• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ولاية مسلم عليه السلام

 غير خاف أن تمثيل نفسية الإنسان الكامل بأوضح مجاليها إنما هو ببث أفكاره الناضجة والإشادة بنواياه الحسنة ، وهي الغاية الفذة من ارسال الرسول سواء في ذلك أن يكون القصد به نشر أخلاق مرضية تتهذب بها النفوس ، أو تعليم علوم ناجعة تتكهرب بها العقول ، أو إقامة عدل ترتاح به الأمم أو الدعوة إلى دين تعتنقه الأقوام ، أو توطيد سياسة تهش غليها الأمة فلا ندحة للمرسل إلا أن يبعث لأي من هذه الغايات الكريمة من هو المثل الأعلى فيها من بين لفيفه وحاشيته فيكون نبوع الرسول مجلبة لرغبات الأمة الموصلة الى مرضات ذلك المصلح ووقوفه على غايته من الإرسال. ويجب حينئذ أن يكون ذلك الرسول حكيما في عمله بليغا في منطقه ليضع الأشياء في مواضعها ، ويكون قوله على وفق رأيه السديد ولا تفوته مقتضيات الأحوال فيكون أدعى لنشور الدعوة وأنم عن عبقرية المرسل.


إذا كنت في حاجة مرسلا * فأرسل حكيما ولا توصه


 و إنا لنكتفي عن استعراض الشروط الواجبة في السفير والكلمات التي تنم عما يراد منه بذكر ما اتفق عليه أرباب الحديث والتفسير فيمن أرسل مبلغا لأوائل « برائة » فإن التأمل في هذه الحادثة توقف النبيل على ما يراد من السفير وتلم بالشرائط كلها.
 والقصة في ذلك أن جبرئيل هبط على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في أول ذي الحجة سنة تسع من الهجرة (1) بالآيات من أول برائة ليقرأها على قريش في الموسم فأرسل رسول الله أبابكر بها ليقرأها في منى على قريش ، فلما كان على مراحل من المدينة هبط جبرئيل يأمر النبي أن لا يؤديها إلا هو أو رجل منه (2) ولما رجع أبوبكر يبكي قال له ـ صلى الله عليه وآله ـ : « لا عليك وكيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار » (3)».
 ما أبلغ هذا التركيب وما أبدع هذا الحوار ، وأن لهذه الكناية قيمة راقية في سوق البلاغة فلقد أشار رسول الله بكلمته الذهبية الى معرفته بضعفه يوم كان معه في الغار ، و أنه لا طاقة له على ملاقاة المشركين من طواغيت قريش فكيف يكون حينئذ مبلغا عنه ومحذرا أولئك الطعاة وقد يجره الخوف والضعف الى الوهن في قدس الرسول الأمين.
 واعتذار الخطيب الشربيني في « السراج المنير » في تفسير الآية بحمل فعل النبي على مقتضى قواعد العرب من أن الرئيس اذا أراد أن يحكم عهدا بينه وبين أحد فأما أن يحضر بنفسه ، و أما أن يبعث أحد أقاربه ، متفكك البرهان باطل القياس فإن تلك القاعدة التي تخيلها لو كانت معروفة لما تخطاها النبي الأعظم في أول الأمر ، ولما خاف أبو بكر من نزول شيء في حقه حتى بكى لذلك بل كان يعتقد أن الأمر جرى على أساس معروف بين العرب وأجدر بنبي العظمة أن لا يعدوه.
 ولكن المتأمل في الحديث الحامل لهذه الحادثة يعرف منه بجبلاء منزلة كبرى لعلي أمير المؤمنين وامتيازه على غيره من المهاجرين والأنصار حتى أقرباء النبي وخاصته الذين هم بحضرته وليست تلكالمنزلة إلا النيابة العامة والمرجعية لما تحتاج إليه الأمة ، وقد أشار إلى هذا التنزيل بقول جبرئيل للنبي « أو رجل منك » فإن تلك الذات المكونة من جوهر القداسة والممتزجة بالعلم الإلهي أليق في تمثيل مقام النبوة فيما يرد عليها من المسائل التي لا يعرفها إلا من استمد من اللوح المحفوظ ، وأما غيره فحيث لم ينتهل قطرة من ذلك البحر المتموج بالحكم والأسرار فالخطأ والزلة اليه أقرب من حبل الوريد حينما تعرض عليه الأسئلة وتلقى أمامه الشبهات فعندها يعود الفشل على ذلك النبي المعصوم من كل عيب ونقصان لكون الرسول دليل عقل المرسل.
 نعم للخطيب أن يقول : إن كان الحال على ما وصف فلماذا لم يبعث النبي عليا من أول الأمر ؟ فيقال له : إن النبي لاحظ في ذلك نكتة مهمة وهي تعريف الناس بأن الباعث له على إرسال أمير المؤمنين الوحي الإلهي الذي لابد من إنفاذه ولو تقدم إلى علي ـ عليه السلام ـ في أول الأمر وأمره بالمسير بالآيات لكثرت القالة ممن خالطهم الريب والشك بأن القرب والرحم حرّكاه على تقديمه وتمييزه على غيره والنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أجل من أن يعمل عملا يكون لضعفاء قومه الحجة عليه.
 إذا وضح هذا فهلم معي إلى من كان مرسلا الى حاضرة كبرى « الكوفة » ليهتف بالغايات جمعاء المطلوبة من الإمام المعصومين ، وكان مبعوثا من إمام عدل وهدى وموئل حكمة وحجى ، معصوم من الخطأ مفطوم من الزلل « كمسلم بن عقيل » الذي حظي بالنيابة الخاصة من إمام وقته سبط نبي الهدى لينشر في الملأ العراقي مبادئ الدين القويم ويوقفهم على أمره الحكيم ، ويقيم الحلال والحرام ويزيح الشبه والأوهام ، ويدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظمة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن ، كل ذلك بعد أن يدير فيهم الشؤون الإدارية والعسكرية لتوطيد السلام وكلاءة الأمن العام.
 واذا كان اللازم على الإمام أن يلحظ هذهالمهمات كان الواجب أن ينتخب لها كفؤا يرتصيه من وجهة العلم والدين ومن وجهة التقوى والورع ومن وجهة الفكرة والنظر ومن وجهة السياسة والكياسة.
 واذا كان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يرفق من يرسله الى جهة من الجهات بكتاب يلم بتفاصيل الأحكام الدينية والمدنية فيقول في كتابه لعمرو بن حزم الأنصاري لما ولاه اليمن :
بسم الله الرحمن الرحيم
 هذا بيان من الله ورسوله « يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود » عقد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يأمره بتقوى الله في أمره كله « ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » وآمره أن يأخذ بالحق كما أمر به الله وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ، ويعلم الناس القرآن ويفقّههم في الدين ، وينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم وبالذي عليهم ، ويلين للناس بالحق ويشتد عليهم في الظلم ، فإن الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه وقال : « ألا لعنة الله على الظالمين » ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر بالنار وبعملها ، ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ، ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته و ما أمر الله به في الحج الأكبر والحج الأصغر وهو العمرة ، وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب صغير إلا أن يكون ثوبا واحدا يثني طرفيه على عاتقيه ، وينهى الناس أن يجتبي أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه الى السماء ، وينهى أن لا يقص أحد شعر رأسه اذا عفا في قفاه ، وينهى اذا كان بين الناس هيج عن الدعاء الى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم الى الله وحده لا شريك له ومن لم يدع الى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطعوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم الى الله وحده لا شريك له.
 ويأمر الناس باسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم الى المرافق ، ويمسحون برؤوسهم كما أمر الله عز وجل وأرجلهم إلى الكعبين ، وآمره بالصلاة لوقتها واتمام الركوع والخشوع ، ويغلس بالفجر ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يُقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أول الليل (4).
 ويأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها ، والغسل عند الرواح اليها ، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وما سقت السماء وعلى ماسقى الغرب نصف العشر ، وفي كل عشر من الإبل شاتان ، وفي كل عشرين من الإبل أربع شياة ، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعه جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة فإنها فريضة الله التي افترض الله عز وجل على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له.
 ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خاصا من نفسه ودان بدين الإسلام فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه مثل ما عليهم ، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يفتن عنها ، وعلى كل حالم ذكرا وانثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين صلوات الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته (5).
 هكذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ مع عماله وولاته ولكنه لما أرسل أمير المؤمنين الى اليمن بعد صلح أهل نجران لم يرفقه بمثل هذا الكتاب لعلمه بوقوفه على الأحكام وخبرته بالشؤون التي تدير الأمة وهو باب مدينة علم الرسول ، وأقضى الأمة وأفقهها.
 كما أن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ عند ما يرسل واليا من قبله يشرح له الامور الواجبة على الوالي القيام بها كما فعل مع الأشتر ومحمد بن أبي بكر وغيرهما.
 إذا فحسب مسلم بن عقيل من العظم أن يكون في نظر الإمام الشهيد كعمه الوصي عند النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ واقفا على الدروس الإلهية والمعارف القدسية بصيرا بوجوه المحاججة والنظر ، خبيرا بمداراة الخاصة والعامة ، رابط الجأش عند مستن النزال ، لم ترعه الهزاهز ولم توقفه المشكلات عن كشفها ، بحبلي البرهان ولم يثنه اشح عن بذل النائل في محله اللائق ، ولم تأخذه في الله لومة لائم في إحقاق الحق وفصل الخصومات والإنتصاف للمظلومين .
 فأبو عبدالله لم يرسل مسلما إلى العراق واليا من قبله إلا وهو يعلم أنه من فقهاء بيته الهاشمي وعلماء أسرته وأتقياء فئته وساسة ذويه ومن ذوي الحنكة واللياقة من قومه ، وإنه لحري بإقامة الأمت والعوج وتثقيف الأود وتهذيب الأمة وإصلاح الفاسد ودحض الأباطيل فلا يحتاج إلى شرح ما يجب عليه من الأعمال لعقله الوافر وعلمه الغرير وسياسته الحكيمة وتحرية المصالح العامة.
 ومن هنا اقتصر الإمام الشهيد في صك الولاية على تعريف أهل الكوفة بأن مسلما أخوه وثقته والمفضل عنده من أهل بيته (6).
 ولا يرتاب الواقف على هذا الصك في أن الحسين ـ عليه السلام ـ لا يريد من الوثاقة التي حازها « مسلم » إلا تلكم الغايات الكريمة التي ألمعنا اليها وقيامه بشؤون الولاية العامة واحتوائه على مجامع الفضيلة ، ثم تلك الأخوة التي شرفه بها سيد الشهداء لا تعدو أن تكون أخوة شرف ووداد ، أخوة علم ودين أخوة سؤدد وخطر ، وأي ابن انثى يرتضيه « إمام الحق » أخاله من بين المسلمين إلا أن يكون ذلك الإنسان الكامل الذي لا يدرك شأو مجده ولا يبلغ أحد مدى عظمته ـ صلى الله عليه وعلى آبائه ـ.
____________
1) مصباح الكفعمي ص272 بمبئي ، والإقبال لابن طاووس ص533 إيران.   
2) حديث عزل أبي بكر وإرسال أمير المؤمنين مكانه في تفسير الطبري ، والدر المنثور للسيوطي ج3 ص209 ، والكشاف ج2   ص138 ، ومسند أحمد ج1 ص3 وص151 وج3 ص283 ، ومستدرك الحاكم ج2 ص331 ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص ، وكنز العمال ج1 ص247 ، وخصائص النسائي ص20 ، والرياض النظرة ج2 ص173 ، وتاريخ الطبري ج3 ص154 ، وكامل ابن الأثير ج2 ص111 ، وتاريخ الخميس ج2 ص156 ، والروض الآنف ج2 ص328.
3) الإقبال لابن طاووس ص534 وص536.   
4) التفرقة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء محمولة على الفضيلة بعد ورود الأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته بصحة الجمع بينهما في غير سفر ولا ضرورة ، رواه البيهقي في السنن ج3 ص166 من طرق أربعة ، وفي مسند أحمد ج1 ص354. قيل لابن عباس : لم جمع رسو الله بين الصلاتين ؟ قال : كي لا يحرج على أمته ، وفي المبسوط لشمس الدين السرخسي ج1 ص149 نقل عن أحمد بن حنبل جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في الحضر من غير عذر ، وروى عن ابن عباس أن رسول الله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير عذر وأجمع علماء الامامية على جواز الجمع بينهما ولو لغير عذر.  
5) تاريخ الطبري ج3 ص157 وصبح الأعشى ج10 ص9 وفتوح البلاذري ص77 وسيرة ابن هشام ج2 ص384.
6) المنتخب للشيخ الجليل الطريحي.   

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page