• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نتائـج الثـورة الحسينيـة

انبعثت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) من ضمير الاُمّة الحيّ و من وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمى الرسالة والرسول و دافع عنهما، حتى استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التأريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام و تدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى.
ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. و أهم تلك الآثار هي :
1 ـ فضح الاُمويين و تحطيم الإطار الديني المزيّف :
بفعل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تكشفت للناس حقيقة النزعة الاُموية المتسلطة على الحكم، و نسفت تضحيات الثائرين كل الاُطر الدينية المزيّفة التي استطاع الاُمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي و شيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، و يفتخر بموقفه قائلاً : أنا من عرف الحق إذ تركته، و نصح الأُمّة والإمام إذ غششته، و سمع و أطاع إذ عصيته[1].
و هذا عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ من قادة الجيش الأموي ـ يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسين (عليه السلام) حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً :
يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم و جماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، و خالف الإمام[2].
فالدين في دعوى الاُمويين طاعة يزيد و مقاتلة الحسين (عليه السلام).
ولكن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) و رفضه البيعة و تضحياته الجليلة نبّهت الاُمّة، و أوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسين (عليه السلام) يخاطبهم و يوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الاسلامي: أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها و انظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم (صلى الله عليه وآله) و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟!
هذا بالإضافة إلى كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الاُمويين ودناءتهم ودجلهم.
وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) فضح الجرائم التي ارتكبها بنو اُميّة و من ثم توضيح رسالة الإمام الحسين (عليه السلام).
إنّ جميع المسلمين متفقون ـ على اختلاف مذاهبهم وآرائهم ـ بأن الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، و أن يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.
2 ـ إحياء الرسالة الإسلامية :
لقد كان استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) هزّة لضمير الاُمّة و عامل بعث لإرادتها المتخاذلة و عامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني اُميّة و من سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً الى من يليهم من الأجيال .
لقد استطاع سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للاُمّة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسين (عليه السلام) في تحقيق هذا الهدف ؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبدالله قائلاً : من الغالب ؟ قال (عليه السلام) : «إذا دخل وقت الصلاة فأذّن و أقم تعرف الغالب»[3].
لقد كان الحسين (عليه السلام) هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته و إخراجه من معترك الحياة .
3 ـ الشعور بالإثم و شيوع النقمة على الاُمويين :
اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) و زينب بنت عليّ بن أبي طالب و بقية أفراد عائلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) التي ساقها الطغاة الاُمويون كسبايا من كربلاء الى الكوفة فالشام .
فقد وقفت زينب (عليها السلام) في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، و يبكون ندماً على ما فرّطوا و ما حصل لآل النبيّ (صلى الله عليه وآله) فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت :
أما بعد :
يا أهل الكوفة أتبكون ؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي و الله، فابكوا كثيراً و اضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها و شنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، و كيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، و معدن الرسالة و مدار حجّتكم، و منار محجّتكم، و هو سيد شباب أهل الجنّة؟».
و تكلم عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال :
أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة و قاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من اُمتي[4].
و روي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً و أكرم عبيدالله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم و وقع الخلاف بينه و بين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم[5].
ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الاُموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الاُموي الظالم.
صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الاُموي وبعده عن الرسالة الإسلامية إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة و عبر مسيرة العداء لأهل البيت النبوي(عليهم السلام) يحسبون له ألف حساب.
4 ـ إحياء إرادة الاُمّة و روح الجهاد فيها[6] :
كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، و هزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن الى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته و مواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالاُمّة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، و بأيدي و عاظ السلاطين أحياناً و اُخرى بحذقه و مهارته في المكر والحيلة.
فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسين (عليه السلام) أن لا يستسلم ولا يساوم، و أن يصرخ معبّراً عن رأيه و رغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو على الأقل برضا الجماهير.
و نجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي و إن لم يُكتب لها النجاح; إلاّ أنها توالت حتى سقط النظام. و رغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسين (عليه السلام) أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين[7] التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، و ثورة المدينة[8]، و ثورة المختار الثقفي[9] الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسين(عليه السلام) و مجازاتهم بأفعالهم الشنيعة و جرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، و ثورة ابن الأشعث، و ثورة زيد بن عليّ ابن الحسين (عليهما السلام)[10] و ثورة أبي السرايا[11].
لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد و أجّجتها، و بقي النبض الثائر في الاُمّة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أن الاُمّة الإسلامية أثبتت حيويّتها و تخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الاُمويين أسلافهم.
------------------------------------------------------------------
[1] تاريخ الطبري : 4 / 281 .
[2] المصدر السابق : 4 / 331 .
[3] حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) : 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي .
[4] حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) : 3 / 341 عن مثير الأحزان .
[5] تأريخ الطبري : 4 / 388 ، تأريخ الخلفاء : 208 .
[6] للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية ، الموقف ، النتائج ) للسيّد محمد باقر الحكيم :100.
[7] تاريخ الطبري : 4 / 426، 449 .
[8] المصدر السابق : 4 / 464 .
[9] المصدر السابق : 4 / 487 .
[10] مقاتل الطالبيين : 135 .
[11] المصدر السابق : 523 .

المصدر : أعلام الهداية


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page