش الضئيلات
و لو خسأت سباع الأرض أسكتها *** إشجاء صوتك حتفا أي إسكات
‏و لو عزمت على الحيات تأمرها *** بالكف ما جاوزت تلك العزيمات

و قد روى عنه المصنفون ; نحو : أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه و أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره و محمد بن مندة بن مهربذ في كتابه .
و روى إبراهيم بن هاشم قال : استأذنت أبا جعفر لقوم من الشيعة فأذن لهم فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب فيها و هو ابن عشر سنين .
و كتب عبد العظيم الحسني إلى أبي جعفر يسأله عن الغائط و نتنه فقال (عليه السلام) : إن الله خلق آدم فكان جسده طينا و بقي أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة تقول لأمر ما خلقت و كان إبليس يدخل في فيه و يخرج من دبره فلذاك صار ما في جوف ابن آدم منتنا خبيثا غير طيب .
و يقال : إذا بال الإنسان أو تغوط يردد النظر إليهما لأن آدم (عليه السلام) لما هبط من الجنة لم يكن له عهد بهما فلما تناول الشجرة المنهية أخذه ذلك فجعل ينظر إلى شي‏ء يخرج منه فبقي ذلك في أولاده لأنه تغذى في الجنة و بال و تغوط في الدنيا .
و لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي و أم الفضل فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه فتجهز و خرج إلى بغداد فأكرمه و عظمه و أنفذ أشناس بالتحف إليه و إلى أم الفضل ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي أشناس و قال إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي داود و سعد بن الخصيب و جماعة من المعروفين و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج و صنع في الحال فقال اشربها بالليل قال إنها ينفع باردا و قد ذاب الثلج و أصر على ذلك فشربها عالما بفعلهم و روي من وجه آخر سنذكره في فصل معجزاته إن شاء الله تعالى .

عمير بن المتوكل :

كنا كشارب سم حان مهلكه *** أغاثه الله بالترياق من كثب
‏هاجت بمصرعه الدنيا فما سكنت *** إلا باسمهم المحاء للديب

و كتب إبراهيم بن عقبة إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) يسأله عن زيارة الحسين بن علي و موسى بن جعفر و محمد بن علي ببغداد فكتب (عليه السلام) المقدم و هذان أجمع و أعظم أجرا .

العبدي :

 

يا سادتي يا بني علي *** يا آل طه و آل صاد
من ذا يوازيكم و أنتم *** خلائف الله في البلاد
أنتم نجوم الهدى اللواتي *** يهدي بها الله كل هاد
لو لا هداكم إذا ضللنا *** و التبس الغي بالرشاد
لا زلت في حبكم أوالي *** عمري و في بغضكم أعادي
‏و ما تزودت غير حبي *** إياكم و هو خير زاد
و ذاك ذخري الذي عليه *** في عرصة الحشر اعتمادي
‏ولاؤكم و البراء ممن *** يشناكم اعتقادي

الناشي :

يا آل ياسين من يحبكم *** بغير شك لنفسه نصحا
أنتم رشاد من الضلال *** كما كل فساد بحبكم صلحا
و كل مستحسن لغيركم *** إن قيس يوما بفضلكم قبحا
ما محيت آية النهار لنا *** بذاته الليل ذو الجلال محا
و كيف يمحى رشاد نوركم *** و أنتم في دجى الظلام ضحى
‏أبوكم أحمد و صاحبه *** الممنوح من علم ربه منحا

مهيار :

غلامكم في الجحفل ابن عجاجة *** مغيمة من دجنها الدم يهطل
تعانق منه الموت عريان تحتها *** شجاع بغير الصبر لا يتبتل
‏فكم لكم في فتكه و انبساطه *** فتى و فتاكم في الحجى يتكهل
‏و أنتم ولاة الدين أرباب حقه *** مبينوه في آياته و هو مشكل
‏مساقط وحي الله في حجراتكم *** و بيتكم كان الكتاب ينزل
‏يذاد عن الحوض الشقي ببغضكم *** و يورد من أحببتموه فينهل
***
عجبت لقوم أضلوا السبيل *** و لم يبتغوا اتباع الهدى
‏فما عرفوا الحق حين استنار *** و لا أبصروا الفجر لما بدا
ألا أيها المعشر النائمون *** أحذركم أن تعصوا الكرى
‏أفيقوا فما هي إلا اثنتان *** أما الرشاد و أما العمى‏
و ما خفي الرشد لكنما *** أضل الحلوم اتباع الهوى
‏و ما خلقت عبثا أمة *** و لا ترك الله قوما سدى
‏أ كل بني أحمد فضله *** و لكنه الواحد المجتبى

ابن حجاج :

يا باني الشرف الذي *** أوفى و عم و طبقا
سبا بأسباب النبي *** و جبرئيل معلقا

ابن رزيك :

 

قوم علومهم عن جدهم أخذت *** عن جبرئيل و جبرئيل عن الله
‏هم السفينة ما كنا لنطمع أن ننجو *** من الهول يوم الحشر لو لا هي
‏الخاشعون إذا جن الظلام فما *** تغشاهم سنة تنفى بإنباه
‏و لا بدت ليلة إلا و قابلها *** من التهجد منهم كل أواه
‏و ليس يشغلهم عن ذكر ربهم *** تغريد شاد و لا ساق و لا طاه
‏سحائب لا تزال العلم هامية *** أجل من سحب تهمي بأمواه


فصل في معجزاته (عليه السلام) :
كان (عليه السلام) شديد الأدمة فشك فيه المرتابون و هو بمكة فعرضوه على القافة فلما نظروا إليه خروا لوجوههم سجدا ثم قاموا فقالوا يا ويحكم أ مثل هذا الكوكب الدري و النور الزاهر تعرضون على مثلنا و هذا و الله الحسب الزكي و النسب المهذب الطاهر ولدته النجوم الزواهر و الأرحام الطواهر و الله ما هو إلا من ذرية النبي و أمير المؤمنين و هو في ذلك الوقت ابن خمسة و عشرين شهرا فنطق بلسان أرهف من السيف و أفصح من الفصاحة يقول :
الحمد لله الذي خلقنا من نوره , و اصطفانا من بريته , و جعلنا أمناء على خلقه و وحيه ; معاشر الناس : أنا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و بن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى عليهم السلام أجمعين ; أ في مثلي يشك و على الله تبارك و تعالى و على جدي يفترى و أعرض على القافة إني و الله لأعلم ما في سرائرهم و خواطرهم و إني و الله لأعلم الناس أجمعين بما هم إليه صائرون ; أقول حقا و أظهر صدقا علما قد نبأه الله تبارك و تعالى قبل الخلق أجمعين و قبل بناء السماوات و الأرضين , و ايم الله ; لو لا تظاهر الباطل علينا , و غواية ذرية الكفر , و توثب أهل الشرك و الشك و الشقاق علينا , لقلت قولا يعجب منه الأولون و الآخرون .
ثم وضع يده على فيه , ثم قال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك , و اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل , و لا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون .
ثم أتى إلى رجل بجانبه , فقبض على يده , فما زال يمشي يتخطى رقاب الناس و هم يفرجون له .
قال : فرأيت مشيخة أجلاءهم ينظرون إليه , و يقولون : الله أعلم حيث يجعل رسالته .
فسألت عنهم , فقيل هؤلاء قوم من بني هاشم , من أولاد عبد المطلب .
فبلغ الرضا (عليه السلام) و هو في خراسان ما صنع ابنه ; فقال : الحمد لله ; ثم ذكر ما قذفت به مارية القبطية .
ثم قال : الحمد لله الذي جعل في ابني محمد أسوة برسول الله و ابنه إبراهيم .
قال عسكر مولى أبي جعفر (عليه السلام) : دخلت عليه فقلت في نفسي يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي و أضوى جسده قال فو الله ما استتممت الكلام في نفسي حتى تطاول و عرض جسده و امتلأ به الإيوان إلى سقفه و مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه و قد أظلم
حتى صار كالليل المظلم ثم ابيض حتى صار كأبيض ما يكون من الثلج ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر ثم أخضر حتى صار كأخضر ما يكون من الأغصان الورقة الخضرة ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الأولى عاد لونه الأول و سقطت لوجهي مما رأيت فصاح بي يا عسكر تشكون فننبئكم و تضعفون فنقويكم و الله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه و ارتضاه لنا وليا .

العوني :

هذا الذي إذ ولدته أمه *** عاجلها منه حسيبا فابتدر
حتى تفرقن النساء من حولها *** و قلن هذا هو أمر مبتكر
و الولد الطيب قد جلله *** عنهن مولاه بثوب فاستتر

بنان بن نافع قال : سألت علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقلت جعلت فداك من صاحب الأمر بعدك فقال لي يا ابن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته من قبلي و هو حجة الله تعالى من بعدي فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي (عليه السلام) فلما بصر بي قال لي يا ابن نافع أ لا أحدثك بحديث إنا معاشر الأئمة إذا حملته أمه يسمع الصوت من بطن أمه أربعين يوما فإذا أتى له في بطن أمه أربعة أشهر رفع الله تعالى له أعلام الأرض فقرب له ما بعد عنه حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة و لا ضارة و إن قولك لأبي الحسن من حجة الدهر و الزمان من بعده فالذي حدثك أبو الحسن ما سألت عنه هو الحجة عليك فقلت أنا أول العابدين ثم دخل علينا أبو الحسن فقال لي يا ابن نافع سلم و أذعن له بالطاعة فروحه روحي و روحي روح رسول الله .
اجتاز المأمون بابن الرضا (عليه السلام) و هو بين صبيان فهربوا سواه فقال علي به فقال له ما لك ما هربت في جملة الصبيان قال ما لي ذنب فأفر و لا الطريق ضيق فأوسعه عليك تمر من حيث شئت فقال من تكون قال أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ما تعرف من العلوم قال سلني عن أخبار السماوات فودعه و مضى و على يده باز أشهب يطلب به الصيد فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا و الباز يثب عن يده فأرسله و طار يطلب الأفق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه و قد صاد حية فوضع الحية في
بيت الطعم و قال لأصحابه قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ثم عاد و ابن الرضا في جملة الصبيان فقال ما عندك من أخبار السماوات فقال نعم يا أمير المؤمنين حدثني أبي عن آبائه عن النبي عن جبرئيل عن رب العالمين أنه قال بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور و يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء فقال صدقت و صدق آباؤك و صدق جدك و صدق ربك فأركبه ثم زوجه أم الفضل .
محمد بن أحمد بن يحيى في نوادر الحكمة عن أمية بن علي قال : دعا أبو جعفر (عليه السلام) يوما بجارية فقال قولي لهم يتهيئون للمأتم قالوا مأتم من قال مأتم خير من على ظهرها فأتى خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم .
محمد بن الفرج كتب إلي أبو جعفر (عليه السلام) : احملوا إلي الخمس فإني لست آخذه منكم سوى عامي هذا فقبض في تلك السنة .
و في كتاب معرفة تركيب الجسد عن الحسين بن أحمد التميمي روي عن أبي جعفر الثاني : أنه استدعى فاصدا في أيام المأمون فقال له افصدني في العرق الزاهر فقال له ما أعرف هذا العرق يا سيدي و لا سمعته فأراه إياه فلما فصده خرج منه ماء أصفر فجرى حتى امتلأ الطست ثم قال له أمسكه فأمر بتفريغ الطست ثم قال خل عنه فخرج دون ذلك فقال شدة الآن فلما شد يده أمر له بمائة دينار فأخذها و جاء إلى بخناس فحكى له ذلك فقال و الله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب و لكن هاهنا فلان الأسقف قد مضت عليه السنون فامض بنا إليه فإن كان عنده علمه و إلا لم نقدر على من يعلمه فمضيا و دخلا عليه و قص القصص فأطرق مليا ثم قال يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي .
معلى بن محمد قال : خرج علي أبو جعفر (عليه السلام) حدثان موت أبيه فنظرت إلى قده لأصف قامته لأصحابنا بمصر فقعد ثم قال يا معلى إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قد رواه علي بن أسباط .
أبو سلمة قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) و كان بي صمم شديد فخبر بذلك لما أن دخلت عليه فدعاني إليه فمسح يده على أذني و رأسي ثم قال اسمع و عه فو الله إني لأسمع الشي‏ء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته .
و روي أن أبا جعفر (عليه السلام) : لما صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيب و كان في صحنه نبقة لم تحمل فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أسفل النبقة و قام فصلى بالناس المغرب و العشاء الآخرة و سجد سجدتي التكبير ثم خرج فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس و قد حملت حسنا فتعجبوا من ذاك و أكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له و ودعوه و مضى إلى المدينة .
قال الشيخ المفيد : و قد أكلت من ثمرها و كان لا عجم له .
ابن عياش في كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي جعفر و معي ثلاث رقاع غير معنونة فاشتبهت علي فاغتممت لذلك فتناول إحداهن و قال هذه رقعة ريان بن شبيب و تناول الثانية و قال هذه رقعة محمد بن أبي حمزة و تناول الثالثة و قال هذه رقعة فلان فبهت فنظر (عليه السلام) و تبسم .
و فيه أنه قال الحميري قال لي أبو هاشم أعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرة فأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه و قال أما إنه سيقول لك دلني على حريف يشتري لي بها متاعا فدله عليه فكان كما قال .
و قال أبو هاشم : كلمني جمال أن أكلمه له ليدخل في بعض أموره فدخلت عليه أكلمه فوجدته يأكل في جماعة فلم يمكني كلامه فقال يا أبا هاشم كل و وضع الطعام بين يدي ثم قال يا غلام انظر الجمال الذي أتانا به أبو هاشم فضمه إليك .
و قال أبو هاشم : قلت له جعلت فداك إني مولع بأكل الطين فادع الله لي فسكت ثم قال لي بعد أيام يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين قلت فما شي‏ء أبغض إلي منه .
محمد بن حمزة الهاشمي قال : أصابني العطش عند أبي جعفر (عليه السلام) فنظر في وجهي و قال أراك عطشانا قلت أجل قال يا غلام اسقنا ماء فقلت الساعة يأتونه
بماء مسموم من بيت المأمون و اغتممت لذلك فتبسم في وجهي ثم قال يا غلام ناولني الماء فتناول الماء فشرب ثم ناولني فشربت فعطشت مرة أخرى فدعا بالماء ففعل كما فعل أولا فقال محمد الهاشمي و الله أظن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة .
الحسن بن علي : أن رجلا جاء إلى التقي (عليه السلام) و قال أدركني يا ابن رسول الله فإن أبي قد مات فجأة و كان له ألفا دينار و لست أصل إليه و لي عيال كثير فقال إذا صليت العتمة فصل على محمد و آله مائة مرة ليخبرك به فلما فرغ الرجل من ذلك رأى أباه يشير إليه بالمال فلما أخذه قال يا بني اذهب به إلى الإمام و أخبره بقصتي فإنه أمرني بذلك فلما انتبه الرجل أخذ المال و أتى أبا جعفر و قال الحمد الله الذي أكرمك و اصطفاك و في رواية ابن أسباط و هو إذ ذاك خماسي إلا أنه لم يذكر موت والده .
و قال المطرفي : مضى أبو الحسن (عليه السلام) و لي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري فأرسل إلي أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان في غد فائتني فأتيته من الغد فقال لي مضى أبو الحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم فدفع دنانير من تحت مصلاه و كانت قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم .
و روي : أن امرأته أم الفضل بنت المأمون سمته في فرجه بمنديل فلما أحس بذلك قال لها أبلاك الله بداء لا دواء له فوقعت الأكلة في فرجها و كانت تنتصب للطبيب فينظرون إليها و يسرون بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علتها .

العوني :

يا آل أحمد لولاكم لما طلعت شمس *** و لا ضحكت أرض على العشب‏
يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم *** صباية بادرت تبكي على الندب‏
يا آل أحمد أنتم خير من وجدت *** به المطايا و أنتم منتهى إربي
‏يا زينة الأرض يا فجر الظلام بها *** يا درة المجد يا عرعورة العرب

العبدي :

صلوات الإله ربي عليكم *** أهل بيت الصيام و الصلوات
قدم الله كونكم في قديم الكون *** قبل الأرضين و السماوات‏
و اصطفاكم لنفسه و ارتضاكم *** و أرى الخلق فيكم المعجزات
‏و علمتم ما قد يكون و ما *** كان و علم الدهور و الحادثات‏
أنتم جنبه و عروته الوثقى *** و أسماؤه و باب النجاة
و بكم يعرف الخبيث من الطيب *** و النور في دجى الظلمات
‏لكم الحوض و الشفاعة و الأعراف *** عرفتم جميع السمات

المعري :

يا ابن الذي بلسانه و بنانه *** هدي الأنام و نزل التنزيل
‏عن فضله نطق الكتاب و بشرت *** لقدومه التوراة و الإنجيل
‏لو لا انقطاع الوحي بعد محمد *** قلنا محمد من أبيه بديل
‏هو مثله في الفضل إلا أنه *** لم يأته برسالة جبريل

مهيار :

لئن قام دهري دون المنى *** و أصبح عن نيلها مقعدي
‏و لم آل أحمد أفعاله *** فلي أسوة ببني أحمد
بخير الورى و هم خيرهم *** إذا ولد الخير لم يولد
و أكرم حي على الأرض قام *** و ميت توسد في ملحد
و بيت تقاصر عنه البيوت *** و طاول علي على الفرقد
نجوم الملائك من حوله *** و يصبح في الوحي دار الند

و منها :

و إرث علي لأولاده *** إذا أنه الإرث لم يفسد
فمن قاعد منهم خائف *** و من ناثر قام لم يسعد
فسلط بغي أكف النفاق *** منهم على سيد سيد
أبوهم و أمهم من علمت *** فانقص متأخرهم أو زد
ستعلم من فاطم خصمه *** بأي نكال غدا يرتدي

ابن الحجاج :

ابن النبي المصطفى *** و المرتضى الهادي الوصي


فصل في آياته (عليه السلام) :
أخبر علي بن خالد بالعسكر أن متنبيا أتى من الشام و حبس فيه فأتاه و قال ما قصتك قال كنت بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام) فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله إذ رأيت شخصا يقول قم فقمت فمشى بي قليلا و إذا أنا في مسجد الكوفة فصلينا فيه ثم انصرفنا و مشينا قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول فصلينا فيه ثم خرجنا فمشينا قليلا و إذا نحن بمكة فطفنا بالبيت ثم خرجنا فمشينا قليلا فإذا نحن بموضعي ثم غاب الشخص عن عيني فبقيت متعجبا بذلك حولا بما رأيت فلما كان في العام المقبل أتاني أيضا ففعل كما فعل في العام الماضي فلما أراد مفارقتي قلت له أسألك بالحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من أنت قال أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر فحدثت بذلك فرفع إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأخذني و كبلني كما ترى و ادعى علي المحال فكتب خالد عنه قصته و رفعها إلى ابن الزيات فوقع في ظهرها قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة و من الكوفة إلى المدينة و من المدينة إلى مكة و من مكة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا فانصرف خالد محزونا فلما كان من الغد باكر الحبس ليأمره بالصبر فوجد أصحاب الحرس و غوغاء يهرجون فسأل عن حالهم فقيل المحمول من الشام افتقد البارحة من الحبس و كان علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك و حسن اعتقاده .
محمد بن أبي العلاء سألت يحيى بن أكثم بعد التحف و الطرف فقلت له علمني من علوم آل محمد فقال : أخبرك بشرط أن تكتمه على حال حياتي .
فقلت : نعم .
قال : دخلت المدينة فوجدت محمد بن علي الرضا يطوف عند قبر النبي فناظرته في مسائل
فأجابني .
فقلت في نفسي خفية أريد أن أبديها .
فقال : إني أخبرك بها ; تريد أن تسأل من الإمام في هذا الزمان ?
فقلت : هو و الله هذا .
فقال : إنني .
فسألته : علامة .
فتكلم عصا في يده , فقال : إن مولاي إمام هذا الزمان و هو الحجة .
حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قالت : لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا فقال لي يا حكيمة احضري ولادتها و ادخلي و إياها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا و أغلق الباب علينا فلما أخذها الطلق طفي المصباح و بين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست و إذا عليه شي‏ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا ففتح الباب و قد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد و قال لي يا حكيمة الزمي مهده قالت فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه و يساره ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له لقد سمعت من هذا الصبي عجبا فقال و ما ذاك فأخبرته الخبر فقال يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر .
صفوان بن يحيى قال حدثني أبو نصر الهمداني و إسماعيل بن مهران و حبران الأسباطي عن حكيمة بنت أبي الحسن القرشي عن حكيمة بنت موسى بن عبد الله عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى التقي (عليه السلام) قال : دخلت على أم الفضل بنت المأمون يوم السابع من وفاة التقي فوجدتها جزعة و كان الناس يعزونها و يذكرون مناقبه فدعت ياسر الخادم و جواري كثيرة و قالت كنت أغار على محمد التقي و كان (عليه السلام) يشدد علي القول و كنت أشكو ذلك إلى والدي فيقول والدي يا بنية احتمليه فإنه بضعة من رسول الله فبينا أنا جالسة يوما إذ دخلت امرأة من أحسن الناس و سلمت علي فسألتها من أنت قالت أنا من أولاد عمار بن ياسر فأجلستها لحرمته فقالت أنا زوجة محمد التقي فوسوس إلي الشيطان بقتلها ثم احتملت و رحبت إليها و أعطيتها فلما خرجت
دخلت على والدي و قصصت عليه و هو سكران لا يعقل فقال علي بالسيف و الله لأقتلنه و دخل عليه و ضربه حتى قطعه و انصرف فنام فلما انتبه رآني فقال ما تصنعين هاهنا قلت قد قتلت البارحة ابن الرضا فبرقت عيناه و غشي عليه فلما أفاق قال ويلك ما تقولين قلت نعم يا أبة دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا ثم قال علي بياسر الخادم فلما حضر قال ويلك ما هذا الذي تقول هذه فقال صدقت يا أمير المؤمنين فضرب نفسه و حوقل و قال هلكنا و الله و عطبنا و افتضحنا إلى آخر الأبد ويلك فانظر ما القصة فخرج و انصرف قائلا البشرى يا أمير المؤمنين قال فما عندك قال رأيته يستاك فقلت يا ابن رسول الله أريد أن تخلع علي ثوبك و غرضي أن أرى أعضاءه قال بل أكسوك خيرا منه قلت لست أريد غيره فأتى بآخر فنزعه و خلع علي فلم أجد عليه أثرا فبكى والدي و قال ما بقي بعد هذا شي‏ء آخر إن هذا لعبرة الأولين و الآخرين ثم قال أعلمه من قصتها و دخولي عليه بالسيف لعن الله هذه البنت و هددها في شكايتها عنه و أنفذ ياسر إليه بألف دينار و أمر الهاشميين أن يأتوه في الخدمة فنظر التقي إليه مليا فقال هكذا كان العهد بينه و بين أبي و بينه و بيني حتى هجم علي بالسيف أ و ما علم أن لي ناصرا و حاجزا يحجز بيني و بينه فقال ياسر ما شعر و الله فدع عن عتابك فإنه لن يسكر أبدا ثم ركب حتى أتى إلى والدي فرحب به والدي و ضمه إلى نفسه و قال إن كنت وجدت علي فاعف عني و أصلح فقال ما وجدت شيئا و ما كان إلا خيرا فقال المأمون لا تقربن إليه بخراج الشرق و الغرب و لأهلكن أعداءه كفارة لما صدر مني ثم أذن للناس و دعا بالمائدة .
الحسين بن محمد الأشعري قال حدثني شيخ من أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال : كنت مجاورا بالمدينة مدينة الرسول و كان أبو جعفر (عليه السلام) يجي‏ء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل على الصخرة و يسير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يسلم عليه و يرجع إلى بيت فاطمة و يخلع نعله فيقوم فيصلي فوسوس إلي الشيطان فقال إذا نزل
فاذهب حتى تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم أنتظره لأفعل هذا فلما أن كان في وقت الزوال أقبل (عليه السلام) على حمار له فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه و جازه حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ثم دخل فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلي فيه ففعل ذلك أياما فقلت إذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصى الذي يطأ عليه بقدميه فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل على الصخرة ثم دخل على رسول الله و جاء إلى الموضع الذي كان يصلي فيه و لم يخلعها ففعل ذلك أياما فقلت في نفسي لم يتهيأ لي هاهنا و لكن أذهب إلى الحمام فإذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه فلما دخل الحمام دخل في المسلخ بالحمار و نزل على الحصير فقلت للحمامي في ذلك فقال و الله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم فانتظرته فلما خرج دعا بالحمار فأدخل المسلخ و ركب فوق الحصير و خرج فقلت و الله آذيته و لا أعود أروم ما رمت منه أبدا فلما كان وقت الزوال نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه .
الكليني بإسناده إلى محمد بن الريان قال : احتال المأمون على أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة فلم يمكنه فيه شي‏ء فلما أراد أن يثني عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكون إلى كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر إذا قعد في موضع الأختان فلم يلتفت إليهن و كان رجل يقال له مخارق صاحب صوت و عود و ضرب طويل اللحية فدعاه المأمون فقال يا أمير المؤمنين إن كان في شي‏ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار و جعل يضرب بعوده و يغني فلما فعل ساعة و إذا أبو جعفر لا يلتفت إليه و لا يمينا و لا شمالا ثم رفع رأسه و قال اتق الله يا ذا العثنون قال فسقط المضراب من يده و العود فلم ينتفع بيده إلى أن مات .
أبو هاشم الجعفري : قال صليت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد المسيب و صلى بنا في موضع القبلة سواء و ذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق فدعا بماء و تهيأ تحت السدرة فعاشت السدرة و أورقت و حملت من عامها .
و قال ابن سنان : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال يا محمد حدث بآل فرج حدث فقلت مات عمر فقال الحمد لله على ذلك أحصيت له أربعا و عشرين مرة ثم قال أ فلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي قال قلت لا قال خاطبه في شي‏ء قال أظنك سكران فقال أبي اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الخرب و ذل الأسر فو الله ما إن ذهبت الأيام حتى خرب ماله و ما كان له ثم أخذ أسيرا فهو ذا مات الخبر .
أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قال أبو زينبة : و في حلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخط كأنه أثر الذبح فسألته عن ذلك فقال كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني فغاب عنا الحكم عند العصر و لم يرجع تلك الليلة فلما كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي جعفر (عليه السلام) إن صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا و كذا فاذهبوا فداووه بكذا و كذا فذهبنا فحملناه و داويناه بما أمرنا به فبرأ من ذلك .
إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتب أبو جعفر إلي كتابا و أمرني أن لا أفكه حتى يموت يحيى بن عمران قال فمكث الكتاب عندي سنين فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن عمران فككته فإذا فيه قم بما كان يقوم به أو نحو هذا من الأمر قال فقرأ إبراهيم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران و كان إبراهيم يقول كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى حيا .
ابن الهمداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير ذيله على تجارب الأمم أنه : لما حرقوا القبور بمقابر قريش حاولوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي و إخراج رمته و تحويلها إلى مقابر أحمد فحال تراب الهدم و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره .
شاعر :

سيحبر من جمع المكارم كلها *** و العلم أجمع للإمام محمد
يميز الخلائق فضله و جلاله *** و هو ابن سيدنا النبي محمد

الشريف المرتضى :

أقلني ربي بالذين اصطفيتهم *** و قلت لنا هم خير من أنا خالق
‏و إن كنت قد قصرت سعيا إلى التقى *** فإني بهم ما شئت عندك لاحق
‏هم أنقذوا لما فزعت إليهم *** و قد صممت نحوي السنون العوارق
‏و هم جدبوا صنعي إليهم من الأذى *** و قد طرقت باب الخطوب الطوارق
‏و لولاهم ما زلت في الدين خطوة *** و لا اتسعت فيه علي المضايق
‏و لا سيرت فضلي إليها مغارب *** و لا طيرته بينهن مشارق
‏و لا صيرت قلبي من الناس كلهم *** لها وطنا تأوي إليه الحقائق

ابن حماد :

ما اتكالي إلا على عفو ربي *** و ولائي للطاهرين الطياب
‏آل طاها و آل ياسين صفو الصفو *** من ذا الورى و لب اللباب
‏خير من كان أو يكون من الخلق *** و أزكى من حل فوق التراب
‏من إليهم يوم الإياب إيابي *** و عليهم يوم الحساب حسابي
‏من زكاتي بهم زكت و صلاتي *** قبلت إذ جعلتهم محرابي
‏أهل بيت الإله طهرهم من *** كل رجس و ريبة و معاب
‏و البيوت التي تأذن أن ترفع *** فاسأل بها ذوي الألباب
‏و معاني الأسماء قال له الرحمن *** فليرتقوا إلى الأسباب
‏خلفاء الإله يقضون بالحكمة *** بين الورى و فصل الخطاب

الحصكفي الخطيب :

إني جعلت في الخطوب مؤملي *** محمدا و الأنزع البطينا
أحببت ياسين و طاسين و من *** يلزم في ياسين أو طاسينا
سفن النجاة و المناجاة و من *** آوى إلى الفلك و طور سينا
و العلم في الصين و لكن كشفه *** في قصدهم لا أن ترون الصينا
ذروا الغبا فإن أصحاب العبا *** هم النبأ إن شئتم التبيينا
قوموا ادخلوا الباب و قولوا حطة *** يغفر لنا الذنوب أجمعينا

محمد بن أبي النعمان :

سلام على آل النبي محمد *** و رحمة ربي دائما أبدا يجري
‏و صلى عليهم ذو الجلال معظما *** و زادهم في الفضل فخرا على فخر
فهم خير خلق الله أصلا و محتدا *** و أكرمهم فرعا على الفحص و السدر
و أوسعهم علما و أحسنهم هدى *** و أتقاهم لله في السر و الجهر
و أفضلهم في الفضل في كل مفضل *** و أقولهم بالحكم في محكم الذكر
و أشجعهم في النازلات و في الوغى *** و أجودهم لله في العسر و اليسر
أناس علوا كل المعاني بأسرها *** فدقت معانيهم على كل ذي فكر

الحميري :

بيت الرسالة و النبوة و *** الذين نعدهم لذنوبنا شفعاء
الطاهرين الصادقين العالمين *** العارفين السادة النجباء
إني علقت بحبلهم مستمسكا *** أرجو بذاك من الإله رضاء
أ سواهم أبغي لنفسي قدوة *** لا و الذي فطر السماء سماء
المصدر : مناقب ال ابي طالب عليهم السلام