طباعة

20 ـ طول الغيبة والعمر



20 ـ طول الغيبة والعمر
وأمّا تعجبهم من طول بقائه وعمره فالكلام عليه أن نقول: التعجب من طول العمر أما أن يكون من حيث اعتقاد المتعجب أنّ ذلك مستحيل وهو غير مقدور، وإما ان يكون من حيث كونه خارقاً للعادة.
اما الأول فهو قول الدهرية والطبائعيين الذين لا يقرون بالصانع المختار العالم، ويكذبون بما جاء في القرآن من قوله في نوح: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً)، وفي اصحاب الكهف: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين...)، وبما هو مشهور بين الأمة من قصة المعمرين من الأنبياء والحكماء والملوك وغيرهم.
وأما الثاني وهو أنه خارق للعادة فلا شك فيه، ولكنا قد بينا في الكلام في النبوة أنّ خرق العادة في حق غير الأنبياء جائز حسن، وأنه ليس فيه وجه قبح، ويوافقنا على ما ذكرناه الصوفية، وأصحاب الظاهر والأشعرية... والتعجب من طول استتاره وغيبته وعدم العثور على مستقره فمما لايصح التمسك به في إبطال وجوده... أليس الخضر موجوداً قبل زمن موسى وإلى وقتنا هذا باجماع أهل النقل واتفاق أهل السير والأخبار؟... فإنّ الامة مجمعة على بقائه ولا يراه أحد ولا يعرف مكانه...وكان من قصة يوسف وغيبته عن ابيه واخوته وذويه... وغيبة يونس نبي الله عن قومه وفراره منهم... وأمر أصحاب الكهف... وقصة الحمار الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها.
ثم وكم من الأمور العجيبة التي يعتقدها من دان بالاسلام وأقرّ به ممّا لم ير نظيره ولم يعتد مثله كرفع عيسى وإسراء نبينا... فليس ما نقوله ونذهب إليه في الغيبة بأعجب منها.
ثم وإني أقول: إن استبطاء خروج صاحب الزمان وظهوره والتمسك به واتخاذه وحده طريقاً الى نفي وجوده يشعر باعتقاد نفي القيامة والبعث والنشور، وذلك لأنّ الاستبطاء في ذلك أعظم وأكد وأكثر من حيث أنّ جميع الأنبياء كانوا ينذرون أممهم بالقيامة... وبعد لم تقم القيامة الى الآن... فإن كان مجرد تأخر خروج صاحبنا عليه السلام واستبطاء القوم ظهوره طريقاً إلى نفيه فتأخر القيامة واستبطاء الخلق ظهورها وقيامها أولى بأن يتخذ طريقاً الى نفيها. (الرازي ـ المنقذ 2: 398 ـ 401).
وأما طول حياته فمما لا يتعجب منه لأنّ هذا الإنكار إمّا أن يكون ممن يثبت قدرة الله أو ممن لا يثبتها، فمن أثبتها إن شك في أنّ الله تعالى قادر على إبقائه أحداً مع أنه قادر على جميع المقدرات، فهو كمن شك في أنّ الله تعالى عالم بجميع الجزئيات مع أنّه عالم بجميع المعلومات، وأن كان لا يثبته قادراً على ذلك فالكلام معه لا يكون في الإمامة والغيبة ولكنه في كونه تعالى قادراً، ومن ثم الى بون بعيد، فعلمنا أنّ ذلك غير منكر. (محمد بن سعيد الراوندي ـ عجالة المعرفة: 40 ـ 41).
وأمّا استبعاد الخصم بقاء مثل هذا الشخص هذا العمر فضعيف لانه لا شك في إمكانه، والوقوع مستفاد من الأدلة التي ذكرناها، وكيف يستبعد ذلك مع ما وجد في قديم الزمان من تطاول الاعمار أضعاف ذلك، لا يقال: استتاره مفسدة لا يجوز فعلها من الله تعالى ولا منه لعصمته فهو غير موجود، لأنّا نقول: لا نسلم أنّ استتاره مفسدة بل فيه مصلحة خفية لا نعلمها نحن، إمّا من الخوف على نفسه أو لأمر آخر غير معلوم لنا على التفصيل. (العلامة الحلي ـ مناهج اليقين: 482).
وأمّا الاستبعاد ببقاء مثله فباطل، لأن ذلك ممكن خصوصاً وقد وقع في الأزمنة السالفة في حق السعداء الاشقياء ما هو أزيد من عمره عليه السلام. (مقداد السيوري ـ شرح الباب الحادي عشر: 52).
أما استبعاد طول حياته فجهالة محضة، لأن طول العمر أمر ممكن بل واقع شايع كما نقل في عمر نوح ولقمان وغيرهما، وقد ذهب العظماء من العلماء الى أنّ أربعة من الأنبياء في زمرة الأحياء خضر والياس في الارض، وعيسى وادريس في السماء، على أن خرق العادة جائز اجماعاً سيما من الأولياء والأوصياء. (ابن مخدوم ـ شرح الباب الحادي عشر: 205).
إن الله اخبر عن عمر نوح،... فهل يعجز الله أن يبقى انساناً طويل العمر مضافاً الى أن الرسول قال ذلك. (مؤتمر علماء بغداد: 196)