طباعة

أولاًً ـ موقفه عليه السّلام من قول الناووسية بمهدويته

الفصل الخامس
موقف الإمام الصادق عليه السّلام من المهدويات الاخرى
    أولاًً ـ موقفه عليه السّلام من قول الناووسية بمهدويته :
    ادّعت الناووسية بعد وفاة الإمام الصادق عليه السّلام أنه « حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وأنه هو المهدي وسميت بذلكـ يعني الناووسيةـ لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له : فلان بن فلان الناووس » (1) وقيل أن اسمه عجلان بن ناووس.
    ولا داعي للإطالة في رد هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر ، فاندثرت فجأة ولم يبق لا أثر ، وعادت مقولتهم مجرّد حكاية في كتب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوى المهرجين والمشعوذين من هنا وهناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسّك بامثال دعوى الناووسية وغريها من دعاوى المهدية الأخرى ؛ لأنها كالقشّة في مهب الريح ، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضرّه شيئاًً. إذ لو قيل : من اعلم الناس بحياة أبي حنيفة ، ونشأته ، وتربيته ، وفقهه ، وعقائده ، وسيرته ، وعطائه ، وأصحابه ، ووفاته ، وكيفية تشييعه ، ودفنه ، ومكان قبره ، وتجديده ، وزيارته ، ومن هو خليفته من بعده ؟
    لما اختلف العقلاء في الإجابة على أن الاحناف لا سيّما كبرائهم ووجوههم وعلمائهم هم أولى الناس بمعرفة مثل هذه الأمور.
    وإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فَلِمَ لا يكون الشيعة الإمامية الاثني عشرية من أعرف الناس بأئمتهم الأثني عشر عليهم السّلام ، بل لِمَ لا يكونون من أعرف الخلق بإمامهم الصادق عليه السّلام الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف ، إذ عرف مذهب الإمامية الاثني عشرية باسم المذهب الجعفري.
    أليس من المضحك حقاً أن نرد على إجماع الشافعية على قول للشافعي ، لإنكاره من قبل أحد مغموري المعتزلة مثلاً ؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسّك بعضهم بقول الناووسية وغيرهم وترك إجماع الإمامية ! وهو ما حصل فعلاً من لدن بعض المشعوذين أخيراً !!.
    وإذا اتضح هذا ، نقول :
    كان إمامنا الصادق عليه السّلام حريصاً على رسم معالم الطريق المهدوي الحق لا للجيل الذي عاصره فحسب ، بل لأجيال الأمة كلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
    ومن هنا نجا موقفه الصريح من القول بمهدويته ، ينطلق أولاًً من النصّ الصريح الواضح على إمامة ولده موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام من بعده. مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة بكلّ قوّة وصراحة.
    فقد سأله بعضهم ، هل أنت الإمام المهدي ، وكان الإمام الصادق عليه السّلام قد تجاوز الأربعين ، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلاً : « وليس صاحب هذا الأمر من جاز الأربعين » (2).
    وأصرح منه قوله عليه السّلام : « يزعمون إني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى إلى ما يدّعون » (3) وهذا الحديث يعرب عن علمه عليه السّلام بما سيقوله سفهاء الناووسية بعد وفاته ؛ إذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.
    وسأله آخر ـ كما في رواية خلّاد الصفار ـ قائلاً : هل وُلِدَ الإمام المهديّ الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ؟ فأجابه عليه السّلام بقوله : « لا ، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي » (4).
    وأما عن النص الوارد عن الإمام الصادق عليه السّلام في إمامة ابنه الكاظم عليه السّلام من بعده ، فهو كثير ، إذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطباً لهم بقوله عليه السّلام : « الإمام من بعدي ابني موسى » (5).
    هذا فضلاً عن العلم اليقيني بوفاة الإمام الصادق عليه السّلام في المدينة المنورة ( سنة / 148 هـ ) ، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأمة بأسرها ، فكيف يكون بعد كل هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ؟.
    وإذا ما أضيف إلى هذا دوره عليه السّلام في تشخيص من هو الإمام المهدي عليه السّلام ، كما مرّ مفصلاً ، اتضح فساد مقولة الناووسية وغيرها من المقولات الزائفة على أحسن الوجوه وأتمّها.

 



 1 ـ الفرق / النوبختي : 78.   
2 ـ بصائر الدرجات : 188 ـ 189 / 56.
3 ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : 174 / 12 باب 12 أخرجه عن المحاملى في أماليه.
4 ـ كتاب الغيبة / النعماني : 245 / 46 باب 13.
5 ـ إكمال الدين 2 : 334 / 4 باب 33 ، وانظر : أصول الكافي 1 : 307 ـ 311 / 1 ـ 16 باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى عليه السّلام ، من كتاب الحجّة.